‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلمانية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلمانية. إظهار كافة الرسائل

23/08/2017

العلمانية بين فريقين

||اهم انجازات الحداثة هو ارتقاء مكانة الانسان/الفرد من منفعل الى فاعل او متفاعل. وهذا يظهر بوضوح في تعامل الفرد مع الدين||. 
يمكن لمن شاء ان يكيل المدائح للعلمانية او يرميها بكل الموبقات. هذا لا يغير أي شيء في اي موضوع. العلمانية محايدة تجاه المعتقدات التي تسكن في ضمير البشر . ومن هنا فهي ليست داعما للمقدسات والجوانب الغيبية في العقائد والاديان. لكن هذا لا يجعلها عدوا للأديان ، ولا يجعلها بالتاكيد دينا بديلا عن اي دين او منافسا للدين.
المتحدثون في العلمانية فريقان ، يفهمها كل منهم في إطار مختلف. الفريق الاول يؤمن بها كايديولوجيا او شبه ايديولوجيا ، يريد تمكينها كمبدأ معياري في الحياة العامة. اما الفريق الثاني فيفهمها كمسار تحول في الافهام والتعاملات ، التي يطور البشر من خلالها حياتهم. لكنه لا يتبناها كمعيار او قيمة مستقلة. 
بالنسبة للفريق الاول فان الحياة ليست سوى مجال لتبادل المنافع المادية. وان التبادل المفيد هو ما ينتج قيمة مادية ، او يقبل التحويل الى قيمة قابلة للاحتساب ، وفق معايير الدنيا الحاضرة. القيم المعنوية والاخلاقيات مفيدة طالما امكن ترجمتها الى قيم مادية. فاذا اقتصرت عوائدها على منافع غير منظورة أو مؤجلة لما وراء الحياة ، فليست ذات موضوع.
انطلق هذا التصور من موقف معاد للأديان والتقاليد الروحية التي تحيل المكاسب لما بعد الحياة ، او تفترض وجود شريحة من الافعال والمسلمات ، لا يقدر العقل البشري على ادراكها واستيعابها. ولذا يجب فعلها والتسليم بصحتها  تعبدا ، او طمعا في الجزاء الأخروي.
اما الفريق الثاني فينظر للعلمانية كناتج طبيعي لانتقال المجتمع من عصر التقاليد الى عصر الحداثة. في عام 1616 حاكمت الكنيسة الكاثوليكية عالم الفيزياء الايطالي غاليليو ، لأنه برهن على صحة آراء كوبرنيكوس ، القائلة بان الارض تدور حول الشمس ، خلافا للتفسيرات المستمدة من الكتاب المقدس. نعلم اليوم ان الناس – حتى الاكثر تدينا منهم - يتعاملون مع الفيزياء والفلك كعلوم مستقلة بقواعدها وتجاربها ، ولا يعتمدون التفسيرات المستمدة من الكتب المقدسة. استقلال العلوم وفقدانها للقداسة او الخضوع للمقدس ، هو احد وجوه التحول الذي يوصف بالعلمانية. ومثل ذلك تماما استقلال القانون والاقتصاد وغيرها من جوانب الحياة.
بناء القوانين وانظمة الدولة والسوق على نتائج الدراسات العلمية والمداولات بين ذوي الاختصاص ، يزيل القداسة من تلك الانظمة ، ويحولها الى شأن عرفي يستمد الزاميته من ذاته او من توافق المجتمع عليه. اي ان طاعة القانون تفهم من جانب الناس ، كواجب يرتبط بالمصلحة العامة العرفية ، لا كتكليف ديني.
ونذكر أيضا ان اهم انجازات الحداثة هو ارتقاء مكانة الانسان/الفرد من منفعل الى فاعل او متفاعل. وهذا يظهر بوضوح في تعامل الفرد مع الدين. في عصر التقاليد كان واجبا على الفرد ان يسمع ويطيع. لأن التعاليم الموجهة اليه ، آتية من مصدر اعلى وأعلم بمصالحه. اما في عصر الحداثة ، فقد بات الفرد أقل اكتراثا بمصدر التعاليم ، واكثر اهتماما بالتحقق من فائدتها لحياته. بسبب هذا التحول فان التدين السائد اليوم ليس صورة عن تدين الآباء ، ففيه الكثر مما استعاره الأبناء من الزامات عصرهم ونتاجاته. تحول موقف الفرد وموقعه من الانفعال الى التفاعل ، هو مثال آخر على تغير مفهوم ومعنى المقدس وتقلص مساحاته في حياة الناس.
لو تركنا جانبا دعوة الفريق الاول ، التي تحمل مضمونا ايديولوجيا ، وركزنا على التأمل في تفسيرات الفريق الثاني ، فقد نجد ان العلمانية في هذا المعنى واقع يتحقق بالتدريج ، وليست مسألة مطروحة للنقاش.
الشرق الاوسط 23 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/1005801
 مقالات ذات علاقة



16/08/2017

تأملات في جدل متكرر


||الاحكام الخاصة بالعلاقة مع المختلف الديني ، باتت بلا موضوع. لأن موضوعها السابق جزء من ظرف اجتماعي زال من الوجود. وحين يزول موضوع الحكم ، يزول الحكم تبعا له||
لا أظن عاقلا سيحفل بما قيل حول "جواز" الترحم على الفنان المعروف عبد الحسين عبد الرضا. كلنا نعرف ان ربنا سبحانه أكرم من هؤلاء الذين ضاقت صدورهم عن استيعاب معاني رحمته التي وسعت كل شيء. ليس في أقوالهم إذن ما يستحق التوقف.
لكن هذا الجدل يكشف في عمومه عن قضية جديرة بالتأمل ، يوضحها سؤال: ماذا نفعل لو طرحنا رأيا مستمدا من مصادر دينية ، لكن العرف العام رفضه وأنكره.. هل نتخلى عن هذا الرأي ام نجبر الناس عليه؟.
هذا السؤال كان واضحا جدا في الجدل المذكور. بعض الدعاة انكروا جواز الترحم على الفنان المحبوب. فرد عليهم عشرات الآلاف من الناس مستنكرين ، ومدافعين عن محبوبهم. والحق اني فوجئت برد الفعل الجارف ، كما فوجيء غيري. ورأى فيه بعض الكتاب مؤشرا على تراجع الانقسام الحاد الذي وسم المجتمع العربي في السنوات القليلة الماضية.
تشييع جنازة المرحوم عبد الحسين عبد الرضا
خلاصة الفكرة التي اقترحها في هذا الصدد ، ان اتجاه الرأي العام نحو مسألة ما ، يشكل اطارا موضوعيا جديدا للمسألة ، ويستدعي بالتالي البحث عن حكم شرعي جديد ، بخلاف الحكم المتعارف. وفي خصوص مسألتنا الحاضرة ، فان الحكم الشرعي يرتبط بموضوع العلاقة بين المؤمن والمخالف ، سواء صنف كمبتدع او  منحرف أو كتابي او كافر او ملحد الخ. فرضيتنا هي ان الاحكام الخاصة بهذه الاصناف ، ولدت في ظل نظام اجتماعي موحد على اساس ديني او مذهبي (متحد اجتماعي = community). اما اليوم فنحن نعيش في مجتمع تعددي متنوع ، اقرب الى المتحد الاقتصادي/السياسي (=metropole) حيث يميل اعضاء المجتمع الى التعامل فيما بينهم وفق معايير مصلحية مباشرة ، لا تتأثر حديا بالخلفية الثقافية او الانتماء الاجتماعي.
اذا صح هذا ، استطيع القول ان الاحكام الخاصة بالعلاقة مع المختلف الديني ، باتت بلا موضوع. لأن موضوعها السابق جزء من ظرف اجتماعي زال من الوجود. وحين يزول موضوع الحكم ، يزول الحكم تبعا له.
لقد ربطت الظرف التاريخي باتجاهات الرأي العام لسبب بسيط ، وهو ان الرأي العام المعبر عنه بصورة واضحة ، كاشف عن التغيير الذي يحدث في البنية الاجتماعية ، اي في الثقافة والقيم والاقتصاد ونظام العلاقات الاجتماعية والهموم الجمعية. حين تتغير رؤية الجمهور – او شريحة معتبرة منه – الى مسألة ، او يتغير تعامله معها ، فان هذا يكشف عن تغير في البنية التي تشكل قاعدة المصالح التي يقوم عليها موضوع المسألة ، والاطار القيمي الذي يحدد موقعها من المنظومة السلوكية أو الاخلاقية للجماعة ، وتشكل جزء من مفهومها.
لا يمكن النظر في اي مسألة خارج اطارها الاجتماعي التاريخي. ليس للمسائل موضوعات مستقلة او عائمة في الفضاء ، بل هي دائما عنصر في بنية اجتماعية. موضوع المسألة هو واحد من أجزاء الصورة الكبرى التي نسميها بالبنية الاجتماعية. هذه البنية كيان عضوي يتحول باستمرار مع مرور الزمن ، بسبب التحول في علاقة البشر مع الطبيعة المحيطة بهم ، وتقدم معارفهم ، وتعاملهم مع التحديات التي يواجهونها كل يوم في بيئتهم او في عالمهم.
اتفق فقهاء الاسلام على تغير الاحكام تبعا لتغير الموضوعات. ما اقترحه اليوم هو تعريف موسع للموضوع بحيث لا ينصرف الى مسألة بعينها ، بل يشمل أيضا الظرف الاجتماعي الذي تتموضع فيه المسألة. القبول بهذه المقدمة يضع اساسا لقانون عام يؤثر على معظم الاحكام الخاصة بالتعاملات الجمعية.
الشرق الاوسط 16 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/1000081

مقالات ذات علاقة
 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

09/08/2017

العلمانية على الطريق


||الجدل الحالي حول العلمانية في العالم العربي ، لا سيما منطقة الخليج، يشير إلى تحول ملموس نحو القبول بالتعددية على المستوى الفكري والاعتقادي، وسيادة القانون على المستوى السياسي والاجتماعي||
عاد الجدل حول العلمانية إلى منتديات الخليج بعد الحديث المشهور لسفير دولة الإمارات في واشنطن. كانت الصحافة السعودية قد شهدت جدلاً أوسع في مطلع العقد الجاري، محوره المفاضلة بين الدولة الدينية والمدنية. وانقسم الناس يومذاك – كما اليوم – بين داعٍ للعلمانية وبين رافض لها من الأصل، وبين من يناقش في التفاصيل.
المقارنة بين جدل اليوم وجدل الأمس، تكشف أن بعض رافضي العلمانية في 2012 يميلون اليوم إلى التعامل معها كاحتمال ممكن، مع بعض التعديلات. ونشير إلى أن الجدل حول المسافة بين الدين والعلمانية، شأنه شأن كل القضايا المرافقة للتحول الاجتماعي، يتصاعد أو يتراخى بتأثير الصراعات السياسية، التي لا يخلو منها بلد عربي. ولذا فإنك لا تطمع في نقاش ثقافي متراكم، قدر ما تراقب التحولات الإجمالية على الخط الممتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
أظن أن النقاشات الأولى قد لفتت أنظار الإسلاميين إلى أعمال المرحوم د. عبد الوهاب المسيري، سيما كتابه «العلمانيةالجزئية والعلمانية الشاملة». وأرى أن كتاب المسيري يصلح للقارئ الأوروبي أكثر مما يصلح للقارئ العربي؛ فهو ينطلق من فرضية مكتومة إلى حد ما، فحواها أن العلمانية متحققة فعلاً، وأنها تفرز مفاعيلها الفلسفية والثقافية والمادية، وتؤثر في البنية العميقة للمجتمع. وهذه فرضية قد تكون صحيحة في المجتمعات الصناعية. لكنني أظنها غير واقعية في المجتمعات العربية.
د. عبد الوهاب المسيري

ركز الكتاب على مخاطر المادية المفرطة وتغوّل رأس المال. وتبنى مقاربة طورها فلاسفة أخلاقيون غربيون، تحذر من تسليع الإنسان. وقد بسط النقاش في موضوع العلمانية وفصله، على نحو يقود القارئ – المتشدد خصوصاً – إلى رؤية تفارق الثنائية التقليدية التي تقرن العلمانية بالكفر، وتضع الدين والعلمانية على طرفي نقيض. وهي ثنائية تنطوي على محمول رمزي وعاطفي لا يسمح بتفكير واقعي.
احتمل أيضاً أن تأملات الإسلاميين في التجربة الناجحة لحزب «العدالة والتنمية» التركي، قد أسهمت في تعزيز مفهوم الدولة المدنية، التي تسمح بنوع من التعايش بين المشاعر الدينية والحكم المدني، في ظل قانون يحمي التنوع الثقافي والتعددية السياسية. وأذكر أن الرئيس رجب طيب إردوغان أثار جدلاً واسعاً في سبتمبر (أيلول) 2011 حين دعا المصريين إلى وضع دستور يحترم مبادئ الدولة المدنية. وصرح في حديث لقناة مصرية بأن «العلمانية ليست معادلة رياضية تطبق في كل مكان على نحو واحد. العلمانية تحترم كل الأديان ولا تنفي الدين أو تدعو إلى اللادينية. الحكومة التركية تطبق العلمانية، لكن الشعب حر في التدين وفق ما يعتقد».
زبدة القول إن الجدل الحالي حول العلمانية في العالم العربي، ولا سيما منطقة الخليج، يشير إلى تحول ملموس نحو القبول بالتعددية على المستوى الفكري والاعتقادي، وسيادة القانون على المستوى السياسي والاجتماعي. يجب القول إن هذا التحول لم يصل بعد إلى مراحل متقدمة، وإن مسافة طويلة تفصلنا عن مرحلة النضج، حين يتعامل المجتمع والقوى الناشطة فيه خصوصاً، مع حرية التفكير والاعتقاد وحاكمية القانون، كمسلمات وضرورات للحياة المدنية السليمة.
هناك بطبيعة الحال متشائمون يشيرون دائماً إلى تصريحات هذا الزعيم أو ذاك، كدلالات على أننا لا نزال في المربع الأول. لكن ما أظنه مهماً هو الحراك الاجتماعي الواسع، الذي يكشف عن تحول تدريجي في البنية وأنماط التفكير، قد لا نرى نتائجها سريعاً، لكننا نستطيع لمس بواكيرها.
الشرق الاوسط 9 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/994501
 مقالات ذات علاقة

02/12/2015

الحداثة كمحرك للتشدد الديني


أغلب الباحثين الذين كتبوا عن تصاعد المشاعر الدينية في السنوات الأخيرة ، اعتبروه نوعا ‏من الهروب الى الماضي ، احتماء به من تحديات الحداثة المؤلمة. بعضهم لاحظ ان التحولات ‏الاقتصادية التي جاءت في اطار التحديث أوجدت حالة من الضياع وانعدام التوازن النفسي للأفراد ‏، الذين ارادوا حجز مكانهم في النظام الاجتماعي الجديد ، لكنهم وجدوه محاطا بذات الأسوار ‏السياسية التي عرفوها في مجتمع ما قبل الحداثة. إقبال الافراد على الانضمام الى المجال الديني ، ‏يشكل - في رأي هؤلاء الباحثين - محاولة للتمسك بقطار لازالت سكته ممتدة بين الماضي ‏والحاضر ، ولازالت ابوابه مفتوحة ترحب بأي قادم. ‏

قدم المفكر الفرنسي مارسيل غوشيه تفسيرا معاكسا. وهو – على خلاف المتوقع – أكثر ‏انسجاما مع المفهوم الكلي للتحديث وانعكاساته الثقافية. تحدث غوشيه في كتابه "الدين في ‏الديمقراطية" عن الميل المتفاقم للتدين بين الاجيال الجديدة ، كمؤشر على ان الحداثة قد شقت ‏طريقها فعلا في جميع الشرائح الاجتماعية. وهو يعتقد ان جوهر هذا التدين هو التعبير عن الذات ‏وتشكيل هوية فردية مستقلة. ‏

الفرد المتأثر بموجات الحداثة ما عاد يرى نفسه مجرد صورة عن الجماعة التي ينتمي اليها ، بل كائنا مستقلا يختار صورته وهويته. تطور التفكير في الذات على هذا النحو ، أدى الى انفصاله عن التدين الجمعي التقليدي. بمعنى انه تحول من التبعية المطلقة لتلك الصورة/الهوية الدينية ، الى امتلاك تدينه الخاص/هويته. ونتيجة لهذا اصبحت الهوية الدينية فردانية ، أي اكثر تصلبا وتسلطا مما كانت عليه يوم كان صاحبها تابعا لـ "دين الاباء". تحول الدين الى خيار فردي جعل حامله مهموما بالعمل على فرض تصوره/هويته كحقيقة وحيدة في العالم. انها – في هذا المعنى – وسيلة لتحقيق الذات في عالم متصارع.

هذا الرأي يقدم – من زاوية واحدة على الأقل – تفسيرا للتباين الذي يشار إليه أحيانا ، بين التدين القديم ، اي ما يسميه غوشيه "دين الآباء" والتدين الجديد ، أو دين الأبناء. لم يتنازع الآباء في أغلب الأحيان ، لان تدينهم كان تعبيرا عن ارتباط راسخ مع الجماعة ، اي هوية مستقرة. بينما يمثل تدين الأبناء هوية لازالت في طور التشكل. وهي متفارقة ، أو على الأقل مستقلة عن أي جماعة. صحيح ان كثيرا من أفراد الجيل الجديد منتمون الى جماعات منظمة او تيارات نشطة ، الا انه انتماء مختلف في المضمون والاغراض عن انتماء الاباء الى الجماعة او التيار العام.

 ينتمي الشاب الى الجماعة الدينية وفي ذهنه فكرة اكتشاف ذاته ثم تحقيق ذاته. وفي ظروف قلقة ومتحولة كالتي تمر بها المجتمعات العربية ، فان صناعة النفوذ الشخصي تتحول الى دينامو تحقيق الذات. الميل الى تلبس دور الداعية هو التمظهر المعتدل لهذا التوجه ، لكنه في حالات أخرى ، وان كانت قليلة ، يظهر في صورة ميل الى السلاح ، تدربا وامتلاكا واستعمالا.

التوتر الذي أصبح سمة عامة في التيار الديني قد يعطي دليلا على المضمون الهوياتي للتدين الحديث. وهو توتر ينعكس أحيانا في صورة تنازع بين التيار وخارجه ، كما يتجسد في ميل شبه دائم الى الانشقاق في داخل التيار نفسه ، اي توترا بين الاطياف المتعددة داخل نفس التيار ، فضلا عن التوتر الذي يسم السلوك الشخصي للاعضاء. وهو ما يتجسد في الخشونة النسبية لطروحاتهم وفي ميلهم الى فرض مراداتهم على الغير.

الشرق الاوسط 2 ديسمبر 2015

18/02/2014

سؤال العلاقة بين الدين والدولة

 

في مقاله الأسبوعي يتساءل الدكتور خالد الدخيل: هل شهد تاريخ الإسلام توحدا بين الدين والدولة على النحو الذي يفهم من شعار "الإسلام دين ودولة"؟

هذا واحد من مئات الأسئلة التي تدور حول معنى الدين ومفهوم الدولة في هذا العصر. كثير من الناس يبحث عن جواب مبسط عمومي من نوع أن الدين والدولة يتلاءمان أو يتخاصمان. لكن أي جواب من هذا النوع سيكون مخادعا. لأنه مبني على فرضية مسبقة فحواها أن للدين والدولة مفهومات ثابتة ونهائية. تحولات العالم، ولا سيما في أواخر القرن العشرين، غيرت بعمق معظم المفاهيم الموروثة حول النظام الاجتماعي.

النظام الاجتماعي (والدولة) ليس حشدا من الأفراد يديرهم رئيس. بل هو مركب ثقافي قيمي يتأثر باستمرار بما يجري داخله وحوله من تحولات اقتصادية وسياسية. يعرف دارسو العلوم الاجتماعية أن تحولات كهذه تقود بالضرورة إلى تحولات لاحقة في الثقافة التي تمثل أرضية لذلك التنظيم أو اطارا للتفاعل بين عناصره.

من الأمثلة الواضحة على تلك التحولات التكييف الفقهي لدور الجمهور (العامة). يعرف الباحثون أن العامة كانت غفلا في التراث والفقه الإسلامي، دورها قصر على السمع والطاعة والموت في الحروب. في عصرنا هذا أصبح الجمهور محور الحياة السياسية.

خلال السنوات الأخيرة تحدث باحثون وفقهاء عن رضا العامة ورأيهم "المعبر عنه بالانتخابات العامة مثلا" كمصدر للشرعية السياسية، خلافا للإجماع القديم على إرجاع أمور الولاية في الجملة والتفصيل للخاصة أو النخبة. ومن ذلك أيضا الموقف من أحكام المرأة ودورها في النظام الاجتماعي.

اتفق قدامى الفقهاء وأتباعهم من المعاصرين على أن بقاء المرأة في بيتها هو الوضع الصحيح وأن خروجها لطلب العلم أو العمل أو غيره، مشروط بضرورات مؤقتة. بينما نرى اليوم علماء وناشطين وجماعات دينية تتقبل، وبعضها يشجع، خروج النساء لكل تلك الأغراض ولغيرها. بل إن الجمهور المسلم والجماعات الدينية في العديد من البلدان، لا ترى بأسا في ترشيح النساء للمناصب السياسية، مما عرف سابقا بالولايات، التي اتفق قدامى الفقهاء وقراؤهم المعاصرون على حصرها في الرجال.

هذه أمثلة على تحول في النظام الاجتماعي تؤدي بالضرورة إلى تحول مواز في ثقافة الناس وقناعاتهم، ومن ثم إعادة صوغ القيم الدينية أو تفسيرها على نحو يلائم الأوضاع الجديدة. أي إعادة صوغ لمفهوم الدين وكيفية تطبيقه في الاجتماع السياسي.

من المهم في تقديري تحديد مفهوم الدين ومفهوم الدولة الذي نناقشه، قبل الحديث عن العلمانية. إن كثيرا من التطبيقات التي يتقبلها الجمهور والفقهاء اليوم، كانت في نظر الجيل السابق قد تمظهرات للعلمانية. لكن المفاهيم تتبدل تبعا لتحول النظام الاجتماعي والثقافة. من المهم إذن عدم إغفال هذه التحولات كي لا ننزلق لاستنتاجات مخادعة أو ربما قصيرة العمر.

الاقتصادية 18 فبراير 2014

  http://www.aleqt.com/2014/02/18/article_826430.html

 مقالات ذات علاقة

 

حول الفصل بين الدين والعلم

حول تطوير الفهم الديني للعالم

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول

 الـدين والمعـرفة الدينـية

العلمانية بين فريقين

العلمانية على الطريق

الإخوان .. خطاب بديل

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نقد التجربة الدينية

هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟

28/10/2008

حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب


حدود الديمقراطية الدينية : عرض بقلم عمر كوش 
تأليف: توفيق السيف
الناشر: دار الساقي، بيروت، 2008

أضحت العلاقة بين الدين والديمقراطية موضوع دراسات ونقاشات عدَّة في البلدان العربية، نظراً لأن الديمقراطية باتت تشكل استحقاقاً لا يحتمل التأجيل، وتفرض نفسها على مختلف البلدان الإسلامية والعربية، إضافة إلى تأثير تيارات وحركات الإسلام السياسي في مجرى الأحداث الراهنة في العالم. وفي هذا السياق ينطلق مؤلف الكتاب من النقاش المستجد في منطقة الشرق الأوسط حول العلاقة بين الدين والديمقراطية، وإمكانية إيجاد نموذج ديمقراطي قادر على التفاعل مع الهوية الدينية للمجتمعات المحلية. ويحدد هدف كتابه في اختبار إمكان تطوير خطاب سياسي من هذا النوع، من خلال اتخاذ مدخل سوسيولوجي يركِّز على مدى التغيير الممكن في الفكر الديني كنتيجة لانخراط الدين في السياسة. ويتخذ من تجربة إيران بعد الثورة الإسلامية كموضوع اختبار لفرضياته، مع التركيز على التجربة السياسية للتيار الإصلاحي بين عامي 1997 و2004، بغية تحديد المبررات الموضوعية لفشل النموذج الديني التقليدي في الحكم، وظهور التيار الإصلاحي الداعي إلى الديمقراطية في السياسة، ونظام السوق الحرة في الاقتصاد.

ويقدم الكتاب كذلك صورة مقارنة عن الأيديولوجيا السياسية للتيار الديني المحافظ، ونظيرتها الإصلاحية التي تجمع بين الأساس الديني والمفاهيم الديمقراطية- الليبرالية. كما يقدم تحليلاً مفصلاً للأسباب التي أدت إلى فشل النموذج الديني التقليدي ومهَّدت لظهور منافسه الإصلاحي، ومحاولة معرفة المواضع التي يمكن للإسلاميين أن ينجحوا في ممارسة السلطة فيها، والمواضع التي يفشلون فيها أيضاً، وذلك من خلال دراسة حالة محددة، تتجسد في كيفية تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية على المستوى الاقتصادي، والعلاقة بين الدولة والمجتمع.

ويعرض الكتاب موجزاً للعوامل التاريخية التي أثرت في تكوين الفكر السياسي الشيعي، ثم يناقش دور الخميني في تجسير الفجوة بين التشيع التاريخي والفكر السياسي المعاصر. كما يقدم صورة عن التحولات في بنية النظام والمجتمع الإيراني وانعكاسها على الثقافة والفكر الديني في السنوات اللاحقة للثورة الإسلامية. ثم يناقش التباينات الأيديولوجية الحادة بين التيارين المتنافسين على السلطة، الإصلاحي والمحافظ، وخلفيتها الاجتماعية والثقافية، وانعكاسها على مفهوم الدولة وممارسة السلطة عند كل منهما. ويعرض كذلك بعض المفاهيم الأساسية التي يدور حولها الجدل بين الفريقين، مثل مفاهيم الجمهورية، ومصادر الشرعية السياسية، ودور الشعب، سيادة القانون، وعلاقة الدين بالدولة. إلى جانب مناقشة التفسيرات التي يعرضها الإصلاحيون للعلمانية، والأرضية المرجعية التي يستند إليها كل من التيارين في أطروحاته، مع تقديم صورة عن الأحزاب الرئيسة الفاعلة في السياسة الإيرانية، بغية الإحاطة بالوضع الإيراني وتقديم قراءة دقيقة للقوة الشعبية التي تدعم الخطابين الإصلاحي والمحافظ، ومدى فاعليتها في المحافظة على زخمه.

ويهتم المدخل السوسيولوجي بالتمظهرات الاجتماعية للأفكار، ويسعى إلى اكتشاف العوامل البنيوية وراء تغيرها وتطورها، انطلاقاً من فرضية مسبقة، تعتبر أن فهم الإطار الاجتماعي الذي ظهرت فيه الفكرة وتطورت ضروري لفهم الفكرة نفسها وتقدير أهميتها ومدى تأثيرها، ذلك أن الأفكار، مثل جميع عناصر الحياة الاجتماعية الأخرى، هي كائنات متفاعلة مع محيطها، تتطور وتتغير بتأثير من مختلف العوامل التي تسهم في تشكيل منظومة الحياة، كما أنها تؤثر في تلك العوامل. ثم يجري الانتقال إلى تطور الفكر السياسي الشيعي، لاسيَّما نظرية السلطة الدينية في إيران خلال ربع القرن الماضي، أي منذ قيام الثورة الإسلامية في العام 1979 حتى العام 2005، والظروف الاجتماعية والسياسية التي جرى في ظلها ذلك التطور، بهدف اختبار العوامل الكامنة وراءه، وما إذا كان ممكناً في ضوئها تطوير خطاب سياسي ديمقراطي على أرضية دينية.

ويرى المؤلف أنه خلافاً للفرضية السائدة التي تقول إن الدين بذاته معوق للديمقراطية، تدلّ الملاحظة الميدانية لتجربة إيران خلال القرن العشرين على أن الدين يمكن أن يلعب هذا الدور أو يلعب نقيضه، حيث يتحدد دور الدين كمساعد للديمقراطية أو معوق لها، بتأثير عوامل خارج إطار الدين نفسه.
وهنالك معادلة خاطئة تجعل من الديمقراطية نداً منافساً للدين وهذا غير صحيح، إنه يشبه أن نسأل: هل نختار الدين أم مكارم الأخلاق؟ لقد بذل كثير من الكتاب المسلمين جهودا كبيرة ليقنعوا الناس أن الديمقراطية ليست من الدين بل هي كفر.. وهذا في الحقيقة ظلم للديمقراطية وتجنٍّ عليها، إن الديمقراطية هي الحل الأمثل للمجتمعات متعددة الأديان والمذاهب والاتجاهات، وهي حال معظم الدول في عصرنا هذا، وهي تشابه حال الدولة التي نشأت في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها، فقد أصبح في المدينة أكثرية مسلمة وأقلية يهودية، وكان الحل هو إبرام عقد اجتماعي واقعي عادل ولكي تتم المصالحة بين الدين والديمقراطية، يجب أن يجرى تعديل في الرؤية الدينية وتعديل مواز في مبادئ الديمقراطية. وهذا التعديل المتوازي ضروري للتوصل إلى نموذج حكم يلبي في وقت واحد المعايير الأساسية للديمقراطية والقيم الدينية التي يؤمن بها المجتمع. وليست هذه العملية سهلة أو سريعة بطبيعة الحال، إذ ثمة تعقيدات نظرية وتعقيدات اجتماعية لابد من التعامل معها بأعلى قدر من الحساسية والالتزام كي نصل بالعملية إلى نهايتها السعيدة.

 وبالنسبة إلى التجربة الإيرانية، ورغم ما تنطوي عليه الجدالات الراهنة من وعود وما حققته فعلياً من تقدم على أكثر من صعيد، فإنه من الواضح أنه ما زال على الإيرانيين التوصل إلى حل للعديد من القضايا الإشكالية العسيرة قبل بلوغ الغاية المنشودة، أي صوغ معادلة تحقق التناغم والانسجام الكلي بين الديمقراطية والدين. وتبقى مسائل مثل مصدر السيادة، ووظيفة الدولة فيما يتعلق بالدين، والحقوق الدستورية، وما إلى ذلك، هي جميعاً مسائل جديدة في الفكر الديني.

ويعتبر المؤلف هيمنة الروحانيين على الحياة السياسية والاجتماعية معوقاً رئيساً للتحول الديمقراطي في الجمهورية الإسلامية، لأن الروحانيين يعتبرون أنفسهم أصحاب النظام وأولى الناس باحتلال المناصب الرئيسة في الدولة. وهم لا يكتفون بممارسة الأعمال التي تدخل ضمن نطاق اختصاصهم كطلاب شريعة، بل يتدخلون في كل أمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي بعض الأوقات، يشير بعضهم إلى ضرورة بقاء رئاسة الجمهورية في يد الروحانيين لنصف قرن على الأقل.

وتنطوي هذه المسألة على نوع من التمييز ضد عامة المواطنين، كما تؤسس لمبدأ خاطئ يتمثل في تقديم المكانة على الكفاية. لكن أخطر ما فيها هو إلقاء نوع من العصمة على الحاكمين باعتبارهم متحدثين باسم الله وممثلين رمزيين للإمام المعصوم. وأصبح من الصعب، من الناحية الواقعية، إخضاع الروحانيين للمراقبة والمحاسبة أو تحدي سلطتهم بالوسائل الديمقراطية. أما الديمقراطية فتتجسد أولاً وأخيراً في تحديد سلطات الحاكمين وتمكين الشعب أو ممثليه من مراقبة أعمالهم ومحاسبتهم عليها.
وقد عرفت إيران صعود حركة إصلاحية، تُوِّجت بوصول محمد خاتمي إلى كرسي الرئاسة، ثم ما لبث التيار المحافظ أن عاد إلى تسلم السلطة من جديد.

وهناك أسباب عدَّة أفضت إلى عودة المحافظين بخلفياتهم السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. ومن الصعب الحديث عن الديمقراطية في إيران في ظل نظام لا يسمح بالتعددية وحرية التعبير والرأي، مع أن الديمقراطية بالإضافة إلى أنها تقتضي الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فإنها تقوم أيضا على مجموعة من المبادئ السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية التي تصلح لأن تجتمع عليها أصوات ثلثي الأمة أو أكثر، وهو المقدار الذي يلزم لإجراء تعديل دستوري في أغلب الأنظمة الديمقراطية.
ويحاول بعض المفكرين الإيرانيين البحث عن إمكانية تركيب مفهومي بين الدين والديمقراطية، وفي المجال نفسه يجادل مؤلف الكتاب مفترضاً أن الديمقراطية، بوصفها حكم الشعب، هي نظام ممكن من الناحية الدينية، بل هي نظام أفضل من الناحية الدينية، فيجري توافقاً وتطابقاً بين القبول التوافقي وإجماع الأمة، معتبراً أن القبول التوافقي بالقيم الديمقراطية والحكومة التي تجسدها سوف يوفر ظرفاً أفضل للاعتقاد الحر والممارسة الحرة لمقتضيات الإيمان، وعليه فإن النظام الديمقراطي أكثر إنسانية، كما أنه أكثر دينية من أي نظام استبدادي.

جريدة العرب القطرية 2008-10-26

مقالات ذات صلة:

27/06/2007

تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة

؛؛ الدين يحتاج للعلم في جوانب، والعلم يحتاج الدين في جوانب أخرى. لكن كلا منهما عالم مستقل بمناهجه ومعاييره واغراضه؛؛

هذا تعليق على مقالة اخرى جميلة للاستاذ احمد عائل فقيهي (عكاظ 21 يونيو2007 )، يدعو فيها الى عودة التلاقي بين الجامعة والجامع، كتمهيد لصياغة وعي جديد بين جيل المسلمين الحاضر. وأظن ان معظم قراء الاستاذ فقيهي قد وافقوه فيما ذهب اليه، فغالبية الناس تميل الى سبيل المصالحة، وتفضل اللقاء على الفرقة، والوئام على الخصام. 

أحمد عائل فقيهي

لكن ليسمح لي الاستاذ فقيهي وقراؤه المكرمون بادعاء ان هذه دعوة مستحيلة ضمن الشروط الاجتماعية – الثقافية الراهنة عندنا، رغم انها ممكنة على المستوى النظري.

ولو كنت في محل الكاتب لبدأت بسؤال : لماذا نشكو اليوم من انفصال المؤسستين؟. فالواضح ان احدا لم يقرر هذا الفصل او يسعى اليه. والواضح ان معظم الناس يرغبون في مصالحة بين الدين والعلم، تعيد الى الحياة ما يقال عن تاريخ المسلمين القديم من توافق وتفاعل بين الدين وعلم الطبيعة والتجريب والفلسفة. 

دعنا نحاول سؤالا آخر ربما يسبق ذلك السؤال:

-          ما الذي نعنيه بكلمة «انفصال»؟.

فالواضح ان كثيرا من رواد المساجد قد تخرجوا من جامعات، واكثرية طلاب الجامعات ملتزمون بدينهم. نحن لا نتحدث اذن عن انفصال اهل الدين عن اهل العلم. 

-  هل المقصود هو منح العلوم هوية دينية؟.

بعض الدعاة تحدث عن اسلمة العلوم، واظن ان اهتمام هؤلاء كان منصبا على العلوم الانسانية مثل الفلسفة والاجتماع والادب الخ. لكن فريقا منهم ذهب الى ما هو ابعد فتحدث عن طب اسلامي وكيمياء اسلامية الخ.

انطلق دعاة اسلمة العلوم من فكرة ان العلم المعاصر قد تطور في بيئة معرفية تنكر دور الدين. ولهذا السبب فقد يتطور العلم بعيدا عن الاخلاق، وقد يتحول من خدمة الانسان الى استغلاله. لكن على اي حال فان هذه الدعوة لم تجد قبولا واسعا، لانها ظهرت في بيئة لا تنتج العلم ولا تجري فيها نقاشات علمية حرة. بعبارة اخرى فان اسلمة العلوم غير قابلة للتحقق الا اذا اصبح العالم الاسلامي منتجا للعلم. اما اذا بقي مستهلكا للنتاج العلمي الاجنبي، فان الكلام عن اسلمة العلم يبقى مجرد بلاغة لفظية تشبه اعلان سيتي بنك الامريكي عن انشاء «وحدة مصرفية اسلامية» لاستقطاب زبائن جدد في الخليج.

اظن ان جوهر مشكلة الانفصال التي تحدث عنها الاستاذ فقيهي، تكمن في عجز كل من الجانبين، الديني والعلمي، عن تحديد نقاط التداخل ونقاط التخارج بينهما. فالمؤكد ان الدين يحتاج الى العلم في جوانب، والمؤكد ان العلم يحتاج الى الدين في جوانب أخرى. لكن يبقى كل منهما عالما مستقلا بذاته، له مناهجه ومعاييره واغراضه وأدوات تطوره الخاصة.

نتيجة لغموض نقاط التداخل والتخارج، اصبحنا عاجزين عن تحديد المكان الذي ينبغي ان نستعمل فيه المنهج الديني والاداة الدينية، والمكان الذي ينبغي ان نستعمل المنهج والاداة العلمية. 

الدين بطبعه عالم يسوده اليقين والتسليم والتنازل والخضوع. بخلاف العلم الذي يسوده الشك والجدل والنقد والتعارض وانكار المسلمات. دور الدين هو توفير الاجوبة لانسان يبحث عن الاطمئنان، اما دور العلم فهو اثارة الاسئلة وهدم كل جواب سابق. 

اظن ان اتضاح الخط الفاصل بين مجالات العلم ومجالات الدين، هو الخطوة الاولى لعودة التفاعل الايجابي بينهما، وبالتالي قيام تواصل بناء بين العالمين. لكن هذا يتوقف مرة اخرى على توفر نقاشات حرة ونشطة تنتج علما او تطور العلم. ان تحديد النقاط المشار اليها ليس من الامور التي نرجع فيها الى آراء السابقين وما تركوه من تراث، بل هو نتاج لاكتشاف حاجات معاصرة وأسئلة جديدة تضع على المحك الاجوبة المعتادة والآراء المنقولة من ازمنة سابقة وتثير الشك في ما يبدو بديهيا ومتعارفا.

 https://www.okaz.com.sa/article/114404

عكاظ الأربعاء 12/06/1428هـ ) 27/ يونيو/2007  العدد : 2201

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...