‏إظهار الرسائل ذات التسميات الامام الشافعي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الامام الشافعي. إظهار كافة الرسائل

28/03/2024

دين الانسان

 اكتب هذه السطور تأييدا لرؤية الدكتور رضوان السيد ، المفكر المعروف ، في مقاله المنشور بهذه الصحيفة نهاية الاسبوع الماضي. كان د. رضوان يعقب على نقاشات "المؤتمر الدولي: بناء الجسور بين المذاهب الاسلامية" الذي استضافته مكة المكرمة في الاسبوع المنصرم. وزبدة رأيه ان على الهيئات الدينية ورجال الدين ، ان يتبنوا مفهوما محددا لتجديد الفكر الديني ، محوره فهم "المعروف في إطار عالمي". وينادي د. رضوان باطلاق مبادرات مشتركة تجمع النخب الدينية الاسلامية مع نظرائها في المجتمعات الاخرى ، هدفها تعزيز المفاهيم والاعمال التي يتفق فيها أهل الاديان وتخدم البشرية بشكل عام. ويضرب مثالا على هذا بالمبادرات الرامية الى اغناء الحياة الروحية ، وحياة الأُسرة وتطوير التعليم ، وحقوق المرأة والطفل.

د. رضوان السيد

على السطح تبدو هذه المهمة سهلة المنال ، فهي طموح مشترك لجميع محبي الخير في العالم ، من اتباع الأديان وغيرهم. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقول الانجليز. التعاون يحتاج – كما نعلم – الى تعارف ، يتلوه اعتراف متبادل بحق كل طرف في اختيار طريقة عيشه في الدنيا وسبيل نجاته في الآخرة. هذا يعني بصورة محددة القبول العلني بتعددية الفهم الديني ، او – على وجه الدقة – الفصل بين المصدر الاصلي للدين ، أي القرآن الكريم وبين المعارف والشروح والتفسيرات التي قامت حوله ، والتي نسميها معارف دينية او تراثا دينية.

نعلم انه لا خلاف على القرآن ولا مكانته. لكن ثمة خلاف عريض حول ما يأتي من بعده ، ولاسيما المعارف التي انتجها العلماء طوال القرون السالفة ، حتى اليوم. وشهدت السنوات الأخيرة جدلا حول مكانة السنة النبوية ، ولا سيما كونها حاكمة على فهمنا للقرآن ، وكونها مصدرا مستقلا للتشريع ، عابرا للزمان والمكان. وهو نقاش له مبرراته طالما بقي في الاطار المدرسي / العلمي البحت. وأشير هنا الى ان المعارضين لاعتبار السنة وحيا ثانيا ، كما عند الامام الشافعي ، يستندون الى مبررات علمية متينة. وفي العام الماضي تابعت حلقة دراسية تجاوزت مدتها 40 ساعة ، حول هذا الموضوع بالذات ، فوجدت ان أدلة هذا الفريق ليست هينة.

ما سبق بيانه يتعلق بتعددية المعرفة الدينية والتفسير ، أي تعددية الاجتهاد في إطار الشريعة الإسلامية. وقبوله يعني – بالضرورة – قبول تعدد المذاهب والآراء مهما بعدت عن قناعاتنا الراهنة. لكن دعوة الدكتور رضوان تذهب مسافة ابعد مما ذكرنا. فهي تعني – ان أردنا تفسيرها – تحرير "الخير" من الهوية الدينية/المذهبية وجعله مشتركا إنسانيا ، يشارك فيه المؤمن انطلاقا من ايمانه ، من دون ان يحصر ثمار عمله في اطار الجماعة التي تحمل هويته وتشاركه قناعاته.

أعتقد ان تطورا كهذا سوف يعيد هيكلة الفهم الديني ، ليس على مستوى العلاقة مع غير المسلمين فقط ، بل حتى على المستوى النظري ، أي فهم النص الديني والاجتهاد في اطار الشريعة. وفي أوقات سابقة ، تحدث عدد من كبار الفقهاء والمفكرين عما اعتبروه انفصالا بين الفكر الديني والواقع الحياتي الذي يعيشه الانسان المعاصر ، سواء في المجتمعات المسلمة او خارجها. وأرى أن أوضح وجوه الانفصال المدعى هو رفض "مبدأ الحسن والقبح العقليين". وفقا لهذا المبدأ فان كل فعل بشري ينطوي – في جوهره – على حسن او قبح ، يدركه عامة العقلاء ، بغض النظر عن أديانهم ، وان قدرة العقل على إدراك حسن الفعل وقبحه كاف لتحديد قيمته الأخلاقية ، أي اعتبار الحسن موجبا لمدح فاعله واعتبار القبح موجبا لذمه ، سواء ورد فيه نص ديني ام لا.

اما الوجه الثاني الذي يكشف الانفصال بين الشريعة والواقع ، فهو الفصل التعسفي بين الاحكام الشرعية ومقاصدها ، او تحديد المقاصد في ما ذكره الاسلاف ، دون الاخذ بعين الاعتبار حقيقة كونها اجتهادية وانها قابلة للانكماش والتوسع او حتى الاستبدال.

هذه اذن لمحة سريعة ، وجدتها ضرورية لوضع رؤية الدكتور رضوان في السياق الذي أراه مناسبا ، واحسب اني قد أوضحت الفكرة بما لا يحتاج الى مزيد بيان.

الشرق الاوسط الخميس - 18 رَمضان 1445 هـ - 28 مارس 2024 م      https://aawsat.com/node/4936376

مقالات ذات صلة

 

الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

حول تطوير الفهم الديني للعالم

شرع العقلاء

عقل الاولين وعقل الاخرين

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

عودة الى نقاش الدور التشريعي للعقل

كي لايكون النص ضدا للعقل

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نسبية المعرفة الدينية

هكذا خرج العقل من حياتنا

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

 

24/02/2021

حرية الاختيار وجودة الحياة

 "برنامج جودة الحياة 2020" واحد من 12 مسارا استراتيجيا لتنفيذ رؤية المملكة 2030. وهو يستهدف – كما في وثيقته الرئيسية - جعل المملكة "مكانا افضل للعيش" من خلال تطوير الخدمات العامة الاساسية ، والمرافق الترفيهية والثقافية ، على نحو يزيد من رضا السكان عن حياتهم وصولا الى تحقيق السعادة.

اقترح على القراء الاعزاء مراجعة وثيقة البرنامج المتاحة على الموقع الالكتروني لرؤية المملكة ، فهي تحوي الكثير مما يجدر معرفته ومناقشته. وقد خصصت هذه المقالة لجانب اظنه يشكل خلفية مهمة للتفكير في البرنامج وتطبيقاته.

غرض البرنامج هو تحقيق "رضا العامة" من خلال تمكين الأفراد من اختيار نمط العيش الذي يلائمهم. هذا يعني بالضرورة توفر خيارات معيشية متعددة ، والضمان القانوني لحرية الفرد في اختيار ما يراه طريقا لتحقيق سعادته.

يذكرنا هذا بجدل قديم جدا ، لكنه يتجدد باستمرار ، جدل يتناول مفهوم السعادة والرضا. وأبدأ هنا بقول مشهور ينسب للامام الشافعي: "رضا الناس غاية لاتدرك". ومضمونه راسخ في ثقافتنا العامة ، بل هو أقرب الى المسلمات التي لا يجادل في صحتها أحد (مع انه في اعتقادي رأي ضعيف). وقد وجدت ان التسليم بهذا القول قاد الى  التباس شديد بين مفهومين للرضا ، أحدهما مطلب نسبي وهو رضا الجمهور عن الحاكم او عن شخص بعينه ، والثاني مطلب معياري هو رضا الناس عن حياتهم. وبسبب هذا الالتباس ، وبالنظر لرسوخ تلك المقولة ، فقد تحولت الى مبرر عند اهل الحكم في الكثير من بلدان العرب ، لعدم الاكتراث برأي الناس (لان رضاهم مستحيل).

إن اتفاق كافة الناس على الحكومة غير مطلوب ، وهذا معروف في كل المجتمعات. ولهذا توصلوا الى التصويت والانتخاب ، واعتمدوا موقف الأكثرية معيارا لحسم الخلاف والاختلاف.

لكن – وكما اسلفت – فان الرضا المقصود في "برنامج جودة الحياة" مختلف عن هذا. فالمقصود هنا هو رضا الناس عن حياتهم ، وهذا ناتج عن الأمان المادي والاطمئنان للمستقبل.

ويهمني إضافة عنصر "الأمان النفسي" الذي أراه ضروريا لربط الأمان المادي بمفهوم السعادة ، الذي يصنف عند الفلاسفة كهدف أسمى لكل نظام اجتماعي.

يتولد الأمان النفسي (ومن ثم الشعور بالسعادة) كنتيجة لقناعة الفرد بتوفر إمكانية فعلية لتحقيق ذاته. أي اعتقاده بأن البنية الاجتماعية والنظام القانوني يساعدانه ، او على الأقل يسمحان له بالسعي الى نموذج السعادة الذي يلائمه ، او نموذج العيش الذي يعتبره قرينا للسعادة ، وهذا ما نسميه بحرية الاختيار.

كان المفكر الإيطالي المعروف نيكولو مكيافيلي ، قد اقترح مفهوما فريدا للحرية ، خلاصته ان "الناس يريدون الحرية لانها تمنحهم الأمان". الحرية هنا تعني ببساطة ان يكون القانون في صفك ،  حين يتدخل الناس في حياتك او يستخدمون قوتهم المالية او نفوذهم الاجتماعي او مناصبهم ، في منعك من العيش حسب اختيارك. أنت إذن آمن من مزاحمة الآخرين ، لأن القانون يحمي حريتك في الاختيار.

في اعتقادي ان مجتمعنا (والمجتمع العربي ككل) مطالب بترسيخ قيمة الحرية في هذا المعنى على وجه الخصوص ، أعني حرية كل فرد في اختيار هدف حياته ونمط العيش الذي يحقق سعادته ، وان يعتبر هذا حقا للفرد يحميه القانون.

لا يتوجب على الحكومة ان تضمن السعادة للناس. لكن يجب عليها توفير الظرف القانوني والمؤسسي الذي يسمح للناس بالسعي نحو سعادتهم الخاصة ، التي قد تكون مختلفة عن تلك التي يسعى اليها الشيخ او القاضي او الوزير.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 رجب 1442 هـ - 24 فبراير 2021 مـ رقم العدد [15429]

https://aawsat.com/node/2824361/


مقالات ذات علاقة

ام عبد العزيز

سيادة القانون ورضا العامة

صيانة الوطن في سيادة القانون

الطريق الى 2030

القانون للصالحين من عباد الله

نبدأ حيث نحتاج

نقاط الاحتكاك بين المجتمع والدولة

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

 التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

 عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز

 

29/05/2019

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

|| لم يعد للعقل دور مستقل. فقهاء اليوم يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث وفي تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان هذا حل مستحيل||
تأسس علم الفقه في القرن الثاني للهجرة ، حين وجد المسلمون أن ما وصلهم من حديث الرسول لا يغطي المسائل الجديدة. وصور ابو الفتح الشهرستاني هذا المعنى بقوله ان "الحوادث والوقائع .. مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعا أنه لم يرد في كل حادثة نص... والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار".
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
والمشهور ان الامام الشافعي (ت 204ه) هو الذي وضع القواعد الأولية للاجتهاد واستنباط الاحكام في كتابه"الرسالة". أما أول من مارس الاجتهاد فالمشهور انه الامام ابو حنيفة النعمان وتلاميذه (ت 150ه). ومنذئذ انقسم المشتغلون بالفقه الى فريقين: الفريق الذي يسمى اهل الرأي او الاصوليون ، وهو يدعو للبحث عن قواعد عامة نستفيدها من النصوص ، ونجعلها مرجعا لتكييف الحوادث الجديدة ، ان تطلبت حكما شرعيا. مقتضى هذا الرأي في نهاياته المنطقية ، ان الشريعة ليست مجموعة احكام مدرجة في نصوص ، بل منهج وفلسفة عمل ، جرى توضيحها من خلال امثلة واحكام في قضايا ، ذكرت في القرآن او حديث الرسول. وان الاعتماد الكامل على الادلة العقلية ، سيضمن جعل التشريع متجددا مستجيبا لعصره. هذا يقتضي بطبيعة الحال ان تخضع احكام الشريعة للمراجعة المستمرة. ولذا يتوقع ان يختلف الحكم في الموضوع الواحد ، بين زمن وزمن وبين مكان وآخر ، اذا اختلفت البيئة المادية او الثقافية لموضوع الحكم.
اما اهل الحديث ، ويطلق عليهم ايضا الاخباريون ، فهم يأخذون برؤية انكماشية نوعا ما ، تحصر التشريع في حدود المنصوص ، وتمنع انشاء الزامات شرعية اعتمادا على اجتهاد مستقل. ومقتضى هذا الراي في نهاياته المنطقية ، هو ان قبول اصل الدين والشريعة ، يعني الاقتصار على ماحدده الشارع ، وعدم التصرف بموازاته على اي نحو ، حتى لو كان صلاح التصرف ظاهرا للعيان.
تختلف الحجة القيمية بين الفريقين. إذ يرى الاصوليون ان الدين غرضه صلاح الدنيا. ومن صلحت دنياه ، نجا في الآخرة. بينما يرى الفريق الثاني ان غاية الخلق هي عبادة الخالق وان غرض الدين هو النجاة في الاخرة ، على النحو الذي عرفه التنزيل الحكيم. ولذا فواجب المؤمن هو الاعداد للآخرة ولو على حساب الدنيا.
ويتضح مما سبق ان الاتجاه الاول (الاجتهاد) اكثر قابلية للتفاعل مع التطور المادي والثقافي للمجتمع. لكن انتشاره سيفضي الى تلاشي الفاصل بين الديني والدنيوي ، وضمور ما يسمى بالصبغة الدينية للحياة. اما الاتجاه الثاني (الاخباري) فهو يميل الى نوع من الثنائية الحيوية ، حيث يتعايش الديني والدنيوي ، كلا في مجال خاص به. وفي هذا الاطار يعمل اهل الفقه على ابراز الصبغة الدينية والتاكيد على خطوط الفصل بين العالمين.
رغم ان ظهور الاجتهاد كان تعبيرا عن حاجة المسلمين لتطوير حياتهم الدينية ، الا انهم – لأسباب عديدة – تراجعوا عنه مبكرا ، وهيمن الاتجاه الاخباري بشكل صريح او ضمني. وفي وقتنا الحاضر لم يعد للعقل دور مستقل. بل اصبح تابعا ثانويا. ولهذا تجد الفقهاء يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث او في تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان الحل مستحيل ، ما لم نعط العقل دورا مستقلا موازيا للكتاب والسنة. لكن قرارا مثل هذا يتطلب تعديلا في التصور الاساسي او الفلسفة التي ينطلق منها الفقيه ، على النحو الذي شرحته آنفا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شهر رمضان 1440 هـ - 29 مايو 2019 مـ رقم العدد [14792]
https://aawsat.com/node/1743631

09/05/2018

العيش في ثياب الماضين

|| اذا كان الفقيه المعاصر سيعتمد الاراء والاستدلالات التي تبناها قدامى الفقهاء ، فما الحاجة للاجتهاد في هذا الزمن؟. ||
الغالبية الساحقة من فقهاء المسلمين متفقون ، على ان الاجتهاد ضرورة لتمكين الشريعة من استيعاب التحديات المستجدة في كل زمن. نعرف طبعا ان محرك الاجتهاد هو الاسئلة التي لم تبرز على سطح المجتمع فيما سبق ، وكذلك الاسئلة التي ماعادت اجوبتها القديمة مقنعة او كافية.
مفهوم أيضا ان عملية الاجتهاد ، تتطلب مؤهلات علمية لا تتوفر لغير قلة من الباحثين المتعمقين في دراسة النص الديني من جهة وأدوات الاستنباط من جهة أخرى.  
مع نظم البيانات الجغرافية الحديثة هل نحتاج لوسائل اثبات الوقت والقبلة التي ورثناها من الفقه القديم؟ 
ربما يكون الامام ابو حنيفة الذي عاش في القرن الثامن الميلادي (ت 767م) اول فقيه مسلم يمارس الاجتهاد. وقد وضع جملة من القواعد المنهجية ، لا زالت معتمدة حتى الان. اشير أيضا للدور التأسيسي للامام الشافعي )ت. 820م) الذي يعتبر كتابه "الرسالة" أول عمل منهجي في هذا الحقل.
خلال الاثني عشر قرنا الماضية ، انتج الفقهاء آلاف البحوث المتينة في كل ما يتعلق بفروع الدين. استطيع القول – مع بعض التحفظ – ان جميع الآيات والاحاديث التي تستفاد منها أحكام شرعية ، قد درست مئات المرات ، على يد مئات الفقهاء خلال مسيرة الفقه الطويلة. ونظرا لكثافة وتنوع هذه الابحاث ، فان فقهاء اليوم لا يجدون بدا من البدء بمراجعتها حين تعرض لهم اي مسألة جديدة. الحقيقة ان ذلك التراث الضخم قد وفر على المعاصرين ، جانبا كبيرا من كلفة البحث في المسائل. ومن هنا فان آراء السابقين تشكل الجزء الاكبر من أي بحث يقدمه فقهاء اليوم.
هذا يستدعي بطبيعة الحال سؤالا ، يبدو غريبا بعض الشيء ، خلاصته: اذا كان الفقيه المعاصر سيعتمد الاراء والاستدلالات التي تبناها قدامى الفقهاء ، فما الحاجة الى الاجتهاد في هذا الزمن؟.
كنت قد وجهت هذا السؤال لأحد أساتذتي ، فأخبرني ان الرجوع للقدامى غرضه الاستعلام لا الالتزام بارائهم ، تماما كما يرجع أي باحث لكتب الآخرين ، كي يوسع أفقه ويتعرف على أبعاد للمسألة لم ترد في ذهنه قبلئذ.
هذا الجواب الذي يبدو معقولا نوعا ما ، لم يقنعني. لأني وجدت من أسأل عنهم ، متقيدين حرفيا ، ليس فقط باستدلالات السابقين وآرائهم ، بل – وهذا هو الأدهى – بتصورهم لموضوعات المسائل وتكييفها. ولأن الفقه بطبيعته شكلي ، يولي اهتماما كبيرا للأسماء ، فان معظم ما توافق السابقون على تعريفه ، قد انتقل بقضه وقضيضه الى دراسات الفقهاء المعاصرين.
أذكر للمناسبة ان أستاذا في الفقه قد عرض على بحار عجوز ، الطريقة التي ذكرها الفقهاء ، لتحديد أوقات الصلاة والقبلة في عرض البحر. فأجابه البحار ببساطة: لو ركبت سفينة لتركت كل هذا الكلام ، لأن كاتبه لا يعرف البحر ولم يجربه. ثم شرح طريقة البحارة في حساب الزمن والمسافات والاتجاهات ، وكانت مختلفة عما ذكر في الكتاب. وحسب علمي فان الباب المسمى "كتاب الوقت والقبلة" ما عاد يدرس الان ، لان اساتذة الفقه اقتنعوا اخيرا ان الاعتماد على الساعة والبوصلة ، أجدى وانفع مما توارثوه.
لازال سؤالي حائرا: هل يمكن لمن تشكلت ذهنيته من خلال دراسة التراث الفقهي ، هل يمكن له ان ينظر الى المسائل المستجدة ، من دون ان يتأثر بتصويرات السابقين وآرائهم ، وهل يستطيع التعبير عن الرأي الذي توصل اليه ، اذا كان مخالفا تماما لآراء السابقين في نفس المسألة ، او في مسألة تحمل نفس الأسم او الصورة؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 23 شعبان 1439 هـ - 09 مايو 2018 مـ رقم العدد [14407]
http://aawsat.com/node/1262266

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...