‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجيال. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجيال. إظهار كافة الرسائل

24/11/2021

هكذا نتغير... مختارين او مرغمين

 

سألني احد الاعزاء عن تأثير التكنولوجيا على الهوية الفردية: ماهي طبيعة هذا التأثير وكيف يحدث ، وهل لنا يد في تحديد اتجاهاته وانعكاساته.

وكنت قد لاحظت في كتابة سابقة ان هذه المسألة تعامل بنوع من الاستخفاف. ولذا فهي لا تدرس بعناية ، ولا تعامل من جانب الباحثين المحليين كتحد جدي أو داهم. هناك أيضا من يحصر المسألة في تأثر الشباب بسلوكيات المجتمعات التي يتواصلون معها ثقافيا ، من خلال الانترنت او الاعلام المرئي او السفر ، ولا ينظر الى التحول الذهني الذي يحفر في العمق .

حسنا. دعنا نضع النقاط على الحروف: من حيث المبدأ نحن لا نتحدث عن تطور تكنولوجي منفرد ، او معزول في جوانب معينة من الاقتصاد. صحيح ان علاقتنا بالتقنية مقصورة على استعمال منتجاتها ، فنحن لا نشارك في انتاجها أو تطويرها. مع ذلك فان هذا الاستعمال لا يجري في فراغ ، بل هو جزء من نمط معيشي/ اقتصادي جديد ، وهو يشير الى قدر من المعرفة بطبيعة هذه التقنية وحدودها ، واستعداد (نفسي) للتنازل عن التزامات ، كانت تبدو في الماضي ضرورية جدا. ومثالها البسيط هو تقبل امتلاك الشاب والفتاة لهاتف خاص لا يخضع لرقابة العائلة ، وهو أمر لم يكن متاحا في الماضي ، سيما بالنسبة للفتيات (الواقع انه لا زال مشكلة وسببا للنزاع في وسط العائلات الاشد تحفظا).

زبدة القول ان التقنية لا تأتي منفردة. فهي تعبير عن تحول حدث فعلا في نفس صاحبها او مستعملها. الى ذلك فهي تفتح الباب امام فرص جديدة ، اي تحولات أخرى ممكنة. ان الذي أمامنا ليس مجرد "شيء" او "سلعة" بل رمز لخيارات حياتية مختلفة عن خيارات آبائنا. الواقع ان آباءنا لم يرفضوا هذه الخيارات ، ولا نعلم كيف سيكون موقفهم منها ، فهم لم يعرفوها ولا هي فرضت نفسها على حياتهم ، كما جرى لنا.

التكنولوجيا تغير صلب حياتنا. فهي تؤثر بعمق على مصادر المعيشة وعلى طريقة العيش ، كما تلغي مصادر للمعرفة اعتدنا عليها ، وتستحدث مصادر جديدة. هذا يعني – ضمنيا - انها تقطعنا عن أفق تاريخي كنا جزء منه ، وتعيد وصلنا بآفاق جديدة مختلفة. نحن إذن نتحدث عن تطورات متوازية ، تنعكس – قسرا – على حياة كل فرد فيتغير موقعه من الخريطة الاقتصادية للبلد ، لكنه قبل ذلك يغير رؤيته لنفسه وطريقة عيشه ، ويتحقق هذا التغير من خلال مقارنة بين ذاته السابقة وذاته الراهنة ، وعلاقة كل منهما بالأشخاص الآخرين الذين يعرفهم او يسعى للتعرف عليهم.

 انظر الى نفسك والى الاشخاص الذين تتعامل معهم اليوم ، كيف كنتم قبل 30 او 40 عاما: اعمالكم ، مصادر عيشكم ، نطاق علاقاتكم الاجتماعية ، ثقافتكم ، علاقتكم مع آبائكم واخوانكم ، تطلعاتكم ، رؤية كل منكم لنفسه وللعالم المحيط. كل من هذه العناصر يساهم في تشكيل ذهن الانسان ،  أي تشكيل شخصيته او هويته.  

قارن بين اعضاء الجيل الذي تنتمي اليه ، والجيل التالي لكم: الفوارق في مصادر الدخل والقيم الاساسية ، وفي التفكير والتطلعات والمخاوف ، وفي سرعة الانتقال بين الافكار والقناعات.

الفوارق بين الجيلين تعكس التحول في العوامل المؤلفة للهوية ، اي العوامل التي تؤثر في فهم الشخص لنفسه وعالمه.

زبدة القول ان تحول التقنية والاقتصاد يغيرنا بعمق ، لكن ببطء. وهو يحدث لأننا اخترنا الانضمام الى العالم الجديد ، بما فيه من اقتصاد وتقنية ومعارف وقيم.

الشرق الاوسط الأربعاء - 19 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 24 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [15702]

https://aawsat.com/node/3321556/

مقالات ذات صلة

الفقر والإحباط والغضب

فلان المتشدد

استعادة الايمان بالذات

اعادة بناء القرية .. وسط المدينة

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

الحق أولا

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

شغب الشباب في اليوم الوطني

صناعة الشخصية الملتبسة

غلو .. ام بحث عن هوية

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

المدرسة وصناعة العقل

المدرسة ومكارم الاخلاق

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

من جيل الى جيل

نقد مقولة التغرير

وعي المستقبل

 

15/06/2009

طريق التقاليد



معظم المجتمعات التي سعت لتحديث نظامها الاقتصادي شهدت صراعات داخلية شديدة بين المحافظين الذين يدعون للتمسك بالتقاليد الموروثة والحداثيين الذين يرونها عقبة في طريق التطور المادي والثقافي. وأظن أن إنكلترا هي البلد الذي شهد أشد هذه الصراعات دموية، فقد تحول الجدل إلى حرب أهلية دامت بضع سنين. وشهدت فرنسا في وقت متأخر نسبيا، في العام 1968، ما أطلق عليه وقتها «ثورة الطلاب» واعتبره الاجتماعيون مثالا على انتفاضة الأجيال الجديدة ضد التنظيم الاجتماعي التقليدي. وفي دول أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية وحتى اليابان، مرورا بدول أوروبية وآسيوية وعربية، شهدت المجتمعات صراعات واسعة أو محدودة، دافعها الأساس هو تمرد الجيل الجديد على تنظيمات اجتماعية ضيقة الأفق
أصبح هذا التحدي أكثر جدية منذ أواخر القرن العشرين، وهو يزداد حدة مع مرور الوقت، لأن الأجيال الجديدة تزداد قوة وجرأة، كما إن الفوارق بينها وبين الأجيال السابقة تزداد سعة وعمقا، بسبب التقدم التكنولوجي الذي وفر للشباب عناصر قوة إضافية، أبرزها المعرفة والقدرة على المقارنة وابتكار الحلول. قلت لابني يوما إن راتبه الشهري اليوم يعادل دخلي السنوي حين كنت في مثل عمره، وأعلم جيدا أن بقية الأولاد قادرون اليوم على الوصول إلى مصادر معلومات لم نكن نتخيلها قبل ثلاثين عاما، فضلا عن أن نصل إليها. بعبارة أخرى فإن ما يطلبه شبابنا اليوم يتجاوز كثيرا جدا ما كنا نطلبه حين كنا في مثل أعمارهم، لأن قدراتهم أكبر ولأن المساحات التي يستطيعون الوصول إليها أوسع وأبعد. وسيكون للجيل الآتي تطلعات ومطالب أكثر من تلك التي عند شباب اليوم


يمكننا ببساطة أن ندير ظهرنا لهذه المطالب ونعتبرها نزقا طفوليا، وربما نجد وسيلة لإقناع الشباب بالسكوت والانتظار. لكن الأمور لا تحل بهذه البساطة. حتى لو استمع الشباب إلى نصائحنا واعتذاراتنا، فإن محرك التحدي يظل فعالا في داخلهم، وهو سيعود إلى النشاط والتعبير عن ذاته غدا أو بعد غد
إهمال التحدي لوقت طويل يشدد الميل للمنازعة في نفوس الشباب. ويتجلى هذا الميل في صورة إنكار للنظام الاجتماعي والقيم التي يقوم عليها. ويتمظهر عادة في صورة سخرية من التقاليد والأعراف السائدة. وفي مراحل متقدمة، يمكن أن يتطور هذا الميل إلى تعبيرات مادية عنيفة أو لينة تندرج إجمالا تحت عنوان الخروج على القانون


الإهمال هو خيار الخسارة، رغم أنه يبدو سهلا وغير مكلف ــ في بدايته على الأقل ــ، الحل السليم ــ مهما كان مكلفا ــ هو استيعاب الجيل الجديد بمطالبه وتطلعاته. طريق الاستيعاب يبدأ بتقبل فكرة التخلي عن بعض الأعراف والتقاليد الموروثة، ثم إعادة إنتاج تقاليد جديدة تتناسب مع حاجات المجتمع الجديد وظروفه المادية والثقافية. في هذا السياق نتحدث عادة عن مثال اليابان التي نجحت في الجمع بين التقاليد الموروثة وبين الحداثة. لكن ينبغي أن لا نخدع أنفسنا، فالذي فعله اليابانيون هو إعادة إنتاج تقاليدهم بما يحافظ على الشكل القديم لكن مع تحديث المضمون. يمكن تطبيق المقولة نفسها على إنكلترا والهند والولايات المتحدة وكثير من الدول الأخرى التي أعادت إنتاج تقاليدها بمضمون جديد. المحافظة على الشكل الخارجي للتقاليد ليس أمرا سيئا، بل ربما يكون ضروريا لتأمين قدر من الاطمئنان والتواصل الثقافي مع التاريخ. لكن الحياة تتطلب ــ بنفس المقدار ــ تقاليد تتناسب مع ظرف الحياة الراهن


نحن بحاجة إلى التحرر من التقاليد المعيقة، لا سيما تلك التي تفرض علينا منظورات وتصورات قديمة عن الحياة والعالم، كما تفرض علينا قيما وأحكاما تعيق طموحنا إلى مكان يتناسب مع واقعنا وقدراتنا وحاجات عصرنا. قد يكون أمرنا سهلا لأن جيلنا استسلم لأقداره وقبل بما وجد أمامه، لكني أخشى حقا أن الجيل الذي بعدنا ليس بنفس السهولة أو القابلية للاستسلام

عكاظ 15 يونيو 2009

14/02/2004

انهيار الاجماع القديم


يمكن تلخيص مضمون التغيير التي طرا على المجتمع تحت عنوان "ظهور الفرد" . لو تاملنا في المنظومة الثقافية التي سادت مجتمعنا في الماضي ، لوجدنا انها تدور في المجمل حول تكريس مكانة الجماعة وسلطتها ، وتلغي تماما دور الفرد ، وفي المقابل فان الثقافة التي جاءتنا مع الانفتاح على العالم تنظر للامر من الزاوية المعاكسة تماما ، الفرد فيها هو الاساس ، وهو عندها مستقل ومسيطر على مصيره وحر في اختيار انتمائه ومصالحه واسلوب عيشه وعلاقاته.
 شكا الاستاذ عبد العزيز الخضر مما يصفه باختلاط الرؤية تجاه مسألة التجديد ، وهو يرجع جانبا من المشكلة الى الانفصام بين الثقافة والواقع ، والى تزاحم الفقهي والفلسفي في الخطاب الديني . هذه القضية – رغم قلة المنشغلين بها بين الناس – هي لب المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا ، بل والمجتمعات العربية  عامة . ومنذ ستينات القرن الماضي كانت موضوعا للكثير من النظريات و الابحاث التي اهتمت بقضية النمو في العالم الثالث. يمكن اختصار المسألة كلها في ثلاث كلمات : التغيير، الاجماع ، والاستقرار.
الفرضية الاساسية هي ان النشاط الاقتصادي وانتشار التعليم والاعلام والانفتاح على العالم يؤدي الى تغييرات عميقة في النظام الاجتماعي، في القيم الناظمة لسلوك الافراد وفي هيكل العلاقات الاجتماعية وفي المفاهيم المعيارية التي تتحكم في رؤية الفرد لنفسه ومحيطه. ومن بين ابرز ما يتغير هو تصور الفرد لمنظومة السلطة ، سواء سلطة العائلة او سلطة الدين او سلطة الدولة او سلطة المدرسة ، او غيرها من السلطات التي ينظر اليها عادة باعتبارها ذات حق في فرض ارادتها على الجميع.
يؤدي التغيير الى  نوع من توحيد الافكار بين الداخل والخارج ، ونجد ابسط تمثلات هذا الامر في انتشار اللغات الاجنبية - الانكليزية مثلا - في البلاد ، وتماثل اساليب المعيشة والاستهلاك ، والرغبة في السفر والاهتمام بقضايا العالم البعيد .. الخ . هذا التوحيد – وهو ابسط اشكال العولمة – يؤدي في احد وجوهه الى انحسار منظومات القيم ومعايير السلوك المحلية لصالح تلك التي سادت في العالم واصبحت معيارية على المستوى الكوني.

فلنأخذ مثلا فكرة الحرية ، حرية التعبير وحرية السلوك الاجتماعي وحرية الانتماء ..الخ . مفهوم الحرية لم يكن على  الاطلاق جزءا من ثقافتنا القديمة ، ولعل كثيرا من الاباء شعر بالقلق حين تكاثر الكلام حولها ، وقفزت الى اذهانهم مظاهر العجز عن ضبط الاجيال الجديدة التي تريد العيش بحرية غير معتادة . ومثل ذلك يقال عن فكرة المشاركة وتقرير المصير الخ .

بعد اربعين عاما من الانفتاح الواسع على العالم ، فان الفرد المذكور لم يعد واحدا او عشرة او مئة الف خريج جامعي ، بل جيلا باكمله يسيطر اليوم على مفاتيح الحياة على  امتداد المجتمع . سيادة الجيل الجديد ، تعني بالضرورة ان المنظومة الثقافية التي كانت سائدة في المجتمع لم تعد كذلك اليوم . لكن المشكلة ان هذا التغيير لم يجر على وفق نظام محدد ومخطط سلفا ، لاننا في الاساس لم نعتبره قضية كبرى . والعادة في العالم العربي انهم يخططون لخمس سنوات او عشرا ، لكنهم لا يفكرون في صورة البلاد بعد ثلاثين عاما ولا يدرسون انعكاسات التغيير المقصود وما يتبعه من هزات ارتدادية على المدى الطويل ، ولهذا فان ما نحن بصدده اليوم يبدو للكثير من الناس مفاجأة غير سارة .
اذا اردنا وضع التغيير المذكور تحت عنوان اوسع ، فان افضل وصف له هو "انتهاء الاجماع القديم" . الاجماع الوطني هو الاساس في التوافق بين اطراف المجتمع وهو الوسيلة الوحيدة لضمان الاستقرار . على المستوى السياسي ، فان اعادة تكوين الاجماع الوطني هو المهمة الاكثر الحاحا ، ذلك ان الاجماع هو القاعدة التي تقوم عليها مشروعية النظام . اعادة تكوين الاجماع لا تتحقق بالدعوة الى الوحدة والحث على ترك الاختلاف كما يفعل بعض الدعاة والكتاب ، بل بالنظر في الهموم التي ينشغل بها الجيل الجديد من المواطنين والتطلعات التي يسعون الى تحقيقها .
 في ظرف مجتمعنا الحاضر ، فان اعادة انتاج الاجماع القديم في اي صورة ، لن يولد اجماعا جديدا ، بل مزيدا من الانقطاع بين الشرائح الاجتماعية . ويبدو لي ان الخطوة الاولى لتكوين اجماع جديد ، هي الاعتراف بالمجتمع كما هو ، اي بما يتمثل فيه من تيارات ومصالح وتوجهات ، سواء رضينا عنها او أساءتنا . هذه الخطوة ستمهد لاجماع لا يتناقض مع التعدد والتنوع ، اجماع يتيح الفرصة للجميع كي يشعروا بمعنى المواطنة الحقة والشراكة المتساوية في تراب الوطن.


Okaz ( Saturday 14 Feb 2004 ) - ISSUE NO 972

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...