بعد ايام يعود
شبابنا الى مدارسهم ، في ظرف مليء بالهموم. ثمة اتفاق – فيما يبدو – بين شرائح
واسعة من المثقفين ونخبة البلد على الدور المحوري للتعليم في تفكيك الحاضن الاجتماعي للعنف ودعاته. ولاتقاء
الافراط في التوقعات ، ينبغي التاكيد على ان هذا جهد وقائي ، يحجم دعوات العنف ،
لكنه لا يقضي على المجموعات القائمة. هذه مهمة تقوم بها جهات اخرى بوسائل
مختلفة.
لا أملك تصورا
عمليا كاملا حول كيفية قيام المدرسة بتلك المهمة. لكني سانطلق من فرضية الحاجة الى
تغيير الباراديم او فلسفة العمل السائدة في نظامنا التعليمي ، وأضع بعض الافكار
التي اظنها مفيدة في هذا السياق.
اولى واخطر المهمات في رايي هي تعزيز قابلية
الشباب لمقاومة الافكار الهدامة ، ومفتاحها تربية العقل النقدي الذي يحاور ويجادل
ويتأمل ولا ينبهر ببليغ الكلام او التصوير. هذا يقتضي تخصيص جانب من وقت الصف
للنقاش في المنهج او خارجه. تعويد الشباب على النقاش يرسخ ثقتهم بذواتهم واهليتهم
لنقد الافكار ومجادلتها.
الثانية: هي نشر
احترام الحياة والانسان والزمن. ومفتاحها التركيز على تدريس العالم المعاصر بدل
التاريخ القديم. ومحاولة فهمه وفهم الفرص التي وفرتها تجارب البشر وابداعاتهم ،
وكيفية استثمارها لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الطموحات. لقد جرت عادتنا على تقديم
تاريخ انتقائي لشبابنا ، يركز على الجوانب المشرقة لماضي المسلمين دون التعرض
لكلفتها المادية والمعنوية والانسانية ، ودون الاشارة الى الجانب الاخر المظلم ،
فتحول التاريخ عند كثير منهم الى كائن مقدس يريدون احياءه بأي ثمن. اللباس والمظهر
الذي نراه في جماعات العنف مثل "داعش" وأخواتها توضح تماما هذا النزوع
الشديد لفرض الماضي على الحاضر.
التأكيد على
احترام الحاضر وأهله واحترام تجربة البشرية يساعد ايضا على تحرير المجتمع من
"قلق الهوية" اي الشعور العميق باننا ضعفاء مهمشون قليلو الحيلة في عالم
يتفق ضدنا ، ويتآمر للقضاء علينا. قلق الهوية واحد من اهم الثغرات التي تستثمرها
جماعات العنف لكسب الانصار والدعم المادي والسياسي.
الثالثة: التاكيد
على شراكة الشباب في امور بلدهم وفي ملكية ترابه ، وقابلية مجتمعهم وحكومتهم
للاصلاح والتطور وتحسين الاداء ، وكونهم شركاء في اي مسعى تطويري او اصلاحي ، بما
فيها اصلاح القانون والسياسات وتوسيع الاطارات والمسارات الضرورية للاصلاح
والتقدم. هذا التفكير يجب ان يبدأ بفتح الباب للنقاش في امور المدرسة والمجتمع
القريب ، وتقبل المعلمين والاداريين لاراء الشباب المختلفة ، وتمكينهم من عرضها
بحرية. اما الغرض النهائي فهو التأكيد على قابلية الاصلاح من خلال القانون وليس
بالانقضاض على النظام الاجتماعي.
اخيرا فان
شبابنا بحاجة الى فهم الدين كتجربة يشارك فيها كل مسلم ، وليس كصندوق مغلق يحمل
اعباءه مرغما. ولهذا حديث آخر نعود اليه في قادم الايام.
الاقتصادية 5
اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/05/article_873535.html
مقالات ذات علاقة
ان تكون مساويا لغير: معنى التسامح
بل التقارب قائم ومتواصل بين السنة والشيعة
التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية
سؤال التسامح الساذ: معنى التسامح
في التسامح الحر والتسامح المشروط
في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق