‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطائفة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطائفة. إظهار كافة الرسائل

09/04/2013

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة



ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن المجتمعات التقليدية أميل إلى تشكيل علاقاتها الداخلية على أساس رابطة موروثة كالنسب والعرق والدين، وهي عوامل ثابتة وطويلة الأمد، بينما يميل أعضاء المجتمعات الحديثة إلى التآلف على أساس المصالح والتفاهمات وتوافقات الأفكار، وهي غالبا مؤقتة أو متغيرة. نحن إذن نتحدث عن نظام علاقات جامد نسبيا مقابل نظام مرن ومتحول.
اتفق معظم الباحثين على أن مخرجات الاقتصاد الحديث، ولا سيما التعليم والإعلام والتحضير، تسهم في تشكيل ذهنية جديدة، تنتج نظام علاقات جديدا، لكن الدكتور محمد الرميحي، المفكر الكويتي المعروف، لاحظ أن انتشار التعليم لم يؤد هذه الوظيفة في العالم العربي، ولا سيما في منطقة الخليج، التي تشهد عودة شبه جماعية لإحياء وتضخيم روابط اندثرت أو نسيت. ثمة آلاف من الناس لم يعرفوا شيئا من تاريخ قبائلهم وطوائفهم وعائلاتهم، ولم يكن انتماؤهم إليها سوى ذكريات باهتة. أما اليوم فثمة جريدة إلكترونية وصندوق خيري ومجلس أعيان لكل قبيلة وفخذ وطائفة وقرية. وثمة اهتمام باستذكار تاريخها، وإعادة تصويرها كجماعة عابرة للزمان والمكان.
عالج هذه الإشكالية بنديكت أندرسون في كتابه المرجعي ''مجتمعات متخيلة''، حين قرر أن انتشار الطباعة يسهم فعليا في خلق هويات جديدة وترميم هويات مندثرة. لم يكن الإعلام الجديد والإنترنت متوافرا يوم صدر الكتاب، لكن أندرسون انطلق من حاجة الناس إلى مبرر للتجمع والانتظام.
يحتاج الفرد إلى تحديد علاقته مع العالم المحيط، أي فهم ذاته كجزء من المكان الذي يقف فيه. الإنسان - ببساطة - يحتاج إلى أن يكون منتميا، عضوا في جماعة، وليس نقطة هائمة في محيط. هذه الحاجة تدفعه للتفكير في الإطارات التي يراها أمامه. حين يجد حزبا أو مجموعة مصالح أو جمعية حرفية أو حلقة نشاط فكري أو منظمة للخدمة العامة، فربما يميل إلى الانخراط فيها، ويعيد بناء هويته وانتمائه على أرضية العلاقة مع أعضائها. وحين لا تتاح هذه الروابط فسيتجه إلى الإطارات الموروثة، كي يعيد تخليقها وتشكيل صورتها الذهنية.
الدافع في كلتا الحالين هو الحاجة إلى الانتماء. حقيقة الانتماء ليست أكثر من صورة ذهنية عن ''جماعة متخيلة''. الفارق بين الحالين هو أن الروابط الموروثة طويلة الأمد، لذا فإن تصنيفها للأعداء والأصدقاء يميل إلى الجمود. إنها بعبارة أخرى ''سور'' بين داخل الجماعة وخارجها. بخلاف الروابط الحديثة، التي تتميز بأنها مرنة وقصيرة الأمد، وبالتالي فإن فكرة العدو والصديق فيها، مرنة ومؤقتة هي الأخرى.
التأزمات الاجتماعية والنزاعات المزمنة، علاجها الوحيد تشجيع الروابط الحديثة على حساب الموروثة. وفيما يخص بلدنا فإن إصدار نظام الجمعيات الأهلية والدعم الرسمي لمنظمات المجتمع المدني، يمثل حاجة ماسة إلى تدوير الزوايا الحادة، وإعادة ترتيب العلاقة بين الهوية الوطنية والهويات الفرعية التي تتضخم باستمرار.
الاقتصادية الثلاثاء 28 جمادى الأول 1434 هـ. الموافق 09 إبريل 2013 العدد 7120

مقالات ذات صلة





01/08/2006

ضرورة التنمية السياسية


قطعت البحرين والكويت خطوات طيبة في طريق التنمية السياسية. وتحتاج دول الخليج الاخرى لتسريع الخطى في نفس السبيل. صحيح ان البلدين لم يصلا بعد الى مستوى الديمقراطية الكاملة ، لكن الامور نسبية. ما اريد الاشارة اليه هنا يتعلق تحديدا بتحديث النظام الاجتماعي ولا سيما الثقافة والقيم المؤسسة لمجتمع سياسي ديمقراطي. وهي غاية يمكن ان تمثل نقطة التقاء لقادة المجتمع والسياسة ، سواء اولئك الذين يرون في الديمقراطية نظاما امثل لادارة الحياة العامة ، او نظراؤهم الذين لا زالوا مؤمنين بالنظام الابوي ومحورية الدولة. 
ارتبطت فكرة التنمية منذ تبلورها بفكرة التحديث. فعلى الرغم من تمايز الفكرتين على المستوى المفهومي ، الا ان الميل الغالب بين منظري التنمية ينحو صوب الربط العضوي بينهما على المستوى الوظيفي ، بحيث يمكن القول ان معظم التعريفات المتداولة توحي بان التنمية في شتى صورها هي طريق للتحديث. لهذا السبب ايضا اصبح ممكنا تمييز مسارات فرعية عديدة ضمن اطار المفهوم العام للتنمية . جربت مجتمعات الخليج جميعا مسار التنمية الاقتصادية واكتشفت فوائده. واظن انها تتفق اليوم على ان نظام الاقتصاد الحديث – رغم نواقصه – اقرب الى روح الانسان وتطلعاته واقدر على ضمان مستوى العيش الذي يليق به. 

الذين جربوا التنمية السياسية اكتشفوا ايضا ، او سيكتشفون ، ان نظاما سياسيا حديثا سيكون اقدر على تحقيق انسانية الانسان وتمكينه من التعبير عن جوهر وجوده. لكن من الواضح ان التنمية السياسية لا تزال موضع ارتياب من جانب السياسيين لان تحقيقها يتطلب تخليهم عن مكاسب او امتيازات او طريقة في العمل اعتادوا عليها لزمن طويل.

اذا اخذنا بعين الاعتبار الكلفة التي يدفعها اصحاب القرار (ونعرف انهم مترددون في قبولها حتى الان) ، فان المسار الثالث للتنمية ، اي تحديث النظام الاجتماعي ، لا ينطوي على عبء كبير ، رغم ان ثمراته لا تقل عن ثمرات التحديث الاقتصادي. ولهذا السبب اشرت سلفا الى انه يمكن ان يشكل نقطة التقاء للمطالبين بالاصلاح في المجتمع واصحاب القرار المترددين ازاء التحديث السياسي ولا سيما الجزء الجوهري منه ، اي الديمقراطية.

مضمون التنمية الاجتماعية هو اعادة تنظيم شبكة العلاقات الداخلية للمجتمع وعلاقته مع الدولة وادائه الثقافي والاقتصادي وتطلعاته السياسية. اما غرضها فهو تمكين المجتمع من التفاعل مع مسارات التحديث الاخرى ، سواء في قطاع الاقتصاد ، او الادارة الرسمية او القانون او غيرهم ، وبطبيعة الحال الاستفادة من الفرص الجديدة التي توفرها هذه التغييرات. من الناحية الفعلية فقد ثبت ان التحديث الجزئي ، اي تحديث الاقتصاد بمفرده او تحديث القانون او الادارة الرسمية بمفردهما هي امور ممكنة ، خلافا للاعتقاد الذي ساد في بعض الاوقات بان اجتزاء التنمية سيؤدي الى فشلها. لكن من الانصاف ايضا القول بان التنمية الجزئية تخلف تشققات في النظام الاجتماعي غالبا ما ترتد على شكل تفكك وانهيار لمنظومات القيم الناظمة للعلاقات الاجتماعية ، وبالتالي تأزم النظام الاجتماعي وتدهور العلاقة بين المجتمع والدولة.

 ما نراه في الحياة السياسية الخليجية من ميل مفرط للمنظومات الاجتماعية القديمة مثل العشيرة والقبيلة والطائفة وما نراه احيانا من ظهور غير مبرر للثقافة الخرافية والانعزالية ، يرجع في ظني الى تلك التشققات التي تركت من دون علاج. قد نذهب الى مدى ابعد على المستوى النظري فنقول ان هذه المشكلات هي تعبير عما يسميه الباحثون بالاغتراب الاجتماعي ، اي انقطاع الصلة الروحية او الثقافية بين الافراد (او الكتل الاجتماعية) وبين منظومات العمل التي خلقتها الحداثة في مجال معين مثل الاقتصاد. لكن التنمية الاجتماعية تتطلب ما هو اكثر من علاج هذا الاغتراب. نحن بحاجة في حقيقة الامر الى صياغة اجماع جديد بين اعضاء المجتمع من جهة ، وبينهم وبين النخبة السياسية من جهة اخرى ، على نظام الحياة الذي يحقق آمالهم.

 في هذا السياق فان اعادة تشخيص مكانة الفرد كفاعل مستقل في النظام الاجتماعي تحتل في تقديري المرتبة الاولى من الاهمية. يقوم مفهوم الحداثة على الربط بين قيمة الفرد وكفاءته ، وبين مكانته والدور الذي يؤديه فعليا. خلافا للنظام القديم الذي يربط بين قيمة الفرد وانتمائه ، او بين مكانته وصفته. ويأتي بعد ذلك الفصل بين شريحتين من الحقوق الضرورية للفرد ، اي الحقوق الطبيعية التي يجب ان يتمتع بها باعتباره انسانا ، والحقوق المدنية التي يتمتع بها باعتباره مواطنا.

في مثل مجتمعاتنا التقليدية ، فان حقوق الافراد وحرياتهم تعتبر غالبا "منحة" يقدمها المجتمع او الدولة كمكافأة للفرد على ادائه للواجبات الاجتماعية. وهذا المفهوم قد يكون مقبولا – رغم انه غير مبرر تماما – حين يتعلق الامر بالحريات المدنية ، اي تلك التي يتمتع بها في ظل القانون . لكن من الخطأ الرجوع الى نفس المفهوم حين يتعلق الامر بالحقوق الطبيعية التي ينبغي ان تكون سابقة للقانون والمواطنة بل وحاكمة على اي قانون .

 اعتقد انه ينبغي على المجتمع والدولة التوافق على ان المساواة وحرية التفكير والتعبير والاعتقاد والتملك هي حقوق للفرد بما هو انسان وبغض النظر عن اي قانون او سياسة او علاقة . يمكن لتوافق من هذا القبيل ان يرسي اساسا متينا لاجماع وطني جديد . وثمة خطوات ضرورية لجعل الاجماع الجديد فعالا ومحسوسا ، ربما نعود اليها في مقالات قادمة . لكن خلاصة ما اردنا التاكيد عليه هنا هو ان التنمية الاجتماعية ، بمعنى اعادة تنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية تمثل حاجة ماسة لتعزيز مسارات التحديث الاخرى ومعالجة المشكلات التي يمكن ان تنتج عنها ، وهي علاوة على فوائدها ، قليلة الكلفة ، كما ان انجازها ممكن حتى لو تاخرت التنمية السياسية .
مقالات ذات علاقة 

14/03/2006

حزب الطائفة وحزب القبيلة




تعقيبا على مقال الاسبوع الماضي ، كتب لي احد الزملاء قائلا ان الحزب السياسي ليس مفيدا في المجتمعات العربية ، لان نظامها الثقافي والعلائقي لايسمح للحزب بدور كالذي نعرفه في المجتمعات المتقدمة . وبالتالي فان الكلام عن تدريب النخبة والتاثير في الحياة السياسية عن طريق الحزب هو كلام غير واقعي .

هذا الراي ليس جديدا فقد لاحظ باحثون غربيون منذ منتصف القرن الماضي ان كثيرا من احزاب  العالم الثالث هي مجرد صور "حديثة" عن التكوينات الاجتماعية القديمة ، الطائفية او القبلية او الاثنية . وينطلق هذا الراي من مراقبة واقعية لعمل الاحزاب في المجتمعات التقليدية او تلك التي تمر في مرحلة الانتقال نحو الحداثة . لكنه لا يقدم صورة كاملة عن واقع تلك الاحزاب او المجتمعات.
لكي نفهم الدور الممكن للحزب فاننا بحاجة الى فهم الهوية الاجتماعية التي يمثلها . كل مجتمع ، في اي بقعة من العالم ، هو تركيب من مجموعة كتل ، تتمايز عن بعضها بهوية موروثة مثل الدين او العرق ، او هوية مكتسبة مثل المصلحة او الايديولوجيا . تتضح اهمية هذا التقسيم بالنظر الى مكانة الفرد وقدرته على اختيار نوعية حياته . اذا قام النظام الاجتماعي على اساس الهويات الموروثة ، فان حدود حركة الفرد والمجالات المتاحة له ، تتحدد من قبل ان يولد. في لبنان مثلا ، لا يستطيع المسلم ان يسعى الى رئاسة الجمهورية ولا يستطيع السني ان يسعى الى رئاسة البرلمان او الشيعي الى رئاسة الوزراء ، بغض النظر عن مؤهلاته او قوته السياسية ، لان النظام ربط هذه المواقع بهوية موروثة وليس بكفاءة الافراد او جنسيتهم الوطنية .

خلافا لهذا ، فان قيام العلاقة على اساس الهوية المكتسبة سوف يوفر مظلة لجميع لافراد من مختلف الكتل الاجتماعية للسعي المشترك نحو مصلحة حاضرة ، لا علاقة لها بانتماءاتهم الجبرية او بارث الاموات . يمكن اذن تصور التقسيم الاجتماعي على واحد من نسقين : نسق عمودي يضم الهويات الجبرية او الموروثة ، ونسق افقي يضم الهويات الاختيارية او المكتسبة . من الواضح – نظريا على الاقل – ان قيام النظام الاجتماعي على الاساس الثاني هو الفرصة الوحيدة التي تسمح بمنافسة بين الافراد تعتمد اولا واخيرا على مؤهلاتهم وانجازاتهم الفردية . وحينئذ فان الفرد القادم من قبيلة صغيرة او طائفة محدودة العدد او من اقلية عرقية ، مثل الفرد الذي ينتمي لاكثرية دينية او عرقية او قبلية ، سيكون قادرا على التنافس على اي منصب في الدولة او مكان في المجتمع ، وسيكون جواز مروره الوحيد هو كفاءته الشخصية وليس هويته الموروثة. 
من نافل القول ان افضل المجتمعات واقدرها على التقدم ، هي تلك التي تسمح بالمنافسة المتساوية على اساس الكفاءة.

 ولا شك ان اعتبار الكفاءة معيارا اساسيا لنيل المناصب هو الطريق لاجتثاث التوترات الاجتماعية ودفع القوى الاجتماعية للخروج من شرنقة الطائفة او القبيلة . دعنا نتصور ان جمعية سياسية في بلد مثل البحرين اشترطت ان تتالف قيادتها من طيف متنوع فيه المراة والرجل ، الشيعي والسني ، المتدين والعلماني ، الحضري والقبلي . حينئذ سوف نجد عند هذه الجمعية خطابا سياسيا مختلفا ، وسوف نجد اولويات عمل مختلفة ، كما سنجد ان عملها لا ينحصر في منطقة دون اخرى او نطاق اجتماعي دون آخر. رد فعل الشارع على هذا التكوين سيكون مختلفا هو الاخر ، اذ ان كل فرد على امتداد البلد سيجد فيها فرصة للتعبير عن ارادته او نيل تطلعاته .

صحيح ان المجتمعات العربية لا زالت منحازة الى هوياتها الموروثة ، لكن هذا ليس وضعا نهائيا ، بل هو تعبير عن حداثة التجربة السياسية ، وقلة الشعور بالامان . ومن هذه الزاوية فان الرهان على مستقبل افضل هو رهان جدي وينطوي على احتمالات لا يستهان بقوتها .

تدل التجربة الفعلية للعالم العربي ان احزاب الطوائف والقبائل قد ساهمت في تعزيز الانقسام الاجتماعي ، وساهمت احيانا – ربما عن غفلة – في احياء نقاط توتر كانت قد ماتت ، في سبيل الحصول على المزيد من التاييد . وفي ظني ان هذه مرحلة لا مفر من المرور بها قبل نضج التجربة والانتقال من صورة حزب الطائفة او القبيلة الى حزب الوطن . لكن الامر الجدير بالاهتمام في كل الاحوال هو نقد هذه التجربة والتركيز على مرحليتها وضرورة تجاوزها في وقت معلوم . لا يمكن للقبيلة او الطائفة ان تتجاوز حدودها لانها في الاساس قامت للحفاظ على تلك الحدود .

خلافا لذلك فان معظم الاحزاب العربية – الاسلامية والعلمانية – تنكر ان هدفها هو المحافظة على تلك الحدود ، حتى لو كانت قد قامت اصلا في داخلها . واظن ان قادة هذه الاحزاب يشعرون بالحرج لانحصارهم هناك ، حتى لو كانوا مستفيدين منها.  يقدم مثال الهند دليلا على قابلية الحزب لاختراق حدود الطائفة والقبيلة ، فرئيس الجمهورية الحالي مسلم ، ورئيس الوزراء سيخي ، وينتمي كلاهما الى حزب المؤتمر الذي يملك الغالبية في البرلمان . يمثل السيخ اثنين في المائة والمسلمون ستة عشر في المائة من الشعب الهندي ، اي ان المنصبين الرئيسيين في البلاد قد منحا لرجلين يمثلان اقل من خمس السكان ، وقد وصلا الى هذه المكانة باصوات اكثرية من النوب الهندوس الذين تتجاوز نسبتهم سبعين بالمائة من السكان ومن اعضاء البرلمان . مثل هذا الانجاز المثير اصبح ممكنا بفضل وجود حزب يتخذ الهويات المكتسبة معيارا وحيدا للتقدم . ولو كان المعيار هو الهوية الموروثة ، لكان من المستحيل ان يصل مسلم او سيخي الى اي منصب في تلك البلاد.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...