تفجير المصلين في مسجد الامام علي بالقديح قد يكون مجرد مبادرة جنونية معزولة ، وقد يكون جزء من مخطط واسع النطاق.
ثمة كلام كثير يشير الى الاحتمال الثاني ، لكن ليس لدينا معطيات مادية تؤكده. في
الوقت ذاته يصعب تخيل ان هذ الجريمة فورة غضب محدودة او منفصلة.
اكتشاف حقيقة الهجوم ومغزاه الفوري مهم
دون شك. لكن الاكثر أهمية هو التفكير في انعكاساته الموضوعية ، اي تلك الآثار التي
تترتب بشكل طبيعي على مثل هذا العمل ، سواء كانت مقصودة بذاتها او غير مقصودة. يقولون
عادة ان الحرب تستخرج اسوأ ما في الانسان. ذلك انها – على خلاف الصراعات السلمية
المعتادة – تثير الخوف الغريزي على الوجود. وليس في الغرائز ما هو اقوى من غريزة
البقاء ، عند البشر والحيوان على السواء. اذا شعر الانسان بان وجوده مهدد فسوف
يفعل أي شيء لمقاومة هذا التهديد ، ولن يفرق آنذاك بين الافعال العاقلة وتلك
الجاهلة التي لا تليق بالانسان.
الخوف على الوجود يبدأ كحالة شعورية ،
فاذا صادف تمثيلات واقعية لذلك التهديد فان الشعور يتحول الى انشغال ذهني وروحي
بالبحث عن وسائل الدفاع عن الذات وانشغال مواز بالانفصال عن جهة التهديد المفترضة.
تبدأ الصراعات على هذا النحو ، ثم تتطور وفق ديناميات جديدة ، قد لا تكون ذات علاقة
بالدافع الاول.
خلال السنوات الثمان الماضية ، وبالتحديد
منذ العام 2006 كشفت وثائق لتنظيم "القاعدة" تتحدث صراحة عن مثل هذا
السيناريو باعتباره استراتيجية يمكن ان تختصر الطريق الى الهدف المركزي للتنظيم ،
اي اقامة "الدولة الاسلامية". ثمة رسالة لزعيم القاعدة السابق في العراق
ابو مصعب الزرقاوي ، يتحدث عن خطة محددة ، غرضها الفوري هو دفع الناس للتفكير في
اقامة منظومة للامن الذاتي. وهو يفترض انها ستكون تحت هيمنة رجاله.
الخطوة الاولى اذن هي افشال الدولة
وفصلها عن الجمهور ، من خلال اقناعهم بأن عليهم ان يحموا انفسهم بانفسهم وليس بقوة
الدولة وقانونها. المرحلة الثانية تأتي بشكل طبيعي. من يفكر في امتلاك قوة خاصة
فلا بد ان يحدد في الوقت ذاته العدو المفترض الذي سيكون هدفا لهذه القوة. هذا
الهدف يجب ان يكون واحدا من ثلاثة: اما الدولة الوطنية او دولة اجنبية او طيفا آخر
من المجتمع يصنف كعدو.
بالعودة الى المذبحة التي نفذتها داعش
في مسجد الامام علي في القديح. فقد يكون الهجوم من تدبير مجموعة مجنونة ، تصرفت
ربما بدافع الكراهية الطائفية ، او بدافع الانتقام من الدولة ، او بغرض اثبات
الوجود والقدرة على الضرب في كل مكان. ايا كان الدافع ، فما يهمنا هو الفعل نفسه
والانعكاسات التي يمكن ان تترتب عليه ، والتي قد تكون اشد خطرا منه. يوم الاحد قال
بسام عطية ، العميد بوزراة الداخلية ان داعش تتبني فعليا استراتيجية لتقسيم المملكة
الى خمسة اجزاء ، وان هجوم القديح جزء من هذه الاستراتيجية.
هذا يؤكد ان الامر لم يعد في نطاق
الاحتمالات ، او على الاقل ان جهاز الامن الوطني يتعامل معه كخطة قيد التنفيذ وليس
كاحتمال. نحن اذن امام تحول جوهري في اتجاه الارهاب الموجه للمملكة. فيما مضى كنا
نتعامل مع جرائم الارهاب باعتبارها محاولات ازعاج غرضها الضغط على الحكومة ، او
اثبات الوجود ، او حتى الانتقام ، وفي احيان اخرى كنا ننظر اليها كانعكاس للتوترات
الخارجية. اما اليوم فالامر يتعلق بمخطط له اهداف سياسية محددة ، ابرزها تقسيم
البلد. هذه قضية مختلفة تماما ، تتطلب استراتيجية عمل هدفها على وجه التحديد هو معالجة
البنى الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية التي تشكل ارضية او بنية مناسبة لانجاح
المخطط التقسيمي.
كنت قد تحدثت تكرارا عن الحاجة لقانون
واستراتيجية عمل لصيانة الوحدة الوطنية وتجريم اثارة الكراهية. واجد اليوم ان
المسألة ما عادت تحتمل الانتظار ، لأن أعداء الوحدة الوطنية قد بدأوا فعلا بتنفيذ
مشروعهم. نحن بحاجة الى تفكير جديد وارادة جديدة لافشال هذا المشروع الخطر ، كي لا
نذهب الى مستقبل كارثي.
الشرق الاوسط 8 شعبان 1436 هـ - 27 مايو 2015 مـ رقم العدد [13329]
http://bit.ly/1MUUUf3