‏إظهار الرسائل ذات التسميات النادي الادبي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات النادي الادبي. إظهار كافة الرسائل

12/06/2012

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

أزمة في النادي الادبي بجيزان ، وازمة في نادي مكة المكرمة ، وقبلهما ازمة مماثلة في نادي المنطقة الشرقية. وربما نسمع قريبا عن ازمات في نوادي اخرى.
 هل يستحق الامر مناقشة صريحة لدوافع التازم في النوادي الادبية؟. هل هو مجرد خلاف شخصي على الرئاسة كما يوحي بعض اطراف النزاع . ام ان ما يظهر على السطح ليس سوى الدمامل الصغيرة التي تشير – دون تصريح – الى علة تستشري في الداخل؟.
الادب والدولة عالمان مختلفان. هذا هو جوهر المشكلة.  اقيمت النوادي الادبية يوم كان البعض يشعر بحاجة الى "رعاية" الحكومة لكل نشاط اهلي ، او "رقابة" الحكومة على كل نشاط اهلي. ولان الحكومة هي المخرج والمنتج ، فقد تحول النادي الى ما يشبه هيئة حكومية.
 وهذا هو المازق الكبير. الادارة الحكومية عالم مستقر لا يحتمل التغيير ولا يقبل الجدل. انه – كما وصفه احد تلاميذ ماكس فيبر – عالم اوراق ، كل جديد فيه مبني على قديم ، كل ورقة ترجع بالضرورة الى ورقة سابقة وكل قرار الى قرار قبله.
اما عالم الثقافة والفكر والادب فهو على النقيض. عالم يعيش على الاختلاف والجدل والتغيير الدائم.
لا يمكن وضع حدود للفكر لانه تمظهر للخيال.  لو وضعت حدودا للخيال فقد وأدته ، ولو قيدته فقد حولته من انتاج متجدد الى تكرار لما انتجه السابقون. الحكومة عالم اتباع اما الثقافة فهي عالم ابتداع ، وشتان بين العالمين.
مع اتساع شريحة المشتغلين بالثقافة والادب في المملكة ، تفاقمت الازمة. ليس سرا ان الاغلبية الساحقة من مثقفي المملكة ليسوا اعضاء في النوادي الادبية. وليس سرا ان معظم النتاج الثقافي السعودي يطبع خارج البلاد ، وهو يناقش ويثير الاهتمام خارج اطار النوادي الادبية. وليس سرا ان السنوات الاخيرة شهدت قيام منتديات اهلية تعقد نشاطات تزيد اضعافا مضاعفة عما تقوم به النوادي الادبية التي تمولها الدولة.
اذا اردنا مناقشة صريحة حول الازمات المتنقلة بين النوادي الادبية ، فهذا هو السؤال الاول: لماذا لا يرغب مثقفو البلاد في العمل ضمن هذه النوادي ؟ ولماذا لا يشكل نشاط النادي غير جزء هامشي من الحراك الثقافي على المستوى المحلي والوطني؟.
اعضاء نادي الشرقية ،  مثل اعضاء نادي مكة ونادي جيزان يطالبون وزارة الثقافة والاعلام بالتدخل. حسنا . لقد كانت الوزارة المنتج والمخرج طيلة السنوات الماضية ، فلماذا لم ينجح الفيلم ، ولماذا غاب الجمهور؟.
جوهر العلة في النوادي الادبية هو خضوعها لاشراف دائرة رسمية. ومطالبة الوزارة بالتدخل يشبه قول الشاعر "وداوني بالتي كانت هي الداء".
نعرف انه لا يمكن اختلاق وظيفة رسمية اسمها "كاتب" او "اديب" او "مفكر" او "ناقد" . كذلك لا يمكن تصنيع حياة فكرية او ادبية في دائرة رسمية او تحت اشراف دائرة رسمية.
اعتقد ان الحل الجذري هو تخلي الوزارة عن ولايتها على النوادي والاكتفاء بدور الداعم والحامي. يجب ان يتحول النادي الى مؤسسة اهلية كاملة. ويجب ان يسمح بفتح نوادي مماثلة ومنافسة ، سواء قررت الحكومة دعمها او اعفت نفسها من هذا العبء.
حان الوقت كي يشعر مسؤولو الوزارة بان حيوية الثقافة في المملكة تتوقف على تحرر المثقفين من وصاية الموظفين. وحان الوقت كي يشعر المثقفون انهم قادرون على تدبير امورهم وحل مشكلاتهم ولو بالخروج من هذا النادي واقامة ناد منافس.
الاقتصادية 12 يونيو 2012

مقالات ذات صلة

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب) 

في الطريق الى المجتمع المدني

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

مجتمع العقلاء

المجتمع المدني كاداة لضمان الاستقرار

مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية

من المجتمع الطفل الى المجتمع المدني: تأملات في معاني اليوم الوطني

المؤتمر الاهلي الموازي لقمة الكويت الخليجية

اليات التفاوض الجماعي كوسيلة لضمان رضى العامة

14/04/2011

الحداثة تجديد الحياة


د. توفيق السيف: الحداثة مرتبطة باستمرار الحياة وليست حجرا
الاحساء 10 مارس 2009
منال الحليفة - التوافق
لم تمنع العاصفة الرملية وظروف المناخ السيئة نخبة المثقفين من حضور واثراء محاضرة الدكتور توفيق السيف (الحداثة وتجديد الحياة) ، مما اثرى النادي بوجودهم كانت هذه الكلمات للدكتور يوسف الجبر رئيس النادي الادبي بالاحساء  قالها شاكرا للمحاضر في ختام محاضرته التي اقيمت في النادي يوم الثلاثاء 10 مارس 2009 الموافق 13/ 3 /1430هـ 
ولم يكن تواجد نخبة المثقفين في المنطقة بالمستغرب في محاضرة للدكتور توفيق السيف اذ تميز بالاسلوب السلسل المشوق المترابط العميق المبسط في ذات الوقت او كما وصفه مقدم المحاضرة الاستاذ محمد الحرز بقوله (السهل الممتنع الذي يذهب الى فكرته مثلما يذهب الطفل الى لعبته) و( يعطي الكثير حول جدية الحياة )
ابتدأ الدكتور توفيق السيف الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية والعضو في مركز الدراسات العربية محاضرة الحداثة بمقدمة بين فيها ان ( التفكير في الاشياء هو الذي يأتي بالعلم ) مستحثا عقول الحضور ذكورا او اناثا في تقبل ما يريد التحدث به مضيفا ( ان العلم هو نتاج عصره وليس نتاج الاشخاص ) ليدخل في تعريف الحداثة والتي اختصرها في جملة ( تجديد الحياة) او كلمة ( المعاصرة ) والتي وجدها السيف قريبة من الاجتهاد الذي يفتح ابواب تعديل الاحكام وفقا للعصر الذي نعيش فيه.
واعتبر السيف أن الزمن عامل مهم في الحداثة التي (تعني بالحاضر والاتي وتتخذ  الماضي مصدرا للقيمة )حيث الزمن مهم في تحديث وتجديد وتطوير فكرة ما وفق احتياجات معينة
ووجد السيف ان اصل الجدل حول الحداثة هي قناعة توصل اليها مفكرون اعتقدوا ان الحداثة تهدف الى تغير التقاليد باتجاه جديد اكثر انسجام متوافق مع قدرات والحاجة الراهنة وهذا خلاف اصل الحداثة التي (تعتبر تجديد الحياة على ايدي الاحياء وفق مصالحهم) وضرب السيف امثلة على حداثة رفضت ثم تبين اهميتها او فاعليتها مثل تعليم البنت سابقا او العمل في ارامكو او غيرها
وشبه السيف رفض فكرة الحداثة بمن يتحدث عن لوحة بلون واحد فقط التي  تمثل  طبيعة الحجر لا الحياة فالحداثة مرتبطة بالحياة مع استمرارها.
عن شبكة التوافق الاخبارية
http://www.altwafoq.net/index.php?/article/172425

ابرز عناصر المحاضرة

ايهما افضل سيارة حديثة ام سيارة قديمة
ايهما افضل طب حديث ام طب قديم ، فكرة قديمة ام فكرة حديثة ، اسلوب عيش حديث ام قديم ؟ .
 لو سأل اي منا نفسه هذا السؤال لاجاب بالتاكيد : الحديث افضل .. لماذا يكون الطب الحديث افضل من القديم؟
- لان الطبيب الحديث يجمع معارف القدماء ويضيف اليها ما جاء بعدها .
الحداثة ببساطة شديدة هي المعاصرة ، الزمن يصبح عنصرا في تشكيل المعرفة والتقييم.
-         هل تبدو هذه قريبة الى فكرة الاجتهاد في الدين؟ الاجتهاد الذي يعيد تشكيل المسالة على ضوء عامل الزمان والمكان والجماعة؟.
ثمة جدل واسع حول الحداثة ، وفي معظم هذا الجدل ثمة خلط غير مقبول بين تعريفها الاولي وبين تشريح مراحلها التاريخية وتطبيقاتها . ولهذا فمن المهم العودة الى اصل المسالة بدل الانشغال في تداعياتها .
اصل الحداثة هو قناعة توصل اليها مفكرون بالحاجة الى تغيير نمط الحياة والثقافة والتقاليد السائدة نحو نمط جديد اكثر انسجاما مع قدرات الجمهور وحاجاته وظروف حياته الراهنة .
التغيير ليس مهمة يسيرة ، لان الناس بطبعهم اميل الى قبول ما اعتادوا عليه. كثير من الناس ترتبط مصالحهم بالوضع القائم ، ولذا فهم يعارضون اي تغيير ربما يضعهم امام مجهول ، او يضعف من قدرتهم على ضمان تلك المصالح.
الحداثة – ببساطة – هي تجديد الحياة على ايدي الاحياء ووفقا لمراداتهم ومصالحهم . ليس شريحة معينة ولا طبقة خاصة ، بل جميع الاحياء ، جميع الناس .
وفقا للقاعدة المعروفة ، فانه اذا انتفع اكثر الناس من التغيير فان الجميع سيحصل على فرصة لمنافع جديدة ، حتى اولئك الذين كانوا يخشون من التغيير .
امثلة من واقع بلادنا ..
في اوائل القرن عارض بعض وجهاء البلاد وعلمائها تحديث التعليم خوفا من التغريب ، فما هو رأيهم الان ؟..
هل يرون وهل ترون جميعا في ما حدث منفعة ام تتمنون لو بقي الحال على ماكان في بداية القرن.
في ذلك الوقت عارض بعضهم الاذاعة والتلفزيون واخيرا البث الفضائي .. لكنهم وجدوا بعد ذلك انه يوفر  فرصا جديدة للتواصل مع جمهورهم .
على مستوى الدولة عارضوا تخصيص الخدمات العامة ، لكننا ندرك اليوم ان تخصيص الهاتف قد انهى مشكلة عويصة . عارضوا السفر الى البلدان الاجنبية ، لكننا نعرف اليوم ان هذا كان سبيلا الى تحسين حياة الناس وثقافتهم .
ما المشكلة اذن ، ولماذا اصبحت الحداثة محل جدل في مجتمعنا ؟
- هذه بعض الاسباب المحتملة :
1-    كونها جاءت في سياق الانفتاح الحضاري على الغرب
2-    لان الحراك الثقافي في مجتمعنا قائم على التلقي لا النقد
3-    لاننا مجتمع قلق ، ينظر للامور بقلبه وعقله معا ، ولهذا فهو يخلط – بصورة لا ارادية بين المعرفة والقيمة .
معالجة هذه الاسباب هي جزء من الانتقال الى الحداثة ولهذا سوف نركز عليها .
العلاقة الملتبسة مع الغرب:
هل المشكلة في الغرب ام في غرابة الحداثة.
هناك كلام كثير عن الاطار المعرفي الذي تطورت فيه فكرة الحداثة . لكني ساقترح عليكم تحليلا مختلفا للموضوع . المشكلة في ظني ليست في كون الفكرة غربية ، بل في كونها غريبة . كل الذين جربوا الحداثة مقتنعون اليوم بانها خيار افضل . ولنتذكر نفس الامثلة السابقة ونظرتنا اليوم اليها .
نعم .. فكرة الحداثة جاءت من الغرب .. لكن لماذا نناقشها من الخارج ، فنقول اننا نرفضها او نقبلها ؟.. بدل الرفض المبدئي ، دعنا نفككها ، نحذف المزعج منها ونعيد انتاج المريح والمقبول ضمن نسيجنا الثقافي الخاص. مباديء الحداثة هي القطار الذي حمل الغربيين الى الح
ضارة المعاصرة .. فهل نستطيع تكرار التجربة؟
تكرار التجربة مشروط بتبيئة الحداثة ،اي جعلها منتجا محليا متناغما مع هويتنا وحاجاتنا .
ترى هل نستطيع تبيئة الحداثة ؟
- نعم ولكننا نحتاج الى بعض التمهيدات واولها تعديل السياق الثقافي من التلقي الى النقد
الحراك الثقافي في مجتمعنا قائم على التلقي لا النقد.
ما هو الفرق بين الاستماع الى محاضرة يلقيها عالم وبين مناقشة العالم ؟
- لقد اكتشفتم جميعا هذا الفارق ، على الاقل من خلال المقارنة بين المحاضرات التي تلقى في التلفزيون وبين الحوارات التي تجريها ذات القنوات ..
الفارق بين الاثنين هو في الموقف النقدي للمحاور والمناقش .. في المناقشة يستمع الانسان الى ما يقوله المتحدث بينما يبحث عقله عن نواقص الحديث ، وحين يرد بسؤال اخر فانه سينبه المتحدث الى ذلك النقص ، ومن هنا فسوف يشترك الطرفان في التفكير وفي صناعة الفكرة . الجدل يخلق افكارا جديدة ويسمح بدخول الطرفين الى عمق الفكرة بدل الوقوف عند اطرافها .
هناك بشكل عام نوعان من الثقافة : ثقافة الاجوبة وثقافة الاسئلة . ثقافة الاجوبة هي نهايات للعلم ويميل الناس اليها لانهم يرغبون في جواب يريحهم ، اما ثقافة الاسئلة فانها طرق العلم ولا يرغب فيها اكثر الناس لانها متعبة ، فهم يعملون فيها اذهانهم ولا يصلون الى جواب اخير. بطبيعة الحال كلا النوعين ضروري ، لكن الاول ينتهي الى ما يسمى بالتقنيات ومكانه دليل استعمال الاجهزة . اما الثاني فهو العلم الحقيقي الذي يقود الانسان خطوة خطوة الى كشف الغيب.
العقل النقدي هو ابرز اعمدة الحداثة. التلقي والتلقين هو ابرز اعمدة التقاليد. العقل النقدي يعطيك سلاحا لفهم الاشياء واستيعابها، قبل الحكم عليها، اما عقل التلقين فهو يجردك من سلاحك، اي من عقلك. ورد في الاثر " اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل دراية لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير و رعاته قليل".
لماذا شاعت ثقافة التلقي والتلقين بدل ثقافة الجدل والسؤال؟
السبب في رايي هو القلق على الهوية والقلق على الوحدة . والعلة الكبرى لهذا القلق هو الخلط بين المعرفة والقيمة.
الخلط بين المعرفة والقيمة
مجتمعنا قلق ، ينظر للامور بقلبه وعقله معا ، ولهذا فهو يخلط – بصورة لا ارادية - بين المعرفة والقيمة . بعبارة اخرى : حينما نسمع عن شيء مثل الحداثة ، فان سؤالنا الاول هو : هل هي جيدة ام سيئة ؟ هل تتفق مع قيمنا ام تعارضها . وهذا سؤال سابق لوقته وغير سليم ..
السؤال الاول الصحيح هو : ماهو هذا الشيء الجديد ، ما هي مكوناته ، وهل فيه شيء يفيدنا ام لا ، وما هي خلاصة تجارب الاخرين فيه . وهل نستطيع تعديله كي يتوافق مع حاجاتنا .. 
هذه هي الاسئلة الصحيحة التي ستقود بالطبع الى فهم لماذا يكون الشيء موافقا او مخالفا لقيمنا . ونشير في هذا الصدد الى نقطتين:
الاولى :  مناقشة الجديد تحتاج الى تسامح المجتمع ازاء الافكار المختلفة والمتنوعة ، اي قبوله بالجدل في كل المسائل . نحن نكره الجدل لاننا نظن انه يؤدي الى الخلاف والنزاع ، وهذا قد يكون صحيحا ، لكننا – بسبب هذا القلق – ضحينا بالفائدة الاهم للجدل ، اي تنشيط العقول وابتكار الافكار الجديدة . ولهذا نحن نميل – بصورة لا اردية ربما – الى ايكال التفكير الى اشخاص محددين نعتبرهم نخبة القوم ، ونطالبهم بان يقولوا لنا ما ينبغي ان نأخذ به.
من ابرز اركان الحداثة هو مبدأ الفردانية ، الذي يعني ان كل فرد يجب ان يشارك في التفكير وان كل فرد يجب ان يطور معرفته من خلال المثاقفة والتامل والتجربة. الحركة الثقافية ضمن اطار الحداثة ليست نشاطا نخبويا يقوم به افراد معينون بل تجربة اجتماعية يشترك فيها الجميع.
في تجربة المجتمعات الغربية ، كانت الكنيسة تعتقد ان العلم كله موجود في مكتباتها . وبالمناسبة كانت مكتبات الكنائس الكبرى هي المكان الوحيد الذي حفظ تراث الانسان ، لكنه ايضا حدد طريقة استعماله. كان الاعتقاد السائد ان كل علم يخالف ما فهمه الرهبان من الكتاب المقدس فهو علم باطل وممنوع. فى عام 1600م تم احراق جيرانو برونو ، الذي طور فيزياء كوبرنيكوس, حيا ،  في احدى ساحات روما  ، بامر من محكمة كنسية ، لانه قال بعلم يخالف ما تاخذ به الكنيسة . بعد ذلك بثلاثة عقود من الزمن اعتمد  جاليليو على نفس الفكرة ليطور التلسكوب ، ويطرح نظرية حول كون الشمس مركز الكون . حكم على جاليليو  بالسجن المؤبد في 1633 لانه قال بما يخالف نظرية بطليموس التي تتبناها الكنيسة. لكن الكنيسة برأته في 1979. كانت فيزياء جاليليو الاساس الذي بنيت عليه فيزياء نيوتن ومن جاء بعده. ولولا نظرياته الابداعية في علم الفلك والفيزياء لما كان لدينا اليوم طيران او اتصالات فضائية.
الثانية : كي تحكم على الاشياء تحتاج الى معرفتها بدقة . وهذا يعني ان تؤخر الحكم عليها الى ما بعد المعرفة . القلق على تاثير الجديد على هويتنا وقيمنا هو الذي يجعلنا زاهدين في الاشياء الجديدة. ولهذا فاننا بحاجة الى التاكيد على الخط الفاصل بين المعرفة والقيمة كي لا نقبل بالاشياء لمجرد جمالها ولا نرفضها لمجرد غرابتها .
نقاط تكميلية :
الحداثة تقدم الجديد على القديم لكنها لا تلغي القديم بل تستثمره كمرجع .
الحداثة تقدم العلم على المعتقد والعقل على القلب ، لكنها لا تلغي المعتقد ولا القلب.
الحداثة تعتبر الناس جميعا سواء في التفكير وصناعة القيم لكنها لا تلغي دور النخبة .
الحداثة تؤمن ايمانا مطلقا بالغيب وترفض الوثنية .. ما وراء الحجاب هو فرصة تستحق البحث والتحدي.
 الحداثة تفكر في تسخير الطبيعة لا الوقوف بخوف امام صعوباتها .
كيف نفكر في الحداثة وكيف نتعامل معها :
ما الفرق بين شراء كتاب وقراءة كتاب ؟ ما الفرق بين شراء وردة او زراعة وردة ؟ بين شراء سيارة وتصميم سيارة ؟
انتم ترون ان اشخاصا كثيرين يشترون كتبا ، لكن هل يقرأونها جميعا ؟ . عشرات الناس يشترون الورود لكن كم عدد الذين يزرعونها في منازلهم ؟.
تشير هذه الاسئلة الى الفارق بين نوعين من السلوك الانساني : سلوك يدور حول امتلاك شيء وسلوك يدور حول تجربة الشيء . الذي يشترى كتابا يملك الورق ، اما الذي يقرأ فهو يخوض تجربة ثقافية ، يقوم خلالها بتعديل افكاره ، باضافة اشياء او حذف اشياء او تعديل اشياء في ذهنه . كذلك الذي يزرع الوردة ، فانه يخوض تجربة ، يقيم علاقة مع التراب والشجر والماء والالوان والزمن . يتحقق الامتلاك في لحظات ، اما التجربة فهي تحتاج الى وقت لانها تنطوي على تغيير في سلوك الانسان وفي اهتماماته وفي اولوياته ، في الاشياء التي يحبها او يكرهها. ولهذا السبب فان علاقتنا مع الغرب ملتبسة ، نحن نحب اقتناء وتملك منتجات الغرب ، لكنا لا نريد خوض تجربة العلاقة مع هذه المنتجات . الافكار والفلسفة والقوانين لا تختلف كثيرا عن السيارة والساعة والكمبيوتر .
معظم الناس يحرصون على اقتناء وامتلاك هذه الاشياء لكن قليلا منهم يرغبون في تفكيكها واعادة تركيبها او تعديلها ، اي الدخول في علاقة نقدية غرضها الفهم والاستيعاب ثم الحكم.  العلاقة النقدية هي تجربة تنطوي على محاولة للمعرفة الكاملة بالموضوع ، اي تفكيكه ثم اعادة تركيبه . وبالتالي فهم المنطق الذي يعمل وفقا له .
بدأت علاقتنا مع الغرب منذ زمن بعيد ، ولا زالت مثلما بدأت . نحن ننظر الى الصناديق التي يصدرونها الينا ، سواء كانت صناديق حديدية تحتوي اشياء اسمها سيارات ، او صناديق ورقية تحتوي اشياء اسمها افكار . ننظر اليها من الخارج ، نحاول امتلاكها ، نقبلها او نرفضها كما هي ، لكننا لا نفتحها ، لا نفككها ، لا ننظر الى ما في داخلها .
الذي يفكر في الامتلاك يريد الشيء المملوك جميلا وجذابا يتناسب مع ذوقه . ولهذا فهو يرفض كل ما لا يتناغم مع ذوقه او ميوله. والذي يفكر في التجربة قد يخوض الصعاب ويتحمل الالم حتى نهايتها. انظروا مثلا الى مفكر ينفق سنوات طويلة من عمره كي ينتج كتابا يستحق القراءة او يصمم جهازا يفيد الناس او يتوصل الى نظرية او حل لمشكلة ، مع انه شخصيا لا يستفيد منها بشيء. هذا الرجل يحركه الايمان بالتجربة لا التملك.
تذكروا راي مالك بن نبي عن الفارق بين المسلمين واليابانيين في تعاملهم مع حضارة الغرب ، اولئك ذهبوا كزبائن وهؤلاء ذهبوا كمتعلمين وتعرفون النتيجة التي توصل اليها كل من الطرفين.
خلاصة الكلام ان الحداثة ، مثل كل الافكار الجديدة الاخرى هي منتجات بشرية وليست صناديق مقدسة ، يمكن لنا ان نفتحها ونفككها ثم نعدل فيها ما نشاء ثم نعيد تركيبها على نحو ينسجم مع مراداتنا وظروفنا وتصوراتنا عن انفسنا وعالمنا. الحداثة ليست نصا منزلا ولا قطعة من الجوهر نخشى ان تنكسر اذا فككناها . نحن بحاجة الى موقف تجريبي ونقدي من الحداثة وغيرها ، كي نكتشف ما الذي يفيد وما الذي يضر فيها .

مقالات  ذات علاقة
 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)
تعقيبات على الكتاب

16/11/2009

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية


يعتقد الاستاذ جبير المليحان وعدد من مثقفي المنطقة الشرقية ان الوقت قد حان لقيام جمعية للادباء السعوديين ، اسوة بجمعية الاقتصاديين والجيولوجيين والاطباء وغيرها . والحق اننا متاخرون جدا في هذا الصدد .
جبير المليحان
ما الذي تضيفه جمعية ادباء الى المشهد الثقافي؟. سأل احد الزملاء ، ثم اجاب نفسه : ما الذي اضافته هيئة الصحفيين في دورتها الاولى والثانية غير افتتاح مبناها الفاخر؟. حسنا.. لقد اضافت مبنى واضافت اسما . هذا منجز بسيط جدا . لكنها اضافت منجزا آخر غير منظور: لقد فتحت بابا للحديث عن اشكال اخرى من العمل الاهلي المؤسسي. في ماضي الزمن كنا نعتبر كل تشكيل اهلي باعثا على الفرقة. لكننا اليوم نتحدث عنه كاداة لتحقيق الشراكة الاجتماعية في التنمية. ربما لم يلتفت كثير منا الى هذا التحول الذهني ، لكنه حصل فعلا .

لن ينكر احد ان فكرة المجتمع المدني قد اصبحت متداولة ومألوفة في بلادنا ، ولن ينكر احد ايضا ان تحولها من فكرة الى واقع يتم ببطء اكبر من المتوقع. يؤمن معظمنا بالحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني. لكننا جميعا نبحث عمن يعلق الجرس او ربما نبحث عن الجرس المقصود . حتى الان يكتفي معظمنا بالحديث عن هذه الضرورة دون السعي لفك مغاليقها.

هناك بطبيعة الحال اقلية تتشكك في فائدة هذا النوع من المؤسسات ، وهناك من يريدها جزء من البيروقراطية الرسمية او تحت اشرافها المباشر. ولعل اقرب الامثلة الى ذلك هو الاقتراح الذي قدمه وزير التجارة بتقليص نسبة الاعضاء المنتخبين في مجالس الغرف التجارية وزيادة عدد الاعضاء الذين يعينهم الوزير . لدى الوزير بالتاكيد بعض المبررات ، لكننا نعلم ان الاتجاه السائد في الغرف التجارية يميل الى الخروج من عباءة الوزارة وليس العكس.

من المهم على اي حال اقناع البيروقراطيين بان التوسع الافقي والكمي لمؤسسات المجتمع المدني لن ينهي دور البيروقراطية الرسمية. هناك دائما مهمات جديدة وادوار جديدة ، موجودة لكنها محجوبة او مهملة او مختلطة . نعرف مثلا ان ظهور مبدأ "تقسيم العمل" يعد واحدا من اهم التطورات في تاريخ البشرية . تقسيم العمل قاد الى استقلال التخصصات والادوار وحقول الاهتمام والهموم ايضا . في الجانب الثقافي كمثل ، ثمة دور هام تلعبه الادارة الرسمية . لكن "الحياة الثقافية" هي مسار اجتماعي متمايز عن التجارة والسياسة والصحافة والحرف الاخرى ، وهي ايضا عمل اهلي  ينبغي ان يتحول من انشغال فردي الى علاقة مؤسسية بين الافراد الذين يحملون الهم الثقافي والذين يشاركون في الجدل الثقافي والذين يهمهم تطور مستوى الثقافة وانتاجها في المجتمع ككل.

 للعمل الثقافي سمات هي جزء من طبيعته ولا يكون حقيقيا الا معها ، وابرزها كونه عفويا ، اختياريا ، تطوعيا ، منبعثا من دافع شخصي ، ربما يكون عاطفيا وربما يكون مصلحيا او ايديولوجيا او غيره . العفوية والاختيارية يستحيل تاطيرها في القوالب البيروقراطية ، او اخضاعها لحدود القانون واوقات الدوام وما اشبه. لدينا في المملكة الاف من الاشخاص الذين تستهويهم الثقافة في شتى فروعها ، واظن ان كلا منهم يرغب في مساهمة اوسع واعمق من تلك التي يقدمها الان . 

هؤلاء جميعا هم السكان المتوقعون للبيت الذي نسميه بالحياة الثقافية . واذا نجحنا في اقامة الروابط التي تجمع هؤلاء مع اندادهم واشباههم فسوف نبدأ في رؤية ما ستكون عليه "الحياة الثقافية" في بلدنا. ا

لاندية الادبية هي مثال حي على العلاقة العكسية بين الثقافة والبيروقرطية . تعقد النوادي مناسبات ثقافية هامة جدا ، لكن حضورها محدود وقد لا يتجاوز بضع عشرات . في المقابل نجد المنتديات الاهلية البحتة تستقطب اضعاف هذا العدد ، ليس فقط بين الجمهور العام ، بل حتى من المهتمين والمشتغلين بالشان الثقافي. لا اشك ابدا ان كون الاخيرة اهلية بحتة هو سبب رئيسي . في الحقيقة فان هذه المنتديات ترفد النشاط الثقافي في بلدنا بقدر يتجاوز كثيرا المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مثل النوادي الادبية وامثالها . هذا المثال ليس محصورا في مجتمعنا. في كل مجتمعات العالم الاخرى تتفوق المؤسسات الاهلية البحتة في استقطاب واطلاق النشاط التطوعي على نظيرتها الرسمية او المنضوية تحت عباءة البيروقراطية.

اذا اردنا تحويل المبادرات الثقافية القائمة الى حياة ثقافية ، فان جمعيات المثقفين هي الخطوة الاولى في هذا الطريق.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...