‏إظهار الرسائل ذات التسميات الكاثوليكية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الكاثوليكية. إظهار كافة الرسائل

26/02/2020

من المناكفة الى النهضة


تلفت نظري أحيانا ردود الفعل على  الطروحات والأفكار الجديدة . وجدت مثلا من  ينسب التوجه الاصلاحي عند محمد شحرور الى عقد نفسية. وثمة من قال ان تركيز محمد عابد الجابري على نقد التراث ، راجع الى حرمانه من وظيفة كان يتطلع اليها في الديوان. وقيل مثل ذلك عن علماء آخرين في الماضي والحاضر. وبشكل عام فان غالبية الناس يودون ان يروا علة في القائل (حسنة او سيئة) قبل النظر في قوله او تحليل مراميه.
نتيجة بحث الصور عن خارج القطيع
من نافل القول ان كل نهضة في تاريخ البشرية بدأت بمناكفة من نوع ما ، مناكفة بين أشخاص أو قوى حديثة الظهور في الساحة الاجتماعية ، وأخرى مستقرة ذات نفوذ. في أول الأمر تبدو أشبه بنزاع محدود حول افكار او مصالح ، تعود لأشخاص بعينهم. في واقع الامر فانه يصعب - في المراحل المبكرة خصوصا - فصل الافكار عن أشخاص الداعين اليها. وليس من الممكن ايضا حمايتها من التصنيف القسري ، اي تحديد من يستفيد من نجاحها ومن يتضرر.
مع مرور الوقت يتبين للجميع ، ان الاشخاص القليلين الذين تمردوا وناكفوا ، لم يكونوا نبتا في صحراء ، بل تعبيرا عن بواكير تحول يجري تحت السطح الخارجي للمجتمع. ومع مرور الزمن ، تتحول تلك القلة الى أمثولة ومصدر إلهام ، فكانها تقول لكافة الناس: انظروا .. لقد فعلنا ما ظنه الجميع مستحيلا ، وتبين لكم ولنا انه ممكن وان كلفته محتملة.
تتحول المناكفة الى نهضة ، حين تدخل فكرته العامة دائرة الجدل العلني ويجاهر عدد متزايد من الناس ، من شرائح اجتماعية مختلفة بتبنيهم للافكار الجديدة ، ويتحدثون عنها كنمط حياة ضروري ، يريدون الانتقال اليه. ونعلم  ان وصول المجتمع الى هذه المرحلة يعني – بالضرورة - قيام نوع من توازن القوى في المجتمع ، بين القوى الداعية للتغيير وتلك المتمسكة بالمحافظة على الاجماع القديم ، اي من يسمون في عالم السياسة بالاصلاحيين ، ومن يسمون بالمحافظين.
مسار تقدم الانسان في مجمله ، يشبه هذا المسار. تجاذب وتدافع بين عوامل الاستمرار وعوامل التغيير ، تقود عادة الى غلبة الثانية واستقرارها ، ولو بعد حين. ان التغيير لا يتوقف أبدا ، انما تختلف المجتمعات عن بعضها في سرعة الاستجابة والتكيف مع الجديد او العكس.
قد يبدأ التغيير في مكان محدد ، مثل الشمس التي تشرق في مكان ، فيراها الناس في أبعد النقاط ، فتولد فيهم الأمل وتبعث الحماس ، ويتحول الناس بالتدريج الى شركاء في النهضة ومساهمين في تيارها. قد تبدأ المناكفة بين التجار ثم تنتقل الى المثقفين والساسة وغيرهم ، أو تبدأ بين رجال الدين ثم تنتقل الى غيرهم ، وقد تبدأ وسط شريحة محددة كالنساء او الشباب ثم تظهر ارتداداتها في شرائح أخرى ، وهكذا.
الانتشار جزء من طبيعة الحراك الانساني. ولذا لايستطيع أحد أن يدعي اختصاصه بالنهضة أو يحجب ثمارها عن الآخرين. بواكير النهضة الاوروبية ، تمثلت في نزعات جديدة في الأدب والفنون ، وظهر تأثيرها في تصميم المدن ، سيما المباني والجسور والقصور ، وفي الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى. ثم انعكست على العالم الديني ، فتمثلت في حركة الاصلاح الديني وما تلاها من تبلور البروتستنتية ، كضد تاريخي للكاثوليكية وحليف للتغيير ، حتى جاء عهد الاختراعات ، وهيمنت التكنولوجيا على حياة العالم ، فتحولت التقنيات الرقمية الى محور لهذه الحركة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 2 رجب 1441 هـ - 26 فبراير 2020 مـ رقم العدد [15065]
مقالات ذات علاقة

29/12/2008

ملاحظات هامشية: مناقشة لفكرة الحداثة الدينية


بقلم د. احمد البغدادي  
في مقاله القيّم حول "الحداثة كحاجة دينية "، قام الدكتور عبد الحميد الأنصاري بوضع الداء أو المشكلة، ولم يقدم للقارئ الدواء. والمقال في الواقع يطرح قضية مهمة جداً يحاول المسلمون تجاوزها بالإنكار أو الرفض، في حين يدعو الأخ الدكتور توفيق السيف، الكاتب الإسلامي إلى محاولة دمج الحداثة بالدين، من خلال اقتناعه بإمكانية حدوث مثل هذا التمازج بين نقيضين أو خطين متوازيين. ولكن ما يعيب المحاولة حقاً أنها لا تصمد أمام الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم. ربما سيكون للدعوة صدى لو أنها ظهرت في عصر المأمون العباسي، مؤسس العصر العظيم لترجمة الفكر الفلسفي اليوناني، حيث سادت العقلانية وانزوى الفكر الديني، وما ترتب على هذه الخطوة العلمية العقلانية الجبارة من تسيّد العقل الإسلامي على الساحة الفلسفية. كان من الممكن لهذه المحاولة، الدمج بين الدين والحداثة أن تنجز نسبياً لو أنها جاءت في عصر المفكر ابن رشد، بل كان من الممكن أن تتم ولو جزئياً، في عصر ما بعد استقلال الدولة العربية في منتصف الخمسينات. لكن الفكر الديني النصيّ ممثلاً بالأزهر، وأد محاولات طه حسين وعلي عبدالرازق الهشة التي وقفت عند تخوم الحداثة، ولم يُكتب لهذه المحاولة النجاح بسبب الفكر الديني.

 قبل الحديث عن إمكانية التمازج الفكري بين الدين والحداثة، لابدّ أن نعرف موقع الدين لدى الحداثة، لابدّ من مواجهة الحقيقة القائلة بأن تأسيس الحداثة ما كان له أن يقوم لولا الدعوة الصارمة لقطع العلاقة القائمة في العصر الوسيط بين الدين، ممثلاً بالكنيسة الكاثوليكية والإنسان المسيحي، إضافة إلى الدعوة للتخلص من أسر الحكم المطلق، وهو ليس بذي أهمية بالنسبة لموضوعنا الخاص بالعلاقة بين الدين والحداثة.

جوهر الحداثة المتمركز حول تخليص الإنسان من أسر الهيمنة الدينية الكاثوليكية، أصبح جوهر كل دعوة للحداثة، أو لأي مجتمع يريد الأخذ بهذه الحداثة، بغض النظر عن نوع الدين القائم، الهندوسية أو الإسلام أم البوذية، لا فرق من حيث المبدأ، ولا مجال لاستفراد الفكر الديني الإسلامي بقضية غير قائمة أصلاً في أذهان صانعي الحداثة الغربية. لقد أصبحت الحداثة ظاهرة غربية عالمية لابد من الأخذ بها إذا أراد المجتمع تحقيق التطور والتقدم الفكري والحضاري. والمجتمع المسلم ليس استثناء من القاعدة.

حين نقول إنه لا مجال للمزاوجة بين الدين الإسلامي والحداثة، لا ننطلق من موقع التشاؤم، بل من منطلق معرفة الواقع الديني القائم في العالم العربي- الإسلامي. وهو واقع رافض للحداثة من حيث المبدأ. ألا ترون تسمية "الأصالة" في مواجهة "الحداثة "، وحيث يتم تثبيت الجوهر الديني لهذه الأصالة. فالفكر الديني، وليس فقط العقيدة، يرفض الحداثة، ومن يرى ذلك محق. وإذا ما حاول البعض مثل الدكتور توفيق السيف، من السعودية السعي لتحقيق عملية المزج بين الحداثة والدين، سيصطدم ولاشك، بصلادة العقيدة الدينية والفكر الديني الذي يصنعه الفقهاء.

الحداثة، احتواء وتغييب للسلطة الدينية، في حين أن الدين مجال قائم بذاته ولذاته. كيف يمكن الجمع بين موضوعين نابذين لكل منهما؟ هذا هو المستحيل بعينه. ولذلك أعتبر مثل هذه المحاولات مضيعة للوقت وفيما لا طائل من ورائه، مع الاحترام التام لمن يدعو لهذه المحاولة، لكن لو وقفوا لحظة تفكير مع أنفسهم ومن واقع الهيمنة الدينية القائم اليوم في مجتمعنا العربي، لوجدوا أن الأمر أصعب مما يتصورون. ولابد من الاعتراف بأن هذه الموضوعات شائكة فكرياً واجتماعياً في مجتمع يكاد يحبو في ساحة الفلسفة والفكر.


جريدة الاتحاد 29 ديسمبر 2008

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...