‏إظهار الرسائل ذات التسميات مونديال الدوحة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مونديال الدوحة. إظهار كافة الرسائل

07/12/2022

التسامح ، او قابلية العيش مع الغريب


كشف الدوري العالمي لكرة القدم (المونديال) المقام في العاصمة القطرية ، تجارب في العلاقات الإنسانية ، نادرا ما تظهر في مناسبات أخرى. وأبرزها في رايي تقبل الغريب ، و "الاضطرار" لتجربة التسامح ، سيما بالنسبة لمن لم يجربه او اعتاد انكاره قبل ذلك. يعد المونديال مناسبة استثنائية ، لأكثر من سبب ، أولها أن الجميع ، المتسامحين والمتعصبين ، يريده ان ينجح او على الاقل ان يمضي بلا خسائر. ولهذا يدرك الجميع ان من يحاول التشويش ، سوف يكون في مرمى سهام الجميع ، ولن يشفع له أحد. السبب الثاني انه حدث مضغوط جدا من حيث الوقت والمكان ، فهو أشبه بفيلم سينمائي يحكي في ساعة واحدة احداثا تستغرق ، في الظروف الطبيعية ، شهورا او سنوات.

امير قطر يهدي ميسي - بطل فريق الارجنتين - العباءة العربية

 ومن هنا فان الجميع يستذكر كل ما يجري من احداث وما يتولد عنها من انطباعات او مواقف. صور الناس والحوادث ومعانيها: من الفتاة التي تجرب الحجاب ، والاخرى التي كشفت عن مفاتنها ولفتت انظار الحاضرين وكاميراتهم ، الى شعار ".... كسرنا عينه" الى رفض احد الفرق ترديد النشيد الوطني لبلاده ، وحتى توزيع الاهالي الحلويات على اللاعبين والمتفرجين ، وصولا الى مطاعم "البيك" السعودية المعروفة ، التي جهزت مطاعم متنقلة لبيع منتجاتها ، من أجل التعريف بماركتها في انحاء العالم.. الخ.

 ما جرى في هذا الحدث الضخم يكشف حقيقة ان الناس جميعا ، كانوا مستعدين للتغاضي عن الفوارق الثقافية التي تبعدهم عن بعضهم. بل رأينا بعضهم يبادر فعلا بتحويل هذه الفوارق الى عوامل للتفاهم والتلاقي. من ذلك مثلا ، محاولة بعض الضيوف الحديث بلغة الآخرين او ارتداء ازيائهم او الغناء معهم ، او حتى مجرد الاستماع اليهم ، واستقبال الطرف الثاني لهذه المبادرات ، باعتبارها "مشاركة في المرح". فهذه وتلك ، تدل جميعا على ان جمهور الناس يمكنهم ان يغفلوا – ولو مؤقتا – دواعي الفرقة والخصام ويعاملوا بعضهم ك "بني آدم" وان اختلفت مصادرهم او مشاربهم.

لعلنا نتذكر احيانا الكلام الثقيل الذي يقوله أرباب الايديولوجيا ، عن مخاصمة الكافر واظهار النفرة منه. وهذا مثال عن توجيهات كثيرة ، يزعم بعضها انه يرتدي عباءة الدين ، ويلبس غيره عباءات قومية او وطنية ، او غيرها.

لكن أهل التقاليد وأهل الحداثة ، الفقراء والأغنياء ، اظهروا جميعا قدرة فائقة على التلاقي والتفاهم. نعلم طبعا ان الناس يختلفون في المصالح. ولو بقي هؤلاء مدة أطول فلربما اختلفوا وتنازعوا. لكننا نتحدث هنا عن القابلية والدوافع العفوية ، التي تشكل الدافع الأقوى والأكثر تأثيرا في تعاملاتنا مع الناس. ان الجهل بالغير هو ابرز أسباب التناكر ، وهذا امر يشترك فيه كل البشر. وقد ورد في الأثر "الناس أعداء ما جهلوا". لكن ثمة عوامل تعزز هذا النزوع الطبيعي وتبرره ، فتحوله الى سلوك حاكم ومرغوب. بمعنى آخر ، فانه بدلا من أن يقول الانسان لنفسه: عليك بالتعرف على الناس كي لا تعاديهم بلا مبرر ، فسوف يقول هو لنفسه او سيقول له آخرون: ستكون اقرب الى الفضيلة لو انكرت هذا وعاديت ذاك ، لأن العلاقة بين الناس مشروطة باتفاقهم في العرق او الدين.

زبدة القول ان مناسبة "المونديال" أظهرت ان المسافات قصيرة بين بني آدم ، وأن كل ما يحتاجونه هو الغفلة ، ولو مؤقتا ، عن دواعي التناكر والتنازع ، والعودة لفطرتهم الأولى ، أي نزوعهم للعيش مع بقية بني آدم. كل ما نحتاجه هو تذكير انفسنا بهذه الحقيقة ، وتهميش دواعي الخصام والتنازع والتناكر ، حتى تلك التي ترتدي عباءة مقدسة.

الأربعاء - 13 جمادى الأولى 1444 هـ - 07 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [16080]

https://aawsat.co/node/4029056


مقالات ذات علاقة

ابعد من تماثيل بوذا

ان تكون مساويا لغير: معنى التسامح

بل التقارب قائم ومتواصل بين السنة والشيعة

تجريم الكراهية

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

التعايش أو التقارب.. طريق واحد

تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

ثقافة الكراهية

 حقوق الانسان في المدرسة

سؤال التسامح الساذ: معنى التسامح

فرصة لتطبيق ما ندعو اليه

فلان المتشدد

في التسامح الحر والتسامح المشروط

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

في بغض الكافر

كن طائفيا او كن ما شئت .. لكن لا تضحي بوطنك

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...