‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصفات الوراثية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصفات الوراثية. إظهار كافة الرسائل

20/10/2021

شعب الله المختار

 

 خلال السنوات الاخيرة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وبالتحديد بين عامي 1882 و 1924 انشغلت الولايات المتحدة الامريكية بحديث عنوانه "تحسين الوعاء الجيني للامة الامريكية". وفحوى هذا الحديث ان تلك البلاد الواسعة ، لا تستطيع التحول الى أمة واحدة متماسكة ، اذا استمر المهاجرون "الاغراب" في التدفق على اراضيها. البديل الذي يدعو اليه اصحاب هذا الراي ، هو منع المهاجرين المتحدرين من اصول متدنية ، وقصر الهجرة على الآتين من مجتمعات تشارك الامريكان في صفاتهم البيولوجية.

منشور للجماعات العرقية: تحقق من سلامة البذور (الجينات) قبل ان تزرع

استفاد الداعون الى تلك الفكرة من تيار متصاعد في الوسط الاكاديمي ، يدور حول ما اطلق عليه لاحقا اسم "الحتمية البيولوجية" ، وفحواها باختصار انه مثلما تنتقل الصفات البدنية ، كلون البشرة والشكل العام للجسم ، من الاباء الى الابناء ، بواسطة الجينات ، فكذلك الصفات السلوكية والذهنية. فالعائلات الذكية المهذبة تورث هذه الصفات لابنائها ، ثم لاحفادها. كما ان المنحدرين من آباء اغبياء او مجرمين ، سيحملون أيضا صفات آبائهم.

وعلى ارضية "تحسين الوعاء الجيني للأمة" تبنت 28 ولاية امريكية قوانين تسمح بالتعقيم الجبري للافراد المصنفين كفاشلين او معوقين جينيا ، خلال الفترة من 1912 و 1931.

 لكن الغريب في الأمر ، ان اول ضحايا قوانين الهجرة الجديدة ، هم المهاجرون من جنوب وشرق أوربا. ونعرف ان هؤلاء يشبهون الامريكان في معظم صفاتهم البدنية والثقافية ، فهم بيض البشرة ومسيحيون. ويبدو ان العامل الحاسم وراء هذا الاختيار هو العامل الطائفي/المذهبي ، فسكان شرق اوربا وجنوبها الشرقي ينتمون الى الكنيسة الكاثوليكية او الارثوذكسية ، بينما كانت البروتستنتية هي الدين الغالب في الولايات المتحدة الامريكية.

وتكشف النقاشات التي جرت وقتذاك ، عن التداخل الذي يحدث كثيرا (بشكل مقصود أو عفوي) بين الكراهية التي مصدرها خلافات دينية ، وبين الدعاوى العلمية (السليمة او الباطلة) وبين السياسة ونزاعاتها ، على نحو يجعل التعبير عن الكراهية للغير ، نوعا من سرد الحقائق الواقعية ، او الاشارة لمسلمات دليلها في ذاتها ، فلا تحتاج الى اي إثبات. ولهذا السبب ايضا يمارسه كافة الناس ، المثقفون والعامة على السواء.

يمثل الجدل حول تمايز الاعراق في الولايات المتحدة ، مثالا جديرا بالتأمل ، بالنظر الى ان الشعب الامريكي يتألف كله من المهاجرين ، وان اي جدل في هذا السياق ، سيؤدي – بالضرورة – الى اساءة لمعظم السكان. صحيح ان غالبية المهاجرين الأوائل كانوا من الشعوب النوردية (المنحدرين من شمال اوربا وغربها) ، إلا ان الاغراق في الجدل ، كان سيؤدي في نهاية المطاف الى منزلق المفاضلة بين النوردي الصافي والنوردي المختلط ، بين القادم من شمال اوربا والقادم من وسطها او شرقها. ومن هنا فسرعان ما انعكس ذلك الجدل على المواقف السياسية ، وانكشف للنخبة خطورة المضي فيه.

لحسن الحظ فان العالم قد تخلص من التيارات الداعية الى الصفاء العرقي او الديني ، او الى تفوق عرق بعينه او بلد بعينه او دين بعينه. صحيح ان العالم لا يخلو من دعاة لهذه الأفكار ، وصحيح انه لا زال بين الجمهور من يتقبل تلك الأوهام الخطرة ، لكن الصحيح أيضا أن النظام الدولي يميل بشدة الى نبذ هذه الدعوات ، حتى لو كانت مخففة. كما ان الغالبية العظمى من سكان العالم ، باتت مدركة للمخاطر التي ربما تترتب على هيمنة هذا التيار على مصادر القوة في اي بلد.

الشرق الاوسط: الأربعاء - 14 شهر ربيع الأول 1443 هـ - 20 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15667]

https://aawsat.com/node/3255411/

17/10/2018

بقية من ظلال الماضين

|| هل نفهم التاريخ كسجل لتجربة جرت في الواقع ، ام كصورة ذهنية متخيلة عن الذات السابقة (السلف) التي تشكل مولدا للذات الحاضرة/الخلف ||
زميلي الافغاني كان مندهشا جدا من حديث استاذ الفلسفة عن جده الذي هرب الى استراليا ، بعدما أدين بسرقة عربات البريد. مال الزميل على كتفي وسألني بصوت خافت: هل يعني جده فعلا؟.
كان الاستاذ يقص علينا طرائف من حياة جده ، كما لو انه شخص غريب لا يعرفه. كنت وزميلي الوحيدين في الصف ، الذين اهتموا بالجانب الشخصي في القصة. هذا ما لاحظه الاستاذ أيضا ، فانتهز فرصة الغذاء ، ليخبرنا بانه لا يرى عيبا في بيان ان السارق المشهور هو جده. المسألة  ببساطة ان هذه معلومات مثبتة يعرفها كل قاريء لتاريخ البريد او تاريخ القضاء في بريطانيا.
Edward O. Wilson 
هذه المناقشة القصيرة خلفت انطباعا عميقا في نفسي ، تركز حول رؤيتي للماضي وأهله وما جرى فيه. وكنت قبلئذ أميل لتجاهل التفاصيل البغيضة التي أقرأها أحيانا عن ماضي المسلمين. لكن تلك المناقشة لفتت انتباهي الى دور التاريخ في تشكيل هوية الفرد ، وكيفية تعاملنا معه: هل ننظر اليه كسجل لتجربة جرت في الواقع ، ام هو مجرد صورة ذهنية متخيلة عما جرى فعلا ، اي – في حقيقة الامر – صورة متخيلة عن الذات السابقة (السلف) التي تشكل مولدا للذات الحاضرة (الخلف).
كل امم الارض تهتم بتاريخها. لأن صورة الماضي تضيف عمقا لصورة الحاضر ، او تمثل اداة مقارنة بين حوادث الامس واليوم. لكن يظهر اننا على المستوى العملي ، نتعامل مع التاريخ ، حتى القديم جدا منه ، كما لو أنه الصانع الحقيقي لحاضرنا.
دعنا نضرب مثلا بالجدل المزمن حول اعتبار النسب عنصرا في تشكيل معنى التكافؤ ، او في تحديد قيمة الاشخاص وأدوارهم. فالذين يرونه على هذا النحو ، يتبنون – ضمنيا على الاقل – مبدأ ان حاضر البشر محكوم بما فعله أجدادهم في غابر الزمان. بمعنى ان الانسان ليس سيدا لحياته ولا صانعا لأقداره ، بل بقية مما ترك السابقون ، او مجرد ظل لهم.
للمناسبة فهذا الاعتقاد ليس قصرا على العرب. في العام 1975 نشر عالم الاحياء الامريكي ادوارد ويلسون كتابا بعنوان "البيولوجيا الاجتماعية: التوليفة الجديدة" يدعو لنظرية جديدة ، تجمع مستخلصا من علم الوراثة الذي ينسب الى غريغور مندل ونظرية التطور التي أسسها شارلز داروين.
افترض ويلسون ان بعض الصفات السلوكية للكائن الحي ، ربما ترجع لعوامل جينية ، خلافا للتوافق العام على نسبتها لتأثير البيئة والتربية.
أثار الكتاب جدلا واسعا بين علماء الاجتماع والبيولوجيا على السواء. وحصل بسبب هذا الجدل  على رواج استثنائي. ففي العام 2014 نشرت طبعته الرابعة عشر ، وهو أمر نادر الحدوث في الكتب العلمية.
لا يجزم ويلسون بدور العوامل الجينية في تشكيل هوية الانسان. فالاختبارات المثبتة تتعلق بأنواع محددة من النباتات والحيوانات فقط. لكنه يركز على ان انقراض بعض سلالات البشر القديمة ، وكذا سلالات الحيوان ، يسمح بالنظر الى ذات الاطار التطوري ، اي القابلية للبقاء ، كاساس محتمل لبحث فرضية انتقال الصفات السلوكية بالوراثة.
أشير أيضا الى ان فقهاء المسلمين الذين عارضوا مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، اعتمدوا تبريرا مماثلا لفرضية العوامل الجينية. كما استعمله تيار ظهر في الولايات المتحدة واوربا بين 1912-1931 كاساس لدعوته الى تصفية العرق "الوطني الاصيل" من لوثات المهاجرين.
زبدة القول ان الجدل حول تأثير التاريخ ، يدور حول سؤال: هل أنا صانع حياتي وأقداري ، ام أنا مجرد بقية من ظلال اجدادي الماضين؟.
 الشرق الاوسط الأربعاء - 7 صفر 1440 هـ - 17 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14568]
https://aawsat.com/node/1428701/

06/12/1998

قاعدة شيلني واشيلك

نعرف جميعا اننا نرث عن أسلافنا ، صفاتنا الجسمية ، لون بشرتنا وشكل وجوهنا وبقية الصفات البيولوجية ، حتى الامراض. لكن فكرة الوراثة كانت - حتى اواخر القرن الثامن عشر - أوسع من هذا بكثير. فقد اعتادت النخبة المتعلمة على تقبل الفكرة القائلة بان الانسان يرث عن أبويه حتى الصفات السلوكية والذهنية ، بما فيها قابلية الاستقامة والانحراف عن الطريق السوي. بل أن بعض العلماء بذل جهدا كبيرا لاثبات امكانية تمييز الشخص المستقيم أو المنحرف ، من تفاصيل وجهه وشكل جمجمته ، وان هذه الصفات تنتقل الى الأبناء من الآباء ، وبقيت فكرة تأثير الأصل سائدة في الابحاث المتعلقة بالمجتمع والانسان ، حتى منتصف القرن العشرين.

البروفسور كارل يونغ

في العام 1939 سئل كارل يونغ ، عالم النفس السويسري ، عن رأيه في ردة فعل الشبية الالمانية على صعود هتلر السياسي ، فقال ان هتلر هو ( مكبر الصوت الذي يجسم الهمسات الخفية للروح الالمانية). 

ومما يذكر هنا ان بعض المتعلمين ، وبينهم دعاة ورجال علم بارزون ، قد ابتلع الطعم ، فبالغوا في التدليل على هذا المنحى ، بالروايات التي تدعو الانسان إلى تحري الأصول الطيبة عند الزواج والجيرة ، أو تلك التي تمتدح أقواما بعينهم ، فصرفوها إلى ذلك المفهوم ، رغم ان الدعوة الاسلامية قد قامت على اعتبار الانسانية جامعا مشتركا ، يفرض التسوية بين كل انسان والآخر بما هو انسان ، وأحالت التفاضل على الفضائل الأخلاقية والعقلية ، التي يجتهد الفرد في اكتسابها والتحلي بها ، فتتحدد قيمته تبعا لها.

أما في العصور الاسلامية المتقدمة ، فقد اهتم عدد من العلماء بالعلاقة بين البيئة الطبيعية والنشاط الذهني ، وكان القاضي صاعد الاندلسي (1029-1070) من أوائل الذين طرحوا هذه الفكرة ، حين قرر ان الامم المؤهلة لاكتساب العلم ، هي التي تعيش في المناطق المعتدلة الهواء ، بينما انسان المناطق  الحارة  انفعالي غير متزن ، وانسان المناطق الباردة خامل ، وذهب إلى هذا المذهب - مع تبني استنتاج معاكس- المفكر الفرنسي  مونتسيكيو ( 1689-1755) الذي قرر ان السخونة تأتي بالاستبداد ، بينما البرودة تجعل العقل مسيطرا على الحواس .

 لكن هذا النوع من التصنيف لم يجد رواجا في المجتمع العربي ، لتزاحمه مع مفهوم آخر يقوم على نسبة الأفراد إلى بيئاتهم الاجتماعية ، أي النظر إلى الفرد من خلال انتمائه الاجتماعي ، وليس من خلال صفاته البيولوجية ، أو صورة أسلافه ، أو بيئته الطبيعية ، فضلا عن تزاحمه مع الصورة الدينية للفرد ، التي سبق الاشارة اليها ، ونعلم ان الدين الاسلامي هو المكون الرئيس لثقافة العرب ، منذ البعثة النبوية .

مع مرور الزمن وتطور علم الانسان ، أهملت نظريات الوراثة والتأثر بالبيئة الطبيعية ، لصالح تعظيم قيمة الفرد ، فيما يمكن اعتباره اكتشافا متأخرا للمفهوم الاسلامي ، الذي بدأ بالنظر إلى الفرد الواحد كمخاطب للشريعة ، ومسؤول عما كسب في دنياه ، حيث يتساوى في هذا الاعتبار والقيمة مع كل فرد آخر ، بغض النظر عن أصله ونسبه وبيئته .

لقد احتاج الانسان في الغرب إلى قرون طويلة من الكفاح ، حتى يسترد اعتباره الذاتي ، فيتحول من محمول على غيره إلى حامل لذاته ، قادر على تقرير قيمته الخاصة ، بناء على اجتهاده وانجازه ، مما حمل العالم البريطاني ادوار كار ، على القول بان (تاريخ البشرية هو بوجه من الوجوه ، تاربخ صراع الفرد من أجل استعادة قيمته) .

لكن على خلاف هذا فان المجتمع العربي ، وكثيرا من المجتمعات النامية الأخرى ، ما تزال تقاوم فكرة استقلال الفرد بقيمته ، الفرد في عالمنا ما يزال مجهولا كذات مستقلة قائمة بمفردها ودون نسبة إلى الغير ، الفرد في العالم النامي معروف بقبيلته أو طائفته أو بلده ،  أي بانتمائه الاجتماعي ، ولهذا فانك تواجه كثيرا من الحالات ، التي يعرف فيها زيد باعتباره من أهل البلد الفلاني أو القبيلة أو الطائفة الفلانية ، ويتقرر مكانه أو الموقف منه بناء على هذا الاعتبار .

وفي سنوات ماضية كتب دارسون عرب ، ان التحضر والنشاط الاقتصادي وانتشار التعليم ، سوف يقضي على هذا النوع من التصنيف ، الذي ينطوي على (احتقار غير مقصود) للانسان الفرد ، لكن ظهر لاحقا ان هذا التوقع كان متفائلا جدا ، رغم انه لا يخلو من صحة ، فلنقل على سبيل التحفظ ، ان عددا من الأفراد استطاعوا ان يفرضوا اعتبارهم الخاص ، وان يجعلوه مقدما على نسبهم أو انتمائهم ، وثمة عدد ملحوظ من الشخصيات البارزة اليوم في مجتمعنا ، ترجع إلى اصل متواضع ، لكن على الوجه الثاني ، فان الأفراد الذين لم يستطيعوا ابراز قدرات استثنائية ، ما زالوا يواجهون ذات المشكلة ، ومنهم من يعوّل كثيرا على استثمار انتمائه الاجتماعي للحصول على ما يريد ، بل وفي بعض الأحيان للاسـتـئـثار بالفوائد على حساب الغير ، فالانتماء يلعب هنا دور المرجح ، مقابل الكفاءة والصفات الفاضلة الأخرى .

وتجد أحيانا ان معظم الموظفين في إدارة من الادارات ، ينتهي اسمهم بلقب واحد ، يعكس الانتماء إلى قبيلة محددة أو منطقة محددة ، وليس ثمة تفسير لهذا الوضع ، سوى ان الانتماء الاجتماعي لعب الدور الرئيس ، بل ربما الوحيد في فوز هؤلاء بالوظيفة ، ضمن قانون (شيلني واشيلك) وهو قانون غير مكتوب ، لكنه قوي جدا وفعال على المستوى العملي . وهذا من أسباب التشاؤم الذي عبر عنه د. خلدون النقيب ، الذي توصل إلى ان انتشار التعليم في الأقطار العربية ، لم يؤد إلى تجسير الفجوة بين الكيانات الاجتماعية ، بل ربما ساعد على ابرازها وتسليط الضوء على خواصها ، التي هي نقاط افتراق لكل منها عن الغير .

مقالات ذات صلة

افكار للاستعمال الخارجي فقط

برنارد وليامز : الفيلسوف المجهول

بقية من ظلال الماضين

عودة لمبدأ المساواة

فكرة المساواة: برنارد وليامز

المساواة بين الخلق ... المساواة في ماذا ؟ : رؤية امارتيا سن

المساواة والعدالة : ديفيد ميلر

المساواة: اشكالات المفهوم واحتمالاته ايزايا برلين

 


في 6-12-1998

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...