‏إظهار الرسائل ذات التسميات جاستا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جاستا. إظهار كافة الرسائل

05/10/2016

نهاية مبدأ السيادة الوطنية


 قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي أصدره الكونغرس الامريكي الاسبوع المنصرم ، يمكن النظر اليه من زوايا عديدة ، سياسية وقانونية. الا ان اهميته تكمن في تشريعه لواحد من أبرز التحولات في النظام الدولي ، الا وهو الغاء ، أو على الاقل تهميش مبدأ السيادة الوطنية للدول.
يمثل هذا المبدأ ركنا أساسيا لنظام العلاقات الدولية. وهو يستهدف بشكل مباشر الحيلولة دون حل النزاعات بالقوة ، من خلال ضمان المجتمع الدولي لحدود كل عضو من أعضائه وسيادة حكومته على اراضيها. هذا يعني بصورة محددة التزام الدول الاعضاء باحترام ما تقتضيه سيادة كل منها على أرضها ، بما فيها مثلا الامتناع عن القيام بالاجراءات الامنية والقضائية التي تنطوي على مزاحمة للدولة التي يقيمون على ارضها.

توافق العالم على هذا المبدأ ومجموعة المواثيق والاتفاقيات التي يتألف منها القانون الدولي ، يعبر بجلاء عن نضج البشرية وعقلانيتها ، وقدرتها على حل مشكلاتها عن طريق الحوار بدل الحرب.
وفقا للقانون الدولي فان القضاء المحلي في اي دولة لا يستطيع محاكمة الدول الاخرى ، سواء في الاعمال التي تقوم بها اجهزتها الرسمية او يقوم بها مواطنوها من دون تكليف رسمي. لان ولاية القضاء الوطني محدودة بالحدود الاقليمية للدولة. وهذا هو سر الضجة التي اثارها اصدار القانون المعروف بجاستا. فهو يمدد ولاية القضاء الامريكي الى كل مكان في العالم ، ويمكنه من الزام الحكومات الاجنبية بتحمل مسؤولية الاعمال التي يقوم بها اي من مواطنيها ، بغض النظر عن كونه مفوضا من جانبها او متمردا عليها.
معلوم ان الولايات المتحدة والكثير من دول العالم الاخرى تقوم دائما بتجاوز سيادة الدول ، بما فيها ابرز حلفائها. ولعل القراء يتذكرون النقد العلني الذي وجهته مستشارة المانيا الاتحادية الى واشنطن منتصف العام الماضي  بعدما انكشف تجسس المخابرات الامريكية على هاتفها. وقد كشف النقاب يومها عن تورط الامريكيين في التجسس على رؤساء فرنسا ووزرائها وزعماء دول اخرى ، بمن فيهم رئيسة البرازيل السابقة ، التي الغت رحلة مقررة الى واشنطن في  2013 بعد انكشاف التجسس الامريكي على مكتبها.  
اقول ان الولايات المتحدة اعتادت خرق سيادة الدول الاجنبية ، وهذا امر معروف في الماضي والحاضر. لكن ما يجعل قانون "جاستا" استثنائيا هو انه أعتبر هذا الخرق "حقا قانونيا" ليس فقط للحكومة الامريكية ، بل وحتى للمواطنين العاديين. وهذا يعني – من جهة – ان اي مواطن امريكي يستطيع الادعاء على الدول الاجنبية. كما يشكل سابقة قانونية وسياسية ، يمكن للدول الاخرى ان تحتذيها بتشريع قوانين مماثلة ، تسمح بالادعاء على الولايات المتحدة او غيرها. الامر الذي يغير كليا جوهر نظام العلاقات الدولية ، الذي كان متعارفا حتى اليوم.
هناك بالطبع اجراءات انتقامية يمكن للدول المتضررة اتخاذها لمواجهة القانون الامريكي. لكن الاستقرار والسلام العالمي يتطلب اجراءات اكثر جذرية. ومن بينها في رايي دعوة الامم المتحدة ودول العالم جميعا لاعادة تاكيد مبدأ السيادة الوطنية وحق كل دولة في رفض اي اجراء انفرادي يؤدي لتجاوز المبدأ من جانب الدول الاخرى. كما قد يتطلب الامر مراجعة المواثيق الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول ، لملء الثغرات والنواقص التي استدعت قيام واشنطن او غيرها باجراءات من جانب واحد. لقد تغير العالم في العقود الثلاثة الاخيرة على نحو يستدعي تطوير القانون الدولي الذي يرجع في معظمه الى منتصف القرن العشرين. واظن ان الدول الصغرى هي الاكثر حاجة الى هذه المراجعة.
الشرق الاوسط 5 اكتوبر 2016    http://aawsat.com/node/753351

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...