‏إظهار الرسائل ذات التسميات النظام الكوني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات النظام الكوني. إظهار كافة الرسائل

17/07/2019

تلاميذ ارسطو




قدم ارسطو تنظيرا مفصلا نسبيا حول النظام الكوني وقانون الطبيعة ، منطلقا من الرؤية التي تبناها سقراط ، وهو زعيم المدرسة الفلسفية التي ينتمي اليها ارسطو. وقد ساد في الفلسفة اليونانية ، منذ بداياتها ، اعتقاد في عقلانية النظام الكوني ، وانبهار بالترابط الفائق الدقة والانضباط بين حركته وغاياته. انطلاقا من هذه القناعة سعى ارسطو ، الذي لقب بالمعلم الاول ، الى وضع ما يمكن اعتباره نظاما موحدا لحياة المجتمع البشري ، مستلهما من قانون الطبيعة. اعتقد ارسطو ان العلاقة التفاعلية بين اجزاء النظام الكوني ووحداته المختلفة ، تشكل انموذجا تحتذيه المجتمعات البشرية ، ان ارادت بلوغ غاياتها الكبرى ، لاسيما السلام والسعادة والكمال.  
نعرف ان الفلسفة المعاصرة قد تجاوزت آراء ارسطو. الا انه مازال يحوز الاعجاب بين شريحة عريضة نسبيا من قراء الفلسفة المحافظين ، الذين يجدون تنظيراته قريبة من اهتماماتهم. ويبدو ان هذا التقدير يجمع المحافظين من مختلف الأديان ، وحتى من غير المتدينين.
وأشير هنا الى نقطتين في نظرية ارسطو ، تشكلان عنصر توافق بين مختلف التيارات المحافظة: أولهما قوله ان المعايير والاخلاقيات التي تنظم الحياة الاجتماعية ، هي حقائق موضوعية غير قابلة للتغيير والتبديل. بمعنى انها ليست من صنع الناس ، وليس للناس حق في تبديلها وتعديلها. اما الثانية فهي اعتقاده ان الطبيعة أرادت للمجتمع ان يكون منظما على أساس هرمي ، وأن اهل الحكمة والعلم يحتلون أعلى الهرم ، حيث ان للمعرفة سلطة ذاتية على ما عداها. ان الدور الذي يلعبه العارفون وأهل الحكمة ، هو تربية  المجتمع وارشاده ، وتفسير حقائق الحياة ، وتطبيق المعايير والقيم الاخلاقية ، التي تنظم علاقات الافراد وحركة المجتمع ككل.
هذه الرؤية تجدها بنفس التفاصيل تقريبا ،  راسخة ضمن منظومة المسلمات الاخلاقية للتيار الاسلامي المحافظ ، والاتجاه التقليدي بشكل عام. فهم يدافعون عن فكرة التراتب الاجتماعي ، التي تبرر منح علماء الدين موقع التوجيه والارشاد للحركة الاجتماعية. كما انهم يؤكدون باستمرار على ثبات القيم والمعايير الاخلاقية ، اعتمادا على استدلال ديني واحيانا مجرد اشارات ، او ربما ظلال دينية.
أشرت الى ان الفلسفة الحديثة قد تجاوزت آراء ارسطو ، الخاصة بالتنظيم الاجتماعي والمعايير الاخلاقية والقانون.  فيما يخص التنظيم الاجتماعي فقد تم استبدال التراتب الهرمي بقيمة المساواة. هذا يعني ان وجود طبقات ومستويات قد يكون امرا واقعا ، لكنه لا يغير من حقيقة ان الناس جميعا متساوون ، في القيمة والحقوق. كما ان الرؤية الجديدة تميل الى الاعتقاد بان الاخلاقيات والمعايير والقانون ، امور يصنعها الناس كوسيلة لتنظيم حياتهم ، فاذا اقتضى العرف او المصلحة العامة تغييرها ، فانها تتغير بشكل لين وتدريجي ، حتى ان غالب الناس لا يلتفتون الى هذا التغيير الا بعد سنوات ، حين يعودن الى الماضي ويقارنونه بالحاضر.
ان الاعتقاد السائد بين الاجيال الحاضرة ، هو ان القيم ونظم العيش ، بما فيها تلك القائمة على اساس ديني ، يجب ان تلبي معايير العدالة والعقلانية الجديدة ، اي ان تخدم مصلحة ظاهرة لعامة الناس ، وان تكون متلائمة مع عرف العقلاء ، وبهذا تكون قابلة للاستيعاب والتحليل من جانب اي شخص عاقل.
اظن ان أبرز اعتراضات الجيل الجديد من المسلمين على الفقهاء ، سببه شعورهم بانفصال الفكرة الدينية عما يظنونه عادلا ومعقولا ، أي مفهوما بمقاييس العصر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 ذو القعدة 1440 هـ - 17 يوليو 2019 مـ رقم العدد [14841] 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...