‏إظهار الرسائل ذات التسميات سلمان العودة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سلمان العودة. إظهار كافة الرسائل

20/12/2010

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

؛؛ المدخلي: مهما تشدد السلفيون لا يبلغون عشر ما كان عليه السلف من شدة على أهل البدع لدرجة أنهم يأمرون بقتلهم ويطاردونهم ويذلونهم،،


اتاح لي رمضان المنصرم (1431ه) فرصة لقراءة الجدالات الداخلية المزمنة بين اجنحة التيار الديني في المملكة.من اقصى اليمين التقليدي الى اقصى اليسار الاصلاحي مرورا بالصحويين والمتشددين والمعتدلين والعصرانيين .. الى اخر الاوصاف التي يطلقها كل فريق على بقية الفرقاء ، او يطلقها الاخرون من خارج التيار على شخوصه وجماعاته.
الشيخ عبيد الله الجابري
وهذه بالطبع ليست اوصافا موضوعية ولا خالية من الغرض. لكنها على اي حال تقال من اجل التعريف ، لان تلك الاجنحة تابى تعريف نفسها باسم خاص، وتصر على انها هي الجماعة المقصودة في رواية "الفرقة الناجية" او "الفرقة المنصورة " ، وهذا المسمى الاخير تعريف جديد طرحه احد الدعاة ولم يقبله جميعهم.
تحفل تلك الجدالات بقضايا ومواضيع وتوصيفات وتفسيرات واستدلالات تصلح بذاتها موضوعا للدراسة والتدليل على البيئة الثقافية وانساق المعرفة التي يعبر عنها كل جناح. ولاحظت في هذه الايام رواجا لوصف جديد هو "التمييع". وأظن ان الشيخين سلمان العودة وعايض القرني هما اكثر من يرمى به الان. 

واظن ان هذا الوصف قد ظهر في ادبيات الجدل الديني للمرة الاولى في العام 2004 على يد حركيين جزائريين من اتباع التيار المسمى بسلفية المدينة (او الجامية كما يسميهم اعداؤهم) ، ثم تداوله نظراء لهم من ليبيا ، قبل ان ينتقل الى التداول بين الحركيين في المملكة. وكتب احدهم رسالة اسماها "المجموع البديع في الرد على شنشنة التمييع" وافتتح اخر مجموعة انترنتية عنوانها "الجمع البديع في بيان معنى التمييع". وتحدث عنه الشيخان ربيع المدخلي وعبيد الجابري وهما من ابرز رموز ذلك التيار. ورفض المدخلي اعتبار الوصف مصطلحا معياريا ، لكنه يصح ان يطلق على اولئك الدعاة الذين قال انهم "يميعون اصول الاسلام ويرققونها ويهونون من شأنها، بل يحاربونها". 

تمييع اصول الاسلام ومحاربتها يكمن – حسب راي الشيخ - في ميل بعض الدعاة الى اللين ورفضهم للتشدد والغلو. وهو يعيب على السلفيين المعاصرين تركهم لما كان عليه نظراؤهم السابقون من شدة بالغة على مخالفيهم. ويقسم بالله ان سلفيي هذا اليوم مساكين: "والله الذي لا إله إلا هو أنه لا يوجد شدة الآن في السلفيين المساكين . و إنه مهما تشدد السلفيون في مواجهة الباطل و البدع لا يبلغون عشر معشار ما كان عليه السلف من الشدة على أهل البدع لدرجة أنهم يأمرون بقتلهم ، ويطاردونهم ، ويهجرونهم ، و يضربونهم ، ويذلونهم".
لست مهتما بتحديد موارد الحق والباطل في تلك الجدالات ، بل بدلالاتها السوسيولوجية ثم السياسية. فيما يتعلق بالجانب السوسيولوجي ، فقد وجدت فيها تطبيقات عديدة لواحدة من النظريات التي اثارت كثيرا من الجدل ، اعني بها تلك التي تقول بان عامة الناس يشتركون في صياغة نموذج التدين السائد في عصرهم الخاص. التصور الغالب ينحو الى اعتبار "الفكرة الدينية" منتجا معياريا للنخبة العليا من علماء الدين ، الذين يجتهدون في فهم النص وقراءة قضايا الواقع المعاش ، ثم يصدرون اراءهم التي تعامل باعتبارها فتوى او رايا دينيا ، او "توقيعا عن رب العالمين" ، حسب تعبير الشيخ ابن القيم. بالنسبة للملتزمين بتلك الاراء والفتاوى ، فان تطبيقاتها تعتبر "ممارسة دينية" تنطوي ، مثل "الفكرة الدينية" ، على قدر من القداسة المستمدة من ارتباطها المباشر بالمصدر الاعلى للتشريع اي النص المقدس.
اذا تابعت تلك الجدالات وما ترتب عليها من فتاوى واراء ومواقف ، فسوف تجد ان كثيرا من الحالات شهدت مسارا معكوسا ، فالفكرة الدينية او الفتوى لم تنتج ممارسة دينية ، بل  العكس هو الصحيح: الممارسة الدينية ، اي هموم وانشغالات عامة المؤمنين او بعضهم ، ولا سيما الناشطين منهم ، هي التي حددت لعالم الدين او صاحب الفتوى نطاق الرأي الذي سيصدر لاحقا. 

بعبارة اخرى فان الفتوى او الراي الذي يلبس رداء التشريع او التوقيع عن رب العالمين لم يكن اجتهادا مستقلا في النص ، بل هو موقف مسبق تجاه موضوع صيغ على شكل مسألة. واذا وضعت السؤال والجواب في اطار الصراع بين الاجنحة المختلفة ، فسوف تجد ان الراي الذي يرتدي عباءة الدين ليس سوى صياغة لنفس الموقف السياسي او الاجتماعي الذي يتخذه صاحب الفتوى تجاه الطرف الذي هو موضوع للفتوى ، تاييدا له او تنديدا به. اما بقية الكلام فليس سوى تفاصيل جانبية.
عكاظ 20 ديسمبر 2010  https://www.okaz.com.sa/article/370121/


مقالات ذات علاقة



15/04/2010

وجهات "الخطر" وقهر العامة


الصديق د. عبد الرحمن الوابلي (الوطن 9 ابريل 2010) عاتب على الشيخ سلمان العودة فكرة "التكافؤ الثقافي" التي اطلقها في برنامجه التلفزيوني الاسبوعي "الحياة كلمة" (تلفزيون MBC    في 2 ابريل 2010). كان العودة يجيب سائلة حول صحة زواج فتاة سنية برجل شيعي. والمعروف ان بعض قدامى الفقهاء قد رفضوا التزاوج بين اتباع الاديان والمذاهب المختلفة. وبعضهم ركز على منع زواج الفتيات اللاتي يتبعن مذهبه من رجل يتبع مذهبا آخر ، لان الفهم السائد يعتبر المرأة طرفا ضعيفا في العائلة وانها – لذلك – سوف تترك مذهبها الى مذهب الزوج.

المرحوم د. عبد الرحمن الوابلي. انتقل الى رحمة الله في مارس 2016

هذي بطبيعة الحال ليست نصا قطعيا بل اجتهاد توصل اليه فقهاء سابقون بناء على ما تيسر لهم من معرفة او دليل. لكن الفتوى بقيت متداولة عبر الزمن حتى وصلت الينا . ولان اكثر فقهائنا يخشون من مخالفة الماضين ، فقد اخذ بها كثير منهم ، وعارضها بعضهم باجتهاد جديد. الدكتور الوابلي يعارضها من زاوية المصلحة ، فهو لا يجادل في ادلتها ، بل في ما يترتب عليها . ولعل بعض الناس يجادل بان المصلحة ليست حجة في الشرع ، او ان المصالح هي ما عرفه الشرع او اهل الشريعة دون غيرهم ، وبناء عليه يرفض كلام الوابلي ونظرائه.

لكننا نعرف ان المصلحة هي جزء عضوي من مفهوم الحكم الشرعي لا سيما في المعاملات ، ومن بينها عقد الزواج وسائر العقود. وقد اشتهر بين الاصوليين ان الاحكام تدور مع المصالح ، فاذا ثبت ان حكما يؤدي الى تعطيل مصلحة ثابتة للمسلمين ، فان هذا الحكم يصبح محل شك وليس المصلحة التي تعارض معها. من ناحية اخرى فان تحديد المصالح والمفاسد ليس من الامور التي ترجع الى الفقهاء بل الى عرف عقلاء المسلمين ، فاذا رأى عقلاء المسلمين ان رأيا فقهيا مثل الراي المشهور في "تكافؤ النسب" يؤدي الى ضرر واضح على مجتمعهم ، جاز لهم تعطيله ، لاننا – حسب تعبير الامام ابي  حامد الغزالي – "لا نهدم مصرا كي نبني قصرا".

الوابلي اعتبر راي الشيخ العودة من نوع "وجهات الخطر" وليس وجهات النظر. اقول ان الحق هو ما قاله الوابلي. لكننا نستطيع فهم السبب الذي حمل العودة على الاخذ بهذا الراي ، وهو على الارجح الخشية من صدم المتدينين التقليديين لو افتى باجازة ذلك الزواج ، تقابلها خشية مماثلة من خسارة جمهوره المتنور فيما لو استند الى الفتوى القديمة التي تجيز منعه. وجود العنصر الشيعي في المسألة يمثل تحديا خاصا للمفتي ، لان جمهوره الرئيس ، اي التيار السلفي ، لا يتسامح ابدا ازاء علاقة من ذلك النوع الذي سألت عنه الفتاة.

كان على الشيخ العودة ان يصرح بالحكم الشرعي المعروف ، اي تكافؤ النسب ، ويبدي رايه فيه ، اما بقبوله او رفضه ، او يبين الاراء المختلفة فيه. اما مقولته عن "التكافؤ الثقافي" فهي مشكلة جديدة لا يصعب التنبؤ بنتائجها ، وهي قد تؤدي الى نفي احكام شرعية راسخة ومشكلات لا تحصى. دعنا نفترض ان زوجين يتبعان مذهبا واحدا وينتميان الى قبيلة واحدة ، لكنهما يتفاوتان في التحصيل العلمي ، او ينتميان الى لغتين مختلفتين ، او بلدين مختلفين ، بعبارة اخرى فانهما لا يتكافآن ثقافيا .. فهل يمكن للقاضي ان يطلقهما جبرا بناء على هذا الراي كما يفعل في قضايا تكافؤ النسب المعروفة؟.

نعرف ان الكلام عن "التكافؤ الثقافي" لا يستند الى اي دليل، وهو – مثل الراي في تكافؤ النسب - يتعارض مع المصالح الثابتة للمسلمين، لكننا على الاقل نعرف ايضا ان موضوع تكافؤ النسب محدود في المجتمعات القبلية اما التكافؤ الثقافي فهو واسع وتطبيقه – لو حصل – سيكون مصيبة على المسلمين.

ابريل 2010

مقالات  ذات علاقة
-------------------


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...