‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاحباط. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاحباط. إظهار كافة الرسائل

21/06/2023

ماذا جرى للسودان ، اين الميل للمسالمة واللين؟




لو سألني أحد عن أكثر العرب ميلا للتسالم وابعدهم عن التنازع ، لما اخترت غير السودان. لا اقصد بطبيعة الحال كل فرد في هذا البلد ، ولا كل فرد في غيره. انما أشير الى السمة العامة التي نطلقها على البلد كمجموع ، دون خشية الاتهام بالمبالغة او التفريط. اظن ان كثيرا من القراء يوافقني في هذا.

مع ذلك ، فان هذا البلد ينزلق الان نحو حرب أهلية ، لا سمح الله.

هل الميل للتسالم مجرد صبغة خارجية ، هل الذي امامنا واقع لا نعرف تفاصيله: مجتمعات عديدة بعضها خشن وبعضها لين ، بعضها ظاهر وبعضها مجهول؟.

هذا سؤال يتعلق بطبائع المجتمعات. وهي – كما نعرف - ليست صفات تنتقل عبر الجينات ، من الآباء للابناء ، كما اعتقد كتاب الازمنة القديمة ، بل هي انعكاس للعقل الجمعي أو الذهنية العامة ، أي محصلة التفاعل المتواصل بين مستخلصات التجربة التاريخية والتوجيه الثقافي او الديني ، إضافة الى تأثيرات الواقع المعاش ، لا سيما الوضع الاقتصادي والسياسي.

حسنا.. لو افترضنا ان الذهنية العامة تتشكل بتأثير عوامل عديدة ، فما هي هذه العوامل وما هو نصيب كل منها في تكوينها النهائي؟. هذا السؤال ضروري كي نفكر في اهداف المعالجة وكيفيتها.

أعلم ان بعضنا سيبادر بتوجيه اللوم للتراث ورواته ودعاته. ولعله يندد بتقصيرهم في حث الناس على التسالم ونبذ العنف. وفقا لهذا الرأي ، فالميل للمسالمة او العنف حالة ذهنية ، واعية او عفوية ، قابلة للتعديل بواسطة التوجيه والإرشاد. البعض الآخر سيختار الاتجاه المعاكس ، فيكرر القول المنسوب لأبي ذر الغفاري "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج في الناس شاهرا سيفه". وهذا يربط الميول العنفية بالتوتر النفسي المتصل بالفقر المدقع. أي ان الميل للعنف تعبير عن ضعف سيطرة العقل على المشاعر. ثمة فريق سيربط التوتر بالانقسام الطبقي ، لاسيما جمود الحراك الطبقى وفشل الشريحة المتعلمة في انهاء التصنيف القسري ضمن الطبقة الدنيا.

والحق ان هذه جميعا احتمالات واردة. لكن يصعب تحديد أي منها كمؤثر تام. ان السوداني مشهور بالميل للمسالمة واللين. لكن دراسات اجتماعية تظهر ان السودانيين يختزنون – على المستوى الفردي – ميلا قويا للمنازعة. في نهاية 2017 مثلا أظهرت احدى الدراسات ان 60% من السودانيين يفكرون في الهجرة ، وهي نسبة تتجاوز حتى البلدان المنخرطة فعليا في نزاع داخلي ، مثل اليمن والأراضي الفلسطينية وليبيا. ولاحظت الدراسة ان حوالي نصف الذين يفكرون في الهجرة ، لا يمانعون من السفر دون وثائق رسمية ، بعبارة اخرى فهم غير متحفظين ازاء مغامرة ربما تودي بهم للسجن أو الموت ، كما حصل تكرارا لقوارب المهاجرين عبر البحر المتوسط ، والمتسللين عبر الحدود الشمالية الغربية الى ليبيا.

هذا النوع من التفكير لا يعبر عن "عقل جمعي" بل عن شعور فردي بالاحباط واليأس. لكن المشكلة ان هذا الشعور ينتشر بين مئات الآلاف  ، سيما الشباب ، بحيث يتحول تدريجيا الى ظاهرة عامة ، يمكن ان تغير الصورة اللينة التي ذكرتها سابقا ، او على الاقل تشكل ظاهرة فرعية موازية لها.

ما يحدث اليوم في السودان من عنف متصاعد ، قد يكون ثمرة لتفاقم الشعور الفردي بالاحباط. واذا صح هذا الاحتمال ، فان البلد مقبل على انهيار تام للأمن الداخلي ، وتفاقم الاعتداءات على الاملاك الشخصية والعامة ، بشكل غير مسبوق.

الفارق بين التحولات النفسية العامة والفردية ، ان المجتمع يحافظ في الحالة الاولى على قدر من التضامن بين الجميع ، بحيث لا يعتدي احد على الاملاك الخاصة للاخرين. اما في الحالة الثانية فان الانفلات الاخلاقي يجعل الفرد متجردا من اي قيد ، لا يردعه سوى الخوف من السلاح المقابل. 

الشرق الاوسط الأربعاء - 03 ذو الحِجّة 1444 هـ - 21 يونيو 2023        https://aawsat.news/b4gz5

مقالات ذات صلة

 استعادة الايمان بالذات

استمعوا لصوت التغيير

ان تكون سياسيا يعني ان تكون واقعيا

 بحثا عن عصا موسى

تفكيك التداخلات

حق الأكثرية

حين تتحول العلمانية الى ضرورة

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

الفقر والإحباط والغضب

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

المال كوسيلة لتبريد التوترات المحلية

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

من الحلم الى السياسة

من تديين السياسة الى تسييس الدين

من جيل الى جيل

هكذا نتغير... مختارين او مرغمين

هوية سائلة؟

وعي المستقبل

وقت للأسى: نهاية السودان كما عرفناه

 

30/03/2016

الخلاص من ثقافة الانتحار

 

مقالة الصديق د. عبد السلام الوايل عن انماط الانتحار (الحياة 27-03-2016) واحدة من المقاربات الجادة التي تحاول وصف هذا السلوك بلغة علمية محايدة. ونعلم ان الوصف الصحيح لأي سلوك او ظاهرة مدخل ضروري لفهم حقيقتها ومن ثم دوافعها. د. الوايل عالم اجتماع جاد ومتفاعل مع ما يجري في المحيط من تحولات.

تبعا لعالم لإميل دوركايم ، عالم الاجتماع الفرنسي المعروف ، صنف الوايل انماط الانتحار الى ثلاثة : ايثاري ، أناني ، ولا معياري. وهو يميل الى الاعتقاد بأن انتحاريي المجتمعات التقليدية اقرب الى الصنف الاول ، فهم يمتازون برؤية عقائدية صلدة تحركهم للفداء ، بخلاف الانتحاريين القادمين من مجتمعات اوربية ، فهؤلاء اقرب الى الصنف الثالث الذي يجسد حالة ضياع بين نظامين قيمين متنافرين: نظام ديني موروث ، لكنه غير فاعل في الحياة اليومية ونظام علماني يضطره للتعايش معه والتعامل مع الزاماته.

اتفق مع د. الوايل بان انتحاريي المجتمعات العربية اقرب الى الصنف الأول "الايثاري". ويهمني هنا الاشارة الى سيرورة تحول الموروث الثقافي، الديني خاصة ، الى محرك للانتحار ، والدور الذي يمكن ان يلعبه التعليم العام في تعزيز التوازن الروحي بما يحول دون انقلاب فضيلة الايثار والفداء الى محرك لقتل النفس وقتل الغير.

اظن ان فكرة التنافر بين العالم الديني والعالم المادي الواقعي تشكل مفتاحا هاما لفهم تلك السيرورة ، وهي على وجه الدقة الموضع الذي يمكن لمؤسسات التعليم والتثقيف العام ان تلعب فيه دورها الرئيس.

سوف استعير من الشيخ يوسف القرضاوي عبارة "فقه المحنة" التي تصف تلك التحليلات التي تحاول تجلية الايمان من خلال تعزيز الارتياب في العالم. تظهر تمثلات هذا الخطاب في المراوحة بين تعظيم الماضي وتأثيم الحاضر ، وتنصرف الى جانبين ، هما المبالغة في جلد الذات والتأكيد على قصورها ، واتهام الآخر الحضاري ، سيما الغرب ، بالعدوان والتآمر والتكبر الخ.

هذا التمثلات ليست اكاذيب مخترعة من دون أصل ، بل هي تضخيم للوقائع ومبالغة في وصفها حتى تظهر كصورة وحيدة عن الذات (الآثمة) والعالم (المعتدي). تعميم هذه الصورة ينتهي – طبيعيا – الى الاستهانة بالعالم وما فيه ، بل وبالبشر الآثمين ، واعتبار التضحية بالنفس فداء للنموذج المتخيل ارفع الفضائل "والجود بالنفس اقصى غاية الجود".

 تبدو هذه التصورات بديهية عند عامة الناس ومثقفيهم. وهي تظهر بوضوح في التبادلات اللفظية العادية وفي الصحافة. وصم العامة بقلة الوعي والميل للتفلت ، والكلام المكرر عن الفارق بين حقيقة الدين وواقع المسلمين ، والتمثيل الانتقائي بقصص الاسلاف ، والتصوير المضخم لظلم الاخرين – سيما الغرب – للمسلمين ، تعبر جميعا عن تلك الثنائية الراسخة في الاذهان والقلوب.

الخلاص من التنافر الداخلي يتوقف على استبدال هذه الثقافة الانفعالية بأخرى تؤكد على الحركة التصاعدية (السننية) للتاريخ والتعدد الحضاري وشراكة البشر جميعا في المسؤولية عن مصير الكون.

لن يكون الاسلام اقوى اذا نشر المسلمون الرعب في العالم. نحتاج الى تصحيح المفهوم القائل بان علو الحق يعني استعلاء المسلمين وهزيمة البشر الاخرين. فهو يؤسس بالضرورة لمفهوم تنافري يبرر العدوان. كما يوسع الهوة بين العقل والواقع. علو الحق يتحقق اذا استجاب البشر جميعا لأمر الله في عمارة الكون ونشر الفضيلة. وهذا يقتضي مشاركة البشر جميعا في منع الحرب والعدوان ، وتعزيز اسباب السلم والعمران. الشراكة مع العالم هي المفتاح الذهبي للخلاص من التنافر بين موروث متخيل وعالم نتصوره آثما وبغيضا.

الشرق الاوسط 30 مارس 2016   -  https://aawsat.com/node/604356/

 

مقالات ذات علاقة

ابعد من تماثيل بوذا

اتجاهات في تحليل التطرف

احتواء الخطاب المتطرف

بحثا عن عصا موسى

تجربة التعامل مع العنف بين العلم والسياسة

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

حول الحرية والعنف

حيثما كنت ، غول العنف في انتظارك

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

العامل السعودي

عودة للعلاقة بين الخطاب الديني وتوليد العنف

غلو .. ام بحث عن هوية

فلان المتشدد

القانون للصالحين من عباد الله

مجادلة اخرى حول الميول العنفية

المدرسة كأداة لمقاومة العنف

مقترحات لدراسة العنف السياسي

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

 



08/05/2004

غلو .. ام بحث عن هوية

بعيدا عن التداول التعبوي للصحافة المحلية والتلفزيون ، الذي ينسب الحملة الارهابية التي تتعرض لها بلادنا الى "الغلو في الدين" ، فان النظر من زوايا اخرى ، قد يكشف ان الغلو ليس العلة التامة لهذه الحملة الاثيمة. نحن بحاجة الى تحليل العنف كظاهرة اجتماعية وليس الاكتفاء بتحديد المسؤولية.

التحليل هو الوسيلة الوحيدة لتحويل الواقعة من لغز الى معادلة قابلة للفحص.  الخطوة الاولى لفهم الظاهرة الاجتماعية ، هي تفكيكها ودراسة صور التفاعل بين اجزائها من جهة ، وبين كل منها والحراك الاجتماعي العام من جهة اخرى. مثل هذه الدراسة هي التي تخبرنا عن جذور الظاهرة في بنية المجتمع الثقافية والعلائقية. وهي التي تكشف ان كان الحدث مجرد دمل تفجر وانتهى امره ، او هو بداية لحراك اجتماعي اوسع. واخيرا فهي السبيل الوحيد لمعرفة اليات استمرار او افول الظاهرة المدروسة.

يلعب الدين كما هو معروف دورا ثنائيا في اضفاء القيمة على الفعل الانساني ، فهو يحتضن بعضها ويصنفها ضمن "المعروف" ويرفض الاخرى التي تصنف منكرا. تنزيل القيمة النظرية على الواقعة المحددة هو فعل الانسان. ولهذا تجد الناس يختلفون في تقييم عمل واحد ، فبعضهم يراه معروفا ويراه اخرون منكرا. وتطرح فكرة الغلو في الدين نفس الاشكالية ، فهي تقول – ضمنيا – ان ما رآه الارهابيون معروفا هو منكر في حقيقة الامر او في راي الاكثرية الغالبة.

والسؤال الذي تثيره هذه الفرضية: ما هي الاسباب التي تجعل هؤلاء او غيرهم ، يحملون القيمة النظرية على هذا المحمل دون العكس ؟. بكلمة اخرى لماذا يميل بعض الناس في بعض الأوقات ، الى الاخذ بتفسيرات ضيقة او متشددة او غريبة للنص الديني ، فينزلون القيمة المجردة على محمل خاص ، بينما يميل معظم الناس الى تفسيرات اخرى؟.

الاجابة على هذا السؤال ليست موجودة في القيمة الدينية ذاتها ، بل في عوامل اخرى دفعت الاشخاص المعنيين الى هذا السلوك دون غيره. ذهنية الانسان الفرد هي بمثابة مطبخ ترد اليه انواع من المدخلات بعضها يتلاشى حتى لا يكاد يظهر له اثر في الطبخة ، وبعضها يبقى محافظا على قوامه دون تغيير ، بينما تختلط العناصر الاخرى وتتفاعل فيما بينها لتظهر على صورة جديدة مختلفة عن كل واحد من مكوناتها الاولية. 

الاجابة موجودة في البيئة الاجتماعية التي يتعرف الانسان الفرد من خلالها على نفسه وموقعه من الغير ، اي هويته كفرد. هذه البيئة ليست صنيعة التوجيه الثقافي بل هي محصلة التفاعل الدائم بين مجموعة عوامل بعضها مرتبط بالثقافة وبعضها بعيد عنها. من بين تلك العوامل مثلا موقع البلاد ضمن خطوط الصراع السياسي الاقليمي او الدولي ، ومن بينها مخرجات الحراك الاقتصادي ، السلبية والايجابية.

لكن اهم ما ينبغي دراسته في رايي هو طبيعة الظرف الاجتماعي-الثقافي العام الذي تعيشه البلاد بعد ثلاثة عقود من بداية خطط التنمية. يولد النمو الاقتصادي الكثير من المخرجات الاجتماعية من خلال تغييره لمنظومات القيم وتوازنات القوة السائدة في المجتمع. المجتمع ليس مجموع الافراد بل نظام العلاقات السائد بين افراده والقيم الناظمة للفعل الفردي والجمعي. لقد انهار نظام المجتمع  القديم مع تقدم مشروع التنمية الاقتصادية ، فما هي طبيعة النظام الجديد الذي يفترض ان يحل محله فيلبي حاجة الفرد الى الانتماء او "الهوية"؟ هل نرى نظاما بالفعل ام حشودا من الناس تبحث عن نظام ؟.

السبت - 19/3/1425هـ ) الموافق  8 / مايو/ 2004  - العدد   1056
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/5/8/Art_103299.XML

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...