15/02/2023

درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة


غرضي في هذه الكتابة هو لفت الانظار الى حاجتنا لاتخاذ كارثة الزلزال في سوريا وتركيا ، باعثا لانشاء نظام عربي مشترك ، للتعامل مع الكوارث الطبيعية والمآسي العامة. هذه تجربة يجدر بنا ان نتعلم فيها كيف نتفادى الخسائر وكيف نحولها الى فرص. لقد خسرنا في هذا الزلزال ما يزيد عن 30 الفا من اخوتنا. فياويلنا ان مررنا بمصيبة كهذه فلم نتوقف ولم نعتبر.

أهم ما أثار انتباهي في هذا الحادث هو الاداء الضعيف للحكومة السورية ، التي ظهر انها ما كانت مستعدة للتعامل مع كارثة بهذا الحجم ، بل ولا حتى اقل من هذه. أعلم ان سوريا لم تتعرض لزلزال من قبل ، ولهذا فقد لا تهتم بالاستعداد له. لكن الم تفكر في "احتمال" ان يقع شيء مماثل: زلزال او عواصف عاتية او حرائق واسعة او حتى انفجارات شبيهة بما جرى في ميناء بيروت في 2020؟.

دعنا ننظر ما حدث على الجانب الآخر من الحدود: الفعالية الملفتة للحكومة التركية ليست فقط ثمرة الامكانات المادية المتوفرة ، بل ايضا انفتاحها على العالم ، وتواضع ادارتها التي بادرت بالاتصال مع كافة الحكومات والمنظمات الدولية لطلب العون ، ولهذا وصلتها فرق بحث وانقاذ من 70 دولة كما صرح رسميا ، بينما انصرفت سوريا الى العزاء على الضحايا ، فهل يعيد العزاء ميتا او يعالج مشكلة؟. الم يكن الخيار الصحيح هو المبادرة بالاتصال بكافة الدول العربية ودول العالم - حتى التي تقاطعها - لطلب العون ، بل الم تكن هذ فرصة لاعادة ما انقطع من حبال الوصل؟. كيف يمكن لحكومة ان تحافظ على حياة شعبها وهي بهذا القدر من الفتور والتردد؟.

يقال عادة – في سياق التبرير للاخفاق – ان القوى الكبرى والاعلام العالمي احتشد وراء الحكومة التركية واهمل دمشق. وهذا صحيح ، لكنه نتيجة وليس سببا. هل كانت دمشق تدرك أهمية الاعلام ومع ذلك لم تبادر بدعوة وسائل الاعلام العربية والدولية كي تدعم جهودها. بيروت على بعد ساعة من دمشق ، وفيها مئات من مراسلي الاعلام الدولي ، فهل كان صعبا عليها ان تقنعهم بالمجيء في ساعات الحدث الأولى؟.

الغرض من هذا الكلام هو التأكيد على ما ذكرته في اول المقال ، أي أهمية ان تكون هذه الكارثة درسا وعبرة ، للسوريين وللعرب كافة ، بل لكل ذي عقل فالسعيد "من اتعظ بتجارب غيره" كما ورد في الأثر الشريف.

اول الدروس التي تستفاد من هذه الكارثة هو ان العالم العربي في امس الحاجة الى إنشاء نظام مشترك للاستجابة السريعة في حالات الكوارث ، نظام يتضمن قوة بشرية مدربة على التعامل مع الطواريء المختلفة ، طواقم طبية مدربة خصيصا على احتواء التحديات الميدانية ، سيما في ظروف ندرة الامدادات الطبية ، خطط للتعبئة والانتشار السريع ، إضافة الى مخزون للامدادات او نظام فعال لسحب الامدادات من السوق فور وقوع الكارثة.

اعلم ان الكوارث لا تقع كل يوم ، لكن وضع النظام المذكور سيمكن العالم العربي من دعم الشعوب الأخرى التي تواجه الكوارث. هذا سيمثل تمرينا فعليا ، فوق انه يشكل أداة مهمة لتحسين العلاقة مع شعوب العالم ، ويسهم بالتالي في تعزيز الأمن القومي.

يهمني في ختام هذه الكتابة دعوة الأمين العام للجامعة العربية ، وجمعيات الهلال الأحمر العربية لاخذ المبادرة ، بالدعوة الى انشاء النظام الذي ذكرته ، ووضع الخطط اللازمة لجعله قوة فعالة وقادرة على احتواء التحديات والتعامل مع الكوارث ، مع الدعاء بان يكون الله في عون المكلومين واهل الضحايا وان يعوضهم خيرا عما فاتهم وأن يصون اوطاننا من الشرور والاخطار صغيرها وكبيرها.

الأربعاء - 24 رجب 1444 هـ - 15 فبراير 2023 مـ رقم العدد [16150]

https://aawsat.com/home/article/4158776/

مقالات ذات صلة

هذه خرافة وليست عقاب الله

حرب تلد حلاً

عالم يتداعى ، لكننا بحاجة اليه

التجديد السياسي في الخليج : الفرص والصعوبات

اجتياح الحدود

 

01/02/2023

العلاج الجذري لفتن العنصريين


حرق وتمزيق المصحف الشريف على يد بضعة متعصبين في هولندا والسويد ، أثار غضب المسلمين وربما غيرهم أيضا.

هذا موضوع مثير للمشاعر بطبعه. وقراءته من أي زاوية سوى التنديد الصريح ، ستكون – على الأرجح – مثار ارتياب او غضب ، يحركه البعد العاطفي للموضوع. مع علمي بهذا ، فاني اجد لزاما علينا ان نتوقف للتأمل في جوانب المسألة ، التي ربما لم يلتفت اليها بعضنا ، او لعله لم يعتبرها ذات قيمة حين طرحت.

على سطح الحدث حجتان واضحتان: يقول المسلمون ان حرق المصحف مهين لمشاعر المسلمين ، وهو بمثابة العدوان الشخصي على كل فرد. بينما يقول الطرف الآخر (الهولندي والسويدي) ان هذا الفعل يصنف في اطار ممارسة الحق الشخصي في التعبير الحر عن الرأي ، وهو لا يخرق قانونا معلنا ، رغم ان كثيرا من الناس – وفيهم بعض قادة الدولة طبعا – قد نددوا به. ولابد انهم يخشون من اختلالات أمنية ربما تترتب عليه ، نظير ما حصل في فرنسا بعد نشر رسوم مسيئة للنبي محمد (ص) في 2006.

بعبارة أخرى فان حجة المسلمين تقوم على دليل معياري ، فحواه أن إهانة المقدسات ضرر يبرر تقييد الحرية. ويقر الطرف الآخر بهذه الحجة ، لكنه لا يراها قوية بما يكفي لوضع قانون استباقي يجرم المحاولات المماثلة.

بيان ذلك: ان تمزيق المصحف أو أي كتاب مقدس ، على النحو الذي جرى في الأسبوع الماضي ، ليس حادثا يقع باستمرار او بشكل واحد ، ولا هو ممارسة يقوم بها كثير من الناس. انه اقرب الى مبادرات فردية نادرة ، غرضها على وجه الخصوص هو تحريك المشاعر المضادة عند المهاجرين ، ثم صنع زوبعة إعلامية ، تخدم أغراضا سياسية للشخص او الجماعة التي قامت بالفعل.  ومن هنا فانها لا تعالج بإصدار المزيد من القوانين ، التي ستؤدي – شئنا ام ابينا – الى توسيع القيود ، بل بالمبادرات السياسية والثقافية.

المبادرات السياسية تتضمن التزام كافة اطراف المشهد السياسي وجمعيات المجتمع المدني ، بإدانة هذا الفعل ، والتنديد باستخدام المقدسات في الصراع السياسي والانتخابي. اما المبادرات الثقافية فتتضمن تعزيز اندماج المهاجرين (وخاصة المسلمين) في النظام الاجتماعي ، والتزامهم بالمشاركة القوية في الانتخابات العامة ، كي يكون لهم صوت مؤثر ينتفع به الصديق ويخشاه العدو.

ان تجربة المهاجرين الآسيويين والافارقة في بريطانيا ، جديرة بالتأمل. نعلم ان ريشي سوناك رئيس الحكومة الحالي ينتمي لعائلة هندية مهاجرة. وخلال السنوات العشر الماضية ، تولى مهاجرون عديدون مناصب سياسية ، وبينهم نسبة بارزة من المسلمين. ولم يكن هذا ممكنا لولا الاندماج المتزايد للمهاجرين في النظام الاجتماعي-السياسي للمملكة المتحدة.

يمكن بالتأكيد تكرار هذه التجربة في السويد وهولندا. وقد حدث بالفعل في وقت سابق ، حين تولى وزارتي العدل والعمل في هولندا سياسيان مسلمان ، كما تولت سيدة مسلمة وزارة التعليم في السويد. فضلا عن مناصب أخرى.

زبدة القول ان حرق المصحف او تمزيقه ، فتنة أريد بها تأجيج الصراع بين المهاجرين المسلمين والمجتمعات التي تستضيفهم. وهو صراع يستثمره بأكمله تقريبا التيار العنصري المعادي للمهاجرين. فاذا انزلق المسلمون في نزاع عنيف فسيخدمون اهداف هذا التيار. لكن لو أرادوا اجتثاث هذه الفتنة وقتلها الى الأبد ، فان الطريق هو الاندماج السياسي والاجتماعي ، وتكوين كتلة سياسية مؤثرة في الحياة العامة. عندئذ سوف يسعى كل طرف للتقرب منهم والدفاع عن مطالبهم. لن يستفيد المسلمون من اعتزال المجتمع الأوروبي ، ومن يدعوهم الى هذا ، فانما يدفعهم الى الزوال والفناء. تجربة بريطانيا جديرة بالتأمل والاحتذاء ، والسعيد من اتعظ بتجارب غيره.

الأربعاء - 10 رجب 1444 هـ - 01 فبراير 2023 مـ رقم العدد [16136]

 https://aawsat.com/home/article/

مقالات ذات صلة

 

 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...