‏إظهار الرسائل ذات التسميات تدريس العلوم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تدريس العلوم. إظهار كافة الرسائل

10/05/2023

غدا نتحرر من الخوف

||الحل السليم للقلق من تأثيرات الذكاء الصناعي ، هو نشر المعرفة به||

القلق من تأثير الذكاء الصناعي لا يختلف كثيرا عن القلق من تأثير الانترنت. الأسباب التي تبرره ، تشابه ما  قيل في الماضي عن عواقب انتشار الانترنت. سوف اعرض لبعض هذه المبررات بعد قليل. لكن يهمني أولا تطمين المتوجسين بأن كثيرا من أسباب القلق القديم ، قد تم احتواؤها فعليا ولم تعد قائمة ، او - على الأقل - لم تعد قوية او جدية مثلما كانت يوم تعرفنا على الانترنت ، قبل عقدين من الزمن.

بيان ذلك: ان معظم القلق ناتج – في المقام الأول - عن غموض المستقبل وانعدام اليقين ، أي شعور الانسان بأنه لا يتحكم في أقداره. اعرف أشخاصا كانوا يعملون في مجال التصوير ، وفقدوا وظائفهم بعد انتشار التصوير الرقمي. واعرف ان اكبر شركتين في هذا القطاع ، قد اعلنتا افلاسهما: الألمانية آجفا (2005) والأمريكية كوداك (2012).

والعجيب في الأمر ان انهيار هذه الصناعة ليس سببه هجر الناس لهواية التصوير ، بل العكس تماما: لانها باتت هواية يمارسها كافة الناس ، كلما تحدثوا أو نظروا في الهواتف الذكية ، التي يحملونها في جيوبهم. لقد تسبب التصوير الرقمي وشبكات الانترنت في اطلاق تدفق هائل للصور ، فتحول عامة الناس الى منتجين ومستهلكين في آن واحد ، ولم يعد بوسع المحترفين السيطرة على المساحة التي تقوم فيها صناعة التصوير ، في أي بعد من ابعادها. الشبكات الغت الجغرافيا/المكان الذي يمكن التحكم فيه ، فتولد منطق جديد للتبادل ، مختلف تماما عن منطق المنتج/المستهلك في السوق القديم ، سوق ما قبل الانترنت.

هذا المصير نفسه واجه الشركات التي كانت تصنع أجهزة التسجيل والراديو والآلات الكاتبة والصحف الورقية ، والمئات من الصناعات والتجارات والوظائف الأخرى التي يصعب عدها وحصرها. وتحدثت قبل زمن مع خطيب ذي شعبية عريضة ، فوجدته ضجرا من تناقص ملموس في عدد الأشخاص الذين يحضرون خطبه. لان مستمعيه المعتادين يبحثون الآن عن مصادر للمعرفة تتجاوز المصادر التقليدية.

لا بد ان كثيرا منا قد سمع بواحد او اكثر من هذه الأشياء ، التي حدثت منذ عقد او عقدين. لكنك نادرا ما تسمع أمثالها في هذه الأيام.

- لماذا؟

لأن غالبية الناس ، بمن فيه القلقون ، تعلموا استخدام أجهزة الانترنت ، واكتشفوا المساحات الرحبة التي تقودهم اليها هذه الأجهزة الصغيرة ، أي الكمبيوتر والهاتف الذكي. ولعل بعضهم قد تأكد من ان مخاوفه لم تكن بلا أساس. لكن منطق الأمور يقول بان القلق من المجهول طبيعة في الانسان ، وان علاجه الوحيد هو تمزيق حجاب الجهل. حين يتعرف الانسان على شيء ، فسوف يسعى لاكتشاف مفاتيح التحكم فيه ، او على اقل التقادير سيتعرف على حدود تأثيره. وعندها سيتحول التعامل مع مصادر القلق الى جزء من الروتين اليومي المعتاد.

من هنا فاني أود التأكيد على ان الحل السليم لما يبدو من قلق إزاء الذكاء الصناعي ، هو نشر المعرفة به. بإمكاننا التعرف على الذكاء الصناعي ، مثلما تعرفنا سابقا على الكمبيوتر والانترنت ، ومن قبله على الراديو والتلفزيون والبث الفضائي. وقبل ذلك على وسائل الاتصال والمواصلات على اختلافها.  انظر كيف صار بوسع الانسان ان يركب حديدا يطير في الهواء ، دون ان يراوده أدنى قلق... اليس لأن هذه الوسيلة معروفة تماما ، له ولغيره ، وان المعرفة تولد الاطمئنان؟. السبيل الوحيد لتحييد القلق المتولد عن التقنيات الجديدة ، هو استثمارها واستعمالها ، وأول خطوة في هذا الطريق هو التعرف عليها.

اريد دعوة كل قاريء لتخصيص بعض وقته للتعرف على الذكاء الصناعي ، ثم استعماله ، فهذا هو السبيل الوحيد لتحييد اضراره ان كان ثمة ضرر.

الشرق الاوسط الأربعاء - 20 شوّال 1444 هـ - 10 مايو 2023 م

https://aawsat.com/node/4319851

مقالات ذات صلة

استمعوا لصوت التغيير

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تجربة تستحق التكرار

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل تعرف "تصفير العداد"؟

31/03/2021

قصة السفينة كموضوع للتعليم

 


لفتت نظري هذا الأسبوع قصة صغيرة ، احتمل ان كثيرا من القراء قد مروا بها أيضا. فحوى هذه القصة ان (سي. ان. ان). قناة الاخبار الأمريكية الشهيرة ، استغلت اهتمام العالم بالسفينة ايفرغيفن Evergiven التي جنحت وأغلقت قناة السويس في الأسبوع الماضي ، فاجرت تحقيقا على شكل أسئلة وجهتها للأطفال ، حول كيفية انقاذ السفينة. احتمل ان غرض القناة كان ترفيهيا في المقام الأول. لكنه اثار في ذهني سؤالا جديا ، فحواه: هل يمكن لتحد كهذا ان يساعد في توجيه الأطفال الى نوعية الاهتمامات التي نريد ان يهتموا بها في مستقبل أيامهم؟.

دعني أوضح نقطة ضرورية هنا: اني لست من أنصار الرؤية القائلة ، بأن علينا تلقين الأطفال ما هو صحيح وما هو خطأ. لكني أيضا لا أؤيد ترك الطفل من دون توجيه. الصحيح في رأيي هو الخط الواقع بين الرؤيتين: دورنا ليس تحويل أبنائنا الى نسخ مكررة من اشخاصنا او عقولنا ، بل نكتفي بمساعدتهم على تكوين نقطة انطلاق لحياتهم. ان الغفلة عن توجيههم الى نقطة بداية سليمة ، قد تؤدي  الى ضياعهم ، او ضياع سنوات من عمرهم ، قبل العثور على الجادة الأفضل.

بعد هذا الاستطراد اعود لموضوع السفينة. فهو يشكل مثالا على هذا النوع من المواضيع ، الذي تتداخل فيه حقول معرفية عديدة interdisciplinary فوق انه ينطوي على نقاط اثارة وامتاع. ومن هنا فمن الممكن استثماره كموضوع تعليمي ، مع التركيز على المساءلة والبحث. نحن نعلم بانه أثار اهتمام مئات الالاف من الناس ، من واقع عدد قراءات الاخبار ومشاهدات الفيديوهات الخاصة بالحدث على شبكة الانترنت. اما كونه موضوعا تعليميا ذا حقول متداخلة ، فلأنه يستدعي الحديث (ومعه التفكير) في التجارة العالمية ، وتكريسها لمفهوم الاعتماد المتبادل بين المصدر (الصين) والمستورد (اوربا) والطريق (مصر) وكذلك بين أنواع الصناعة والخدمات. كما يستدعي الحديث عن صناعة السفن ، والعلاقة بين قوانين الفيزياء  والميكانيكا ، وعن الشحن البحري وتاثير الطقس. ولا بد أيضا من المرور على تاريخ قناة السويس ، التي عبرتها ملايين السفن منذ افتتاحها في 1869 ، ومنها الى تاريخ مصر وتحولاتها ، وحصة القناة في الاقتصاد المصري.. الخ.

الغرض من هذا العرض ، هو تقديم مثال على نوع التعليم ذي الحقول المتداخلة ، الذي اعتقد انه يمثل مادة خصبة للتفكير واثارة الاذهان. ومن هنا فهو يوفر دائرة واسعة نسبيا ، من القضايا والموضوعات التي تساعد الجيل الجديد ، على استشراف مستقبلهم ، وتكوين اهتمامات علمية تنمو معهم وتتعمق مع تقدمهم في العمر. ان تكوين اهتمامات علمية في وقت مبكر ، سوف يجعل الميل الى احد العلوم نوعا من الهواية ، واذا اجتمعت الهواية مع الدراسة العلمية في المستقبل ، فسوف يتعاضدان في دعم القابلية للابداع عند الشاب. وقد رأينا ان الشباب الذين اجتذبهم الكمبيوتر في مقتبل العمر (حتى على مستوى الألعاب) تحولوا لاحقا الى مطورين لامعين وخبراء متقدمين في حقل المعلوماتية. واحتمل ان معظمنا قد سمع عن شخص او اكثر من هذا النوع.

نفس التجربة قابلة للتكرار في علوم أخرى. وقد حاولت في هذه المقالة اصطياد مثال عن "نقطة بداية" ممكنة. وأعلم اننا نمر بين حين وآخر بالعديد من نقاط البداية المماثلة ، التي يمكن استثمارها في توجيه الجيل الجديد نحو مستقبل مليء بالفرص والتحديات التي تمد حبلا قويا بين الاذهان والواقع ، بين الهواية والاحتراف.

الشرق الاوسط الأربعاء - 17 شعبان 1442 هـ - 31 مارس 2021 مـ رقم العدد [15464]

https://aawsat.com/node/2890951

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

 ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني

24/03/2021

ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني


بلدنا واحد من بلدان قليلة في العالم تشهد حديثا متكررا عن عدم مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل. وخلاصة هذا الحديث ، ان الالاف من طلبة الثانويات والجامعات الذين ينهون دراساتهم كل عام ، لا يحصلون على وظائف ، لأنهم غير أكفاء للقيام بالمهن والاعمال المطلوبة.

قد تكون هذه الدعوى صحيحة وقد تكون خاطئة. ما يثير الغبطة هو دلالتها على اهتمام الناس بنظام التعليم ورغبتهم في تطويره. وهو اهتمام يضع المسؤولين عن هذا النظام أمام تحد يومي. إنه لأمر طيب ان يواصل الناس مطالبتهم بتحسين الخدمات العامة ، سيما من هذا النوع الذي له دور حاسم في تحديد مستقبل البلد. ومن هنا فاني استطيع القول من دون تردد ، ان نظامنا التعليمي الآن افضل بمراحل مما كان عليه قبل عشرين عاما او ثلاثين عاما.

الربط بين التعليم وسوق العمل ، هو العامل المحرك لقيام التعليم  الرسمي واستمراره. ولولا ان المدارس توفر قوة عمل مناسبة (وهذه بدورها توفر المداخيل للحكومات) لما انفقت الدول الأموال على بناء المدارس ، وتوظيف المعلمين وتوفير التعليم المجاني. لولا حاجة سوق العمل لقوة عمل مدربة ، لبقي التعليم – كما كان في القرون الغابرة – امتيازا لشريحة صغيرة من الناس فحسب.

يهمني أيضا الإشارة الى نقطة وجدتها جديرة بان تقال ، وخلاصتها ان دعوى المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل ، لا تقتصر على بلد بعينه. خلال السنوات الثلاث الماضية قرأت تقارير عن سبع دول صناعية على الأقل (بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبية) تتحدث عن "قلق" بين كبار المسؤولين والمخططين ، من عجز النظام التعليمي عن الاستجابة للتحولات السريعة التي تشهدها أسواق العالم. واذكر على سبيل المثال ان مسؤولا رفيعا في بريطانيا استشهد بتقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2015) يكشف عن تفوق طلبة سنغافورة وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية في الرياضيات على كافة نظرائهم الأوروبيين. وقال المسؤول (ولعله وزير الدولة المكلف بالجامعات) ان هذا لا يمثل خطرا فوريا ، لكنه يشير الى المخاطر المحتملة في العشرين عاما القادمة ، حين يتحول قطار الاختراع والابداع الى البلدان الأكثر تقدما في الرياضيات والعلوم والحوسبة.

ارجو ان يلتفت القاريء العزيز الى فحوى كلام الوزير البريطاني ، والفارق بينه وبين الحديث المكرر عندنا. فنحن نتحدث عن وظائف لابنائنا اليوم ، بينما يتحدث هو عن الابداع والاختراع غدا. دعني اعبر عن هذه الفكرة في تطبيق مختلف:

ان معظم الآباء يريدون إعداد أبنائهم كي يحصلوا على وظائف ذات أجور مجزية ، بحسب المعطيات والمعايير التي يرونها امامهم اليوم. وهم ينظرون للمسالة من زاوية شخصية ، فحواها ان ضمان المستقبل يكمن في وظيفة مريحة باجر جيد (أي ان هناك شخصا آخر سيتحمل مسؤولية توفير الراتب لابنائهم).

اما الوزير فيتحدث عن سياق مختلف ، هو ما اسميناه في مقال الأسبوع الماضي "صناعة السوق". بعبارة أخرى فاننا امام خيارين: أولهما ان نعد ابناءنا لشغل الوظائف التي تعتبر جيدة في هذا اليوم. الثاني ان نعد ابناءنا كي يكونوا صناعا ومبدعين ورجال اعمال يقررون اتجاه السوق وحاجاتها. في الخيار الأول السوق القائم هو الذي يحدد اتجاهات التعليم. في الخيار الثاني نظام التعليم هو الذي يحدد اتجاهات السوق وحاجاته بعد عشر سنين او عشرين سنة.

اظن ان ما ينبغي ان نسعى اليه على المستوى الوطني قد بات واضحا الآن. المهم ان نختار ونقرر بانفسنا لأنفسنا ، بدل ان ننساق في خيارات يقررها آخرون.

الشرق الاوسط الأربعاء - 10 شعبان 1442 هـ - 24 مارس 2021 مـ رقم العدد [15457]

https://aawsat.com/node/2877751

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

   

17/03/2021

هل تختار مدرسة اجنبية؟

دعنا نفترض ان لديك ثلاث مدارس ، احداها تقدم دروسها باللغة العربية فقط ، والثانية باللغة الانكليزية فقط ، والثالثة تقدم العلوم بالانكليزية والاداب بالعربية. ثم سألت 100 من الآباء كي يختاروا لابنائهم المدرسة التي يرونها مناسبة. فما الذي تتوقع؟

اعلم ان الجواب حاضر لديك. وهو على الشكل التالي: 45 بالمائة سيختارون المدرسة التي تستخدم اللغة الانكليزية فقط ، و 35 بالمائة سيختارون المدرسة التي تستخدم اللغتين ، أما المدرسة التي تقتصر على اللغة العربية ، فالمرجح ان يختارها 10 في المائة او أقل.

اصحاب الخيار الاول (الانكليزية فقط) يرون ان التعليم باللغة الانكليزية سيضمن لابنائهم وظائف ممتازة. لكن بعضهم سيقول ايضا ان الانكليزية هي لغة العلم الحديث. آخرون سيقولون انها لغة التواصل مع العالم. فمن اراد العلم أو اراد التواصل مع العالم ، فلا بد ان يتقن الانكليزية.

اما اصحاب الخيار الثاني (المختلط) فهم في الغالب من المحافظين ، الذين يخشون انقطاع ابنائهم عن التراث الاسلامي ومصادره الثقافية. لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون ان الانكليزية ضرورية لضمان الارتقاء الوظيفي او النجاح في الحقل العلمي.

اصحاب الخيار الثالث ، هم في الغالب ممن يخشى تبعات دينية او سلوكية للانفتاح على العالم.  سوف اضيف الى اصحاب الخيار الثاني شريحة صغيرة نسبيا لكنها مؤثرة ، اعني بها هؤلاء الذين يركزون على حاجة البلد ككل للارتقاء في مجالات العلوم والتقنية ، التي تتطلب – حسب اعتقادهم – ان يكون كافة الشباب قادرين على متابعة ما يشهده العالم من تطورات علمية او تقنية.

دعنا الآن نطرق الموضوع من زاوية ثانية: لو قسمت طلاب الثانوية او الجامعة الى قسمين ، الأول يدرس مادة علمية في الطب او الهندسة او الفيزياء باللغة الإنكليزية فقط ، والثاني يدرس نفس المادة باللغة العربية فقط. فاي القسمين سيكون افضل استيعابا للمادة العلمية؟

اعلم أيضا ان الجواب حاضر لديك. وهو ان القسم الثاني ، أي الدارسين بالعربية هم الأكثر استيعابا. الحقيقة ان هذا القول تدعمه أيضا دراسات عديدة ، اذكر منها دراسة البروفسورة ريما الجرف ، ودراسة البروفسور يعقوب نامق ، وكلاهما استند الى بحوث ميدانية حديثة.

لكن بعض القراء قد يعتبر هذا مخادعة. لأن المشكلة ليست في القاء الدرس (أي مدرس جيد سيقدم المادة بصورة جيدة ، سواء تحدث بالعربية او الإنكليزية). المشكلة كما يقول هذا الزميل ان الطالب محتاج للمراجع العلمية والأبحاث الجديدة ، وهذه كلها تتوفر بالانكليزية فقط. ولهذا فمن الأفضل ان يبدأ بها ، كي لا يواجه صعوبة في الطريق.

وهناك مشكلة أخرى: دعنا نفترض ان الطلبة درسوا الهندسة باللغة العربية ، واتقنوها كل الاتقان. لكنهم بعد ذلك انضموا لشركة اجنبية. فكيف سيتفاهمون مع المهندسين والموظفين الأجانب ، كيف سيفهمون مصطلحاتهم واساليبهم؟.

هذه اذن مشكلة تتعلق بالوظيفة ، وليس بالتعليم نفسه. لانه يمكن للطالب ان يتعلم الإنكليزية كلغة ثانية ، هذا لا يتطلب ان يدرس بها.

الحقيقة انه لا ينبغي ان نبدأ هذا النقاش بسؤال: أي من اللغتين افضل في مجال التعليم. السؤال الصحيح هو: ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني؟. مثلا: ما هي طبيعة سوق العمل الذي نريد اعداد الشباب له ، بل كيف نجعل التعليم صانعا لسوق العمل ، بدل ان يكون منفعلا به. ومنها أيضا: هل نريد توطين العلم وانتاجه وتشبيكه في نسيجنا الثقافي؟. ومنها: هل نريد استخدام التعليم في توحيد الثقافة الوطنية والهوية الوطنية التي تنبثق منها؟. مناقشة هذه الأسئلة ستساعدنا في تحديد الخيار الأنسب للبلد ولمستقبلها ككل. ولو بدأنا بها فلعل النقاش ياخذنا لمسار آخر.

الشرق الأوسط الأربعاء - 3 شعبان 1442 هـ - 17 مارس 2021 مـ رقم العدد [15450]

https://aawsat.com/home/article/2864626/

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

 ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني

قصة السفينة كموضوع للتعليم

 

 

10/03/2021

تجربة تستحق التكرار

انا واحد من ملايين الناس الذين لم يسمعوا بمفهوم "الذكاء الصناعي" الا متأخرا ، ربما قبل عشرين عاما او أقل قليلا أو اكثر قليلا. وللحق فاني لم استوعب مفهومه على نحو معقول ، الا في السنوات الأخيرة.

حسنا هذا ليس إقرارا بالذنب ، بل هو من نوع المواساة لغالبية سكان الأرض: أناس مثلي لم يتعرفوا على الذكاء الصناعي الا حديثا (احتمل ان نسبة كبيرة من القراء سيقبلون هذا الرأي ، استنادا الى تجربتهم الشخصية على الأقل).

جون كارثي مع واحد من النماذج الاولى للكمبيوتر

هذا على أي حال ليس شيئا عظيم الأهمية. المهم حقا هو ما سمعته وصعب علي تصديقه ، وخلاصته ان الصين تعرفت على أبحاث الذكاء الصناعي بعد اطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي لعام 1980. ومع ذلك فهي اليوم توشك ان تنتزع ريادة هذا الحقل من الولايات المتحدة الامريكية.

يقال ان عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي (1927-2011) هو الذي صاغ اسم ومفهوم "الذكاء الصناعي" سنة 1955. لكن الانطلاق الفعلي للبحث الاكاديمي في هذا الحقل يرجع الى "مؤتمر دارتموث" في العام التالي. فقد اكتشف الحاضرون الإمكانات الهائلة التي ينطوي عليها الموضوع. وفي وقت لاحق اصبح المشاركون في هذا المؤتمر ، رواد بحوث الذكاء الصناعي حتى نهاية القرن العشرين. ونذكر منهم الين نويل ، مارفن مينسكاي ، وهربرت سيمون ، إضافة بالطبع الى جون مكارثي.

تعرف العلماء الروس على هذا الحقل في وقت مقارب. لكنهم اخفقوا في المنافسة. لانهم - كما قيل - احتفظوا بنتائج الأبحاث ضمن نطاق ضيق جدا من الأشخاص. كما ان قلة الانفاق الحكومي حفزت الباحثين للتركيز على حقول أخرى.

سنعود الى الصين ، ففي تجربتها عبرة لنا ولغيرنا. قلنا ان اهتمام الصينيين بابحاث الذكاء الصناعي ، يعود الى ثمانينات القرن العشرين. لكنها الان تنافس الولايات المتحدة. لقد عبر عن هذا التحول تقرير قدم للكونغرس الأمريكي ، وساهمت فيه مجموعة باهرة من صناع "اقتصاد المعرفة" ، أي رؤساء شركات التقنية الكبرى ، شخصيات أكاديمية ، إضافة الى باحثين في وزارة الدفاع. ودعا التقرير لتفهم اعمق بين النخبة السياسية للتحولات الحياتية والاقتصادية التي ستنجم عن نضج أدوات الذكاء الصناعي ، وأهمية ان تحافظ الولايات المتحدة على مقعد القيادة في هذا المجال. ان سبق الصين يهدد بنهاية العصر الذي شهد انفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم.

ان تقدم الصين في هذا المجال امر عجيب. عدا عن بدايتها المتأخرة ، فهي تنفق على ابحاث الذكاء الصناعي أقل من ربع الأموال التي تنفقها الولايات المتحدة.

دعني أغامر بالقول ان العامل الذي عوض الفارق الزمني والمالي بين الصين وغيرها ، هو الاتساع النسبي لتداول العلم في المجتمع الصيني. ان انتاج العلم وتسخيره في الاقتصاد ، يمثل سمة رئيسية في نهضة الصين الحاضرة. "العمالة الرخيصة" لم تعد الميزة النسبية للاقتصاد الصيني ، كما كان الامر في الماضي ، بل العمالة السريعة الاستيعاب للتقنيات الجديدة والمعقدة.

هل تعلم من اين جاءت هذه الميزة؟

انها ثمرة لاستراتيجية نشر العلم في المجتمع ، من خلال تبسيطه وتوطينه. توطين العلم يعني اغناء اللغة الوطنية بالمحتوى العلمي ، ترجمة الاف الكتب العلمية الصادرة في شتى بلاد العالم ، تشجيع الأساتذة والباحثين على كتابة المقالات التي تخاطب القراء من مختلف المستويات ، تشجيع الشباب على انشاء مجموعات البحث العلمي وتداول العلم ونوادي التقنية ، فضلا عن التأكيد على الصلات بين الاكاديميا والسوق.

هذا ببساطة هو الدرس الذي يستحق ان نتأمل فيه ، لأننا – مثل كل الآخرين – نستطيع تكرار التجربة ، ولازال الوقت في صالحنا ان بدانا سريعا.

الشرق الأوسط الأربعاء - 26 رجب 1442 هـ - 10 مارس 2021 مـ رقم العدد [15443]

https://aawsat.com/node/2850761

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

 

28/11/2018

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا



فكرة تعريب العلوم وتعليمها باللغة العربية تنطوي على العديد من الجوانب الاشكالية. وقد اطلعت الاسبوع المنصرم على مداخلات حول الفكرة ، تستدعي تفصيح النقاش. وابدأ هنا بتحديد جوهر الموضوع ، اي حاجتنا لتوطين العلم وما يترتب عليه من تقنيات ، من اجل تطوير اقتصادنا الوطني والارتقاء بمستوى المعيشة وتوفير الوظائف.
يتفق المختصون على ان المعرفة (اي النظريات والتقنيات التي تبنى على اساسها المنتجات المادية وغير المادية) تساهم بحصة مؤثرة في تشكيل كلفة وارداتنا. في العام 2015  بلغت واردات المملكة من السلع والخدمات ، المصنفة تحت عنوان "تقنية المعلومات" نحو  43 مليار ريال. والمقدر انها زادت خلال العامين التاليين بنسبة 15 بالمائة. ونعلم ان المعرفة البحتة (غير المادية) تشكل 60-75 بالمائة من هذه القيمة.
هذا مجال واحد فقط. وثمة مجالات كثيرة أخرى ، تسهم المعرفة بنصيب مماثل في تكوين كلفتها النهائية. خذ مثلا كلف التعليم والتدريب في الخارج ، وكذلك الخدمات الاستشارية. فهذه وأمثالها تستنزف قدرا معتبرا من ثروة البلد. عشرات المليارات التي تذهب للخارج كقيمة للواردات ، تأخذ معها أيضا آلاف الفرص الوظيفية ، وفرص تكوين الثروات الفردية والعامة على المستوى الوطني. فماذا لو كانت تلك التقنيات ، او بعضها ، ينتج محليا؟.
لعل بعض القراء مطلع على مبررات المشككين في امكانات النهوض بالصناعة في العالم العربي ، لا سيما كلفة الايدي العاملة وقلة الخبرات المتخصصة. ولعل ابسط رد على هذا هو مقارنة الكلف المماثلة في اليابان واوربا الغربية ، وهي اضعاف كلفة العمل عندنا. لكن ما يميز تلك البلاد هو امتلاكها لتقنيات التصنيع والانتاج.
الوصول الى مستوى تلك البلدان او قريبا منه ، رهن بسلوكنا للطريق الوحيد الذي يعرفه كل المختصين ، وهو "توطين التقنية". توطين التقنية شيء مختلف عن شرائها او استقدام ذوي الخبرة فيها. انه يعني على وجه الدقة جعل العلم والتقنية شيئا متناغما مع الثقافة المحلية ، ومألوفا في المجتمع المحلي ، بحيث تجد المئات من الناس القادرين على القيام بالاعمال التي تنطوي على جوانب ابتكار تقني او علمي. 
دعنا نفترض ان شركة اعلنت عن حاجتها لاشخاص يصممون جهاز روبوت ، او يبنون خط انتاج لدواء معين. ترى كم عدد الاشخاص الذين سيتقدمون لهذه الوظيفة؟ خمسة ، عشرة ، عشرين شخصا؟. ماذا لو اعلنت الشركة عن نفس الوظيفة في ايطاليا او بولندا او ليتوانيا؟ كم مؤهلا سيعرض خدماته؟. ربما مئات.
الفارق بين مجتمعنا وتلك المجتمعات ، هو الفارق بين مجتمع تعامل مع التقنية كموضوع للبحث والانتاج ، ومجتمع اعتاد استهلاك منتجات التقنية فحسب. هذا احد الاسباب التي جعلت العالم العربي مستوردا صرفا للتقنية وليس شريكا في تطويرها على المستوى العالمي.
لا اظن احدا يماري في ان توطين العلم والتقنية رهن باندماجها في النسيج الثقافي المحلي. ولا اظن احدا يشك في حقيقة ان اللغة العربية ، بما فيها من تعبيرات ورموز ومعان ، تشكل جزء من ذهنية الانسان العربي ، وهي – من هذه الزاوية - اداة تفكير ، او جزء من عملية التفكير في العالم العربي.
لعل عددا قليلا من الذين درسوا بلغة اجنبية ، يفكرون ايضا بهذه اللغة. فماذا عن الغالبية الساحقة من العرب؟.
ان تعريب العلم ، ولا سيما تعليم العلوم باللغة العربية ، ضرورة ، ليس لضمان وظيفة اليوم ، بل من اجل الارتقاء بالاقتصاد والمعيشة على المدى الطويل.

الشرق الاوسط الأربعاء - 20 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 28 نوفمبر 2018 مـ رقم العدد [14610]

21/11/2018

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

|| تعزيز العلم في اي بلد ، يتوقف الى حد كبير على كون الثقافة العامة منفتحة على العلم. ونعلم ان هذا مستحيل مالم تكن لغة الثقافة ولغة العلم واحدة ||


أعلم ان الباحثين عن وظائف في هذه الايام ، معظمهم على الاقل ، سيواجهون ابوابا مغلقة ، ان لم يكونوا ممن يجيد اللغة الانكليزية. وأعلم ان الذين يجهلون هذه اللغة ، يعانون عسرا دائما في أسفارهم ، بل وحتى في بعض تعاملاتهم المحلية.
أعلم أيضا اننا نحتاج لمعرفة اللغات الاجنبية ، كي نتعامل مع التقنيات التي تعيد صياغة حياتنا ومعيشتنا ، والا تخلفنا عن قطار العصر.
ابدأ بهذه المقدمة ، كي لا تذهب الظنون ببعض القراء الى الابراج العاجية ، التي يظنون كتابهم منعزلين بين جدرانها.
خلاصة ما تزعمه هذه المقالة ، هو ان البلدان العربية بحاجة لتعليم العلوم باللغة العربية ، كي ترسي الأساس الضروري لما نسميه البيئة المنتجة للعلم. وكنت قد ركزت في الاسابيع الماضية على البيئة المحفزة للابتكار ، والحاجة لتهيئة الظروف المناسبة ، لتمكين الاذكياء والمبدعين من التعبير عن انفسهم وقابلياتهم. أما مقال اليوم فيزعم ان البيئة الاجتماعية المساعدة في انتاج العلم ، هي تلك التي ينتشر فيها العلم بين عامة الناس ولايقتصر على النخبة. اي حين ينسجم العلم مع الثقافة العامة ويتفاعل.

كي لا أسهب في الانشاء ، سوف انقل باختصار تجربتين ، ذكرتا في كتاب "اللغة والتعليم" الذي شارك فيه عدة باحثين ، وحرره د. قاسم شعبان ، وهو عميد سابق ورئيس لقسم اللغة الانكليزية بجامعة بيروت الامريكية.
تدور التجربة الاولى حول سؤال: هل سيكون تحصيل الطلاب اقل مستوى لو تعلموا العلوم بلغتهم؟
في هذه الدراسة قام ثلاثة باحثين ، بمقارنة استيعاب الطلبة لمفاهيم علمية تتعلق بطبيعة المادة. فوجهوا اسئلة متماثلة لمجموعتين كبيرتين من طلبة المدارس الثانوية الاسترااليين والهنود. وطلبوا منهم الاجابة عن الاسئلة ، كلا بلغته الأم. وقد اظهرت نتيجة الاختبار عدم وجود فارق يذكر بين تحصيل المجموعتين ، وهو الامر الذي اعتبره الباحثون الثلاثة دليلا ، على ان اللغة لا علاقة لها باستيعاب المفاهيم العلمية. وقد نشرت نتائج الدراسة في العدد 22 (1985) من مجلة ابحاث تدريس العلوم.
اما التجربة الثانية فكان غرضها هو التحقق من قدرة الطلبة على اكتشاف العلائق التي تربط بين المفاهيم العلمية المستخدمة في المنهج ، والتي تدرس ضمن موضوعات مختلفة.
شارك في التجربة مجموعتان من طلبة المدارس الثانوية ايضا من ماليزيا وسكوتلندا ، الذين يدرسون مناهج متشابهة في المحتوى ، لكن كل فئة تتعلم بلغتها الأم. وقد اظهرت التجربة ان الطلبة الماليزيين استطاعوا اكتشاف عدد أكبر من العلائق الصحيحة. واستنتج الباحثون تبعا لذلك ، ان استخدام اللغة الانكليزية ، التي تعتبر لغة العلم في عالم اليوم ، لم يعط الطلبة الذين يستخدمونها افضلية علمية على غيرهم.
ووفقا لباحث لبناني هو الاستاذ يعقوب نامق ، فان الطالب اللبناني الذي يتقن اللغة الانكليزية ، يحتاج اربعة اضعاف المجهود اللغوي الذي يبذله زميله الامريكي ، كي يستوعب نفس المادة.
أظن هذا كافيا لايضاح فكرة ان تعزيز العلم في اي بلد ، يتوقف الى حد كبير على كون الثقافة العامة منفتحة على العلم. ونعلم ان هذا مستحيل مالم تكن لغة الثقافة ولغة العلم واحدة. نحن هنا لا نتحدث عن حاجات سوق العمل الحالية ، كما في النقاشات السائدة ، بل عن الحاجة الكبرى لصناعة مستقبل البلد. 
ولهذا نقاش آخر ربما نعود اليه في قادم الايام.
الشرق الاوسط الأربعاء - 13 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 21 نوفمبر 2018 مـ رقم العدد [14603]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...