حوار الثقافات والحضارات الذي يتحدث عنه الرسميون والصحافة في بعض الأحيان ، لا ينبغي ان يبقى خطابا موجها للخارج. نعرف من تجربة البشرية في القرون الثلاثة الأخيرة ، ان اكتشاف الاخرين والتعرف عليهم ومعرفتهم ، يضيف قوة الى قوتك ، ويجعلك أقدر على إدارة حياتك والتأثير في حياتهم .
حوار الثقافات والحضارات والأديان ، هدفه الأسمى إرساء
قيمة التسامح ، وتوسيع افاق العلاقة بين
الناس ، حتى يصبحوا قادرين على استثمار اختلافاتهم وتنوع مشاربهم وتوجهاتهم ، في
اغناء حياتهم جميعا. التسامح لا يعني بالضرورة قبول عقائد الاخرين وافكارهم ، بل
احترام قناعاتهم وحقهم في اختيار طريقة حياتهم.
تتصل قيمة التسامح بجذر عميق في فلسفة الحياة ، هو
الايمان بالتكافؤ الطبيعي بين البشر ، وبخيرية الانسان وكمال الخلق . لقد تجاوز
بلدنا – او يكاد – حقبة اتسمت بالجموح في تقدير الذات والتشدد في التعامل مع
المختلف. لقد خسرنا الكثير في تلك الحقبة. وحان وقت الخلاص من المفاهيم التي
خلفتها في حياتنا.
نحن بحاجة الى تنسيج قيمة التسامح في ثقافتنا. هذا طريق
اوله التعرف على الناس الذي حولنا، الناس الذين يشبهوننا او يختلفون عنا قليلا او
كثيرا.
نحن نعلم ابناءنا جغرافيا العالم ، فنركز على الارض
والجبال والصحارى. لكننا لا نذكر شيئا عن البشر الذين يعيشون في هذه الجغرافيا:
ثقافتهم وعاداتهم وملابسهم وطرق عيشهم واديانهم وهمومهم وتنظيمهم الاجتماعي .
ونعلم ابناءنا
تاريخ العصور الاسلامية ، وقد نعرج على تاريخ العالم ، فنركز على تحولات السياسة.
لكننا ننسى البشر الذين تعرضوا لتلك التحولات. ولهذا لا نستفيد من منهج التاريخ في
استيعاب تاريخ المعرفة والعلوم ، أو في البحث عن تطور التنظيم الاجتماعي والقانون.
لقد نشأنا ونحن
نظن العالم مقسوما الى فسطاطين. فلما خرجنا اليه وتعرفنا عليه ، اكتشفنا انه اوسع
واثرى من هذا التقدير الضيق.
في عيد الميلاد
المنصرم نشرت على صفحتي في الفيسبوك ، تهنئة بالمناسبة للمسيحيين الذين يعيشون في
بلادنا ، فعلق بعض من اطلع على ذلك مستغربا: وهل لدينا مسيحيون؟.
والحق اني قد صدمت
بهذا التعليق. اعتقدت وقتها ان جميعنا يعرف هذه الحقيقة. لكنها ليست من نوع
المعارف النشطة في اذهاننا. ولهذا السبب ايضا يندهش بعضنا حين يكتشف ان بلادنا تضم
مذاهب عديدة وثقافات متنوعة ، واشكالا من الفولكلور والاعراف ، يشير كل منها الى
تجربة ثقافية او تاريخية متمايزة.
ليس من الصحيح ان
يبقى حوار الثقافات والحضارات والاديان خطابا موجها للخارج. فهو من القيم السامية
التي يجب ترسيخها في ثقافتنا المحلية وحياتنا اليومية .
اني ادعو وزارة
التربية خصوصا الى وضع برنامج محدد لتعريف طلبة المدارس بعالم الانسان. ليس
التضاريس والاقتصاد ، وليس تاريخ من ساد في الماضي ، بل الناس الذين يعيشون معنا
في هذا البلد وعلى هذا الكوكب: ثقافاتهم واسلوب حياتهم واديانهم وهمومهم. معرفة
الناس هي اول الطريق الى التعارف معهم ، والتعارف هو طريق الحوار والتسالم.
انقاذ النزعة الانسانية في الدين
بل التقارب قائم ومتواصل بين السنة والشيعة
تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية
توفيق السيف: جوهر العلاقة بين السعوديين ديني وهذا خطأ
الحرية وحق الاختلاف في منظور الاسلاميين: عرض كتاب ...
الخيار الحرج بين الهوية والتقدم
العالم ليس فسطاطين قاعدة شيلني واشيلك
القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة
ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة
من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة
هويتنـــا؟ = هوية العدو مقلوبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق