24/04/2012

عالم يتداعى ، لكننا بحاجة اليه

لا نستطيع تجاهل الواقع السياسي الذي يتبلور الان في العالم العربي ، سواء اعجبنا به ام كرهناه. الربيع العربي – مثل كل ثورة اخرى في العالم – ولد معادلات جديدة ومنظومات قوى مختلفة عن تلك التي سادت قبله.

بعض هذه التحولات مريح وبعضها مزعج وبعضها مفاجيء ومدهش. لكن ايا كان الحال ، فان جوهر عمل السياسي هو اعادة تدوير الزوايا الحادة واستظهار خيوط المصلحة التي ربما تخفى على الناظر المتسرع.

يعرف اهل السياسة ، ان الاستقرار والسلم الاهلي مؤسس على ارضية التداخل بين مقومات الامن الوطني والامن الاقليمي. ومن هذه الزاوية فان العلاقة مع المجتمعات المجاورة  والحكومات المؤثرة في النظام الاقليمي هي جزء اساسي في مركب الامن الوطني والسلم الاجتماعي. العلاقة مع الجيران والمؤثرين قد تؤسس على مبدا توازن القوة او على مبدأ التعاون او الشراكة. والمؤكد ان المبدأ الثالث هو الافضل والاكثر فائدة وفاعلية على المدى البعيد.

حين اقرا صحافتنا اليومية او استمع الى تعليقات المتحدثين في القنوات التلفزيونية ، يخيل الي اننا نعيش في زمن غير طبيعي. نحن نتحدث عن الحكام الجدد في العالم العربي كما لو اننا على وشك الدخول في حرب معهم . قال احد المعلقين هذا الاسبوع ان الاخوان المسلمين هم الجناح السياسي لتنظيم القاعدة. وكتبت سيدة مقالا فحواه ان الحكومات الجديدة قامت على الخداع والتزوير وما يشبه هذا الكلام.

لن اتوقف عند هذه التعبيرات ، فهي ليست مؤثرة في سياسة البلد وتوجهاتها. لكني اشعر ان اعلامنا المحلي وشبه المحلي يميل الى تكريس صورة كريهة ومنفرة عن الاوضاع الجديدة من حولنا. قد يكون هذا الاعلام معبرا – حقيقة – عما يعتمل في نفوس بعضنا . لكنه في نهاية المطاف لا يعبر عن مصالحنا الراهنة والممكنة. نحن بحاجة لاحياء المنهج التصالحي الذي اتبعته المملكة في ازمان سابقة . المنهج الذي يركز على ترميم الجسور واعادة بناء الثقة المتبادلة وارساء علاقات متعددة الابعاد والاتجاهات مع كل من يتاثر بنا او يؤثر فينا.

اني ادعو دون تحفظ الى تنشيط العلاقات التي تبدو فاترة مع النخب الجديدة في اليمن والعراق وتونس ومصر ، كما ادعو الى رفع مستوى علاقاتنا مع السودان والجزائر وباكستان، ولا انسى ضرورة فتح نقاش جدي حول العلاقة مع ايران.
ايا كانت المعطيات التي نراها ، وايا كانت انطباعاتنا عن تلك النخب والتحولات، فان مهمة السياسي ليست الفرجة على تداعي العالم من حوله ، بل البحث عن الخيوط الخفية او الممكن تخليقها . وهي مهمة لا يعرفها غير المحترفين.

ليس في السياسة مستحيل ، وليس فيها عواطف. الحب والكره ، الرغبة والنفور ، اشياء يقولها الناس فيما بينهم ، لكنها – عند اهل السياسة – مجرد تعبيرات خفيفة او خالية من المعنى. للسياسي صديق واحد هو مصلحة بلده. هذه المصلحة هي الخيط الذي ينبغي للسياسي ان يبحث عنه في اكوام الفوضى والعواصف التي تهب علينا شرقا وغربا. نحن – بالتاكيد – في حاجة ماسة الى تصور جديد ونشاط جديد.

الاقتصادية 24 ابريل 2012
http://www.aleqt.com/2012/04/24/article_650276.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...