‏إظهار الرسائل ذات التسميات هنتينجتون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هنتينجتون. إظهار كافة الرسائل

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

07/12/2009

نبدأ حيث نحتاج


زميلنا الاستاذ مشاري الذايدي حائر بين دعاة الديمقراطية في العالم العربي والمنادين بتاجيلها، فهو يرى في حجج الفريقين مصداقية وقربا من الواقع (الشرق الاوسط 4 ديسمبر 2009). دعاة التاجيل يرون المجتمع العربي غير جاهز للتحول الديمقراطي بسبب عيوب بنيوية في ثقافته او اقتصاده او نظام علاقاته الداخلية. 
 ثمة ايضا من يطرح اعتراضات ايديولوجية، ويقترح نظام عمل مستمدا من الدين او التقاليد الخاصة بالمجتمع العربي.  نحن اذن ازاء مستويين من النقاش : نقاش حول اصل الفكرة وحاجتنا اليها كحل مشكلاتنا ، ونقاش حول صعوبات تعترض تطبيقها. المستوى الثاني نشهده في البلدان التي بدأت التحول ولم تبلغ نهاية الطريق.
في بلدان مثل لبنان والكويت واليمن والجزائر والمغرب والبحرين ثمة اتفاق على ضرورة التحول ، لكن المسير متباطيء او متوقف في منتصف الطريق. هذا التوقف يكشف عن عقبات كالتي اشرنا اليها ويثير الشك في امكانية استكمال المهمة. لكن لعل الاستاذ الذايدي يلاحظ ان مختلف التيارات في تلك البلدان متفقة على رفض التراجع او التخلي عن الخيار الديمقراطي . وهذا يشمل حتى التيارات التي تدعي امتلاكها لنظام عمل افضل من النظام الديمقراطي مثل التيارات الاسلامية التقليدية والماركسية والقومية القديمة. نستطيع القول اذن ان الذين جربوا هذا النظام – حتى في حدوده الدنيا – لا يرغبون في التخلي عنه، لانهم اكتشفوا انه مع كل نواقصه وعيوبه لا يقارن باي نظام آخر من الانظمة التي نعرفها حتى الان.

هذه التجارب الواقعية تدلنا على ان النقاش حول فائدة هذا النظام او صلاحه ليست كثيرة الجدوى. المجدي في ظني هو ان نعالج الموضوع معالجة تجريبية تركز خصوصا على العناصر والاجزاء التي تنطوي على حل لمشكلاتنا. اهمية هذا المنهج تكمن في انطلاقه من حاجات واقعية، وبالتالي فان فعالية الحلول المقترحة ستفهم ضمن حدود المشكلة. نشير ايضا الى ان الديمقراطية ليست صندوقا مغلقا تأخذه كله او تتركه كله. فهي فكرة بشرية قابلة للتفكيك والتعديل، وبامكاننا دائما ان نأخذ منها ما يناسبنا في مرحلة ونترك الباقي او نؤجله.

ثم اننا نواجه اشكال البداية. يعتقد معظم الناس ان الانتخابات هي اول الديمقراطية. واظن اننا نستطيع الابتداء بغير ذلك . واميل شخصيا الى البداية بسيادة القانون . سيادة القانون هي احد الاركان الكبرى للنظام السياسي الحديث ، وهي ضرورة للاقتصاد والسياسة والامن في آن واحد.

 الاقرار بسيادة القانون لا يحتاج الى مقدمات كثيرة مثل سائر اركان الديمقراطية. في تجارب العالم المعاصر رأينا دولا حافظت على نظامها القديم لكنها ارست سيادة القانون وحصلت من وراء ذلك على خير كثير. ويذكر الباحثون في العادة تجارب الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند وماليزيا كمثال على امكانية الملاءمة بين نظام اجتماعي تقليدي ونظام اقتصادي حديث. تختلف الدول الثلاث في مستوى تطورها السياسي فبعضها متقدم على الاخر ، لكنها تشترك جميعا في نقطة البداية واعني بها ارساء سيادة القانون .
 كانت هذه الدول جميعا فقيرة بل ان الصين بقيت حتى اوائل السبعينات تعاني من المجاعة بسبب قصور الانتاج الغذائي وسوء الادارة. لكن الطريق الذي اتبعته يدرس الان كنموذج للتنمية الاقتصادية المنفصلة عن التطور السياسي. لم تعد تلك الدول فقيرة ولم يعد اقتصادها معتمدا على تصدير العمالة الرخيصة كما كان الحال حتى اوائل العقد الجاري. تضاعفت صادرات الصين اربعين مرة خلال السنوات العشرين التي اعقبت تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي في 1980، كما تحولت كوريا الجنوبية الى لاعب بارز في صناعة التجهيزات عالية التقنية وجاذب للاستثمارات الاجنبية في قطاع التصدير.

على المستوى السياسي اثمرت سيادة القانون وتطور الاقتصاد عن استقرار امني وسياسي لم تعرفه هذه الدول في الماضي. هذه التجربة تشير في الحقيقة الى عنصر قوة في نظرية التنمية التي اقترحها صامويل هنتينجتون والتي تؤكد على هذا المنحى على الرغم من النقد الكثير الذي نالته حين طرحها للمرة الاولى . خلاصة القول ان التحول الديمقراطي ممكن رغم كل الصعوبات المعروفة ، لكنه يحتاج الى نقطة بداية ، واعتقد ان نقطة البداية المناسبة هي ارساء سيادة القانون لانها تنطوي على حل مجرب لمشكلات فعلية يعاني منها المجتمع العربي، ولانها قابلة للتطبيق الفوري، فضلا عن كونها نقطة التقاء بين مصالح النخب العليا وعامة الناس.
عكاظ 7 ديسمبر 2009

22/06/2005

العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

 مع الانتعاش الاقتصادي ياتي عادة ارتخاء اجتماعي و- بالتبع – سياسي وامني. وتلك لعمري  فضيلة للسوق لا تنكر . ثمة اتفاق بين الباحثين في مجال التنمية السياسية على العلاقة الوثيقة بين النشاط الاقتصادي والاستعداد النفسي للتوافق عند الافراد. في تحليله للعوامل الكامنة وراء ثورة الشباب في فرنسا في العام 1968 اعتبر رشدي فكار ، عالم المستقبليات العربي ، الأمل في المستقبل دافعا هاما للميل الى التوافق عند جيل الشباب . وبعكسه فان الياس من المستقبل هو الحلقة التي يتولد فيها قلق الوجود ويتطور الى اغتراب روحي وثقافي ، يسلب من الشاب قدرته على التفاهم ، ويعزز ميله الى العبثية والتمرد على النظام الاجتماعي . حينما تكون السوق نشطة ، فانها تقدم للناس جميعا فرصة سهلة لتجربة النجاح من خلال النظام القائم ، اي من خلال الاندماج فيه والاقرار بضروراته

لكن يجب ان لا ينخدع المخططون بفاعلية السوق ، فهي بطبعها مؤقتة ، تدوم فترة ثم يتلاشى تاثيرها في اطار الحراك الطبيعي بين الاجيال المتعاقبة . يساعد انتعاش السوق على امتصاص او تحييد جانب المنازعة في النفس البشرية ، لكنه يغذي في الوقت نفسه الرغبة في تحقيق الذات . فبعد ان يحصل الانسان على حد معقول من الكفاية المادية ، فانه يسعى وراء الكفاية النفسية ، التي تتراوح بين اعادة صياغة الانتماء الاجتماعي في حدها الادنى وصناعة البيئة الاجتماعية التي يراها مناسبة في حدها الاعلى . وفي كلا الحالتين ، فان الفرد في هذه المرحلة ، يبحث عن دور يلعبه في النظام الاجتماعي ، دور يحقق من خلاله طموحه الطبيعي في الارتقاء من مجرد رقم بين ملايين الارقام الى فاعل يشار اليه بالبنان.

تاثير المعيشة ، نوعيتها ومصادرها ومستواها ، على روحية الانسان وميوله الثقافية وخياراته الاجتماعية اصبح اليوم من المسلمات في دراسات التنمية . وتدل التجارب المسجلة لمجتمعات عديدة على ان تبلور الطبقة الوسطى – في تعريفها الاقتصادي على اقل التقادير – قد ادى فعليا الى تغيير المقومات الاساسية للنظام الاجتماعي ، اي قيمه المعيارية ، ونظام العلاقات السائد ، وتعريف المصالح الخاصة والمشتركة بين اعضائه . في الحقيقة فان ابرز علامات ذلك التغيير هو ظهور قوى اجتماعية جديدة مختلفة – بل ومعارضة في اكثر الاحيان للقوى القديمة السائدة - في ثقافتها وقيمها والاساس الذي تقوم عليه العلاقات بين اطرافها . ويوجب هذا التغير ، تغييرا موازيا في الاطارات القانونية والاجتماعية كي تستوعب الوافدين الجدد كي لا يتحول وجودهم الى عامل ازمة في النظام الاجتماعي

ينظر علماء الاجتماع الى الطبقة الوسطى باعتبارها وسيط التغيير الاجتماعي . تتمايز الطبقة الوسطى عن غيرها بعاملين متعارضين : فهي من ناحية تملك القدرة الثقافية على نقد الوضع الراهن والتفكير في البدائل ، وهي من ناحية اخرى تواجه ضيقا في الخيارات المتاحة لتحقيق رغباتها ، واخص بالذكر الرغبات التي لا تتعلق حصرا بالجانب المعيشي . تتحول هذه الرغبات الى عوامل ازمة في حال كانت اطارات التعبير عن الاراء والافكار ضيقة ، وكان النفوذ الاجتماعي محتكرا من جانب الطبقات الاجتماعية التقليدية . في هذا الاطار فان النشاط الاقتصادي يلعب دورا معاكسا لدوره الاول المشار اليه ، فهو يعزز من ايمان الطبقة الوسطى بقدراتها ، ويوفر لها الادوات المادية على صناعة دورها البديل عن ادوار الطبقات التقليدية .
لا يمكن في الحقيقة الحيلولة دون تحول الطبقة الوسطى الى عامل تفكيك للنظام الاجتماعي . الشيء الوحيد الممكن هو ادارة هذا التفكيك ، اي السماح بتغيير ضمن اطارات محددة ومسيطر عليها . وقد التفت الى هذا المعنى المفكر الامريكي المعروف صمويل هنتينجتون ، الذي وجد ان تجاهل التغيير الناتج عن التغير الاقتصادي ، مثل تركه من دون ادارة ، هو سبيل حتمي الى ما يصفه بالتعفن السياسي او الفوضى .

خلاصة الموضوع ، ان تحسن الاحوال المعيشية بسبب النشاط الذي تشهده السوق ، هو عامل هام في امتصاص مصادر التوتر الذي شهدته البلاد في اوقات سابقة . من هذه الزاوية ، فان امامنا فرصة لاستثمار هذا الارتخاء في اصلاح النظام الاجتماعي ، ولا سيما توسيع قنوات النشاط والتعبير عن الراي والتعبير عن الذات . هذا الارتخاء مؤقت بطبعه ، فكما ان الاقتصاد يلعب في مرحلة معينة دور المثبط لجانب المنازعة ، فانه يلعب في مرحلة اخرى دور المحرك لارادة المشاركة في الحياة العامة عند الافراد . ينبغي ان نوفر الوسائل المناسبة لتاطير وتنظيم هذه المشاركة كي لا تتحول المطالبة بها الى عامل ازمة جديد. لا مفر من التغيير ، والاولى حينئذ ان نجعله تغييرا نوعيا في اطار النظام ، والا فان تجاهل هذه الضرورة ، عاقبته فوضى لا نعلم اين تنتهي.

 12 ديسمبر 2005



28/02/2004

المطالب الشعبية والنظام العام


||علة وجود الدولة هي تلبية الحاجات التي لا يستطيع الافراد انجازها بانفسهم. اذا لم يمكن توفير جميع هذه الحاجات فان تحديد اولوياتها هو جوهر موضوع السياسة||
يبدو ان صيانة التوازن بين النظام العام وتلبية المطالب المتغيرة للجمهور هي اكثر مهمات السياسيين حرجا. فكرة التوازن ليست اختراعا جديدا على اي حال ، فقد شكلت جزءا هاما من الدراسات الغربية حول الدولة والتحديث . وقد اشتهرت في هذا السياق اراء المفكر الامريكي صمويل هنتينجتون (وهو بالمناسبة معروف في الوسط الاكاديمي كعالم سياسة ومنظر للتنمية قبل اشتهاره عندنا بنظرية صراع الحضارات). يدعو هنتينجتون الى تحديث متوازن وتدريجي لاجهزة الدولة والنظام الاجتماعي . وفي رايه ان التحديث السريع وما يوفره من حريات وما يكشف عنه من فرص يطلق تيارا هائلا من التوقعات والامال التي يستحيل تلبيتها في فترة وجيزة . عجز الدولة والنظام الاجتماعي عن تلبية تلك الامال ، يحولها الى مولد للقنوط والقلق بين الاكثرية من الجمهور. ويقود بالتالي الى تصدع المجتمع وتبلور ظواهر العنف والخروج على القانون والفساد الخ .
ومع اني لا اميل الى نظرية التنمية التي دعا اليها هذا المفكر ، الا انها تقدم حلولا جديرة بالتامل ، من بينها مثلا تركيزها على مؤسسات العمل الجمعي. النظام العام عند هنتينجتون وليد لتوازن فعال بين مطالب الجمهور وحاجات الدولة . على المستوى الاجتماعي ، يتحقق هذا التوازن اذا امكن تأطير مطالب الجمهور في قنوات عمل جمعي تعمل على تحويل التطلعات الفردية من افكار غائمة الى مشروعات عمل . كما يتحقق التوازن على مستوى الدولة اذا امكن تقريب المسافة التي تفصلها عن المجتمع ، من خلال التوسع في الحوار وانتقال الافكار بين الطرفين. النظام العام – حسب هذه التصوير – ليس وليد استعراض الجبروت الدولتي بل وليد القناعات المشتركة التي يخلقها التفاعل عند الطرفين.
لا يمكن لاي دولة في العالم ان تلبي "جميع" مطالب الناس ، كما يستحيل عليها ان تعرف جميع تلك المطالب . لكن في الوقت نفسه فان النظام العام لا يمكن ان يستقر دون تلبية حد معقول منها . فلسفة عمل الدولة بل وعلة وجودها هو تلبية الحاجات التي لا يستطيع الافراد تحقيقها بانفسهم. وبالتالي فان جوهر المسألة هو تحديد ما يحظى باهمية قصوى وما يمكن تاخيره . عمل الدولة – اي دولة في العالم – لا يتجاوز في حقيقة الامر هذا المعنى. كل حاكم او وزير او مسؤول يتمنى ان يفعل كل شيء ، لكنه في نهاية المطاف مضطر الى ملاحظة الامكانات المتوفرة والزمن المتاح وبالتالي فلا مفر من الرجوع الى جدول اولويات مناسب.
السؤال الان : من يقرر ان مطلبا معينا اولى من غيره ، وما هو المعيار في التقديم والتاخير؟.
في اعتقادي ان رضى عامة الناس يجب ان يكون المعيار الاول لاختيار اولويات عمل الدولة. ويرجع هذا الاختيار الى فكرة النظام العام التي بدأنا بها هذا الموضوع . ثمة دائما اعمال مهمة وضرورية لكنها لا تحظى برضى الجمهور ، واخرى اقل اهمية لكنها توفر الرضى. اذا قبلنا بفكرة ان التفاعل بين الدولة والمجتمع هو القاعدة التي يقوم عليها النظام العام والاستقرار ، فيجب ان نأخذ بهذا المبدأ حتى لو بدا لبعض النخبة ناقصا او معيبا.

يستتبع هذا - بالضرورة – توفير الفرصة لافراد الجمهور كي يحولوا اراءهم وتطلعاتهم الى مطالب عقلانية ، منظمة وقابلة للطرح العلمي والمناقشة الموضوعية ، اي – بصورة مختصرة – تحويلها من راي خاص الى راي عام . الوسيلة التي توصل اليها العالم المعاصر للقيام بهذه المهمة هي ما يعرف بالمجتمع المدني . مؤسسات المجتمع المدني ، من صحافة وجمعيات نفع عام وجمعيات حرفية وتخصصية ، هي الوسيلة التي مهمتها بلورة الاراء وعقلنتها وتحويلها من ثم الى مشروعات عمل . تحديد المطالب والاولويات هو – اذن - عمل المجتمع ، وهو التجسيد الابرز لفكرة التفاعل بين الدولة والمجتمع كقاعدة للاستقرار والنظام العام.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...