‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيادة القانون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيادة القانون. إظهار كافة الرسائل

24/02/2021

حرية الاختيار وجودة الحياة

 "برنامج جودة الحياة 2020" واحد من 12 مسارا استراتيجيا لتنفيذ رؤية المملكة 2030. وهو يستهدف – كما في وثيقته الرئيسية - جعل المملكة "مكانا افضل للعيش" من خلال تطوير الخدمات العامة الاساسية ، والمرافق الترفيهية والثقافية ، على نحو يزيد من رضا السكان عن حياتهم وصولا الى تحقيق السعادة.

اقترح على القراء الاعزاء مراجعة وثيقة البرنامج المتاحة على الموقع الالكتروني لرؤية المملكة ، فهي تحوي الكثير مما يجدر معرفته ومناقشته. وقد خصصت هذه المقالة لجانب اظنه يشكل خلفية مهمة للتفكير في البرنامج وتطبيقاته.

غرض البرنامج هو تحقيق "رضا العامة" من خلال تمكين الأفراد من اختيار نمط العيش الذي يلائمهم. هذا يعني بالضرورة توفر خيارات معيشية متعددة ، والضمان القانوني لحرية الفرد في اختيار ما يراه طريقا لتحقيق سعادته.

يذكرنا هذا بجدل قديم جدا ، لكنه يتجدد باستمرار ، جدل يتناول مفهوم السعادة والرضا. وأبدأ هنا بقول مشهور ينسب للامام الشافعي: "رضا الناس غاية لاتدرك". ومضمونه راسخ في ثقافتنا العامة ، بل هو أقرب الى المسلمات التي لا يجادل في صحتها أحد (مع انه في اعتقادي رأي ضعيف). وقد وجدت ان التسليم بهذا القول قاد الى  التباس شديد بين مفهومين للرضا ، أحدهما مطلب نسبي وهو رضا الجمهور عن الحاكم او عن شخص بعينه ، والثاني مطلب معياري هو رضا الناس عن حياتهم. وبسبب هذا الالتباس ، وبالنظر لرسوخ تلك المقولة ، فقد تحولت الى مبرر عند اهل الحكم في الكثير من بلدان العرب ، لعدم الاكتراث برأي الناس (لان رضاهم مستحيل).

إن اتفاق كافة الناس على الحكومة غير مطلوب ، وهذا معروف في كل المجتمعات. ولهذا توصلوا الى التصويت والانتخاب ، واعتمدوا موقف الأكثرية معيارا لحسم الخلاف والاختلاف.

لكن – وكما اسلفت – فان الرضا المقصود في "برنامج جودة الحياة" مختلف عن هذا. فالمقصود هنا هو رضا الناس عن حياتهم ، وهذا ناتج عن الأمان المادي والاطمئنان للمستقبل.

ويهمني إضافة عنصر "الأمان النفسي" الذي أراه ضروريا لربط الأمان المادي بمفهوم السعادة ، الذي يصنف عند الفلاسفة كهدف أسمى لكل نظام اجتماعي.

يتولد الأمان النفسي (ومن ثم الشعور بالسعادة) كنتيجة لقناعة الفرد بتوفر إمكانية فعلية لتحقيق ذاته. أي اعتقاده بأن البنية الاجتماعية والنظام القانوني يساعدانه ، او على الأقل يسمحان له بالسعي الى نموذج السعادة الذي يلائمه ، او نموذج العيش الذي يعتبره قرينا للسعادة ، وهذا ما نسميه بحرية الاختيار.

كان المفكر الإيطالي المعروف نيكولو مكيافيلي ، قد اقترح مفهوما فريدا للحرية ، خلاصته ان "الناس يريدون الحرية لانها تمنحهم الأمان". الحرية هنا تعني ببساطة ان يكون القانون في صفك ،  حين يتدخل الناس في حياتك او يستخدمون قوتهم المالية او نفوذهم الاجتماعي او مناصبهم ، في منعك من العيش حسب اختيارك. أنت إذن آمن من مزاحمة الآخرين ، لأن القانون يحمي حريتك في الاختيار.

في اعتقادي ان مجتمعنا (والمجتمع العربي ككل) مطالب بترسيخ قيمة الحرية في هذا المعنى على وجه الخصوص ، أعني حرية كل فرد في اختيار هدف حياته ونمط العيش الذي يحقق سعادته ، وان يعتبر هذا حقا للفرد يحميه القانون.

لا يتوجب على الحكومة ان تضمن السعادة للناس. لكن يجب عليها توفير الظرف القانوني والمؤسسي الذي يسمح للناس بالسعي نحو سعادتهم الخاصة ، التي قد تكون مختلفة عن تلك التي يسعى اليها الشيخ او القاضي او الوزير.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 رجب 1442 هـ - 24 فبراير 2021 مـ رقم العدد [15429]

https://aawsat.com/node/2824361/


مقالات ذات علاقة

ام عبد العزيز

سيادة القانون ورضا العامة

صيانة الوطن في سيادة القانون

الطريق الى 2030

القانون للصالحين من عباد الله

نبدأ حيث نحتاج

نقاط الاحتكاك بين المجتمع والدولة

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

 التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

 عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز

 

12/02/2020

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

وفقا لرأي د. ابراهيم البعيز فان التوجيه الاخلاقي – رغم ضرورته – ليس علاجا كافيا للانحرافات السلوكية والمشكلات التي تلازم الحياة المدينية. وكان البعيز ، وهو استاذ جامعي مهتم بقضايا التربية والاعلام ، يتحدث امام منتدى التنمية  المنعقد في الكويت (7 فبراير 2020) ، حول الدور المحوري للقانون كضابط للحياة المدينية التي تزداد عمقا وتعقيدا.
اننا نسمع من الارشادت والمواعظ الشيء الكثير ، وبشكل شبه يومي. واذا كنت سعوديا تجاوز الثلاثين من العمر ، فالمؤكد انك حصلت على نحو 2000 ساعة من التعليم الديني. وهذا قدر يكفي لجعلك متخصصا في علم الدين. لكني أجد – ولعلكم مثلي - ان التخصص العلمي شيء والتعامل الاخلاقي شيء آخر. يود الناس بطبيعة الحال المطابقة بين المعرفة الدينية والاخلاق الرفيعة. لكن هذا مجرد افتراض. 
إن معايير السلوك (في جانبها التطبيقي خصوصا) مستمدة من العرف. وغرضها تسويغ التعاملات الاجتماعية. ولذا فهي تصعد او تهبط ، تبعا لتحولات الحياة الاجتماعية: ما يستنكر  بالامس ربما يقبل اليوم ، وما يرحب به اليوم قد يستنكر غدا ، وهكذا. ارتباط الاخلاقيات بالعرف قد يصل الى حد التعارض مع تعاليم الدين ، التي يجري التاكيد عليها كل يوم. من ذلك مثلا إحسان التعامل مع الاجير والفقير والضعيف. ومنه افشاء السلام وايثار الاخر  والاحسان ، ومنه الرحمة والعطف ، ومنه المبادرة باقرار الحقوق المالية والمعنوية لاصحابها ، وعدم السكوت عنها ، فضلا عن انكارها او الحط من قدرها. 
فهذه أمثلة عن اخلاقيات معروفة تحث عليها جميع الاديان ، ويتفق على حسنها كافة الناس ، لكنها مع ذلك ضعيفة التأثير في الحياة الاجتماعية. ولذا نرى ان المشكلات الناتجة عن اساءة التعامل ، لا يختلف عددها وحجمها بين بلد مسلم متدين وبلد غير مسلم او غير متدين. ونعلم على سبيل المثال ان السجناء في نزاعات مالية يعدون بالالاف ، وان قضايا العضل واساءة المعاملة للنساء والعمال والشرائح الضعيفة في المجتمع ،  تعد بعشرات الآلاف وليس المئات او الآلاف في كل عام.
هذا أمثلة نراها كل يوم ، وهي تخبرنا عن ضعف الصلة بين الارشاد والوعظ من جهة ، والتعاملات الواقعية بين الناس في حياتهم اليومية ، من جهة اخرى.
تتسم الحياة في المدينة بالسرعة والتعقيد وكثرة المستجدات. ان التغير هو السمة الرئيسية للحياة المدينية. ولهذا فهي تزداد تعقيدا وعسرا ، بقدر ما تدخل عليها من عناصر جديدة ، وأبعاد غير مألوفة في كل يوم. وهذا بدوره يؤكد الحاجة الى القانون الذي يشكل حدا نهائيا لحركة البشر والمال والاشياء ، كي لا يسقط الضعفاء في الزحام فتسحقهم الاقدام.
كان ارسطو  يعتقد ان الناس يطيعون القانون خوفا من العقاب ، لا حبا في الفضيلة. هذا تصور مبني على رؤية متشائمة للطبيعة البشرية ، كانت سائدة في الأزمنة القديمة. اني أعارض هذه الرؤية ، لأسباب قد اعرضها في وقت آخر. لكني اعترف بان بدائل القانون ، ومنها الوعظ ، ليست فعالة في هذه الاوقات. ولو كانت فعالة ومفيدة لكان اهل الأديان احسن حالا ، على الاقل في مجال التعاطي مع بعضهم البعض.  
ومن هنا ، فاني سوف اقبل – ولو على مضض - الرؤية الداعية لتحكيم القانون في كافة اجزاء الحياة المشتركة بين الناس ، بحيث يتوفر لدينا ضابط فعال لكل ما امكن من التبادلات داخل المجتمع. وسوف يكون علينا ابقاء الامر على هذا الحال ، حتى نعتاد على الاقرار بالحقوق الضرورية المتبادلة فيما بيننا ، عندئذ سيكون للوعظ محل.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 جمادى الآخرة 1441 هـ - 12 فبراير 2020 مـ رقم العدد [15051]
مقالات ذات علاقة 


05/12/2018

صورتان عن الانسان والقانون


||هل يميل غالبية الناس عادة للعيش بسلام ويهتمون بصلاح حالهم ومن حولهم، ام يفضلون العيش في نزاع ويفسدون دنياهم حيثما غاب الرقيب؟||

لعل بعض القراء قد لاحظ معي مبادرة بعض الدوائر الرسمية ، بنشر أجزاء من انظمتها او لوائحها في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. وهو عمل طيب ، يساعد في توعية الناس بالقانون ، وجوده وحدوده. لكن لفت انتباهي التركيز - العفوي غالبا - على الحدود والعقوبات ، دون الحقوق التي يبتغي النظام اقرارها ، والمصالح التي يريد حمايتها.

وقد ذكرني هذا بمناقشات سابقة ، حول مفهوم القانون والفلسفة التي يبنى على أرضيتها ، والخلفية الذهنية لواضعيه. استطيع القول بشكل مجمل ان وضع القانون (ومن بعده اللوائح التنفيذية التي تحكم تطبيقاته) يتأثر بالخلفية الذهنية والتجربة الثقافية لواضعيه ، فيأتي على احدى صورتين: أ) قانون يركز على "بيان" حقوق المواطنين وكيفية الوصول اليها. ب) قانون يركز على "حدود" المسموح للمواطنين والعقوبات التي ستطبق على المخالفين.

نعلم طبعا ان القانون لا يكتمل ما لم يشتمل على الجانبين. لكن بدا لي ان القانون في البلاد العربية ، يميل بشكل عام الى التقييد وبيان الواجبات دون الحقوق. أو لعله يركز على القيود والواجبات بدرجة أكبر من الحقوق. ويظهر أيضا ان هذا المنحى هو المفهوم والمتعارف بين عامة الناس. فتراهم يذكرون في غالب احاديثهم العقوبات والقيود ، ويغفلون الجانب الآخر. ولعل مقصودهم هو تنبيه اصدقائهم كي لا يقعوا في المحظور.

 احتمل ان التركيز على الواجبات والعقوبات ، مرجعه ذهنية متشائمة تجاه طبيعة الانسان وميوله الفطرية. وأذكر عبارة لمفكر مشهور فحواها ان أي نظرية في السياسة ، هي - بالضرورة - نظرية حول طبيعة الانسان. وأرى ان الصحيح هو القول بأن كل نظرية في السياسة (وفي القانون) مرجعها رؤية مسبقة عن طبيعة الانسان.

 ثمة من يعتقد ان الانسان بطبعه ميال للفساد ، والتملص من السلوك الاخلاقي الذي يمليه العقل السليم. وثمة من يرى المسألة على النقيض. فالانسان عنده ميال للخير والالتزام بالاخلاقيات التي يقبلها العرف أو يدعو اليها. وكلا الفريقين لا ينكر وجود استثناءات ، لكنه يقرر الحالة العامة الغالبة في المجتمع الانساني.

وكان الاتجاه العام في ثقافة العالم ، يميل للرؤية الاولى المتشائمة ، حتى أوائل القرن الثامن عشر ، حين مال مفكرو التنوير الاوروبي ، للتخلي عن تراث الفلسفة اليونانية والتعاليم الكاثوليكية. فمالت الكفة لصالح الرؤية الثانية ، التي تنظر للانسان ككائن عاقل وميال الى الخيارات الاخلاقية ، في حياته وتعاملاته مع الغير. أما الثقافة العربية والاسلامية ، فهي لازالت متأثرة بانعكاسات الرؤية القديمة. وهذا واضح في التوجيه الديني ، وفي الدراسات الفقهية ، كما في القانون والسياسة.

لا يتسع المجال هنا للمقارنة بين الرؤيتين. واظن ان كلاهما سيجد من يميل اليه. لكني سأكتفي بوضع سؤالين يوضحان المقصود. السؤال الأول حول المخاطبين بالقانون. حيث نعلم انه يطبق على كافة الناس. فهل الغالبية العظمى من الناس يميلون – عادة – الى العيش بسلام ويهتمون بصلاح حالهم ورفاه من حولهم ، ام – على العكس – يميلون الى العيش في نزاع وصراع ويفسدون دنياهم حيثما غاب الرقيب؟. السؤال الثاني: هل يميل غالبية الناس الى الالتزام بالقانون اذا وجدوا فيه عونا لهم على نيل حقوقهم وتسهيل حياتهم ، ام انهم سيذهبون – رغم ذلك – الى الطرق الصعبة التي تنتهي للاضرار بهم او بالآخرين.

اظن ان السؤالين يوضحان العلاقة بين تصورنا عن طبيعة الانسان ، وانعكاسه على فكرة القانون واغراضه. وفي هذا ما يكفي عن كثير البيان.



الشرق الاوسط الأربعاء - 27 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 05 ديسمبر 2018 مـ رقم العدد [14617]

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...