‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد اقبال. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد اقبال. إظهار كافة الرسائل

10/11/2021

الوحدة الاوربية "آية" من آيات الله

لكانما كانت هذه التدوينة بمثابة وداع للاستاذ جودت. فقد رحل عنا يوم 30 يناير 2022. رحمه الله وغفر له. 


لطالما استمتعت بقراءة مؤلفات الاستاذ جودت سعيد ، المفكر السوري الذي اعتبر امتدادا لمدرسة المرحوم مالك بن نبي ، ومن قبله محمد اقبال ، المفكر والشاعر الهندي. يتناول الاستاذ جودت قضايا معقدة ، بلغة بسيطة مباشرة ، لا تهتم بالمسافة الفاصلة بين شرح الحالة والحكم عليها ، لغة موجعة بنقدها الصريح لحال عرب اليوم ، وعدم اكتراثها بتبريراتهم.

جودت سعيد

ركز جودت على التفسير "المادي" للتاريخ وتحولاته. كما اهتم بالقيمة الفعلية التي يولدها عمل الانسان في الطبيعة. اهتمامه بهذا الجانب ، قاده للتأمل في العوامل الثقافية والروحية ، التي تجعل شخصا ما متفاعلا مع الطبيعة ، مؤثرا في عالمه ، أو تجعله خائبا متواكلا ، منفعلا بما يفعله الآخرون. اطلق جودت سعيد على هذه العوامل اسم "سنن الله".

وتظهر الأمثلة التي يشرح من خلالها فكرة "السنن" أنه يقترب كثيرا من مفهوم "قانون الطبيعة" الذي تحدث عنه أرسطو ، ثم القانوني الروماني شيشرون ، وغيرهم من قدامى الفلاسفة ، وشكل منطلقا لمحاولاتهم وضع "رؤية كونية" تتضمن تصورا عن الطبيعة وعلاقة الانسان بها ، ونظاما للمجتمع والدولة ، متلائما مع النظام الكوني.

وللحق فقد أدهشني اهمال جودت سعيد (بل انكاره احيانا) للعوامل غير المادية في تحولات المجتمع والتاريخ. واقصد بالعوامل غير المادية ، ذلك الميل الشائع بين الكتاب الاسلاميين ، الذي يرجع الحركة التاريخية او التحولات الاجتماعية ، الى اسباب غير قابلة للتقدير العرفي او الادراك العقلائي ، من قبيل نسبة الكوارث الطبيعية الى ذنوب البشر ، او نسبة الانتصار للايمان والهزيمة للفسق والعصيان.

في هذا السياق يعتقد سعيد ان معرفة "سنن الله" والعمل بها ليست مسألة دينية ، فكل مخلوق قادر على فهمها واتباعها. فاذا استوعبها ، أمسك بمفاتيح الحياة وقوى الطبيعة. ليس ثمة علاقة بين هذا وبين الايمان والكفر. ولهذا يقول ان المسلمين باتوا خاضعين لغيرهم ، لأن هؤلاء اخذوا بسنن الله ، ومن بينها العلم والبحث عن مصادر القوة ، بينما انشغل المسلمون بالجدل في مدح انفسهم وانكار تأخرهم. ولن يستطيع المسلم المعاصر الاقلاع من هذا المستنقع الآسن ، ما لم يعترف بانه ما عاد قادرا على الانتفاع بشيء مما في الكتاب والسنة ، لأنه فقد القوة العلمية الضرورية للنفاذ الى جوهر القرآن ، و – تبعا لهذا – فقد القدرة على إيقاظ عقله من سباته الطويل.

ما هي تلك السنن؟.

يجيب سعيد بانها مجموعة القواعد التي يتشكل منها نظام الكون وتعمل وفقها اجزاؤه ، والتي نتعرف عليها بالتدريج من خلال الانضمام الى تيار العلم في مختلف عصوره. علم الاجتماع يوضح لنا "سنن الله" في الحراك والتحول الاجتماعي ، علم الاقتصاد يعرفنا بسنن الله في تحسين المعايش والاستقواء المادي ، علم الفلك والفيزياء يخبرنا عن سنن الله في الطبيعة والمادة .. الخ.

ان استيعاب هذه العلوم وغيرها ، ضروري كي يكتمل الخط الواصل بين الكون والعقل وخطاب الخالق للخلق.

هل يجب ان تكون مسلما كي تحقق هذا الوصل؟.

ليس بالضرورة. يرى سعيد ان نجاح الاوربيين في الانتقال من التقاتل الى الوحدة  "آية" من آيات الله ، انها دليل على ان العقلاء الذين يسعون لفهم السنن واتباعها ، سيجنون ثمرات هذا السعي. لقد جرت سنة الله في الذين خلوا من قبل على ان  الاتحاد واجتماع القوة من دون قهر ولا قسر ، طريق سريع الى الارتقاء والثروة والكرامة بين الشعوب.

الشرق الاوسط الأربعاء - 5 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 10 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [15688]

https://aawsat.com/home/article/3295231/

مقالات ذات صلة 

تأمــــــــــــلات

تفكيك التداخلات

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

الحداثة تجديد الحياة

خطباء وعلماء وحدادون

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

هيروهيتو ام عصا موسى؟

03/08/2016

المعنى الدنيوي لتجديد الدين



معظم القراء يعرفون على الارجح الدكتور محمد يونس ، الذي فاز بجائزة نوبل في 2006. أسس يونس مجموعة مشاريع تستهدف اجتثاث الفقر في ارياف بنغلادش ، أشهرها "بنك غرامين" الذي أصبح أمثولة عالمية لمكافحة الفقر، سيما بين النساء.
د. محمد يونس

لا اعرف ان كان يونس متدينا بالمفهوم المتعارف. لكني أعلم انه بالتأكيد يقيم بعض أعظم شعائر الدين ، وهي احياء النفوس "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". احياء النفوس هو ارث الانبياء وعظماء العالم وجوهر الرسالة الدينية ، كما في الآية المباركة "يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ".
لم ينجز يونس هذا الدور عن طريق الدعوة اللفظية الى الدين ولا مصارعة الكافرين. فلسفة عمله تتلخص في عنصرين:
أ‌-        معظم الناس لا يعرفون طريق التحرر من ربقة الفقر او ربما لا يستطيعون تدبير الحاجات الاولية اللازمة لصعود الدرجة الاولى في السلم.
ب‌-    معظم الأثرياء لم يرثوا ثرواتهم بل استثمروا الفرص العظيمة التي أتاحها الاقتصاد الحديث. وهي فرص يجهلها اكثرية فقراء الريف. ولو عرفوا بوجودها فهم على الاغلب يجهلون كيفية الوصول اليها واستثمارها.
آمن يونس بأن الانقطاع الثقافي بين الريف والمدينة ، أو بين الطبقات الفقيرة ونظيرتها الثرية هو الذي جعل سكان الريف اسرى لميراث الفقر القديم. فقرر ان يبدأ مشروعه بالعنصر الثاني ، اي استغلال الفرص التي جاء بها الاقتصاد الحديث.
تضم قائمة المشروعات التي اقترحها يونس او دعمها ، مئات من الافكار البسيطة ، مثل خياطة الملابس لبيعها على بوتيكات المدن ، وتربية الاسماك لبيعها على المطاعم ، واستقبال المكالمات من ابناء القرية العاملين في الخارج .. الخ. هذه مشروعات لم يكلف اكبرها الف دولار. لكنها اقامت نموذجا عما يمكن للناس ان يفعلوه لانفسهم ، اذا حرروا أذهانهم من عزلتها ، واندمجوا في عصرهم ، واستوعبوا فرصه وحاجاته.
في الوقت الحاضر يشعر ملايين الناس في بنغلادش ، بالامتنان لجهود محمد يونس ، الذي فتح عيونهم وعقولهم على طريق للخلاص من بؤسهم واعادة بناء حياتهم من جديد.
يقول يونس في حديث تلفزيوني انه لم يوزع اي صدقة. بل قدم قروضا وتوجيهات. واكتشف ان فقراء الريف اكثر التزاما بتعهداتهم ، لأنهم اكثر خوفا من الله. تبرهن التقارير التي ينشرها بنك غرامين ان نسبة سداد القروض تفوق 90% وهي نسبة تتجاوز تلك التي تحققها البنوك التي قصرت قروضها على الاثرياء.
قبل ثمانين عاما تقريبا كتب الفيلسوف والشاعر الهندي محمد اقبال ، ان مهمة تجديد الدين الاسلامي لن تنجز على الارجح على يد الفقهاء والمفكرين ، بل على يد المجتمع. المجتمعات الحية الناهضة تنتج فكرا حيا متجددا ، بينما تعيد المجتمعات الساكنة موروثها الثقافي وتكرر حياة أسلافها.
طريقنا الى تجديد الحياة الدينية يمكن ان يبدأ باستثمار الايمان في تحسين دنيا الناس. اذا نهضنا بحياتنا فسوف نفهم ديننا على نحو متفاعل مع عصرنا ، اي مع ثقافاته وفرصه والزاماته. الخطوة الاولى في هذا الطريق هي التحرر من أوهام التاريخ وقصصه ، الانفتاح على عصرنا بكل فضائله وآثامه ، التفاعل مع تيارات التقدم والتجديد الهادرة فيه ، ثم اعادة انتاج التجربة الانسانية المعاصرة ضمن اطارنا المعرفي الخاص ، وصولا الى انتاج القوة التي تجعلنا شركاء متساوين في المدنية المعاصرة.
الشرق الاوسط 3-اغسطس – 2016

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...