‏إظهار الرسائل ذات التسميات دونالد ترمب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دونالد ترمب. إظهار كافة الرسائل

11/12/2019

صراع حدود أم صراع وجود




ارى ان غالبية المسلمين سيحبون الفكرة التي نادى بها روجيه جارودي ، فكرة الاسلام المفتوح ، الذي يحتمل كل الناس وكل الافكار ، وعلى ا لخصوص اولئك العلماء والفلاسفة والمصلحون والمخترعون ، الذين ساهموا في صناعة تاريخ البشرية او تقدم المجتمع الانساني ، بنحو من الانحاء.
روجيه جارودي
الفكرة بذاتها جذابة ومثيرة للاهتمام ، فهي تحاكي توقا عميقا في انفس البشر لرؤية تجسيدات الخير مجتمعة متعاضدة. يعتقد كل انسان انه وسائر البشر الآخرين ، أميل الى فعل الخير ، وانهم قادرون على ابتكار الافعال التي تجسد الخير وتنميه. ولهذا لا يرون عيبا حين يضعون ايديهم بايدي غيرهم الذين على ملتهم او على سواها. لا يتوقف عامة الناس عند اختلافاتهم العقيدية او الثقافية. انت ترى الافا من الناس يأتون الى الاسواق كي يبيعوا او يشتروا ، فلا يسأل أحد منهم عن معتقد الآخر او انتمائه الاجتماعي ، كما لا يسألون عن صانع السلعة.
لكن هذا ليس نهاية القصة. ولا ينبغي أخذ الأمور بهذا التبسيط. دعنا نمثل بحال الولايات المتحدة الامريكية ، التي تألفت عند تاسيسها من مهاجرين ، ولازالت تدين لمهاجرين قدامى وجدد بازدهارها العلمي والاقتصادي. مع ذلك فان الشعارات التي أوصلت الرئيس الحالي دونالد ترامب الى البيت الأبيض ، هي الشعارات الداعية الى وقف الهجرة وابعاد ما امكن من المهاجرين. كذلك الحال في اوربا التي  يتفاقم فيها التيار السياسي المعادي للمهاجرين ، رغم حاجتها الماسة اليهم كأيد عاملة وكمشاركين في بناء مستقبل القارة العجوز
 وليس الأمر بعيدا عن العالم الاسلامي والعربي ، فالنزاعات القومية والطائفية والقبلية المتكررة ، تؤكد بما لا يقبل الشك ، ان خيط الثقة الرفيع الذي تحدثنا عنه ، ليس سمة ثابتة في المجتمعات. ولا فرق في هذا بين المتقدم والمتخلف منها
 كان الفيلسوف المعروف جان جاك روسو ، قد قال في كتابه الشهير "العقد الاجتماعيان تبلور مفهوم التملك والملكية الشخصية ، كان سبب انبعاث النزاعات بين البشر. ونعلم ان معظم الخصومات تدور حول المال والملك في مختلف اشكاله. فماذا عن الخصومات التي موضوعها الدين والايديولوجيا؟.  
 دعنا نعيد السؤال بصيغة أوضح: هل يتنازع الناس حول المذاهب والاديان ، لانهم يشعرون ان انتماءهم الى هذا الدين او ذاك ، هو نوع من الملكية ، اي انهم يدافعون عن أحد املاكهم حين يدافعون عن دينهم؟
 رايي ان هذا احتمال وارد في كثير من الحالات. لكن ثمة سبب آخر للصراعات الدينية ، ولعله أوضح واوسع نطاقا ، أعني به تحول الدين من رسالة الهية الى هوية اجتماعية. في هذه الحالة تتلاشى المسافة بين الدين والذات. حين تتعرض لدين الشخص او مذهبه ، فانه سيتلقاه كعدوان على شخصه او كتحد لشخصه ، فينخرط في النزاع كما لو كان يدافع عن وجوده ذاته وليس فقط عن شيء يملكه.
 ربما يتذكر القراء الاعزاء الشعار الشهير للمرحوم ياسر عرفات الذي قال ان النزاع مع اسرائيل"صراع وجود لا حرب حدود". ان نزاعات المصالح هي نزاعات على الحدود الفاصلة بين الشخص ومن ينافسه. اما الصراع الوجودي ، فان الذات (الفردية او الجمعية) هي المستهدف الأول فيه ، وتبعا لذلك فان ارادة البقاء هي المحرك الرئيس له. وهذي هي النقطة التي يركز عليها القادة والمحرضون حين يحاولون ارسال اتباعهم الى ساحات الصراع ، المادي او حتى اللفظي.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 شهر ربيع الثاني 1441 هـ - 11 ديسمبر 2019 مـ رقم العدد [14988]
مقالات مشابهة


30/10/2019

مجادلة اخرى حول الميول العنفية

||يميل معظمنا للاعتقاد بان الانسان أميل للفساد لولا الروادع القانونية. وأرى في هذا الاعتقاد جذرا لنزعة التشدد تجاه الغير||
ما كتبته وكتبه زملاء آخرون حول الميل للعنف في الشخصية العربية ، لا يستهدف إدانة الثقافة العربية ، بل تحليل ظاهرة ، من دون ادعاء انه منزه عن الخطأ. يهمني تأكيد هذه النقطة ، لأن بعض القراء الأعزاء بذل جهدا مضنيا في بيان ان البشر كلهم ميالون للعنف ، وان الأوروبيين فاقوا العرب في هذا ، وان عنف العربي كان في الغالب رد فعل على عدوان اعدائه.. الخ.
 واريد استثمار المناسبة للفت الانظار الى ما أظنه مشكلة عامة في التداول الثقافي ، تتجلى في الانزلاق السريع من المناقشة النقدية (وهي الطريق الطبيعي لتطور الثقافة) الى التبجيل او الاعتذار والتبرير. ولا ينفرد المجتمع العربي بهذا النهج ، فهو معروف في كل مكان تقريبا ، وقد أطلق عليه في الولايات المتحدة ، في وقت سابق ، اسم "الماذا-عنية Whataboutism". ويراد به التنديد بالناقدين الذين يغفلون سياق الموضوع ، ويركزون على مجادلة شخص الكاتب ، او اثارة نقاط غير ذات صلة. وأحتمل ان التسمية تستبطن نوعا من السخرية. وقد استعملت ايضا في سياق الانكار على السياسيين والكتاب الذين يخدمون اجندات سياسية. ولعل الرئيس الامريكي ترامب هو أحدث من قيل انه “Whataboutist” أي انه يتبنى نهج "الماذا-عنية" كما يظهر في نقاشاته وخطبه ، سيما حين يدافع عن نفسه او سياساته. وبعض الموارد المتصلة بهذا مذكور في موقع ويكيبديا المعروف.
زبدة القول انه ليس من الفطنة تحوير النقاش ، باثارة نقاط غير ذات صلة بجوهر الموضوع ، فهذا النهج قد يشير الى ان صاحبه لم يستوعب الفكرة ، او أنه – لو اسأنا الظن – يحاول تشتيتها باثارة قضايا غير ذات صلة ، لأنه عاجز عن النقاش الحسن.
بعد هذا الاستطراد اعود الى مسألتنا الاولى ، اعني الغرض الذي لأجله نتحدث عن علاقة العنف بالثقافة او رسوخه في التراث العربي. ان الغرض من هذا هو توجيه المربين ، سواء كانوا آباء او معلمين او غيرهم ، الى الجذور الثقافية لنزعة العنف والتشدد. وبعض هذه الجذور خفية لا يراها غير قليل من أهل النظر. ومن ذلك مثلا الرؤية القائلة بان الشر هو الطبع الأولي في البشر ، وأن الخير لا يأتي الا بالتعليم والارشاد ومعه السيطرة والردع. وقد كتبت عن هذا الأمر مرارا ، وأشرت الى انك لو سألت الناس عن الغاية من وضع القوانين واقامة الحكومات مثلا ، لأجابك معظمهم بان الغاية هي ردع الأشرار. ولعل القليل منهم يستذكر ان غرض القانون والحكومة هو إعانة ذوي الحقوق في نيل مستحقاتهم ، ونيل الحقوق ليس بالضرورة من موارد النزاع ، بل قد يأتي في سياق التوزيع العادل للموارد المتوافرة في المجال العام (مثل توزيع الاراضي للسكن والاستثمار). او تنظيم صرف الثروة المشتركة في الخدمات المفيدة للجميع.
اقول ان غالبية الناس يتخيلون ان الردع هو علة قيام الحكومة والقانون. لأنهم في الاساس يعتقدون ان البشر أميل للفساد لولا وجود الرادع. وهذا راي ارسطو الذي تبعه غالب الفقهاء والمتكلمين المسلمين منذ اقدم العصور وحتى الان. ولذا فهو الاتجاه الغالب على الثقافة المتداولة في الاطار العربي والاسلامي.
في رايي ان هذا الاعتقاد (الذي اجزم بانه خاطيء) هو احد الجذور المولدة لنزعة التشدد تجاه الغير ، والتي تستدرج – بطبيعة الحال – ميلا للطرق العنيفة في التعامل مع الآخرين. ولعلنا نعود للموضوع في وقت آخر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 2 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 30 أكتوبر 2019 مـ رقم العدد [14946]

مقالات ذات علاقة

15/02/2017

وهم الصراع بين الحضارات


أسمع حديثا متكررا فحواه ان الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترمب يدشن النموذج التطبيقي الأول لصراع الحضارات ، وفق التصور الذي عرضه المفكر الامريكي صامويل هنتينجتون في 1993. طبقا لهذه الرؤية فان الايديولوجيا (رأسمالية/اشتراكية) لن تكون موضوعا للصراعات الدولية بعدما تفكك المعسكر الشيوعي. الحروب الكبرى القادمة لن تدور بين الدول القومية. أو على أقل التقادير ، فان أية حرب على هذه المستوى ، لن تقسم العالم الى فسطاطين ، وفق ما كان متوقعا في حقبة الحرب الباردة (1945-1991). يعتقد هنتينجتون ان الثقافات الرئيسية هي التي ستحدد جبهات الصراع الدولي القادم. نتصور مثلا جبهة الثقافات الجديدة ، التي تمثلها المجتمعات الصناعية الغربية ، تقابلها جبهة الثقافات القديمة التي تضم العالم الاسلامي ودول آسيا الأخرى.
صمويل هنتينجتون
هذه الرؤية ليست نظرية مثبتة تاريخيا. وليس لدينا دليل مادي يؤكد ان العالم سيشهد صراع حضارات في المستقبل القريب. إنها مجرد تحليل مبني على استقراء تاريخي ، يتوافق مع معطيات رآها هنتينجتون متوفرة في مطلع التسعينات. وهو لم يحاول اخفاء ما تنطوي عليه من توجيه ايديولوجي ، فحواه ان الحضارات بحاجة للصراع ، كي تبقى نشطة ومبدعة.
رغم ذلك فرؤية كهذه تنطوي على خطورة على العالم الاسلامي ، وليس على الغرب. لسبب بسيط وهو ان الايمان بالعلاقة الايجابية مع العالم ، يعزز جانب الميل للمصالحة والانفتاح ، ومن ثم التعاون الثقافي والاقتصادي. وهو أمر نحن في أمس الحاجة اليه ، كي نلحق بحركة العلم والتقنية التي تتصاعد في عالم اليوم ، ولا تكاد تستثني أحدا غير البلدان الاسلامية. 
خلال الخمسين عاما الماضية ، تعرضت مجتمعات المسلمين لضخ مركز للفكرة القائلة بان "الغرب" يمثل كتلة معادية ، تسعى للهيمنة على العالم الاسلامي ، وتستهدف بشكل خاص القضاء على الاسلام. ولا شك ان هذه الرؤية قد ساهمت في عرقلة تطور المجتمعات المسلمة ، بل وأعادت بعضها الى الخلف ، وعمقت الهوة التي تفصلها عن الحضارة الانسانية الحديثة.
ثمة حقائق بسيطة في حاضر العالم وفي ماضيه ، من بينها ان تاريخ البشرية لم يسجل نهوض المدنية في بلد منعزل عن العالم. جميع الحضارات وتجارب التقدم السابقة – بما فيها الحضارة الاسلامية القديمة - كانت ثمرة للتفاعل بين الأمم والثقافات. وكان دوامها وتجددها مرهونا بعلاقتها التفاعلية والمنفتحة مع الآخرين.
ليس من الضروري ، وربما من غير المتوقع ، انتهاء الصراعات الدولية. لكن الصراع المدفوع بخوف على الهوية ، انتهى في كثير من التجارب الى دمار المنتصر والمنهزم معا. لأنه ببساطة يحول مضمون العلاقة من صراع على الحدود والمكانة ، الى صراع على الوجود. وفي هذا النوع من الصراعات لا يكون الانجاز والتقدم هدفا. الهدف الوحيد فيها هو تدمير الآخر كشرط للبقاء.
في العالم الاسلامي اليوم ما يكفي من مشاعر الكراهية التي نعرف انها أثمرت عن تفجر العنف في معظم بلدانه. ولا أظننا بحاجة الى المزيد من هذا.
من هنا فاني أشعر بالقلق من عودة الترويج لفكرة الصراع الديني ، والمبالغة في اعتبار تصريحات وقرارات الرئيس الامريكي الجديد او نهوض اليمين في أوربا ، إشارة انطلاق للحرب على الاسلام. مثل هذا الكلام ، بغض النظر عن النوايا الطيبة التي تبرره ، لن يضر الغرب قدر ما يضر المسلمين ، كما حصل فعلا خلال الخمسين عاما الماضية. في هذا التاريخ ما يكفي من العبر لمن أراد ان يعتبر.
الشرق الاوسط 15 فبراير 2017

23/11/2016

عكس العولمة : اليمين يتجه يسارا

"الشقيقات السبع: شركات البترول الكبرى والعالم الذي صنعته" لم يكن ابرز مانشره الصحفي والكاتب البريطاني انتوني سامبسون. لكنه بالتاكيد الكتاب الذي عرف العالم عليه. كان سامبسون قد نشر قبله "تشريح بريطانيا" الذي احتل قائمة الكتب الاكثر رواجا في حينه. ويقال ان سبب رواجه هو تحليله العميق والموثق لدور الشركات الكبرى في صناعة السياسة البريطانية.
انتوني سامبسون
اتخذ سامبسون اتجاها مماثلا حين أصدر "الشقيقات السبع" في 1974. وخلاصته ان شركات البترول الدولية الكبرى تخوض منافسة شرسة فيما بينها ، لكن سياساتها جميعا تمهد الطريق الى هدف واحد ، هو الغاء الحدود والعوائق السيادية للدول ، وصولا الى جعل العالم كله سوقا مفتوحا لعملياتها. ويعتقد سامبسون ان تلك الشركات الهائلة القوة ، قد نجحت في تغيير سياسات العديد من دول العالم ، بل وتدخلت في صراعات سياسية أثمرت عن تغيير الحكومات التي لم تستجب لحاجاتها ، في الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.
لم يكن مفهوم "العولمة" قد ظهر يومذاك كمصطلح قياسي. لكن كتاب سامبسون فتح الباب أمام عشرات من المقالات والكتب الاخرى ، التي تتحدث عن "عالم جديد" أبرز سماته زوال الحدود المعيقة لحركة رأس المال وقوة العمل والتكنولوجيا ، اي التمظهر الرئيس لما يعرف اليوم بالعولمة. وفي العقدين الاخيرين من القرن العشرين اصبح هذا المفهوم من اكثر المفاهيم تداولا في النقاشات الخاصة بالعلاقات الدولية. وفي العام 2000 اقترح صندوق النقد الدولي  اربعة مجالات تندرج في اطار هذا المفهوم هي التجارة ، حركة راس المال والاستثمارات ، هجرة اليد العاملة ، وتدفق المعلومات والتقنية.
كان تيار اليسار  ابرز المعارضين للاقتصاد المعولم. وينسب لهذا التيار الفضل في انتاج أهم الادبيات المتعلقة بتغول راس المال العالمي والشركات التي تديره. وهو موقف غريب بعض الشيء. فاليسار يدعو لعالم واحد يبرز قيمة العاملين وصناع التغيير. لكنه في مواجهة عالم راس المال ، اختار منهجا انكماشيا يركز على قيمة الحدود القومية. ويدعو لتوسيع تدخل الحكومة في الاقتصاد ، على نحو يضمن للطبقات الدنيا فرصا أفضل للعيش الكريم.
نعلم بطبيعة الحال ان اليمين كان يدعو لنموذج مضاد ، اي دولة لا تتدخل مطلقا في حياة الناس ولا السوق ، دولة نموذجها الاعلى "الحارس الليلي".
ها نحن اليوم امام انقلاب جديد. الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب ، الآتي من أقصى اليمين ، نجح في استنهاض الشرائح الاكثر تضررا من عولمة الاقتصاد ، أي عمال المصانع التي نقلت اعمالها خارج الحدود. الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي كشف عن تنامي نفس الاتجاه اليميني الذي يدعو للانكماش على الذات والتركيز على مصالح الطبقات الدنيا. ويبدو ان نمو هذا التيار في فرنسا التي تستعد لانتخابات رئاسية يتحرك بنفس الدوافع.
ثمة مفارقة في هذه الحوادث كلها ، فالصراع لا يدور بين الطبقات العليا والدنيا كما جرت العادة ، بل بين شريحتين متصارعتين في الطبقات الدنيا نفسها: شريحة ذات ميول يسارية كانت تخشى العولمة فباتت اليوم متعاطفة معها ، وشريحة ذات ميول يمينية تعاطفت أولا مع العولمة ثم جنت شوكها.
هل هذا نموذج لما سيكون عليه العالم خلال العشرين عاما القادمة؟. هل سنشهد تراجعا عن مبدأ العالم الواحد والاقتصاد المعولم؟. هل سيلحق العالم الثالث بهذا القطار ام يرى مصلحته في عالم بلا حدود؟.
الشرق الاوسط  23 نوفمبر 2016 http://aawsat.com/node/790836

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...