‏إظهار الرسائل ذات التسميات حرية التعبير. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حرية التعبير. إظهار كافة الرسائل

22/01/2013

فلان المتشدد

لا نستطيع التعويل على وصف الناس لأنفسهم ، في الحكم عليهم بالتسامح أو التشدد. كما لا نستطيع الاتكال على وصف أعدائهم لهم. علمتني التجربة أن أحكام الناس على بعضهم تنطلق في أغلب الأحيان من مواقف شخصية أو سياسية. صديقك سيرى شخصك وفعلك بعين الرضا، وعدوك أو منافسك سيراك بعين البغض أو الارتياب.


معيار التشدد والتسامح ليس وصف الإنسان نفسه وليس تقييم أصحابه له، وليس بالتأكيد تقييم المنافسين له ولأعماله. لا يمكن أيضا الركون إلى الأوصاف المتداولة في المجال العام، فهي انطباعية في الغالب، روجها شخص ما وتداولها الآخرون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التساؤل عما إذا كانت تحليلا محايدا أو مجرد تنميط سطحي.

هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة، لكنه يضطرنا، وهذا هو الجانب المشرق في المسألة، إلى البحث عن معايير أكثر موضوعية قبل أن نحكم على الآخرين. وأود هنا اقتراح معيارين يتصفان - في ظني - بالموضوعية، هما معيار التسامح ومعيار الليونة أو الشدة في التعبير:

1- جوهر مبدأ التسامح هو الإقرار بحق الآخرين في مخالفتك: كل منا يعطي لنفسه الحق في اختيار فكرة أو عقيدة أو منهج حياة أو طريقة عمل يراها حقا، وربما استشهد لأجلها بالكتاب والسنة... إلخ، وهو بالتأكيد سيدافع عن هذه الخيارات إذا تعرضت للنقد أو طولب بالتخلي عنها.

الحق الذي أعطيته لنفسك، هو ذاته الحق الذي يجب أن تقر به للآخرين. طبقا للمأثور عن الإمام علي بن أبي طالب- عليه السلام- فإن الحق ''لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري على أحد إلا جرى له''، فالمتشدد هو من ينكر على الآخرين حقوقا أعطاها لنفسه، أو يعاقبهم لو طالبوا بحقوق كالتي أقرها لنفسه، هذا معيار عام ومطلق في كل الأحوال.

2- لأن الإنسان كائن اجتماعي، فإن علاقته مع الآخرين تشكل معظم نشاطه الحيوي. المتشدد هو الذي يتعامل مع الآخرين بخشونة، ويخاطبهم بخشونة، أو يتحدث عنهم بخشونة. بخلاف المعتدل الذي يتبع اللطيف واللين في كل الأحوال. سلوك المتشدد يتسم بالخشونة، حتى في معاملة أصدقائه ومناصريه إذا اختلفوا معه، بينما يلتزم المعتدل سلوكا لينا حتى مع أعدائه. هذا معيار نسبي يرتبط بالعرف الاجتماعي السائد. نحكم على سلوك معين بالخشونة أو الاعتدال رجوعا إلى عرف المجتمع أو الزمن الذي نحن فيه، وهذا قد يختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر.

الاقتصادية 22 يناير 2013
http://www.aleqt.com/2013/01/22/article_726541.html

مقالات ذات علاقة

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

العامل السعودي 

غلو .. ام بحث عن هوية

21/08/2012

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

||لا يعيش الانسان في فراغ ، فهو مثل سمكة في بحر ، يتاثر بتياراته وبالاختلافات الفيزيائية للماء والاشياء السابحة او الهائمة فيه وحواليه||

الثقافة في معناها الضيق هي مجموع المعارف التي يتلقاها الفرد بشكل نظامي ، من خلال القراءة والنقاش والتفكير الخ. ولذا يطلقون صفة "المثقف" على شريحة من الاشخاص المهتمين بالمعرفة والممارسين لها بصورة منتظمة ، ولا سيما من خلال القراءة والنقاش.
اما المعنى الموسع للثقافة فيشمل مجموع التجارب الفردية والجمعية التي شارك فيها الفرد مباشرة او تلقاها على شكل مستخلصات مشروحة او رمزية. وهي تشمل التجارب المعرفية والفنية والحياتية والروحية ، كما تشمل اشكال المعاناة والفرح. ويعبر عن الثقافة من خلال اللغة وطرق الكلام او في اطار الفعل والممارسة الحياتية اليومية والتقاليد الاجتماعية. الثقافة في هذا المعنى هي الخلفية الذهنية المسؤولة عن 90%  على الاقل من افعال الانسان الاعتيادية ، لاسيما افعاله العفوية.
رؤية الانسان لنفسه وللعالم من حوله ، رؤيته لموقعه في هذا العالم ، وتعامله مع الاخرين ، هي – الى حد كبير – ثمرة لخلفيته الذهنية ، او – بحسب تعبير استاذنا ابراهيم البليهي – البرمجة الذهنية. حقيقة الامر انه لا يوجد انسان في العالم الا وهو مبرمج على نحو ما. قليل من الناس يساهم هو في برمجة نفسه وتحديد مكونات ذهنيته . اما الاكثرية الساحقة من البشر فان ذهنيتها تتشكل في حالة اللاوعي.
لا يعيش الانسان في فراغ ، فهو اشبه بسمكة في بحر ، يتاثر بتيارات هذا البحر وبالاختلافات الفيزيائية للماء والاشياء السابحة او الهائمة فيه وحواليه. الكلام والاصوات التي يسمعها الفرد ، والمشاهد التي يراها ، والالوان التي يميزها ، والخواطر التي تراود ذهنه ، والمخاوف التي تنتابه ، ومشاعر الفرح والاسى التي تعتمل في داخله ، اشواقه وامانيه ورغباته ، كلها تسهم في تشكيل ذهنيته ، اي تصوره عن نفسه وعن العالم. نادرا ما يتحكم الانسان في هذه المصادر او في تاثيرها عليه ، فهي تحدث امامه او في داخله دون ان تستأذنه ، وهي تتفاعل مع نفسه ، مع عقله وقلبه ، سواء احبها او كرهها. محبة الاشياء وكره الاشياء ، ارادته لها او عجزه عنها ، تسهم ايضا في تشكيل ذهنيته.
هذا يفسر لنا اختلاف اراء الناس بحسب انتماءاتهم الاثنية والثقافية واطاراتهم الاجتماعية ومواقعهم ومهنهم. لو كنت رجل دين فسوف تكون لغتك واطار علاقاتك الاجتماعية وهمومك مختلفة عن الطبيب والمهندس. ولو كنت عربيا فستكون مختلفا على الارجح عن الامريكي والياباني ، ولو كنت امراة فانشغالاتك ونطاق علاقاتك ستكون بالتاكيد مختلفة عن الرجال.
هل يكفي هذا للقول ان اختلاف الناس هو الظرف الطبيعي؟. هل يكفي هذا لتبرير الدعوة الى حرية التفكير وحرية التعبير؟. هل نقول ان التسامح لا يعني فقط اللين في التعامل مع الاخرين ، بل يعني تحديدا الايمان بان لهم الحق في ان يختلفوا عنك مثلما انت – بطبيعتك – مختلف عنهم؟.
الاقتصادية 21 اغسطس 2012

22/05/2012

اضحك مع الضاحكين والا فانت هاتف عملة


لا مناص من مواصلة التفكير . ولا مناص من التعبير عما نتوصل اليه من افكار . سواء قبلها الناس او رفضوها. وسواء توافقت مع المألوف او كانت غريبة. بوسع الكاتب والمفكر ان يستقريء اراء الناس ثم يعيد صياغتها في قالب ادبي . وسوف يحصل بالتاكيد على شهادات مديح لاحصر لها ، لانه "عبر عما في نفوس الناس" او كان "مرآة للمجتمع". لكننا نعرف ان المرآة لا تريك شيئا غير القشرة الخارجية. تريك وجهك الذي تعرفه والذي اعتدت عليه.

المفكر ليس مرآة للمجتمع ولا ينبغي ان يكون كذلك. وليست مهمة الكاتب محصورة في التعبير عما في نفوس الناس. رايت مرة اشخاصا ياتون الى عزاء فيجدون اهله يبكون وينتحبون فيشاركونهم في البكاء ، وهم بذلك يواسونهم ويعزونهم ويخففون عليهم وطأة المصيبة . فهل وظيفة الكاتب هي البكاء مع الباكين والضحك مع الضاحكين؟.
لو قبل اصحاب الافكار بالاستسلام لفكرة التوافق مع مألوف المجتمع والانسجام مع تقاليده ، فمن الذي سيكشف للمجتمع عيوب هذه التقاليد والمالوفات؟ ومن الذي سيخبر الناس عن الافكار الجديدة ، ومن الذي سيلفت انظارهم الى عيوب الواقع ونواقصه؟.
كتب توماس كون ، الفيلسوف الامريكي الشهير ، ان العلوم لم تتطور بشكل تدريجي ، لبنة فوق لبنة. تقدم العلوم جاء على شكل انقلابات دراماتيكية في المفاهيم والافكار والمسلمات. وجادل في كتابه "بنية الثورات العلمية" بان عالم الافكار ليس مجرد منظومة متفاعلة ، بل هو نسق Paradigm مغلق الى حد ما ، يحوي في داخله – اضافة الى النظرية العلمية – انماط سلوك ونظم علاقات وقيم . بل وحتى تكوينات اجتماعية ، تعمل جميعها على نحو يشبه مؤسسة مترابطة ، تدافع عن وجودها ، مثلما يدافع حزب سياسي عن طروحاته ومصالحه.
حين يتمرد البعض على هذا النسق ، يعارضون مسلماته او يقدمون بدائل عنه او حلولا لمشكلات مستعصية فيه ، فانهم – خلافا للمتوقع – لا يلقون ترحيبا او تشجيعا . بل يواجهون الشكوك والاتهامات ، وربما يصفهم رجل دين – كما فعل الشيخ ناصر العمر هذا الاسبوع – بانهم هواتف عملة ، يتحدثون بقدر ما يدفع لهم. او ربما يوصفون بانهم حمير للاجنبي ، او تافهون – رويبضة حسب الوصف المعياري الدارج في بلدنا -. 
تجربة الانسان المعاصر تكشف بوضوح حقيقة ان  الخلاص من التقاليد البالية والاعراف المتخلفة لم يكن – في اي بلد – سهلا او ميسرا. ولعل ابسط ثمن يدفع هو احتمال تلك الاوصاف والصبر على اصحابها ، حتى يصل النداء الجديد الى جميع الناس. وعندها سينقلب الذين قاوموا الراي الجديد الى مدافعين عنه وانصار.
لو مالأت المجتمع وانسقت في تياره فلن يكون لفكرك قيمة. لانك – حينئذ – مجرد ميكروفون او مرآة. ولو حاولت تنبيه الغافلين الى العوالم التي لا يرونها ، او التي لا يريدون رؤيتها ، فسوف تتهم بالزندقة والالحاد وعمالة الاجنبي. هذه اوضح الخيارات المتاحة امام اصحاب الراي والكتاب.

الاقتصادية 22 مايو 2012
http://www.aleqt.com/2012/05/22/article_659209.html

17/04/2012

حرية التعبير ليست حقا لاحد


 تزايد - في السنوات الاخيرة - ميل الاجهزة الرسمية للملاينة وغض النظر في تعاملها مع اصحاب الراي المختلف . وقد اثمر هذا عن تغير ملموس في المناخ الاجتماعي العام. الا ان هذه التحولات تجري من دون تاسيس قانوني ، ولا يمكن لأحد ان يستند اليها كحق مكتسب يمكن المطالبة به.

الوثائق القانونية التي لدينا – وهي قليلة على اي حال – تؤكد جميعا على حرية التعبير والنشر ، لكنها ترهنها باشتراطات غامضة مثل الالتزام بالقوانين والشريعة والمصلحة العامة الخ. غموض هذه الاشتراطات وغياب اللوائح التنفيذية المؤسسة على ارضية "الحقوق قبل التكاليف" جعلت حق التعبير والنشر موضوعا اشكاليا ، يخضع في منحه او حجبه لرأي الاداريين في وزارة الاعلام او غيرها . وشهدنا في الاسبوع الماضي تفسيرات لهذا الحق صدرت عن احد القضاة ، استند في حكمه الى اجتهادات معروفة في الشريعة ، لكنها غير مدونة كجزء من القانون الرسمي للبلد.

القنوات التلفزيونية المحلية هي مثال واضح على ما ذكرناه. طبقا لنظام المطبوعات فانه يمنع اصدار صحف او انشاء اذاعات او محطات بث تلفزيوني دون ترخيص. رغم ذلك فهناك ما يزيد على 40 قناة فضائية يملكها افراد سعوديون (عدا الشبكات الكبيرة مثل MBC, ART, Orbit). من بين تلك القنوات ، هناك 12 قناة على الاقل تعمل وتبث برامجها داخل البلاد. هذه القنوات ليست مرخصة في اطار نظام المطبوعات والنشر القائم. لكنها ايضا ليست ممنوعة. الاجهزة الرسمية تعرف بوجودها وتعرف مقراتها واصحابها ومصادر تمويلها والعاملين فيها ، وهي بالتاكيد تراقب برامجها. وتعلم ايضا – وهذي هي الزبدة – ان ايا من هذه القنوات ليس مرخصا في اطار نظام المطبوعات. مع ذلك فان الوزارة لم تطلب من اصحاب تلك القنوات اغلاق ابوابها – التزاما بالنظام المذكور. بعبارة اخرى ، فان تركها عاملة لسنوات ، يجعلها اشبه بالمرخصة وان لم تحصل على ورقة الترخيص الرسمي. انها اذن في في منطقة رمادية بين المنع والترخيص.

يمكن لوزارة الاعلام اغلاق اي من هذه القنوات في اي وقت تشاء رجوعا الى انها غير مرخصة. وهذا ما فعلته مع قناة الاسرة في سبتمبر 2010 . او يمكن لها ان تواصل الصمت عن عملها حتى حين. في المنطقة الرمادية يغيب الاستقرار والاطمئنان الضروري للاستثمار والتطور. اصحاب تلك القنوات لا يعتبرون وضعهم نهائيا وثابتا ، ولذا فهم لا يميلون الى ضخ استثمارات مكثفة لتطوير برامجهم او توظيف اعداد كبيرة من العاملين.

من الصعب على اي احد اغلاق جميع القنوات التلفزيونية العاملة اليوم ، حتى بحجة عدم الترخيص. لكن – من ناحية اخرى – فان بقاءها في المنطقة الرمادية يضعف من هيبة القانون الوطني. واظن ان الحل المناسب هو الغاء نظام المطبوعات القديم ووضع نظام جديد يسمح بالاعلام الاهلي  المستقل وفق معايير جديدة ، اهمها اعتبار التعبير عن الراي حقا مكتسبا لجميع المواطنين ، يحميه القانون وينظم استعماله.
 جريدة الاقتصادية 17 ابريل 2012

21/08/2010

لا تتوقفوا في منتصف الطريق


ثمة قدر معقول من الحيوية في المشهد الثقافي السعودي ، لكن الطريق الى حياة ثقافية ناضجة لا زال طويلا.  كي نصل الى هذه الغاية فاننا بحاجة الى طرح قضايا جديدة او قضايا محورية تساعد على شق الطريق امام مناقشات جديدة. خلال السنوات الثلاث التي مضت دار جدل كثير حول القيم والاعراف السائدة في المجتمع السعودي وحول مراكز النفوذ الثقافي وعوائق النشاط الثقافي . وقد اثمرت هذه النقاشات عن فهم مختلف نوعا ما لقواعد التنظيم الاجتماعي والمعايير الثقافية. لكننا لم نصل بعد الى اقرار نهائي بهذه المعايير. نحن لا نزال في اول الطريق .

 في الاسبوع المنصرم نشر ملحق الرسالة بجريدة المدينة مناقشة حول حرية التعبير ، لاحظت ان طابعه العام اعتذاري او تبريري. الحديث عن حرية التفكير وحرية التعبير ينبغي ان يكون تقريريا او تفسيريا. الاتجاه الاعتذاري او التبريري ينبيء عادة عن قلق من الحرية اكثر مما يشير الى ايمان بها. ملحق الرسالة يعبر في العادة عن اتجاه ديني معتدل . واظن ان الموقف العام للتيار الديني من مسألة الحرية موقف مرتبك. التقليديون في هذا التيار يخشون من انهيار القيم والاعراف اذا قبلوا بالحرية كمبدأ وقيمة عليا ، والمعتدلون يشعرون في داخلهم بان حرية التفكير والتعبير هي المقدمة الضرورية لتجديد الفكر الديني. وهم يعبرون عن هذا صراحة احيانا وبين السطور في معظم الاحيان. لكن هذه القناعة لا تزال فيما يبدو بكرا لم تنضج ولم تصارع الاشكالات. مسألة الحرية ولا سيما حرية التفكير والتعبير هي مثال على القضايا التي طرقنا سطحها ولم نذهب في النقاش حولها الى العمق.

اضافة الى مسالة الحرية ، هناك الكثير من المسائل الحرجة التي يمثل البحث فيها مفتاحا لتطوير الثقافة العامة. من ذلك مثلا مسألة القانون ، سيادة القانون ، عدالة القانون ، والمساواة امام القانون. هذه المسالة قد تبدو بعيدة عن هموم معظم المشتغلين بالثقافة في بلادنا ، رغم انها جوهرية مثل حرية التفكير والتعبير. نحن نتحدث عن الثقافة العامة في معناها الواسع الذي يتضمن فهم الفرد لنفسه ودوره وعلاقته بالسلطة والنظام الاجتماعي واعضاء المجتمع ومؤسساته. هي مهمة بصورة خاصة في مجتمعنا بسبب هيمنة الجانب الشخصي والعلاقات الشخصية على الاعمال والعلاقات. الشكوى من شيوع الواسطة والمطالبة بتدخل الكبار ونزوع الافراد الى الاستنجاد بروابطهم القبلية والمناطقية والعائلية ، وتصنيف الناس الى اعداء واصدقاء بحسب دوائر انتمائهم ومتبنياتهم ، تشير كلها الى غياب فكرة القانون عن اذهان الناس. القانون ليس سوى المعايير الموحدة لتبادل الحقوق والواجبات بين الافراد والمؤسسات الاجتماعية ، سواء تلك التي تتمتع بسلطة الامر والنهي او تلك المكرسة للخدمة العامة . النقاش في القانون لا ينبغي ان يقتصر على الجانب الدعوي المعتاد ، أي مطالبة الناس بطاعة القانون ، فهذا الامر من البديهيات وهو لا يضيف جديدا. نحتاج الى مناقشة القانون باعتباره اطارا للحرية الفردية والمساواة في الفرص والواجبات وتنظيم التعارض بين المصالح.

اتمنى من كل قلبي ان يبادر الناشطون في التيار الديني الى طرح مثل هذه القضايا على مائدة النقاش ، طرحا يستهدف تطوير الفكرة واستبيان ما تنطوي عليه من امكانات ومن تحديات ، وليس فقط مجادلتها كعدو او كجسر للعدوان. يهمني جدا ان يبادر هؤلاء ، لانها سوف تطرح للنقاش اليوم او غدا ، وحين يطرحها غيرهم فقد يجدون انفسهم – بحسب منطق الصراع – في الطرف المعارض للفكرة . وحينئذ سوف تفوتهم فرصة التامل الواقعي في ما تنطوي عليه من فرص هائلة. اقول هذا بعدما لاحظت انهم قد وقفوا دهرا ضد فكرة التحديث والتجديد والعصرنة ، ثم عادوا لتبني بعض جوانبها على خجل.

 ليس كل التحديات الثقافية نذر عدوان ، وليس كل ما يطالب به الاخرون اجندة غزو. للتيار الديني مصلحة اكيدة في ركوب قطار التجديد لان التجديد هو منطق الزمن. لسنا مخيرين بين التجديد وعدمه ، لكننا مخيرون بين تجديد سطحي استهلاكي وبين تجديد حقيقي ينال العمق. المسار الثاني يتطلب طرح القضايا الاساسية ومناقشتها بتعمق ومن دون قلق. حين تنضج حياتنا الثقافية فسوف نجد كثيرا من الامور ممكنة حتى لو بدت عسيرة او مخيفة في اول الامر.  

26/04/2010

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

تمثل المنتديات الثقافية الأهلية رافدا هاما للنشاط الثقافي في المملكة، ولعل أبرز ما يميزها هو :

 أ) كونها أهلية تطوعية.

 ب) انتظامها طوال العام، أسبوعية أو شهرية.

 ج) اعتمادها على الجدل والحوار الشفهي الحر كبديل عن المحاضرات التوجيهية.

ثمة أجهزة رسمية كثيرة تعمل في المجال الثقافي، بدءا من وزارة الثقافة والإعلام المشرفة على هذا القطاع مرورا بالهيئات الدعوية وانتهاء بوزارتي التربية، والتعليم العالي، فضلا عن العديد من المؤسسات الأخرى. لكن تبقى للنشاطات الأهلية ميزة التنوع في الطروحات والآراء وكونها نافذة لتوجهات لا تتسع لها قنوات الثقافة الرسمية.

 المرحوم عبد المقصود خوجة مؤسس منتدى الاثنينية بجدة

حسنا فعل وزير الإعلام بتكريمه المنتديات الثقافية في المملكة. وقد وفق في اختياره لثلاثة نماذج مضيئة، هي منتدى الدكتور راشد المبارك، الذي عرف بتنوعه وثرائه العلمي، ومنتدى الثلاثاء، الأشهر في المنطقة الشرقية والأكثر تعبيرا عن تنوعها وغناها الثقافي، ومنتدى الشيخ عبد المقصود خوجه الذي أضاف إلى الجدل الثقافي بدعا كثيرة طيبة مثل تكريم أهل الفكر وطباعة كتبهم وشكل لسنوات طويلة وجها مشرقا لبلدنا في داخلها وفي الخارج.

أعرف في محافظة القطيف وحدها خمسة عشر منتدى ثقافيا، ويوجد مثلها أو أقل أو أكثر في معظم محافظات المملكة، تشكل بمجموعها روافد غنية للحراك الثقافي وإنتاج الأفكار أو نقد الأفكار . لكن أغلبها غير منتظم. وهذا وإن كانت له مبررات قابلة للتفهم، إلا أنه في نهاية المطاف يقلل من أهمية الغاية، أي إغناء الحياة الثقافية في المجتمع. لن يكون لدينا حياة ثقافية نشطة ما لم تتحول الثقافة إلى عمل مستمر، منتظم، ومتزايد.

ثمة آلاف من الناس يرغبون في تطوير معارفهم، وثمة عشرات يشعرون بأن لديهم شيئا يستحق أن يقال، ونشعر جميعا بأن هناك العديد من الأفكار الجديدة التي تستحق أن تطرح للنقاش. هذه الحاجات لا تجد فرصتها إلا بوجود إطارات نشطة، فعالة، ومنتظمة، يرجع إليها كل صاحب فكرة وكل باحث عن فكرة.

في أواخر القرن التاسع عشر نشر الفيلسوف الإنكليزي جون ستيوارت ميل رسالة عنوانها «حول الحرية»، أصبحت فيما بعد مرجعا في الفلسفة السياسية. في هذه الرسالة الهامة ركز ستيوارت ميل على ما وصفه بـ «السوق الحر للأفكار»، وكان يعني ضرورة إلغاء القيود التي تعيق تدفق المعلومات أو تقيد حرية التعبير. رغم المعارضة الشديدة التي واجهت تلك الرسالة في وقتها، إلا أننا نعرف اليوم أن الرجل كان يرى المستقبل، فقد أكد على أن المجتمع الذي يطلق حرية الرأي والتعبير ويلغي القيود المفروضة على العقول، سوف يتقدم علميا واقتصاديا وسوف يزدهر ويكون أمة قوية وغالبة. وبالعكس فإن المجتمعات التي تقيد التعبير وتحدد نوع المعلومات المسموحة والممنوعة، سوف تبتلى بالهزال الفكري وسوف تبقى ضعيفة متخلفة، تعتمد على الأولى وتتبعها في كل شأن من شؤون حياتها.

بعد أكثر من قرن على آراء ستيوارت ميل، نشهد اليوم ما تحقق فعليا. فالذين اتبعوا نصيحته أصبحوا سادة العالم في كل فن، والذين سخروا منها أو جبنوا من عواقب تطبيقها أصبحوا أتباعا للفريق الأول، وشتان بين التابع والمتبوع في القيمة والمكانة.

إذا أردنا أن نتحول من مستهلكين لأفكار الآخرين وعلومهم إلى منتجين أو مشاركين في إنتاج العلم، فإن أول الطريق هو الإقرار بحرية التعبير والجدل لأنفسنا ولغيرنا. الإقرار بحرية التعبير هو الطريق إلى تحرير الفكر والعقل. لا يمكن للعقل أن يتحرر وينطلق ما لم يجد أمامه قنوات للتعبير عما ينتجه من أفكار.

نحن لا نحتاج إلى التوجيه والإرشاد والوعظ بقدر حاجتنا إلى النقاشات الحرة ومضاربة الأقوال والآراء. إحياء الثقافة لا ينتظر المواعظ والتوجيهات بل ينتظر الجدل الحر حتى لو بدا عسيرا في أول الأمر. لهذا السبب فإني آمل أن تحافظ المنتديات الأهلية على هذه الميزة الغالية وأن تتوسع فيها. فبها وبالاعتماد عليها تزدهر الثقافة ومن دونها تتحول إلى كلام مكرور، يقال بأشكال شتى وفي صيغ منمقة، مثل سجين يدور طوال يومه في زنزانة صغيرة، يقطع عشرات الأميال لكنه يبقى ملتصقا في النقطة التي انطلق منها.

https://www.okaz.com.sa/article/328863
مقالات ذات صلة

08/04/2010

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم


؛؛  نظريا ، يعزز الايمان اطمئنان النفس والسلام مع العالم، لكنا لانرى هذا واضحا في التيار الديني. الدعاة والناشطون يتحدثون بلغة خشنة ، ربما تنم عن افتقارهم للسلم النفسي ؛؛

 قي الثالث من ابريل 2010 طالب مفتي السعودية اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بملاينة الجمهور والتلطف معهم. واوصى المفتي مئة من اعضاء  الهيئة في الرياض بمحبة المخطئين ونصحهم حتى يستقيموا. وتكررت هذه الدعوة كثيرا في السنوات الماضية على لسان زعماء المؤسسة الدينية القلقين من تفاقم سلبية الجمهور تجاه الهيئات الدينية.

عبده خال

وتشهد المملكة انكارا متزايدا للتشدد الذي يلبس عباءة الدين. وكتب الروائي المعروف عبده خال عن حادث تعرض له قبل ثمان سنين، يشكل فيما يبدو خلفية لموقفه المعارض للهيئة:

"ضربت ضربا مبرحا... أمسك بخاصرتي وعنقي وأخرجني بكل قوة، ممزقا ثيابي وجسدي، وأحدث تهتكات في رقبتي وخاصرتي. كان منظري يدعو للرثاء حيث تجمع الناس حولنا من كل جهة. وانطلقت مع زوجتي إلى شرطة النزلة، لتقديم بلاغ، إلا أن الرائد قال لي: أنت مجنون هل هناك أحد يشتكي هيئة الأمر بالمعروف ... حاولت جادا كتابة هذه الحادثة في حينها إلا أنني لم أفلح لأن الهيئة كانت في حصانة مبالغ فيها، حصانة من الشكوى أو نشر أخطاء أفرادها".

تقدم هذه القصة الواقعية صورة نموذجية عن تعامل الهيئة مع الجمهور. لكن التشدد والخشونة ليس حكرا على الهيئة. بل اصبح سمة غالبة في التيار الديني يشعر بها انصاره ومعارضوه. وهو ظاهر في الخطاب اللفظي والمكتوب ، كما في المواقف الاجتماعية والسياسية. ربما يمتاز الاتجاه السلفي عن غيره بتساهله في التكفير وطغيان مفردة "كفر" ومشتقاتها في ادبياته ، لكن بقية الاتجاهات الدينية لا تخلو من اشكال تشدد من هذا النوع او غيره.

هناك بطبيعة الحال تفسيرات عديدة لظاهرة التشدد المستشرية هذه. لكني احتمل ان سببها الرئيس هو افتقار التيار الديني الى حالة السلام النفسي الذي يفترض ان يكون الثمرة المباشرة للتدين والاتصال بالله سبحانه. حين يكون الانسان في سلام مع ذاته ، فانه على الاغلب سيميل الى مسالمة الاخرين، وحين يكون متوترا في داخله فان كلماته وتصرفاته ونظرته الى الاخرين ستحمل طابع التوتر. 

 نعرف هذا من التأمل في ما يكتبه الدعاة والناشطون في مواقع الانترنت والصحف التي تمثل التيار الديني، وما يقولونه في خطبهم ودروسهم واحاديثهم المسجلة. في منتدى "الساحة العربية" الاماراتي او نظيره السعودي "الساحات الحرة" وامثالهما ، سوف تجد المشاركين، وبعضهم رجال دين ودعاة معروفون بالاسم، يكتبون بلغة خشنة ويستعملون الفاظا نابية، ويبالغون في التهجم على منافسيهم. ليس فقط ضد معارضي التيار الديني ، بل وايضا ضد المشايخ والشخصيات البارزة في التيار الديني نفسه اذا اختلفوا معهم في راي او موقف.

ونظرا لصعوبة الدفاع عن هذا السلوك الفظ ، فقد ساد الميل في الاونة الاخيرة الى التبرؤ من امثال هذه المواقع ، ورفض نسبتها الى التيار الديني، واعتبارها مجمعا للجهال والسوقة. لكن مواقع الانترنت الخاصة بالمشايخ المعروفين والجماعات النشطة لا تخلو من هذه التعبيرات.

 التهجم على الغير بالفاظ خشنة هو احد الوجوه . اما الوجه الاخر فهو التبشير بالمؤامرة الدولية على الاسلام والمسلمين. وهي مؤامرة متنقلة يتغير اطرافها بحسب  موقف المتكلم. يوما كان صدام حسين هو راس حربة المؤامرة الافتراضية، فاذا به بعد اعدامه بطل المقاومة ضد المؤامرة. وكانت الشيوعية هي اداة المؤامرة في الماضي، فاذا بالمؤامرة الدولية تستاجر اليوم القنوات التلفزيونية والصحافة. وكان اليهود هم المستفيد الاول من المؤامرة اما اليوم فانهم يقتسمون الغنيمة مع الشيعة والصوفيين. وكان الحداثيون هم الطابور الخامس حتى اواخر القرن الماضي، اما اليوم فقد جند ايضا المشايخ الذين اقلعوا عن التشدد وانتهجوا طريق الاعتدال والمسالمة مع المختلفين.

الكلام عن المؤامرة والتامر يستهدف تعبئة الانصار واثارة الحماس فيهم. لكنه ايضا ينقل الى انفسهم حالة التوتر التي يعيشها الداعي او المتكلم. ويستشهد هؤلاء عادة باشخاص وحوادث ونقولات مقتطعة – واحيانا كاذبة - من هنا وهناك بغرض تحديد العدو المقصود وتضخيم الصورة الذهنية للمعركة الافتراضية. وفي نهاية المطاف فان المتلقي يتخيل نفسه في قلب المعركة التي تستلزم حماسة كاملة وانتباها مفرطا وارتيابا في كل حركة او اشارة تبدر من الطرف الاخر. في وسط المعركة، لا وقت للكلمة الطيبة ولا للجدال بالحسنى. انت هناك قاتل منتصر او قتيل مهزوم. ولهذا فالذاكرة النشطة ستكون حكرا على ادبيات الغلبة والقتل والاكتساح. حين يفتقد الانسان السلام الداخلي يتصور العالم حربا مشتعلة ، وحين يكون وسط المعركة فان دافعه الاول والاقوى سيكون غريزة البقاء ، وهو يساوي غالبا فناء الغريم.

نشر في الايام Thursday 8th April 2010 - NO 7668

http://www.alayam.com/Issue/7668/PDF/Page21.pdf
مقالات  ذات علاقة

الاسلام الجديد

أن تزداد إيماناً وتزداد تخلفاً

اقامة الشريعة بالاختيار

تأملات في حدود الديني والعرفي

تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة

تحولات التيار الديني -1 : تصدعات وقلق المؤامرة

 

التراث الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب الجماهيري

التيار الديني الاصلاحي امام خيار حاسم

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حول الفصل بين الدين والعلم

الحداثة تجديد الحياة

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

الـدين والمعـرفة الدينـية

الشيخ القرني في باريس

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

في تعريف الإسلامية

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

الفكــرة وزمن الفكـرة

فقد الدِين وظيفته الاجتماعية لأنه أصبح حكرا على طبقة

القيم الثابتة وتصنيع القيم

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة.

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد ؟

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نقد التجربة الدينية

 نقد المشروع طريق الى المعاصرة

الهجوم على الثوابت .. اين هي الثوابت ؟

وجهات "الخطر" وقهر العامة

19/08/2009

مجتمع العبيد


؛؛ اهتزاز شخصية الفرد وتبعيته العمياء للاخرين ، هي ثمرة لثقافة عامة تنبذ التسامح وتنكر استقلال الفرد وتساويه في القيمة مع الاخرين ؛؛


حتى منتصف القرن العشرين كان بوسعك ان ترى رجالا ونساءا يباعون ويشترون او يورثون بعد موت اسيادهم ، مثل اي بضاعة اخرى في السوق. لكن العبودية او الرق زالت من العالم تماما. واصبح جميع الناس - من الناحية القانونية على الاقل – احرارا. بالنسبة للمملكة  العربية السعودية فان اخر العبيد قد حرروا بموجب بيان وزاري في نوفمبر 1962.


الكلام حول الحرية لا ينظر اذن الى موضوع الرق، بل الى درجة الحرية التي يتمتع بها الانسان العادي ، اي الفرد الذي يملك نفسه وارادته ، ويستطيع – نظريا على الاقل – ان يفعل ما يمليه عليه عقله او ترغب فيه نفسه. يدور جدل الحرية المعاصر حول الموانع الداخلية ، تلك التي ترتبط بثقافة الفرد وتكوينه النفسي والروحي ، والموانع الخارجية ، اي تلك التي ترتبط بالقانون او السياسة او المجتمع. 

 لعل ابرز المعوقات الداخلية لتحرر الانسان هو الطفولة الثقافية او النفسية ، اي اعتقاد الفرد بانه ما يزال بحاجة الى كفيل او راع او حام او وصي او ناظر او مرشد يفكر نيابة عنه ويختار له طريق السلامة في حياته. تجد مثل هذا الفرد مبهورا بما عند كفيله او مرشده ، وانبهاره هذا يترجم في صورة ذوبان تام في شخصية المرشد اوالكفيل ، بحيث يسير وراءه مغمض العين ، محجوب الفكر . كلامه تكرار لكلام الكفيل وعاطفته انعكاس لحبه وبغضه.

 مثل هذا الفرد لا يوصف بانه حر ، كما انه ليس عبدا في المعنى القانوني . ولعلنا نعتبره ناقص الحرية او تابعا. تجسد الحرية في مفهومها العام قابلية الانسان على صياغة وجوده المستقل ونظام حياته وتعديلها بين حين واخر بحسب ما يمليه عليه عقله. يجادل المفكرون بان هذه القدرة فطرية وجزء من طبيعة الانسان وتكوينه .

 يتميز الانسان على سائر المخلوقات بعقله وارادته وقدرته على اختيار طريقه واعادة توجيه مساره الحياتي بين حين وآخر . يستطيع الانسان تغيير صفاته وسلوكياته بشكل ابداعي ومتجدد ، بحيث يكون هو المتحكم في معيشته ومتبنياته وعمله وعلاقته مع العالم المحيط ، وفي تحديد اهدافه ومصيره  النهائي. شعور البعض بالحاجة الى كفيل ومرشد لا ينفي حقيقة ان كل فرد بذاته قادر على ان يقرر كيف سيكون وماذا سيفعل بغض النظر عن ارادات الاخرين.

قد يظن بعض القراء ان هذه مسألة شخصية ، فطالما كان الانسان قادرا على اختيار الطريق ، فمن الافضل اذن ان ينشغل بها الفرد الذي يعاني منها . لكن الحقيقة انها من قضايا  الشأن العام . افتقار الفرد الى الارادة الحرة ، او تبعيته العمياء للاخرين ، هي ثمرة لثقافة عامة تتصف بعدم التسامح او عدم الاقرار بمكانة الفرد واستقلاله وتكافؤه القيمي مع الاخرين. في غالب الاحيان فان المجموعات المتعصبة والراديكالية تلعب على هذه الورقة .

 تتحول الفكرة المتطرفة الى جماعة متطرفة عندما يقتنع بعض الافراد بالطاعة الكاملة لشخص معين ، قد يكون صاحب الفكرة او رجلا حالما او شخصا ذكيا ذا نزعة قيادية . تتوسع الجماعة من خلال الضغط الثقافي والنفسي على الافراد الاقل قدرة على محاكمة الافكار الجديدة ، ويمارس الاعضاء المتحمسون نوعا من غسيل الدماغ على انفسهم وعلى الافراد المستهدفين ، بغرض اقناعهم بان طريقهم هو سبيل الخلاص الوحيد وان بقية الناس جميعا مضللون او جاهلون . هذه القناعة هي التي تبرر للفرد التخلي عن ارادته بتذويبها في ارادة الجماعة ، وتوجيه عقله ونشاطه الفكري في الاتجاه الذي اختارته الجماعة .

هل يستطيع فرد ذائب في جماعة ان يتحرر منها ؟

نعم هو قادر بكل تاكيد ، لان الانسان يستطيع في كل الاحوال ان يستخرج عقله من صندوق الجماعة المغلق ، ويمنحه الفرصة كي يحاكم وضعه الراهن ويقارنه باوضاع الاخرين او بما ينبغي ان يكون عليه.  وينبغي للمجتمع الذي يخشى من تفاقم دور الجماعات المتعصبة والراديكالية ان يبحث عن الشروط والوسائل التي تجعل افراده قادرين على مراجعة احوالهم ونقدها والتفكير فيها واعادة صياغتها بين حين واخر ، كي لا يصبح انضمام الفرد الى الجماعة الراديكالية اعلانا عن مصيره النهائي.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...