‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثقافة السعودية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثقافة السعودية. إظهار كافة الرسائل

28/09/2023

زمن ثقافي جديد


قد لا أبالغ لو قلت ان هذه الايام هي افضل ما مرت به الثقافة السعودية منذ زمن طويل. احتمل ان بعض الناس من الجيل السابق لي سيبتسم قائلا: ان النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي هي الحقبة الذهبية للثقافة ، فهي التي شهدت ابرز المعارك الثقافية ، وأرست حجر الزاوية الأبرز في تاريخنا الثقافي ، بين التقاليد والحداثة. انها الفترة التي انكسر فيها طوق التقاليد ، ليس في المدن الكبرى والمجتمعات المعروفة بالانفتاح ، بل في المجتمع السعودي كله ، أقصاه وأدناه.

حسنا. اعرف أن هذا صحيح. لكن دعنا نستعرض باختصار معنى الثقافة ، كي يتضح لماذا ارجح المرحلة الحالية على غيرها.

ينصرف لفظ الثقافة الى ثلاثة معان كبرى ، هي:

1-المعارف المكتوبة والمسموعة التي وضعت على نحو منظم ، واختزنت في وسائل حفظ معيارية ، كالكتب والاشرطة والخوادم الرقمية. وتشمل العلوم بمختلف حقولها ، والبرامج والمعادلات الرياضية ، والآداب بأنواعها والفنون المرئية كالأفلام واللوحات والخرائط وامثالها.

2-ما تخزنه الذاكرة الفردية والاجتماعية من قيم واعراف وقواعد عمل ، هي – في الغالب – نتاج للمعارف الموروثة والتجربة التاريخية للمجتمع. وهي تتفاعل كثيرا او قليلا ، مع النوع الاول فتعطيه وتأخذ منه. تتشكل هذه الذاكرة على صورة انطباعات وقيم وقناعات مستقرة ، وتسهم بقدر كبير في تشكيل موقف الفرد والجماعة من البشر والاشياء ضمن نطاقهم الحيوي. هذه الذاكرة ، التي نسميها ايضا "الذهنية" او "الخلفية الذهنية" او "العقل الجمعي" مسؤولة عن معظم السلوك العفوي للانسان ، وهي ايضا مسؤولة عن الاعم الاغلب من مواقف المجتمع تجاه ما يجري من حوله.

3-الطريقة التي يعبر بها الناس عن ذواتهم وعن آرائهم ومواقفهم وتجليات حياتهم ، في الفرح والحزن ، وفي العلاقة مع الغير ومع البيئة الطبيعية في نطاقهم الحيوي. ويدخل ضمنها اللغة (واللهجات) والفولكلور والازياء وطرق الاحتفال والعزاء ، كما تدخل فيها نظم البناء والعلاج ومفاهيم الجمال والتجميل ، وكل عرف او تقليد يمثل مظهرا من مظاهر الحياة التي يختص بها المجتمع ويتمايز بكيفيتها عن غيره.

المعاني السابقة تكشف ان الثقافة ليست مجرد افكار يتداولها الناس ، وليست مجرد تعبيرات عن قضايا حياتية بعينها ، بل هي الوسيط الذي يربط الانسان بكل شيء آخر. إنها اقرب الى ما يعرف في عالم الالكترونيات بالبرامج التي تربط جهازا بجهاز آخر ، فتمكن الجميع من التفاعل والعمل بشكل متوائم.  الثقافة اذن هي السوفتوير software او الوسيط الذي يمتد من عقل الانسان الى كل شيء آخر ، فيجعلها قابلة للتفاعل.

لأن الحياة متنوعة ، فان كل مجتمع يتفاعل مع بيئته الطبيعية ومحيطه الانساني على نحو معين ، فيؤلف تجربة حياتية مختلفة كثيرا او قليلا عن تجارب المجتمعات الاخرى. ان مجموع التجارب المختلفة ينتج تاريخا مختلفا. ومن هنا يأتي التنوع الاجتماعي في التعبير عن الذات ، اي محتويات المعنى الثاني.

في الازمنة الماضية ، كان الاحتفاء بالثقافة يعني بصورة محددة جانبين ، هما الأدب ولاسيما الشعر ، والمعارف الدينية. وهما جزء من محتويات النوع الأول. وكان النوع الثالث ، ولاسيما الفولكلور والفنون يقام في نطاقات ضيقة جدا. بل استطيع الادعاء ان بعض الاطراف كانا مهتما بحجب التنوع الذي تتميز به المملكة ، واظهار وجهها الثقافي احادي اللون ، لا يعبر عن اي بيئة من البيئات الاجتماعية العديدة فيها.

في هذه الأيام تعود الثقافة الى دورها الطبيعي كتعبير عن حركة الحياة ذاتها ، بما فيها من تنوعات وتموجات وألوان. نشهد الفولكلور المحلي يعود للواجهة بعد غياب طويل ، كما نشهد عودة المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل. الازياء والطبخ وانظمة البناء التقليدية ، تستعيد مكانتها كتعبير عن ثقافة المجتمع.

ثمة عنصر في غاية الأهمية ، أشعر انه لازال بعيدا عن الاهتمام وهو البحث العلمي والنشر العلمي. لا تنمو الثقافة ولا يتقدم المجتمع دون حياة علمية نشطة. الحياة العلمية تعني انتاج العلم وترجمة العلوم ونشرها وجعلها متاحة لعامة الناس صغارا وكبارا.  

الشرق الاوسط الخميس - 13 ربيع الأول 1445 هـ - 28 سبتمبر 2023 م https://aawsat.com/node/4572446

 مقالات ذات صلة

اخلاق المدينة وحدودها

اعادة بناء القرية .. وسط المدينة

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا

الخروج من قفص التاريخ

سجناء التاريخ

العودة إلى ثقافة الزمن المنقضي

فكرة التقدم باختصار

الفكــرة وزمن الفكـرة

القيم الثابتة وتصنيع القيم

من ثقافة النخبة الى ثقافة الشارع

02/12/2013

حق حرية التعبير وإرهاصات الفلسفة المتخيلة: د.توفيق السيف وصالح الديواني


n       منذ منتصف تسعينات القرن الماضي بدأ المجتمع السعودي يستعيد توازنه الثقافي.
n       أشك في إمكانية وجود خطاب ثقافي أو فلسفي في ظل خطاب ديني مهيمن.
n        المضمون النهضوي حاضر في الثقافة السعودية لكنه ليس تراكماً نهضوياً
n       الهوية من أهم القضايا التي تواجه المجتمعات العربية وبينها مجتمعنا
د.توفيق السيف

n       قضايا الفكر لا يمكن المجازفة بها بل تحتاج لجهد أكبر المفردة الدينية دائمة الحضور بين ثنايا الكلمات المتداولة
n       الإبداع الفردي في أصله مقترن بالحرية.
n        الفكرة الإبداعية غائبة ومغيبة بسبب التحولات السياسية.
n        المجتمع العربي يعيش أزمة الهوية بسبب حالة الجمود
صالح الديواني 
نايف كريري: جازان
نلتقي عبر سجالات (المجلة العربية) هذا الشهر مع ضيفين اشتهرا بكتاباتهما في مجالات الفكر والثقافة، ضيفنا الأول الدكتور توفيق السيف الذي استبعد من خلال هذا السجال أن يصبح المجتمع السعودي منافساً للمجتمعات المتقدمة في إنتاج العلم، طالما –حسب رأيه- بقيت الفلسفة غائبة عن المدارس والجامعات والصحافة. والضيف الآخر الكاتب الأسبوعي بجريدة الوطن الأستاذ صالح الديواني الذي يرى أن الخطاب الديني سيكون حاضراً ببهاء أكثر متى استطاع التخلص من عجرفة متبنية ديباجة إرثه القديمة. فإلى تفاصيل فقرات هذا السجال:

فلسفة مشاكسة

الفلسفة كتيار ناشئ في السعودية كيف يمكن أن يكون في المستقبل، وكيف يمكن أن يتلافى ما وقعت فيه التيارات الأخرى من أخطاء أو هفوات على الساحة؟
د.توفيق السيف: الاهتمام بالدراسات الفلسفية جديد في بلدنا، وهو قصر على شريحة صغيرة من النخبة. يقال إن الفلسفة هي أم العلوم، لأنها الأساس في التفكير العلمي. والتفكير العلمي هو التمهيد الضروري لإنتاج العلم.
من العسير أن يصبح المجتمع منتجاً للعلم ما لم يتبلور فيه العقل النقدي والتفكير العلمي، وتبعاً له فإني أستبعد أن يصبح المجتمع السعودي منافساً للمجتمعات المتقدمة في إنتاج العلم، طالما بقيت الفلسفة غائبة عن المدارس والجامعات والصحافة.

الفلسفة ليست تياراً سياسياً أو اجتماعياً بل هي منهج تفكير وبحث، ولأنها منتج بشري فهي تخضع لنفس قوانين التغيير والتحول التي تخضع لها بقية منتجات البشر. بمعنى آخر فإنه لا يصح أن نتوقع الكمال في أي علم. النقصان والخطأ والقصور جزء من طبيعة العلم؛ ولأن جميع أهل العلم يعرفون هذه الحقيقة، فإنهم لا يتوقفون عن نقد الآراء والنظريات العلمية، بل ينظرون إلى النقد كسبيل لا غنى عنه لتطور العلم وارتقائه.
فيما يخص بلدنا فإننا بحاجة إلى الفلسفة كي يتحول مجتمعنا إلى بيئة منتجة للعلم، وكي نرتقي بحواراتنا واختلافاتنا، أي نحول اختلافنا في الفكرة والرأي والعقيدة والتوجه، إلى عامل إغناء لحياتنا، وهذا يخالف الرؤية التقليدية التي تعتبر الاختلاف سبباً للشقاق والتنازع.
صالح الديواني: لا يوجد في الأصل تيار فلسفة ناشئ في المملكة، وإذا كنت تقصد تلك المحاولات المتمردة هنا وهناك من قبل البعض، فهي من وجهة نظري مجرد محاولات صغيرة (مشاكسة) تتلمس عبر يومياتها كسر المألوف من خلال تدوين ملاحظاتها ليوم ما قادم. وحتى أكمل الإجابة يجب أن يكون هناك موجود لأتحدث عنه، إلا أنه في الواقع ليس إلا إرهاصات مُتخيلة لا أكثر وإن منحها البعض مرتبة الوجود كحقيقة.

الاهتمام السياسي

يعيش المجتمع وبخاصة في العقد الأخير عدداً من التغيرات على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما أثر هذا الحراك المجتمعي في تشكيل الفكر السعودي، وما النتائج المؤملة من هذا الحراك للوصول إلى تشكل فكري ناضج؟
د.توفيق السيف: أميل إلى الربط بين الظرف الثقافي في المملكة، وخطط التنمية الاقتصادية التي بدأت في 1971 حيث شهد المجتمع السعودي في السنوات العشر الاولى (1971-1980) ما أظنه قطيعة حادة عن تاريخه الثقافي السابق. وخلال العقد التالي بدأ في تشكيل ما يمكن وصفه بثقافة جديدة، كانت –بسبب القطيعة السابقة– مختلطة، بين الغرق المتعمد في التراث، وكان هذا واحداً من تجليات (صدمة الحداثة)، وبين الإغراق في استيراد الثقافة الأجنبية، وهو ثمرة للشعور بالفراغ والفقر الفكري. لكن في المرحلة الثالثة، سيما منتصف تسعينات القرن الماضي، أشعر أن المجتمع السعودي يستعيد توازنه الثقافي. وشهدنا خلال العقدين الماضيين أعمالاً فكرية مثيرة للاهتمام.
مجتمعنا ليس بعيداً عن بلوغ مرحلة النضج الثقافي. لكن هذا سيبقى رهناً بمساحة الحرية المتاحة للإنتاج الفكري والثقافي. حرية الاعتقاد والتعبير مازالت -للأسف– موضع جدل في بلادنا. نحن بحاجة إلى إقرار جمعي بحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير باعتبارها حقوقاً فردية مصونة بالقانون. إذا تحقق هذا، فسوف نكتشف سريعاً أن مجتمعنا ينطوي على طاقات فكرية عظيمة، تنتظر الفرصة المناسبة كي تكشف عن وجهها.
صالح الديواني: أنا متفائل بالمستقبل البعيد على الرغم من قوة المغريات التي تحاول كل جهة طرحها للفوز بالشريحة الأكبر والاستحواذ عليها، لكن تلك المغريات خطيرة بخطورة استخدامها كأدوات، وهذا ما يجعلها خارج الوعي والاستيعاب مؤقتاً، وقد ينقلب عليها وعلى مستخدميها لاحقاً بالاتجاه السلبي، ومن الواضح أن ذلك الحراك محل اهتمام سياسي بالدرجة الأولى، فقضايا الفكر وأطروحاته لا يمكن المجازفة بها هكذا، ذلك لأنها مؤثرة لفترات طويلة، وتحتاج جهداً أكبر لإحلال بدائل أخرى غيرها.

طرف المعادلة

إلى أي مدى يمكن أن يتقاطع الخطاب الديني مع الخطاب الثقافي، وحتى مع الفلسفي الظاهر حديثاً في الفكر السعودي؟ وما السبب في كون الخطاب الديني دائماً في أحد أطراف المعادلة في الحوارات الفكرية؟
د.توفيق السيف: من الصعب القول بوجود (خطاب ثقافي) أو (خطاب فلسفي). يطلق وصف (الخطاب - Discourse) على منظومة منهجية تتضمن نظرية ومعايير نقدية ودائرة مصالح. هذه الفكرة تقترب من وصف النسق والنموذج الذي اقترحه الفيلسوف الأمريكي توماس كون.
نعلم أن هناك خطاباً دينياً في بلدنا، وهو معروف ومحدد بنظريته ومعاييره ورجالاته ومؤسساته ودوائر مصالحه الخاصة. لكني أشك في إمكانية وجود خطاب ثقافي أو فلسفي. ربما نتحدث عن رؤى اجتماعية أو سياسية تجمع شريحة كبيرة أو صغيرة من المثقفين، لكن هذا لا ينطبق عليه وصف الخطاب المتعارف في علم الاجتماع.
فيما يخص كون الخطاب الديني طرفاً رئيسياً في معظم الحوارات الجارية في المملكة، فسببه هو هيمنة الجانب الديني على الثقافة العامة، إضافة إلى أن دور الدين في الحياة العامة، وقيمة المنتج الثقافي/ الاجتماعي الذي تقدمه المؤسسة الدينية، يمثلان موضع جدل رئيسي في المجتمع المحلي.
صالح الديواني: انظر.. بالإمكان أن يكون الخطاب الديني حاضراً ببهاء أكثر متى استطاع التخلص من عجرفة متبنية لديباجة إرثه القديمة، ولغة التعالي الإقصائية التي يقدمونه من خلالها، إذ عليهم أن يقدروا أهمية الزمن ومتغيراته، والواقع ومتطلباته، وإلا فإنهم سيكونون مضطرين لمواجهة جماهيرية غير مسبوقة، وهو ما رأيناه يحدث في مجتمعات إسلامية عديدة، وتواجده الدائم كأحد أطراف المعادلة، لا يعود لقوته الفكرية أو الفلسفية أو الإقناعية، بل لأن المجتمع في أصله ذو صبغة دينية، فالمفردة الدينية دائمة الحضور بين ثنايا كلماته المتداولة (السلام عليكم، ما شاء الله تبارك الله، بالله عليك يا فلان، حفظك الله يا صديقي... إلخ)، وهذا الحضور في الواقع هو ما يكسب الخطاب الديني تفوقه على غيره فقط. ولكنه قطعاً بحاجة ماسة إلى تطوير لغته، لأنه اليوم أمام جيل متعدد الثقافات والاطلاع.

النهضة والعولمة

هل غاب الخطاب النهضوي عن قاموس كثير من الخطابات المختلفة والمتعددة في الفكر السعودي؟
د.توفيق السيف: أجد أن المضمون النهضوي حاضر في الثقافة السعودية في مستويات عديدة. لكنه غير متوائم، ولهذا فإنه لا يؤدي إلى تراكم الفكر النهضوي. عدم التراكم سببه –في ظني– هو افتقارنا إلى نقاشات علنية حول (النهضة) باعتبارها قضية عامة، فيها جوانب علمية واجتماعية وسياسية... إلخ. إذا نظرنا إلى تجربة المجتمعات الأخرى، في الشرق والغرب، فسنرى أن جدلية (النهضة) بدأت بنقد المألوف، سواء الذي ورثناه أو الذي صنعناه في عصرنا. تنطلق فكرة النهضة من احتجاج على الواقع القائم، ثم تمرد عليه، ثم نقاش في بدائله. بسبب غياب الضمان القانوني لحرية التعبير، فإن نقاشات كهذه لا تزال محدودة ومنخفضة المستوى.
صالح الديواني: كل ما نراه اليوم مطروحاً من الصيغ المختلفة للخطابات (النهضوية) -وأتحفظ على تسميتها- على الساحات العربية بعمومه، هو في الواقع نتاج العولمة وحساباتها، سواء أكانت تلك الحسابات سياسية أم اقتصادية، وتخضع أيديولوجياً لثقافة المسيرين واللاعبين الأساسيين، ويكفي أن تلقي نظرة على التحولات السياسية في المنطقة لتدرك أن الفكرة الإبداعية غائبة أو لنقل مغيبة.

كسر الجمود

هل يعيش المجتمع أزمة الهوية؟
د.توفيق السيف: أظن أن أكثر المجتمعات العربية تعيش أزمة هوية، سببها الرئيس هو التحول الذي شهده العالم من عصر الدولة الأحادية الهوية إلى عصر الدولة المتعددة الثقافات. الفشل في الإدراك المبكر لهذه المشكلة كان واحداً من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي وتغير الخارطة السياسية في شرق أوروبا ووسط آسيا. ونعلم أن الفشل في استيعاب متطلباتها كان سبباً في انفصال جنوب السودان.
مشكلة الهوية متعددة الأبعاد. تغير مفهوم الوطن والدولة على مستوى العالم، أدى إلى تغيير مسارات الثقافة، وتبعاً له مضمون التفاعل الثقافي بين المجتمعات. نحن نتأثر –شئنا أم أبينا– بالمنتج الثقافي الغربي، لأننا نستعمل التقنية الغربية في حياتنا اليومية. نحن نستمع إلى الأخبار ونشاهد برامج التلفزيون ونستمد جانباً مهماً من معارفنا من الإنترنت. كما أن أبناءنا يدرسون في الجامعات الغربية، أو يتعاملون مع مصادر العلم المنتج في الغرب. وهذه كلها تصنع –الجزء الأكبر منها– في إطار معرفي متناسب مع مفهوم التعدد الثقافي والدولة المتعددة الثقافات التي أشرت إليها.
خلافاً لهذا فإننا نتوهم أن معرفتنا للتراث وإيماننا به يوفر هوية صلبة، تغنينا عن أي هوية أخرى. أقول إننا نتوهم، لأننا في واقع الأمر، نحمل هويات متعددة، أي أننا نعيش في مجتمع متنوع ثقافياً / متعدد الهوية. وكثير منا يدرك هذه الحقيقة.
صالح الديواني: نعم يعيش المجتمع العربي أزمة الهوية، لأنه ليس مشاركاً حقيقياً في كيان المتغيرات العالمية، وبقاؤه على الهامش لقرون طويلة أضر به كثيراً بكل أسف، وعليه السعي حثيثاً لكسر حالة الجمود التي تصبغه، والانخراط في تشكيل البنية الثقافية العالمية بوعي أكثر ليوجد له موطئ قدم يتناسب مع تاريخه الطويل، وإلا فإنه سيجد نفسه على قارعة المنجز الإنساني.

د.توفيق السيف
مفكر وباحث ديني وسياسي ومؤلف سعودي مهتم بقضايا التنمية السياسية. ولد في القطيف عام 1959م. يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وست مينيستر في بريطانيا. له عدد من الكتب والمؤلفات، من أهمها: هوامش نقدية على واقعنا الثقافي، ونظرية السلطة في الفقه الشيعي وغيرها.
صالح الديواني
كاتب وباحث سعودي، من مواليد 1388هـ بمدينة جازان، يحمل درجة الدبلوم في صناعة الإعلامي والمذيع الناجح، ودبلوم في إدارة الأعمال، ودبلوم إدارة التسويق والمبيعات. متخصص في مجال الحواسيب والبرمجيات وصناعة البرامج الخدمية. حاصل على شهادة في قوانين حقوق الإنسان والشرعية الدولية. كتب عموداً ثابتاً في صحيفة المدينة لعدة أعوام، ويكتب حالياً مقالاً أسبوعياً في صفحات الرأي بصحيفة الوطن السعودية.

نايف كريري: جازان
المجلة العربية الإثنين 02/12/2013  
http://www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?Id=3190

26/12/2007

للخروج من حالة الاحتباس

  .

دعونا نجعل العام الجديد موسما ممتدا للثقافة والعلم. ليس لعقد المهرجانات والنشاطات الاحتفالية، بل لاطلاق الافكار الجديدة والتأكيد على المبادئ الكبرى للحياة الثقافية السليمة. 

د. محمد الرميحي
لو حسبنا مجموع النشاطات الثقافية التي شهدتها مدن المملكة على امتداد العام الجاري لبلغت عدة مئات. تميز بعض هذه النشاطات بملامسة عميقة لقضايا جوهرية في الثقافة والمجتمع. وتظهر حسبة غير كاملة ان محافظة القطيف مثلا قد شهدت نحو ستين نشاطا تراوح بين محاضرة عامة وندوة نقاشية ومسرحية وفيلم قصير ومعرض للصور الفوتوغرافية والرسم والخط وما الى ذلك من التعبيرات الثقافية الجمعية. ولم نحسب ضمن العدد السابق النشاطات الفردية مثل اصدار الكتب، كما لم نحسب ضمنه النشاطات الثقافية الروتينية التي لا تنطوي على اضافات الى المشهد. شهد العديد من محافظات المملكة الاخرى نشاطات مماثلة، ربما اقل وربما اكثر. هذه النشاطات هي اجزاء منفصلة في حركة ثقافية كبيرة. وهي تشير الى سياق حياتي جديد عرفنا نظيرا له في منتصف الثمانينات، لكنه غاب تماما خلال العقدين الماضيين. جميع هذه المناشط او اغلبيتها الساحقة ولدت بمبادرات اهلية، استعان قليلها بأجهزة رسمية، وبقي معظمها اهليا من مبتدئه الى منتهاه.

يمكن للحراك الثقافي ان يشكل مخرجا فعالا من حالة احتباس اجتماعي يشكو منها كثير من الكتاب واصحاب الرأي. نشاطات العام الجاري تظهر ان حالة الركود التي شهدناها في الاعوام السابقة، لم تعد قائمة، او على الاقل، لم تعد ظاهرة عامة. نحن بعبارة اخرى لا نعاني من الركود الثقافي بل من الاحتباس. والاحتباس ليس حالة عدمية، بل هو تعبير عن وجود مقيد او محصور

ما نحتاجه اليوم هو اطلاق هذه الحالة من محابسها بتوفير الفرصة للنشاطات المحلية المتباعدة والمنفصلة كي تتواصل. وعندئذ فانها سوف تتحول من دفقات محلية محدودة الاثر الى روافد في نهر يكبر ويزداد غنى وتنوعا كلما تمدد. واظن ان اقرب السبل الى ذلك هو تغطيتها من جانب الاعلام الرسمي. صحيح ان قناة «الاخبارية» قد عرضت في بعض الاحيان نشاطات من ذلك النوع. لكن الصحيح ايضا ان ما جرى تغطيته ليس سوى قطرة في بحر من مجموع المناشط الفعلية. ومما يؤسف له ان الصحافة المحلية بقيت هي الاخرى بعيدة عن هذا، كما لو ان جميع اجهزة الاعلام متفقة على تجاهل تلك الاعمال المجيدة رغم ان تلك الاجهزة تنشر مقالات تجأر بالشكوى من ضيق الحياة الثقافية وقلة الحراك، وتتفنن احيانا في السخرية من المثقفين المتهمين بعدم الفاعلية والاعتزال في الابراج العاجية، وما الى ذلك من انواع التهريج السهل.

قبل سنوات نشر المفكر الكويتي د. محمد الرميحي كتابا بعنوان «الخليج ليس نفطا»، ركز فيه على جوانب النشاط الثقافي التي تشير الى نمو انساني يوازي النمو الاقتصادي. وكان غرض الرميحي هو دفع التشنيع عن الخليجيين بالانغماس الكامل في المال والسوق والرفاهية المادية، وانحدار قيمة العقل والتفكير والثقافة، وهي اعظم سمات الانسانية الطبيعية. وينبغي القول الان ان حراكا ثقافيا واسعا وعميقا، هو الرد الاقوى على ما نشهده احيانا من استصغار او ربما تجاهل من جانب الاخرين. لكن ثماره لا تقتصر على هذا، فهو ايضا اداة فعالة لعقلنة المطالب والمشكلات والقضايا الاشكالية وموارد الجدل، سواء على المستوى الاجتماعي المحلي او على المستوى الوطني. كما انه اداة فعالة لترسيخ روحية الحوار وبناء الشخصية المتعددة الابعاد. وبعبارة اخرى فانه اداة للقضاء على التعصب والغلو والاغتراب. زبدة القول ان التغطية الاعلامية للنشاطات الثقافية المحلية سوف تسهم في الكشف عن حركة ثقافية وطنية واسعة، وسوف يسهم في تحويلها من مستوياتها الاولية الى مستويات اوسع واكثر عمقا. واظن ان المسؤولية الاولى في هذا الجانب تقع على وزارة الثقافة والاعلام. فهي مطالبة بالخروج من القوقعة التي يسمونها النوادي الادبية وجمعيات الثقافة والفنون، والانفتاح على النشاط الاهلي الحر. ليس بتوجيهه ولا بالتحكم فيه ولا حتى بدعمه، بل فقط وفقط بتغطيته، فهذا كاف لتعويمه وتعميمه وتعميقه.

وللمثقفين الافراد دور هام في هذا السياق، لكن هذا موضوع آخر ربما نعود اليه لاحقا.

مقالات ذات صلة

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...