‏إظهار الرسائل ذات التسميات الكراهية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الكراهية. إظهار كافة الرسائل

17/12/2013

الكراهية




في منتصف تسعينات القرن المنصرم ، يوم كانت الجزائر على وشك الانزلاق في حرب اهلية شاملة ، سئل الشيخ محفوظ نحناح ، رئيس حركة المجتمع الاسلامي الجزائرية عن الحل الذي يقترحه للنزاع الداخلي ، فأجاب ببساطة ان الحل هو الآية المباركة "كفوا ايديكم واقيموا الصلاة". من يحمل سلاحا فليلقه جانبا وليتجه الى الله بقلبه ، ايا كانت النتيجة.

يومذاك ، بدا هذا المنطق مغاليا في التبسيط. بل لقد وصفه احد الزعماء السياسيين بالسذاجة والفشل في استيعاب تعقيدات الوضع الجزائري. لكن الايام مرت ، وتوصل الجميع ، الحكومة والمعارضة ، الى ان المخرج الوحيد المتاح من الازمة المستفحلة ، هو الطريق الذي اقترحه نحناح. استعادت الجزائر سلمها الاهلي ، ثم استعادت الدولة من يد العسكريين ، ليس لان الجيش هزم المعارضة المسلحة او العكس ، بل لأن شرائح كثيرة في الطرفين قررت ان تضع السلاح ، حتى لو وصفت بانها جبانة او انهزامية.

كرر هذه الفكرة ديزموند توتو ، اسقف جنوب افريقيا ، الحائز على جائزة نوبل للسلام. سأله صحفي عن نصيحة يوجهها لمواطنيه ، سيما المناضلين وضحايا التمييز العنصري. فأخبره بان وصيته الوحيدة هي نسيان التاريخ.

في اوقات لاحقة سمعت الاسقف يتحدث ساخرا عن تجربة الاستعمار الاوربي في افريقيا. لكنه كان – في كل مرة – يؤكد ان هذا التاريخ مجرد رواية نعود اليها كي نتسلى او نسخر ، او ربما كي نأخذ درسا في قدرة الانسان على الانزلاق في الآثام. لكننا – يقول توتو - نريد ان نتحرر من هذا التاريخ ، بكل ما يحويه من الم وكراهية. نريد تركه وراء ظهورنا ، كي لا يشغلنا عن بناء مستقبل مختلف.

كلام الاسقف الحكيم مثل كلام المرحوم نحناح ، ينطلق من تفسير بسيط لعجز الناس عن التسالم والتحرر من الكراهية ، خلاصته: ان الانسان قد ينزلق في الغضب او التصنيف السلبي للآخرين ، لأي سبب. لكنه بمرور الوقت ، يصبح اسيرا لدوامة الكراهية والكراهية المضادة ، مثل مدمن المخدرات الذي يبدأ بدوافع بسيطة ، لكنه يعجز لاحقا عن الخروج من دوامتها.

لا سبيل للتحرر من دوامة الكراهية غير الارادة الفردية. وتحديدا ارادة التحرر من تاريخ الكراهية ، ومن الذاكرة المشحونة بقصص الكراهية ، ومن ناشري الكراهية وتجارها ودكاكينها. لم يعد الامر خيارا او رفاهية. الدماء والدمار والدموع التي تقتحم عيوننا وآذاننا كل ساعة ، على امتداد العالم العربي والاسلامي ، نذير بان مستقبلنا قد يذهب وقودا لنيران حروب تؤججها كراهيات انفلتت من رفوف التاريخ واستوطنت نفوسنا وحياتنا. لن ينتصر احد في معركة الكراهية. ولو تغلب يوما فسوف يحمل على كتفيه جبالا من الخسائر والاثم والالم ، تجعل الهزيمة اكثر شرفا واحسن حالا.

الاقتصادية 17 ديسمبر 2013

مقالات ذات علاقة

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن

28/08/2012

نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن


دعوة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يمكن أن تكون مفتاحا لاستراتيجية موسعة للتعامل مع النزاعات المذهبية في العالم العربي. لا أشعر بالقلق إزاء الاختلافات بين الأديان والمذاهب والأيديولوجيات، فالاختلاف بذاته ليس مشكلة. ما يقلقني هو التنازع الطائفي، وهو شيء مختلف تماما عن الاختلاف المذهبي أو الديني أو الأيديولوجي.

يميل الناس إلى التبرير المذهبي لخلافاتهم لأنه بسيط ومقنع. وليس ثمة مشكلة هنا، طالما فهم الناس هذه الخلافات في إطارها الطبيعي، أي حرية الرأي والاجتهاد. فكلنا ذاهب إلى الله وهو حسيبه. يكمن الخطر حين يتخذ بعض الناس من هذا الخلاف مبررا للعدوان على الآخرين أو هضم حقوقهم، أو يتخذوه وسيلة لشحن الاتباع بالحماسة من أجل استثمارهم لاحقا في الصراع على النفوذ. وأذكر أن أحد الدعاة نظم قبل سنوات دورة لطلابه في ''فنون مجادلة المخالفين''. وكانت الحلقة الأولى من هذه الدورة في مجادلة النصارى وآخر حلقاتها في مجادلة أتباع الشيخ فلان، وهو أستاذه ومرشده السابق.
الحلقة الأخيرة هي بيت القصيد، وما سبقها مجرد تمهيد. ويبدو أن هدف الدورة هو ''تحرير'' جانب من المساحة الاجتماعية التي يحتلها الأستاذ. محرك هذا النزاع لم يكن اختلاف الاجتهاد بين الرجلين، بل التنافس على النفوذ الاجتماعي، الذي يمكن تحويله – لاحقا – إلى نفوذ سياسي.
لا نستطيع إلغاء الاختلافات المذهبية والدينية والأيديولوجية، ولا نستطيع الحيلولة دون تحولها إلى خلافات نظرية، لكننا بالتأكيد قادرون على إبقائها ضمن هذه الحدود، والحيلولة دون تحولها إلى نزاع سياسي، يهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية، ويعوق تقدم البلاد.

الطريق إلى هذا هو القانون. المدنية ترقق الطباع - كما عبر الشيخ القرني في مقال عن رحلته الباريسية - الفارق الأهم بين مجتمع المدينة ومجتمع الصحراء هو سيادة القانون. القانون الذي يشكل مسطرة واحدة يحتكم إليها الجميع ويخضع لها الكل.

نتحدث كثيرا عن عدل الإسلام ومساواته بين الناس، وسبقه أمم الشرق والغرب إلى حقوق الإنسان، لكن هذا الكلام الطيب لا جدوى وراءه ما لم يتحول إلى قواعد قانونية ملزمة، يمكن للضعيف والمظلوم الاستناد إليها في المطالبة بحقه. ولا معنى له إن لم يشعر الأقوياء بأنه حد يحول بينهم وبين الاستقواء على الضعفاء والمساكين.

بلادنا – مثل كل بلد آخر – في حاجة إلى نظام قانوني يجرم استغلال الخلافات في إثارة الكراهية والبغضاء بين الناس، ويمنع التمييز بين الناس على أساس مذاهبهم وأديانهم وقبائلهم. من المؤسف أننا لم نبادر بوضع قانون كهذا في الماضي، ولهذا نشعر اليوم بضرورته أكثر من أي وقت مضى. نحن في حاجة إلى قانون يستطيع الناس الاستناد إليه إذا شعروا بأنهم يتعرضون لتمييز سلبي أيا كان مصدره أو مبرره، ونحتاج إلى هيئة متخصصة للإشراف على تطبيق هذا القانون، وإرشاد الجهات الرسمية والأهلية والأفراد، حتى يترسخ مبدأ التسامح، ويعتاد الناس جميعا حقيقة أنهم مواطنون أولا ومواطنون أخيرا، أيا كانت انتماءاتهم وأصولهم وأجناسهم.

الاقتصادية 28 اغسطس 2012

25/01/2010

تجريم الكراهية


.
اتفق تماما مع الصديق الدكتور حمزة المزيني (الوطن 21-1-2010) في ان بلادنا بحاجة الى قانون يجرم اثارة الكراهية ويمنع المساس بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. المجادلات الطائفية التي اثارها الشيخ محمد العريفي وردود الفعل عليها في اكثر من دولة خليجية كشفت عن تطور هام في العلاقات الداخلية باتجاه رفض استعمال الدين او المذهب كمبرر للتفارق او التمييز بين الاطياف الاجتماعية المختلفة .
د. حمزة المزيني
 تعرض الداعية المذكور لنقد واسع من جانب عدد كبير من الكتاب المحترمين في جميع الصحف السعودية ، وكانت الرسالة الضمنية في كل مقالة كتبت هي التشديد على اولوية الوحدة الوطنية واحترام المواطن سواء اتفق معك او اختلف عنك. بالنسبة للمملكة فان رد الفعل هذا دليل على اننا خرجنا او اوشكنا على الخروج من مرحلة سوداء شهدت انتقال الجدل المذهبي الى كل تفصيل من تفاصيل الحياة الاجتماعية وكلفتنا الكثير من الخسائر والالام .
 اعتاد مروجو الكراهية على التصفيق حين يتحدثون ، لكن هذه الحادثة كشفت عن انقلاب واسع النطاق ، فالرجل الذي اعتبر في الماضي نجما تلفزيونيا بارزا يتحمل الان اللوم من جانب القريبين اليه فضلا عن سائر الناس . هذا يشير في الحقيقة الى استعادة المجتمع للمبادرة ولا سيما في التعبير عن ارادته في احترام نفسه واحترام اعضائه بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية والدينية.
هذه الحادثة وامثالها تعيد الى دائرة النقاش مسالة العلاقة بين حرية الراي وحقوق الجماعة. وبالنسبة للداعين الى اطلاق الحرية الكاملة لاصحاب الاراء – ومن بينهم كاتب هذه السطور – فان تجاوز المتحدثين للمعايير المقبولة عند العرف او القانون يمثل تحديا جديا لتلك الدعوة .
 في الحقيقة فان مروجي الكراهية لا يملون من الادعاء بان ما يقولونه هو تعبير عن حرية الراي ، وسمعنا في الاسبوع الماضي زعيم الحزب اليميني الهولندي كيرت فيلدر ينتقد القضاء في بلاده لانه قبل دعوى تتهمه باثارة الكراهية. وكان فلدرز قد دأب على مهاجمة المسلمين في هولندا قائلا انه يمارس حقه الدستوري في التعبير عن رايه بحرية.
يعرف جميع دارسي القانون والسياسة ان حرية الراي حق لا نزاع فيه ، لكنهم في الوقت ذاته يؤكدون على ان ممارسة هذا الحق تترتب عليها مسؤولية تعادل – سعة وضيقا – نطاق التاثير وعمق الاثر الناتج عن تلك الممارسة . حين تتحدث في مسجد او راديو او تلفزيون او صحيفة ، حيث يستمع اليك مئات من الناس ممن تعرفهم وممن لا تعرفهم ، فان مستمعيك جميعا ، الحاضرين منهم والمحتملين ، لهم حصة في تحديد ما هو مقبول وما ليس مقبولا. انت الذي تحدد ما تفعله في مجالك الخاص اما في المجال العام فان المجتمع كله هو الذي يحدد ما هو مقبول من سلوك الانسان وكلامه وما هو غير مقبول. القانون هنا هو الحاكم لانه يمثل ارادة الجماعة.
نحن نعول على التزام الناس جميعا – ولا سيما الدعاة واهل الراي منهم – بحسن التعامل والحكمة ، وفوق ذلك بتقوى الله سبحانه في السر والعلن . لكننا ايضا نعتقد ان وجود القوانين ضروري لضمان الحريات الفردية من جهة وتعيين المسؤولية على من يسيء استخدام حقه وحريته او يسيء الى مصالح وطنية كبرى مثل الوحدة والسلام الاجتماعي .
واذا كان لنا ان نتعظ بتجارب غيرنا ، فان جميع دول العالم التي يتمتع مواطنوها بحريات واسعة ، وضعت في الوقت نفسه تشريعات تمنع بحزم استغلال الحرية في الاساءة للغير او اهانته او الحط من شأنه او التحريض على ايذائه. التوازن بين الحرية والمسؤولية هو السطر الاول في كل قانون يحمي حرية الراي والتعبير في كل بلد متقدم .
ثم اننا نفرق بين شخصية عامة وبين مواطن عادي . كلام الفرد العادي يؤثر على القليل من الناس ، بخلاف الشخص المعروف الذي يتاثر بكلامه كثير من الناس. لكل من هذين حق في التعبير الحر عن الراي ، وللشخصية العامة حق ارسخ واقوى ، لكنه بنفس المقدار يتحمل مسؤولية اكبر واثقل . اي ان المسؤولية عن الكلام والتصرف تتناسب طرديا مع النطاق الذي يتاثر بممارسة الحق. لا احد يستطيع تكميم افواه المتحدثين وليس من الصالح ان يفعل حتى لو قدر. لكن لا ينبغي السماح بتدمير السلم الاهلي والوحدة الوطنية ايا كانت المبررات ، وهل يوجد مبرر اهم من حفظ الاوطان ؟

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...