‏إظهار الرسائل ذات التسميات القتل خارج القانون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القتل خارج القانون. إظهار كافة الرسائل

27/03/2025

حرب الحشاشين

اظن اننا جميعا نعرف الظاهرة التي تسمى "تضخم الذات" او "الانا المتضخمة". ولعل كلا منا قد لاحظ حالات تكشف عن ذوات متضخمة ، في مقابلات صحفية او على منصات التواصل الاجتماعي ، او في المجالس ، وربما اختبرها بعضنا في نفسه ، في بعض الأحيان على الاقل.

وتتمظهر هذه الحالة في صورة تكبر على الغير ، بل قد يبلغ الأمر حد مطالبة الناس بالتسليم بفضله عليهم. فان لم يستجيبوا ، بادر بانكار كل قيمة لهم وكل حسن فعلوه في حياتهم.

ليست هذه مشكلة كبرى ، فضررها محدود. لكنها تصل مستويات خطرة ، حين يتحول التعبير عن الذات المتضخمة الى اعلان كراهية لجنس بأكمله ، مثل القول بأن الاحباش أو البنغال فيهم كذا وكذا ، او القول بان البوذيين او اليهود فيهم كذا وكذا. او ان العرب او الاكراد فيهم كذا وكذا. هذا التنميط السلبي لشعوب كاملة ، يتبلور مع الزمن على شكل كراهية منفلتة ، تبرر كل اذى يقع على الناس ، وربما حرضت على ايذائهم او حتى قتلهم.

 السؤال الذي يلح على ذهني هو: هل يمكن لوسائل الاتصال الجمعي ان تحول هذه الحالة الفردية الى سلوك جمعي ، هل يمكن للسياسيين وغيرهم من النافذين والمؤثرين على الرأي العام ، ان يحولوا الكراهيات الفردية الى كراهية عامة؟.

تردد هذا السؤال في ذهني وأنا اقرأ خبرا من الفلبين ، فحواه ان الحكومة ستسلم رئيس الجمهورية السابق الى المحكمة الجنائية الدولية ، التي تتهمه بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية ، خلال حربه على تجار المخدرات بين 2011 و 2019.

وتقول الانباء ان الشرطة قتلت 6000 شخص في تلك الحرب ، من دون محاكمة. سألت نفسي: كيف تسنى للرئيس ان يواصل هذه المقتلة العظيمة ، طوال ثمان سنين من دون عوائق جدية. بل لعلي أزعم ان الشعب ، او شريحة معتبرة منه ، كانت راضية بتلك المقتلة ، لانها اقتنعت بأن البلد فيه فعليا 6000 تاجر مخدرات ، كما قال الرئيس. ومما يدل على رضا تلك الشريحة ، هو تكرار انتخاب رودريغو دوتيرتي في منصب عمدة مدينة "دافاو" حيث أسس فرقة اعدام ميداني ، ثم انتخابه رئيسا للجمهورية ، وقبل ذلك عرض عليه منصب وزير الداخلية اربع مرات. هذا يدل على ان الرجل محبوب ، رغم المعلومات الكثيرة التي تفيد ان كثيرا من الضحايا  قتلوا ، لمجرد ان الشرطة وجدتهم في مواقع يرتادها الحشاشون.

حسنا.. ما الذي يحمل الناس على دعم حملة دموية كهذه ، وهل يمكن ان تتكرر في أماكن أخرى؟.

هل يمكن لسياسي مثل دوتيرتي ان يقنع الناس العاديين ، بأن احترامهم مشروط بقتل من يكرهونه؟.

الذي فعله رودريغو دوتيرتي حين رشح نفسه لمنصب نائب العمدة في دافاو ، هو اقناع المواطنين بأن سكان الاحياء المعروفة بتجارة الحشيش ، ومن يتواجد قريبا منها او يتعامل مع سكانها ، هم عدوهم ، وانهم يستحقون القتل. ولتسهيل المهمة على الناس ، فانه لم يكلفهم بقتل احد ، بل اقنعهم بأن يكرهوه فقط وان يتمنوا موته ، وسيأتي اشخاص آخرون لحمل العبء الاثقل ، أي القتل.

هكذا قتل 6000 شخص ، بينهم ما لا يقل عن 1150 طفل وامرأة ، رميا بالرصاص ، في بيوتهم او على قارعة الطريق ، من دون ان تواجه الشرطة استنكارا او شجبا من جانب جمهور الناس ، ومن دون ان تحتاج الحكومة الى تبرير تلك الدماء.

اظن بعضنا يستذكر الآن حوادث القتل الجمعي التي سمعنا عنها ، في غزة وحواليها ، وفي سوريا والعراق وفي السودان والصومال ، وفي مناطق أخرى.. ألم تبدأ المسألة باشخاص مثل دوتيرتي ، يقنعون المواطنين بان أولئك اعداؤهم وانهم يستحقون القتل ، وان المطلوب منهم هو فقط اعلان التأييد او التبرير ، وسيتولى غيرهم الجزء الأصعب من المهمة..

لو سمعتم بشخص يدعو للتخلص من سكان بلد باجمعه او قبيلة بمجملها او دينا بكل اتباعه ، الن تقفز الى أذهانكم قصة رودريغو دوتيرتي؟.

الخميس - 28 رَمضان 1446 هـ - 27 مارس 2025 م  https://aawsat.com/node/5126184

مقالات ذات صلة

الأخ الأكبـــر

اساطير قديمة

التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الرابع

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

شرطة من دون شهوات

كلمة السر: كن مثلي والا..!

مجتمع العبيد

المدينة الفاضلة

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

الموت حلال المشكلات

نموذج مجتمع النحل

 

لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

  اطلعت هذه الأيام على مقالة للاديبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي ، تقترح خطا مختلفا للنقاش الدائر حول الذكاء الصناعي ، وما ينطوي عليه ...