‏إظهار الرسائل ذات التسميات برهان غليون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات برهان غليون. إظهار كافة الرسائل

07/04/2021

حين تتحول العلمانية الى ضرورة

 ثمة خبر نقلته الصحف في الأسبوع المنصرم ، لكنه لم يثر سوى القليل من اهتمام المراقبين. وفحواه ان الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان- فرع الشمال ، توصلا الى وثيقة مباديء ، تمهد الطريق أمام اتفاق نهائي للسلام. والمعتقد ان قبول الحكومة بتعديلات دستورية ، من بينها ضمان حرية الاعتقاد والعبادة للجميع ، وفصل الدين عن الدولة ، هو الذي سهل الاتفاق على التسالم ، بعد نزاع مسلح استمر نصف قرن.

محمد محمد طه

لا اظن ان هذا سينهي التوترات الاثنية في السودان ، مع انه خطوة واسعة جدا ، نظرا لاقرار الحكومة بان جوهر المشكل يكمن في النظام والثقافة السياسية  المهيمنة ، وليس في تدخلات الأجانب كما كان يقال دائما.

اعتقد ان تازمات الهوية ليست من نوع الازمات التي تملك وقودا ذاتيا. فهي ليست قابلة للتفجر حيثما وجدت. ثمة مثل شعبي مشهور ، يبدو ان رجال الدين عملوا على تكريسه ، يقول "الذي ليس على دينك لا يعينك" وفحواه ان العقيدة الدينية هي العامل الحاسم في توجيه سلوك الأشخاص. لكن هذا غير صحيح ، الا اذا تمت ادلجة الافراد ، أي اقناعهم بان الفريق الذي ينتمون اليه ، هو الوحيد المستقيم ، وان غيرهم مشكوك.

تحولات السياسة (ومعها توازنات القوى) والاقتصاد وربما الثقافة ، هي العامل الذي يوجد الفرصة لتحويل خطوط التنوع الى خطوط اختلاف ومن ثم تنازع. 

قد تختلف عوامل التأزيم بين وقت وآخر. لكني اود الإشارة الى عامل مشترك يعرفه جميع الناس ، لكنه لم يدرس على نطاق واسع. اعني به ما اسماه د. برهان غليون "الاستئثار بالراسمال الرمزي المشترك وادعاء الانفراد بملكيته".

هذا العامل مهم لانه يعطي القوى السياسية أداة قوية لقهر المختلفين في المقام الأول ، ثم المشابهين في مرحلة تالية. في السودان مثلا ، استعملت القوى السياسية  التنوع الديني والاثني كوسيلة استقواء. وقد شارك في هذا حركيون إسلاميون ، وجماعات صوفية ، وقوميون عرب ، ومجموعات قبلية ، وأخرى مسيحية تناضل للاعتراف بحقوقها المتساوية ، وربما أصناف أخرى لا اعرفها.

دعنا نأخذ السلوك السياسي للإسلاميين كمثال (وهم عدة اتجاهات كما نعرف) فقد ادعوا أولا انهم الحراس الوحيدون للاسلام. والإسلام راسمال ثقافي يشترك فيه جميع السودانيين ، بمن فيهم غير المسلمين. في الحقيقة فان الخطاب الذي حظي بالغلبة ، قد نجح في تحويل مفهوم الانتماء للاسلام بالمعنى الاجتماعي-الثقافي ، الى انتماء بالمعنى الفقهي والايديولوجي ، الذي يؤدي بالضرورة الى اقصاء غير الملتزم بالمذهب الفقهي الخاص بالقوة الغالبة.

في اول الامر كان المتضرر هو المسيحي والوثني والملحد. لكنه مع الوقت بدأ يطال المسلم الذي يتبنى مذهبا مختلفا ، او يأخذ باجتهاد مختلف. (نتذكر هنا المرحوم محمود محمد طه الذي اعدم في يناير 1985 بعدما اتهم بالردة). بعبارة أخرى ، فان نجاح أصحاب القوة في اقصاء المختلفين (الذين صادف انهم اقلية في معادلات القوى) أدى تاليا الى اقصاء المشابهين ، الذين يشكلون أكثرية عددية لكنهم يفتقرون الى القوة المادية او السياسية.

قد يبدو ان المشكلة تكمن في اقحام الإسلام في الحياة السياسية ، وهذا هو الذي يبرر دائما الدعوة لفصل الدين عن الدولة. لكني اميل الى الظن بان المشكلة تكمن في ميل بعض الأطراف الى استعمال الهوية في السياسة. وهو ميل يدعمه انزعاج قوى اجتماعية معتبرة ، من التنوع والتعدد الديني والثقافي ، والإصرار على الوحدة التي تفسر عندهم بإلغاء الألوان المختلفة ، وتحويل الناس جميعا الى نسخ متشابهة.

الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شعبان 1442 هـ - 07 أبريل 2021 مـ رقم العدد [15471]

https://aawsat.com/node/2903931/

مقالات ذات صلة

حول نظام حماية الوحدة الوطنية

17/07/2012

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين


يبدو حتى الان ان اشقاءنا المصريين قد نجحوا في تخفيف القلق من مخاطر المشكل الطائفي ، بعدما بدا – خلال ايام الثورة – قريبا من لحظة الانفجار.

معظم البلدان العربية تواجه مشكلا طائفيا كالذي واجه المصريين. واتمنى بكل صدق ان يأخذ هذا الملف حظه من الاهتمام قبل ان يصبح معضلة مستحيلة. اتمنى ان يدرك اخوتنا في سوريا ان المشكل الطائفي هو اخطر ما يهدد فرصتهم في اقامة "سوريا الجديدة".

 لا يهتم العالم بدين الشخص الذي سيحكم دمشق او طائفته. يهم الولايات المتحدة ان لا ينفرط عقد الدولة السورية فتصبح بعض اراضيها "وزيرستان" اخرى ، تأوي مجموعات شبيهة بطالبان او القاعدة. وهي بالتاكيد تخشى ان يتمدد الانفراط لو حدث – لا سمح الله – الى الاردن والعراق. تركيا هي الاخرى تخشى من قيام "كردستان سوريا" ، على غرار كردستان العراق. يعتقد الاتراك ان قيام فدرالية كردية في سوريا سيفجر المشكلة الكردية في الاناضول بعدما هدأت قليلا في السنوات الاخيرة.
اني واثق في وعي قادة الثورة السورية – بعضهم على الاقل – بهذا المشكل. قدم د. برهان غليون معالجات تحليلية متقدمة تنبيء عن ادراك عميق لجذور المسالة الطائفية في العالم العربي ، ولا سيما في بلد مثل سوريا. كنت اتمنى ان يبقى زعيما للمعارضة ، لان كتاباته تنبيء عن استعداد ذهني وروحي للتعاطي مع الجميع بمنطق الشراكة في تراب الوطن وليس منطق حكم الاكثرية او الاقلية.

عرف د. غليون الطائفية السياسية  بانها استعمال الاجماع الديني الخاص بشريحة من المجتمع كارضية للولاء السياسي . هذا ينتج نظاما لتوزيع المنافع يحابي هذه الشريحة على بقية المجتمع ، انطلاقا من كونها اصفى ولاء ، نظام  يحول العصبية الدينية او القبلية او القومية الى عصبية اجتماعية – سياسية.

يرى غليون ان الدين بذاته ليس منتجا للطائفية. على العكس ، فان الروح الطائفية تعاكس الايمان. يوظف الدين الثروة والسلطة لتدعيم الرابطة الانسانية والتكافل بين الافراد . بينما تستثمر الطائفية الروابط الاجتماعية والراسمال الروحي للمجتمع في تعزيز احتكار السلطة والثروة.

الطائفية اذن ظاهرة سياسية في الجوهر . ولا علاقة لها بالتمايز الديني او الثقافي او العرقي ، الا كعلاقة النار بالحطب. ندرك ان الحطب ليس سبب الحريق ، رغم ان الحريق لا يشتعل من دونه. تنشط الطائفية في الحياة العامة حين تقوم فئة اجتماعية بتحويل الاختلافات الطبيعية بين الناس الى خطوط فصل ، تميز من يعتبر حسنا عن من يعتبر سيئا ، من يعتبر مواليا ومن يعتبر معاديا ، من يستحق الشراكة في المنافع العامة ومن يحرم منها .

الطائفية ليست ظاهرة عرضية اوبسيطة العلاج. لكنها ايضا ليست من المستحيلات. تركها تتفشى هو الذي يجعل علاجها موجعا وعسيرا. ما لم يعالج المشكل الطائفي من جذوره فسيبقى العدل حلما مستحيلا او مؤجلا.

الاقتصادية – 17- يوليو 2012  http://www.aleqt.com/2012/07/17/article_675054.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...