‏إظهار الرسائل ذات التسميات فوكوياما. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فوكوياما. إظهار كافة الرسائل

16/11/2022

نهاية الليبرالية


يعتقد الكاتب والسياسي المغربي د. حسن اوريد ان الحضارة الليبرالية بلغت نهاية الطريق ، ولم يعد لديها طاقة للاستمرار. كنت قد سمعت سابقا عن كتاب الدكتور أوريد "أفول الغرب" ، ثم التقيته خلال "منتدى أبو ظبي للسلم" الذي انعقد الأسبوع الماضي. لفت انتباهي دعوته لعقد اجتماعي عالمي بديل ، كي نتلافى الانزلاق الى ما أسماه "عالم هوبز" او "حرب الجميع على الجميع" حسب توصيف المفكر الإنجليزي توماس هوبز (1588-1679م) للمرحلة التي عاشتها البشرية ، قبل تبلور مبدأ العقد الاجتماعي وظهور الدولة.

د. حسن اوريد

اثار كتاب اوريد المذكور ، كثيرا من الجدل ، يوم نشر في 2018. وقيل يومها ان كاتبه قد انزلق فعلا في هاوية العداء الأيديولوجي للغرب ، واعتبره بعض الناقدين ردا (في العموم) على مقولة الانتصار النهائي لليبرالية ونهاية الأيديولوجيا ، وفق تصوير المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما ، في كتابه الجدلي "نهاية التاريخ". الواقع ان اوريد لا يخفي معارضته لهذه الرؤية ، بل انه اسمى الفصل الثاني من الكتاب "نهاية نهاية التاريخ" في إشارة لما يعتقد انه أفول متوقع للحضارة الليبرالية.

لم يركز اوريد نقده على الجزء الجوهري من رؤية فوكوياما ، أي نهاية الحتميات الرؤيوية المنبثقة من قناعات أيديولوجية مسبقة التصميم. بدلا من ذلك اهتم بالتطبيقات الاقتصادية لليبرالية ، ولا سيما الملكية الفردية المفرطة ، الهيمنة المطلقة للسوق ، وتحول مستلزمات التبادل الاقتصادي الى مصدر للقيم ، او معيار لقبول القيم الناظمة لحياة المجتمعات والافراد.

في محاضرته بمنتدى ابوظبي للسلم ، قدم الدكتور اوريد مطالعة عميقة في الأزمات التي يعيشها عالم اليوم. خلال السنوات الأخيرة ، بدا واضحا ان النظام الدولي والاعراف المنظمة للتبادلات الاقتصادية ، مليئة بالثغرات ، على نحو ينذر بكوارث مؤلمة ، نظير ماعرفناه خلال جائحة كورونا. لم تنته هذه الجائحة حتى تعرفنا على أزمات الغذاء والطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية – الأوكرانية. وأخيرا كارثة السيل التي ضربت باكستان ، وأدت الى تهجير مليون عائلة ، تضررت منازلهم او جرفت مزارعهم ، فما عاد لديهم مأوى ولا مصدر عيش. الواقع ان مشكلة الهجرة والنزوح تحولت الى هم مقيم في العديد من مناطق العالم ، وسببها دائما النزاعات الاهلية او الكوارث الطبيعية.

تنسب الكوارث الطبيعية الى الاستهلاك الجشع لموارد البيئة الكونية. وهذا بدوره ناشيء – وفقا لتقدير الدكتور اوريد – عن هيمنة الفكرة القائلة بامتلاك الانسان للطبيعة. أما الحروب فهي تستمد وقودها من تسليع الحياة الإنسانية ، الأمر الذي جعل قيمة الانسان أدنى من الموارد التي يقاتل من اجل الاستئثار بها ، او يقاتل دفاعا عنها.

ربما لم يقل احد صراحة ، انه سيخوض الحرب من اجل السيطرة على مصادر البترول او الغاز او المياه او التكنولوجيا. لكن تجربة البشر تخبرنا ، ان هذه العوامل كانت محركا دائما للنزاعات السياسية ، التي تقود للحرب. ان الخلاف الراهن بين الصين والولايات المتحدة مثال على نوعية الصراعات الجديدة التي يحركها - في المقام الاول - الفارق التقني ، اي شعور النخبة الامريكية بأن هيمنة الصين على تقنيات الجيل الخامس من نظم الاتصالات ، ربما تمنحها نفوذا بالغا على مسارات التبادل العالمي.

تنتمي الفكرة التي يطرحها د. اوريد الى منظومة من القيم تتبني فكرة الشراكة الكونية والمسؤولية الجمعية عن مصير الكوكب. وهي فكرة جديرة حقا بالاهتمام. من هذه الزاوية كانت محاضرته مثيرة جدا للاهتمام. لكني – من زاوية أخرى – لم اقتنع بان الليبرالية قد استنفذت اغراضها او  خسرت زخمها. فهي – حسب تقديري – لازالت الحل الأقل كلفة لمشكلات العلاقة بين البشر ، رغم انها – بطبيعة الحال – لا تخلو من عيوب ، وبينها ما ذكره  الأستاذ اوريد.

الشرق الأوسط الأربعاء - 22 شهر ربيع الثاني 1444 هـ - 16 نوفمبر 2022 مـ رقم العدد [16059]

https://aawsat.com/home/article/3989526

25/10/2017

الخلاص هنا والخلاص هناك


في 2005حلت الذكرى المئوية لصدور كتاب ماكس فيبر "الاخلاق البروتستانتية". ولهذه المناسبة ، كتب المفكر الامريكي فرانسيس فوكاياما ان ذلك الكتاب جعل كارل ماركس يقف على رأسه غضبا. نعلم طبعا ان ماركس لم يكن حيا يومها كي يقف على رأسه. لكن طروحات فيبر  كانت نقيضة لموقفه من الدين ، سيما مقولته الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" وقد خدمت الاتجاه المتشكك في الفلسفة الماركسية بمجملها.
جادل ماركس بان غرض الاديان هو تبرير الوضع الراهن للطبقات الدنيا التي هي – في الوقت نفسه - أكثر الطبقات تدينا. ومن هنا فهو يخدم الاثرياء والنافذين ، الذين يضاعفون قوتهم وثرواتهم ، باستغلال جهل الفقراء وقناعتهم بما هم فيه. 
 خلافا لهذا فقد ميز فيبر بين رؤيتين للعالم ، رؤية انسحابية تميل الى تضخيم قيمة الحياة الآخرة وانكار قيمة الحياة الدنيا ، وأخرى تعتبر الآخرة امتدادا للدنيا: من ينجح هنا يفوز هناك ، ومن يفشل هنا يخسر هناك. اطلق فيبر على الرؤية الأولى اسم "النمط الكاثوليكي" ، بينما رأى الثانية متجسدة في العقيدة البروتستنتية، سيما في النسخة المنسوبة للقسيس الاصلاحي جون كالفين.
 جوهر المسألة الدينية في راي فيير هو "الخلاص". الأكثرية الساحقة من المؤمنين ، ان لم نقل جميعهم ، يؤمنون لأنهم يريدون الفوز بالجنة والخلاص من النار. في "النمط الكاثوليكي" بحسب رؤية فيبر ، يتحرك المؤمن بين الخطيئة والندم على ارتكابها ، ثم التوبة منها ، ثم الاعتقاد بنيل الغفران ، ثم تكرار الخطيئة وهكذا. من شأن هذا المسار ان يشحن الانسان بقلق دائم على مصيره. وحين يسائل نفسه عن سبب ارتكابه للاثم ، يخبره التراث المقدس انه الاغترار بالمال وزينة الدنيا او السعي للقوة والنفوذ. وهي من العناصر الرئيسية المحركة لحياة البشر. وهنا تتحول الدنيا  في ذهنه الى رمز للفساد والانحطاط الاخلاقي ، ويظهر الساعون للتفوق فيها كمن يسعى وراء السراب في صحراء لا متناهية.
تقدم البروتستنتية الكالفينية – في المقابل – تصويرا مختلفا ، يربط الخلاص في الآخرة بالنجاح الدنيوي. من أراد الجنة فعليه ان يستحقها بالنجاح في دنياه. من يتعلمون كي يتقنوا عملهم ، ومن يتعلمون كي يكسبوا المال ، يسهمون مباشرة في الارتقاء بمستوى حياة المجتمع ككل. العلماء والباحثون يعلمون الناس كيف يستثمرون الطبيعة التي سخرها الله لهم. والاثرياء يستثمرون أموالهم فيولدون وظائف جديدة تنقذ الناس من ذل الفاقة. اولئك وهؤلاء يسعون لمنفعتهم الخاصة ، لكنهم أيضا يجعلون حياة خلق الله أيسر واكثر نفعا لبعضهم البعض.  العمل في رأي كالفين عبادة ، ولو كان هدفه جمع المال. واتقان العمل سبب لمرضاة الله ، وانتفاع الاخرين بنتائج العمل وسيلة لضمان الجنة.
يعتقد فيبر ان المباديء البروتستنتية لعبت دورا هاما في تعزيز الراسمالية والنمو الاقتصادي. وقد رحب كثيرون بهذا الاستنتاج. لكن باحثين آخرين عارضوه بشدة. ما هو مهم في المسألة – وهذا أيضا رأي فوكوياما – ليس تصوير فيبر للفارق بين نموذجي الايمان ، بل تسليطه الضوء على دور الثقافة الدينية الشعبية في تعزيز العقلانية الجمعية وتمهيد طريق التقدم ، او العكس ، أي ترسيخ صورة اسطورية للعالم ، تحيل قضاياه جميعا الى الاخرة وتضع المؤمن في موقف المنفعل القلق على مصيره.
اظن ان هذا التصوير الفيبري صالح للتطبيق على كل النماذج الدينية. فهو يقدم جوابا مبدئيا على السؤال الأزلي: هل نؤمن بالدين كي نحضى بحياة كريمة ، ام لمجرد الحصول على حياة أفضل بعد الموت. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 5 صفر 1439 هـ - 25 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14211]
http://aawsat.com/node/1062506

02/08/2017

حول التفسخ السياسي

||يؤدي اهتمام الجيل الجديد بالشأن العام الى تصاعد تطلعاته ، بالتوازي مع اعتقاد ميتافيزيقي فحواه ان الحكومة تستطيع فعل كل شيء اذا ارادت||
رغم سمعته السيئة بين العرب ، فان صمويل هنتينجتون يعتبر واحدا من أهم علماء السياسة الامريكان. وله مساهمات مؤثرة في بحوث التنمية. وأشير مثلا الى دراسته الهامة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي" التي تعد الآن نظرية قائمة بذاتها. نشرت هذه المقالة في 1965 ، وأثارت اهتماما كبيرا يومئذ. ثم تجدد الاهتمام بها في السنوات الاخيرة ، بعدما ناقشها بالتفصيل المفكر المعروف فرانسيس فوكوياما ، في كتابه المسمى "النظام السياسي والتفسخ السياسي". وفوكوياما تلميذ سابق لهنتينجتون.
نتيجة بحث الصور عن ‪SAMUEL hUNTINGTON‬‏
تنطلق نظرية هنتينجتون من فرضية محورية ، فحواها ان التحديث والتنمية ، سواء ركزت على المجال السياسي او الاقتصادي ، تولد بالضرورة تسارعا في الحراك الاجتماعي ، وزيادة مفرطة في اهتمام الاجيال الجديدة بالمجال العام ، وما يدور فيه من اسئلة ومشكلات. بعبارة أخرى فان قضايا الدين والسياسة والاقتصاد ، التي كانت حكرا على نخبة المجتمع ، تتحول الان الى موضوع اهتمام لعامة الناس ، سيما الشباب المتعلم الذي يشكل اكثرية نشطة في المجتمعات النامية.
يؤدي اهتمام الجيل الجديد بالشأن العام الى تصاعد تطلعاته ، بالتوازي مع اعتقاد ميتافيزيقي فحواه ان الحكومة تستطيع فعل كل شيء اذا ارادت. وأن كل مطالبه قابلة للتنفيذ لو استمعوا اليه. لكن هذا تصور غير واقعي. حين تجمع ما يريده الناس وما يتوقعونه ، فسوف ترى مجموعة مستحيلة الانجاز في أي ظرف. لكن كل فرد ينظر من زاويته الخاصة ، فيرى تطلعاته سهلة التنفيذ.
انفجار التطلعات والتوقعات المتفائلة ، يولد ضغطا منهكا على الادارة الحكومية ، التي – تبعا لقانون الندرة - لا تستطيع سوى تلبية القليل. وهذا بدوره يولد الاحباط بين الشباب ، ويوسع الهوة بينهم وبين الدولة ، ويفتح الباب امام انكسارات أمنية واجتماعية.
ان تأخر الدولة في استيعاب الحراك الاجتماعي الجديد ، سيقود الى ما أسماه هنتينجتون بالتفسخ السياسي ، اي تراخي الشعور بالمسؤولية ، وطغيان الاحاسيس السلبية والاحباط وعدم الفعالية على المجتمع الوطني ككل.
يعتقد هنتينجتون ان جميع المجتمعات النامية ستمر بهذا السيناريو في وقت ما. ولذا فهو يدعو الى علاج من ثلاثة أجزاء:
 أولها الاهتمام بتعزيز قوة الدولة وكفاءتها. انفجار التطلعات في ظل حكومات ضعيفة ، يولد بالضرورة فراغا سياسيا أو أمنيا ، ربما يطيح بالسلم الاجتماعي. مفهوم الدولة القوية الذي نتحدث عنه هنا ، يعني بالتحديد الفعالية والكفاءة والالتزام بفرض القانون ، وليس القهر والتسلط. الدولة القوية تدير عملها باتزان ، وهي في الوقت نفسه فعالة وسريعة الاستجابة للجمهور.
 الجزء الثاني هو تعزيز النظام المؤسسي ، وتطوير القانون والادارات التي تتعامل مباشرة مع الجمهور ، أو تلك التي يؤثر عملها على حياة الجمهور ، على نحو يجعلها أكثر مرونة واستجابة للمطالب والحاجات المتغيرة.
اما الجزء الثالث فهو تشجيع الاجيال الجديدة على "عقلنة" مطالبها وتطلعاتها ، من خلال إدماج المطالب الفردية المتعددة في مطلب عام ، والنضال لتحقيقها من خلال مجهوداتهم التعاونية ، أو من خلال المنظومات القانونية القائمة. ومفتاح هذا الجزء هو منظمات المجتمع المدني التي تستوعب المطالب الفردية وتدمجها ، كما تساعد على اكتشاف المسارات التي تمكن من تحقيقها في إطار القانون العام والموارد المتاحة ، أو تذهب بها الى المرحلة التالية ، اي اتخاذها مبررا لاستحداث موارد جديدة ، او مسارات قانونية جديدة ، تستوعب الحاجات التي لم تلحظ من قبل.
الشرق الاوسط 2 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/988616
مقالات ذات علاقة



اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...