||الجدل في الدور التشريعي للعقل يركز الان على نتائتج
تطبيق الحكم الشرعي: هل يعزز العدالة ام الظلم ، هل يعزز المصلحة الفردية والعامة
ام العكس||
الذين اعترضوا على مقال الاسبوع الماضي
(سطوة الموروث) جادلوا بشكل رئيسي دعوة الكاتب لمنح العقل دورا موازيا للنص
في التشريع. والحق أن هذا جدل قديم جدا ، يرجع الى القرن العاشر الميلادي ، ويعود
إلى الواجهة كلما انبعث النقاش حول التجديد في الفكر الديني. وهو يتصل عضويا بمباحث
اصول الفقه من جهة ، وفلسفة الدين من جهة أخرى.
واحتمل أن المحرك الأقوى للاعتراض ، هو الخوف
من تغليب العقل على النص ، على نحو يهمش القرآن الكريم والسنة النبوية. لكن هناك –
بجانب هذا الخوف المشروع – حجة معقولة ، فحواها أن النص القرآني والنبوي معصوم لا
يحتمل فيه الخطأ ، بخلاف حكم العقل ، الذي يصيب مرة ويخطيء أخرى. فكيف نساوي
المعصوم بغيره في المكانة. سيما وأن المطلوب من المسلم ، هو بذل الجهد لمعرفة أمر
ربه والالتزام به قدر المستطاع.
وللحق فهذه الاعتراضات مدعومة بابحاث واستدلالات
معمقة ، وليست مجرد كلام انطباعي. فلا يصح رميها بالقصور. لكن العلم بطبعه لايقف
عند احتجاج أو دليل ، مهما كانت قوته. فكل استدلال يمكن رده باستدلال مقابل. ولولا
مجادلة الأدلة لما تطور العلم.
سأحاول إلقاء مزيد من الضوء على هذا
النقاش في مقالات لاحقة. وسأخصص هذه المقالة لتقديم صورة أولية عن هذا الجدل فيما
يخص الفقه.
تمحور الجدل القديم حول مسألة الحسن والقبح العقليين. وهي تتلخص في ثلاثة اسئلة: أ) هل يمكن وصف الفعل الإنساني بأنه
حسن أو قبيح ، قبل أن يخبرنا الشارع بذلك. ب) هل يمكن للعقل تشخيص مواضع الحسن والقبح في افعال
البشر. ج) اذا حكم العقل بحسن الفعل أو قبحه ، فهل لهذا الحكم قيمة شرعية.
كمثال على ذلك: يقوم شخص بقطع شجرة في
الصحراء ، فهل يستطيع العقل تحديد ما اذا كان هذا الفعل حسنا او قبيحا ، واذا حكم بقبحه
مثلا ، فهل يمكن إلزام الفاعل بالامتناع عنه؟.
الذين انحازوا الى دور العقل ، قالوا بان
الافعال تنطوي في داخلها على حسن وقبح ، وان العقل قادر على تشخيصه. وقال بعضهم ان
الشرع يمضي حكم العقل. والذين عارضوهم قالوا بان الحسن والقبح اوصاف شرعية ، تتبعها
التزامات. وليس ثمة فعل حسن او قبيح الا اذا وصفه الشارع بذلك. ومن هنا فليس للعقل
دور في التشخيص ولا الحكم. هذا من حيث العموم ، وهناك تفاصيل واستثناءات لا يتسع
المقام لبيانها.
لا زالت المسألة موضع نقاش في العصور
الحديثة. لكنها تركز الان على الأثر الناتج عن تطبيق الحكم. ونخص بالذكر
عنصرين مهمين ، أولهما: هل يؤدي تطبيق
الحكم الشرعي الى تعزيز العدالة ام الظلم . والثاني: هل يؤدي إلى تعزيز المصلحة
الفردية والعامة ام العكس.
كلا العنصرين (العدالة والمصلحة) يتعلق في
المقام الأول بأحكام المعاملات. لانها محكومة بقانون الندرة ، وهي قابلة للقياس
المادي. اما العبادات فهي مبنية على التسليم والايثار. وقياس نتائجها يعتمد على
أدوات ومفاهيم وراء-مادية. ولذا فغالبية مسائلها
، سيما المتعلقة بالعبادات الفردية ، خارج
إطار النقاش.
يوضح العرض السابق ان كلا الطرفين:
القائلين بدخالة العقل في التشريع ، ودعاة التسليم للنص ، ينطلقون من مبررات يصعب
اغفالها. بديهي ان الطرف الاول لا يريد الغاء النص ، كما ان الطرف الثاني لا ينكر
كليا دور العقل. فالنقاش بين الطرفين يتعلق بالحدود والدوائر التي يقدم فيها هذا
على ذاك او العكس.
الشرق الاوسط الأربعاء - 4 ذو الحجة
1439 هـ - 15 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [14505]
http://aawsat.com/node/1363566
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق