‏إظهار الرسائل ذات التسميات التمثيل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التمثيل. إظهار كافة الرسائل

15/05/2004

بعض التمثيل .. قد ينفع

 

عندما اقيم مجلس الشورى السعودي جادل قانونيون بان القاعدة الدستورية التي قام في اطارها لا تعطيه صفة تمثيل الارادة العامة. وجرت العادة بين اعضاء المجلس وسواهم على لفت الانظار الى الكفاءة العلمية التي يتمتع بها الاعضاء. والحق ان الجدل حول هذه الثنائية قديم وقد ورد في نقاشات قدامى الاسلاميين حول صفات اهل الحل والعقد.

تصوير كاريكاتوري لنموذج النظام السياسي الذي اقترحه ديفيد ايستون واطلق عليه اسم موديل المدخلات-المخرجات

يتعلق النقاش بمسألة تندر الاشارة اليها  ، رغم اهميتها ، سيما في ابحاث الفقه الاوربي. تفترض هذه المسألة ان هناك دائما هوة واسعة بين مطالب الجمهور اللا متناهية ، والموارد المتاحة لدى الدولة ، وهي – مهما عظمت - محدودة من حيث الحجم والزمن. ولهذا قال بعض المفكرين – ديفيد ايستون مثلا – بان عمل الحكومة في جوهره ، هو اختيار وجدولة المطالب الشعبية the authoritative allocation of values for a society. وتفترض هذه الفكرة ان مهمة جهاز الدولة ، هي وضع اولويات بالمطالب العامة التي سيجرى تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها ، وتلك التي ستؤجل او تترك.

السؤال اذن: ما هو المعيار المتبع في تقرير هذه الاولويات؟.

- ما نقل الينا من التراث يربط هذا الحق بالعلم ، فالعالم هو صاحب الحق في اختيار المطالب العامة القابلة للتنفيذ او التأجيل. خلافا لهذا فان علم السياسة المعاصر ، يحيل هذا الحق الى الارادة العامة ، فالمطالب التي تحظى بالاولوية ، هي تلك التي تعبر عن رغبة عامة عند اكثرية المواطنين.

في هذا الزمن فان الحاجة الى اعتبار رغبة العامة ، لا تستند فقط الى الاساس النظري – وهو قابل للمجادلة على اي حال - ، بل الى الضرورة الملحة لتحقيق "رضا العامة" التي يوردها قدامى الاسلاميين كواحد من الادلة الكبرى على وجوب الشورى. رضا العامة هو الضمان الاكبر للسلام الاجتماعي وهو الوسيلة التي لا غنى عنها لتمكين الدولة من العمل بصورة سلسة وفعالة في ظل تعاون الجميع وتعاطفهم. ويقدم نموذج التكافؤ بين المطالب والاستجابة ، او الادخال - الاخراج الذي اقترحه ايستون ، تصويرا ذكيا للكيفية التي يمكن للدولة من خلالها تعزيز مشروعيتها حتى في ظروف الازمة. وهو يميل – كما يبدو – الى اعتبار المشروعية المتحققة من خلال هذا التفاعل اكثر فائدة وعلاقة بالسياسة اليومية من تلك المستمدة من القواعد الدستورية المؤسسة للنظام السياسي.

يبدو – حسب التصوير الرسمي على الاقل – ان تاسيس مجلس الشورى على القاعدة الاولى ، اي العلم ، يستهدف التشديد على اعتبار المعيار العلمي اساسا للحق في اختيار المطالب العامة القابلة للتنفيذ. ترى هل يمكن لهذا النوع من الترتيب ان يؤمن رضا العامة ؟. او لنقل : هل ثمة وسيلة لجعل هذا الغرض ، اي رضا العامة ،  قابلا للتحقيق في ظل الترتيبات الحالية للمجلس ؟.

في ظني ان التحرك خطوات نحو فكرة " تمثيل الارادة العامة " قد يكون مفيدا في هذا الجانب. والاقتراح المحدد هنا هو التخلي عن الفكرة القديمة التي تعتبر عضوية المجلس شأن مستقلا عن الانتماء الاجتماعي للعضو. واستبدالها باعتبار كل عضو ممثلا للمكان الجغرافي-الاجتماعي (القرية ، المدينة.. الخ ) الذي ينتمي اليه في الاصل. هذا التمثيل يمكن ان يتحقق عن طريق فتح قنوات تواصل منظمة بين العضو وبين تلك الشريحة من المواطنين لكي يستقبل مطالبهم وشكاواهم ، ويقوم – نيابة عنهم - بايصالها الى الجهات الرسمية او يعرضها في المجلس ، كما يفعل البرلمانيون في دول العالم الاخرى. في هذه الحالة سيكون المجلس بمثابة محامي الشعب اذا صح التعبير. واظن ان مثل هذا الدور سيسهم بدرجة كبيرة في توفير الغرض المشار اليه ، اي تحقيق رضا العامة. وهو الى ذلك خطوة في طريق بلورة الارادة العامة وتجسيدها.

15 مايو 2004

مقالات ذات صلة

 الاساس النظري لدور الامة في الدولة

السلطة باعتبارها وكالة عن المجتمع
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

بعض التمثيل .. قد ينفع

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

مفهوم الحق ومصادره

مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي

دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة

الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران

الايديولوجيا السياسية للتيار المحافظ في ايران

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

نظرية السلطة في الفقه الشيعي: ما بعد ولاية الفقيه (كتاب)

الديمقراطية في بلد مسلم (كتاب)

تنبيه الامة وتنزيه الملة : رسالة فقهية في الحكم الدستوري (كتاب)

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...