حديث صاحب السمو ولي العهد في منتصف رمضان ، حول الاعتدال والاجتهاد المستمر والمتجدد ، لفت أنظار المهتمين ، حتى أن بعضهم عده "غير مسبوق".
نعلم ان هذه الأقوال او نظائرها ، قد تكررت على ألسنة كبار المسؤولين في السنوات الماضية. لكن الصراحة تقتضي القول بانها اعتبرت يومذاك نوعا من الديباجات الرسمية ، التي تقال في سياق اعتذاري او دفاعي ، ردا على النقد الذي وجه للايديولوجيا الرسمية في الاعلام الخارجي. كان الكلام المتعارف فيما سبق ، يصر على ان المنهج الديني الرسمي ، مثال على الوسطية والاعتدال ، وكان الجميع يرى في الواقع شيئا آخر.
هذا
احد الأسباب المهمة التي جعلت حديث
ولي العهد ، ملفتا جدا للمهتمين بالمسار الثقافي/الديني ، فقد رأوه مختلفا عما
قيل في الماضي. فهو لم يأت في سياق تبريري ولا دفاعي ، ولم يكن معنيا بالرد على
نقد خارجي ، بل كان ببساطة يتحدث عن نهج جديد يراه بديلا اصلح لحاضر البلد
ومستقبلها.
اننا
نفهم هذا الحديث في اطار سياق عام ، هو مجموع السياسات التي تبنتها الحكومة خلال
السنوات الأربع الأخيرة. وهو سياق يؤكد ان ولي العهد يطرح "خطابا جديدا"
وليس مجرد نسخة جديدة من الديباجة القديمة.
ولهذه
المناسبة ، يهمني الإشارة الى ان نجاح "الخطاب الجديد" رهن بترسيخ النسق
الذي يخدمه. النسق المنسجم مع مباديء الحداثة وحاجات الدولة الحديثة.
وأذكر
في هذا الصدد عنصرين ، لهما صلة قوية بمفهومي الاعتدال والعقلانية اللذين طرحهما
الأمير محمد ، وهما مبدأ التنوع الثقافي والديني ، ومحورية العلم الحديث في التوجيه
العام.
فقد أشار
ولي العهد الى انه لم يعد مناسبا ان يتكل المجتمع والدولة على آراء لشخص واحد في
كل قضية. لو اردنا ترجمة هذا الكلام ، فان مقصوده ليس التوسع من مذهب واحد الى
أربعة او خمسة أو اكثر او اقل ، بل الانفتاح على الرأي العلمي بكل أشكاله ومصادره.
سوف
نواجه هنا إشكالية معروفة ، خلاصتها ان الفقهاء التقليديين قد تعارفوا على تقديم النص
على أي دليل علمي حديث (انظر مثلا قضية رصد
الهلال) وتقديمه
على أي مصلحة عقلائية ظاهرة ، اذا كان مفاد هذه او ذاك مخالفا لما يفهمونه من النص.
وقد
ابتكروا نظرية تقول بان النقل
مقدم على العقل مطلقا. وهي
تتداول فيما بينهم ، كما لو كانت آية من كتاب الله او بديهية من البديهيات ، مع
انها مجرد رأي اجتهادي ، قاله أحدهم ورضي به الباقون.
ان
الايات الدالة على مصدرية النقل ، لا تشكل ردا على هذا ، لأنهم في الحقيقة لا
يستدلون بالآية او الحديث ، بل بفهمهم لمضمونه ومراده. ومع علمنا بان فهم الشخص
لأي نص ، يتأثر بالضرورة ، بخلفيته وافقه التاريخي ، فان هذا الفهم لا يمكن
اعتباره ذات المعنى المنطوي في النص ، بل أحد المعاني المحتملة. ولهذا لا مبرر
لتقديم الاجتهاد التقليدي على غيره ، ولا مبرر لرفض الدليل العلمي بحجة ان النص
اعلى منه.
زبدة
القول ان ترسيخ التنوع وتجديد الفكر الديني ، رهن بالتعامل مع الدليل العلمي كفهم
معتبر للشرع ، مماثل لسائر الافهام ، إضافة الى اشتراط احتواء الراي الفقهي على
مصلحة عقلائية راجحة وصريحة ، قبل تطبيقها على المستوى العام ، وأخيرا إلغاء
الرقابة على مصادر الثقافة الدينية ، من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات ، بما
فيها المصادر الناقدة للمدرسة التقليدية.
الشرق
الأوسط الأربعاء - 30
شهر رمضان 1442 هـ - 12 مايو 2021 مـ رقم العدد [15506]
https://aawsat.com/node/2968146/
مقالات
ذات علاقة
دعوة التجديد بغيضة.... ولكن
العلم في قبضة
الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل
عن الحاجة إلى
تجديد الفقه الإسلامي
عن الدين
والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات