‏إظهار الرسائل ذات التسميات مرتضى مطهري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مرتضى مطهري. إظهار كافة الرسائل

11/12/2018

مراجعة لحقوق النساء في الاسلام: من العدالة النسبية الى المساواة

د. محسن کدیور
ترجمة د. توفيق السيف
  فهرس المقالة


تمهيد       1
الفرضيات الرئيسية   3
الأدلة النقلية والعقلية التي تبرر التساوي والتفاوت الحقوقي
اولا- الآيات الدالة على تساوي الجنسين:  6
ثانيا : دلالة العقل على أصالة المساواة في الحقوق    8
ثالثا: الأدلة النقلية على تفوق حقوق الرجال على النساء:          11
الجزء الثاني حقوق النساء وفقا لنظرية العدالة الاستحقاقية     12
خلاصة اراء القائلين بالعدالة النسبية (الاستحقاقية):               17
ملخص الاستدلال في مدرسة العدالة الاستحقاقية    18
الجزء الثالث :روح القرآن والمعايير الاسلامية في المقارنة مع العدالة المساواتية /الانصاف والتكافؤ الأصلي 
أولا: من العدالة الاستحقاقية الى العدالة المساواتية:               20
ثانيا: الأدلة العقلية على تقدم العدالة المساواتية/الانصاف على العدالة الاستحقاقية               22
ثالثا: دفاع عن تناسب روح القرآن والمعايير الاسلامية مع العدالة المساواتية والتكافؤ الأصلي  26
الجزء الرابع: مراجعة لأدلة التمايز الحقوقي بين الجنسين من زاوية العدالة المساواتية              29          
جواب على اشكال محتمل       35
خلاصة    37

 تمهيد

حقوق المرأة موضوع لجدل واسع في الادبيات الاسلامية المعاصرة ، يحركه شعور عميق بأن ما ورثناه من تعريف لهذه الحقوق ، لا يتلاءم تماما مع روح الشريعة التي تدعو الى العدل والانصاف في كل تعاملاتها. كما انه يتناقض بشكل حدي مع مباديء حقوق الانسان ، التي تطورت في سياق تجربة العالم المعاصر.
التشديد الفقهي على التمايز بين المرأة والرجل سبب آخر للحرج. فالمبررات التي تعرض لهذا التمايز تبدو غير متطابقة مع ما نشهده في الحياة الواقعية في عالم اليوم.
تستهدف هذه المقالة توسيع النقاش في الموضوع ، من خلال قراءة نقدية لرؤية الفقه التقليدي والمبررات التي يطرحها. وتقديم بديل ينطلق من اجتهاد جديد في اصول الفقه ومصادر الشريعة. وهذا يتلاءم مع رؤية الكاتب التي طرحها في مقالات أخرى.
 يقترح الكاتب مفهوم العدالة المساواتية egalitarian justice كأساس لمنظور حقوق الانسان ، ولا سيما حقوق المرأة ، موضوع النقاش في هذه المقالة. وقد استعملنا مفهوم "الانصاف = fairness" بصورة موازية لأنه الأقرب في الثقافة العربية الى المفهوم السابق الذكر. وهو يطابق مفهوم العدالة لاجتماعية المتداول في الفلسفة السياسية المعاصرة ، سيما في مقاربة الفيلسوف المعروف جون رولز ، كما في كتابيه "نظرية في العدالة" و"العدالة كانصاف". العدالة موقف ذهني كلي تجاه الذات والغير ، اما المساواة فهي الظهور التطبيقي لهذا الموقف في معاملة الغير. ويقع "الانصاف" – حسب فهمي - في المسافة بين المفهومين ، فهو يتصل بالعدالة من جهة والمساواة من جهة أخرى.
عرف المناوي الانصاف بانه "استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسياسات الفاضلة، وهو والعدل توأمان ، نتيجتهما علو الهمة وبراءة الذمة ، باكتساب الفضائل واجتناب الرذائل".[i] وطبقا لجون رولز فان الانصاف fairness يتجلى في التحرر من الانحيازات السلبية المسبقة تجاه الآخرين. الانسان المنصف سيفهم الآخرين ويعاملهم على النحو الذي يتمنى ان يعاملوه. يوصف النظام الاجتماعي بانه عادل اذا تبنى مبدأ الانصاف دليلا في التعاملات الداخلية. هذا يعني – وفقا لرولز – ان لكل اعضاء المجتمع نفس الحقوق. وفي حالات التفاوت التي لا يمكن تلافيها ، فان اعتبارها منصفة ، يخضع لشرطين: أ- ان ترتبط بوظائف ومواقع مفتوحة للجميع على قدم المساواة. ب- ان تكون حالات التفاوت هذه  لصالح الأعضاء الأقل قدرة على التمتع بالامكانات والفرص المتاحة في المجال العام ، حتى يصلوا الى المتوسط العام للمجموع[ii].
يجادل الكاتب بان مفهوم الانصاف او العدالة المساواتية هو المفهوم الاقرب الى روح الشريعة. وهو يتفق مع الفقهاء والمفسرين ، الذين صرفوا النصوص الواردة في الكتاب والسنة الى مفهوم العدالة النسبية (الاستحقاقية) ،  الذي ينسب الى الفيلسوف اليوناني أرسطو ، لأن الظرف العام في عصر الوحي كان يعتبر هذا المفهوم عادلا وعقلائيا ، وما كان هذا الظرف يتحمل مستوى أعلى.
لكنه يجادل بأن هذه التشريعات ظرفية ، تعالج قضايا واقعية قائمة ، وليست نهائية. بمعنى انها لا تعكس الرؤية النهائية للشارع. وهو يعتقد ان الظرف الحالي ملائم للتخلي عن تلك التشريعات ، لانها ما عادت تطابق الواقع وليست عادلة او متناسبة مع روح الدين.
من حيث المبدأ ، تنصرف العدالة  المساواتية/الانصاف  الى معنى المساواة الكاملة بين الجميع. اما "العدالة الاستحقاقية" فهي تفريع على ذلك المعنى ، بتقييد المساواة باستحقاق الطرف المعني. بمعنى ان هناك من يستحق المعاملة المتساوية وهناك من لا يستحق. وهذا التصريف يطابق مفهوم المساواة النسبية / التناسبية التي تعني ان المساواة صحيحة ضمن الشرائح او المجموعات التي يشترك اعضاؤها في صفاتهم. لكنها لا تتضمن مساواة لهذه المجموعة بالمجموعات الاخرى. فالمساواة بين النساء صحيحة ، لكن المساواة بين مجموع النساء ومجموع الرجال غير صحيحة.
فكرة الانصاف التي يقترحها الكاتب تعني المساواة بين الجميع دون تمييز ، الا اذا كان التمييز قائما على نفس مبدأ العدالة المساواتية/الانصاف ، او سبيلا للوصول اليها. مثلما شرحنا في السطور السابقة.

الفرضيات الرئيسية

نوقشت حقوق المرأة في الفكر الاسلامي التقليدي على ارضية العدالة الاستحقاقية. هذا المفهوم والمبدأ الملازم له ، اي المساواة النسبية/التناسبية [iii] proportional، يواجه في العصر الحاضر اشكالات عديدة. تجادل هذه المقالة بأن في الامكان اعادة بناء المسألة (حقوق المرأة في الاسلام) على ارضية العدالة المساواتية ومبدأ التكافؤ الأصلي ، كما ورد في الكتاب والسنة.
لضرورات علمية بحتة ، يعالج الكاتب المسألة في اطار الفقه الشيعي الاصولي ، معتمدا منهج الاجتهاد في الاصول[iv]. ونشير الى ان الفقه السني المقاصدي ، وكذا المفكرين الاسلاميين الاصلاحيين (من يطلق عليهم احيانا وصف الاسلاميين الليبراليين) قد توصلوا الى نتائج مقاربة ، كلا من خلال منهجه الخاص.
الفرضيات الأولية لهذه المقالة على النحو التالي:
اولا: ان أحكام النساء في القرآن والسنة مؤسسة على ارضية العدالة.
ثانيا: ان أحكام النساء في الكتاب والسنة قد وضعت بصورة مبرهنة ومدعومة بالادلة.
ثالثا: العدالة أصل سابق على الدين. وان تحديد المقاربات والمناهج في اطارها امر عقلي وفلسفي.
رابعا: الآيات والروايات التي تعالج حقوق المرأة ، يدل بعضها بشكل اجمالي على العدالة وعدم التمييز ، وبعضها ظاهر في العدالة الاستحقاقية والمساواة التناسبية.
خامسا: ان  العلماء المسلمين ، وهم في الأعم الاغلب من الذكور (بمن فيهم المفسرون والمحدثون والمتكلمون والفقهاء والاخلاقيون والفلاسفة والمتصوفة) انصرف فهمهم للعدالة الى العدالة الاستحقاقية ، وانصرف فهمهم للمساواة الى المساواة التناسبية. كان هذا الامر في الماضي ولازال حتى الان على نفس المنهج.
سادسا: التفاوت البيولوجي والعاطفي بين المرأة والرجل ، امر لا يمكن انكاره.
سابعا: موضع البحث هو تلك الأحكام المتعلقة بالنساء ، التي اعطتهن حقوقا اقل أو اكثر ، لا لسبب الا لكونهن نساء.  هذه الأحكام توجد غالبا في مجالات الحقوق المدنية والجزائية. اما الشريحة الاوسع من احكام الشريعة ، التي تنظم الحقوق التجارية والعبادية ، وكذا امور العقيدة والاخلاق ، فليس في أحكامها تفاوت بين الرجل والمرأة ، وهي خارجة عن مجال بحثنا الحاضر.
تجادل هذه المقالة في مسألتين:
اولاهما: ان العدالة المساواتية والتكافؤ الأصلي/الطبيعي بين الناس ، اكثر انسجاما مع روح القرآن والمعايير الاسلامية.
الثانية: ان الآيات والروايات التي يستند اليها في تبرير التفاوت الحقوقي بين المرأة والرجل ، ليست مانعة للعدالة المساواتية والتكافؤ الأصلي.
تتألف المقالة من اربعة اقسام. أولها ايجاز لاهم الأدلة العقلية والنقلية التي تبرر التساوي والتفاوت الحقوقي. القسم الثاني مخصص لتحرير منظور العدالة الاستحقاقية وتقرير ادلته. في القسم الثالث شرح لمفهوم العدالة المساواتية/الانصاف والتكافؤ الأصلي ، وبيان ملاءمته لروح القرآن والمعايير الاسلامية. كما يعرض القسم الرابع  الآيات والروايات التي يستند اليها في تبرير التفاوت الحقوقي بين الرجل والمرأة ، وامكانية مراجعتها بناء على منظور العدالة المساواتية.

الجزء الأول

اهم الأدلة النقلية والعقلية التي تبرر التساوي والتفاوت الحقوقي

استعراض الآيات والروايات المتعلقة بحقوق المرأة في الكتاب والسنة ، يوفر نوعين من الادلة: يتحدث أولها عن النساء والرجال على نحو متماثل ، دون اي تفاوت في الحقوق. بينما يدل النوع الثاني على تفضيل جنس الرجال على جنس النساء. ولذا فهي تعطي للرجل حقوقا اكثر ، وتلزمه في الوقت نفسه بحماية المرأة.
وبين الأدلة العقلية ، لدينا دليل العقل المستقل الذي يحكم بالحسن الذاتي للعدل والقبح الذاتي للظلم (والتمييز في الحقوق دون مبرر ، واحد من وجوه الظلم). وسنستعرض هنا اهم الروايات والآيات ذات العلاقة ، على سبيل التمثيل ، ثم نناقش الدليل العقلي.

اولا- الآيات الدالة على تساوي الجنسين:

وهي تنقسم الى خمسة اصناف: 1- التساوي في الخلق 2- التساوي في الاخرة 3- التساوي في الحقوق والتكاليف 4- التساوي في الثواب والعقاب الدنيوي 5- التساوي في الحياة الزوجية.
1-      الآيات الدالة على ان البشر جميعا ، رجالا ونساء ، خلقوا من جوهر واحد. ومفادها ينفي أي ربط بين القيمة والفضيلة وبين الجنس. ان جنس المخلوق لا دخل له في كرامته أو قربه من الخالق سبحانه. وبالتالي فلا يمكن اتخاذ الجنس بذاته مبررا للتفاضل بين الرجل والمرأة. ومن هذه الآيات قوله تعالى "يَا أَيهَا النَاس إنَا خَلَقنَاكم من ذَكَر وَأنثَى وَجَعَلنَاكم شعوبًا وَقَبَائلَ لتَعَارَفوا  إنَ أَكرَمَكم عندَ اللَـه أَتقَاكم – الحجرات 13". تؤكد هذه الآية ان التنوع أصل في الخلق ، وغرضه المعرفة والتعارف. أما الكرامة والقرب من الله ، فهما ثمرة التقوى.
2-      الآيات الدالة على ان الله يحاسب الرجال والنساء في الآخرة ، على نحو واحد ، وان جنس المكلف لا يزيد أو ينقص من ميزانه. انما يفوز الناس أو يخسرون يوم القيامة بقدر ما حملوا من ايمان ، وما فعلوا من اعمال صالحة. كما في الآية " مَن عَملَ صَالحًا من ذَكَر أو أنثَى وَهوَ مؤمن فَلَنحييَنَه حَيَاةً طَيبَةً وَلَنَجزيَنَهم أَجرَهم بأَحسَن مَا كَانوا يَعمَلونَ – النحل 97"  ومثلها الآية 35 من سورة الاحزاب التي تذكر صفات الناجين المغفور لهم ، وتنص على الاشتراك في هذه الصفات بين الرجال والنساء "إن المسلمينَ وَالمسلمَات وَالمؤمنينَ وَالمؤمنَات وَالقَانتينَ وَالقَانتَات وَالصادقينَ وَالصادقَات وَالصابرينَ وَالصابرَات وَالخَاشعينَ وَالخَاشعَات وَالمتَصَدقينَ وَالمتَصَدقَات وَالصائمينَ وَالصائمَات وَالحَافظينَ فروجَهم وَالحَافظَات وَالذاكرينَ اللهَ كَثيرًا وَالذاكرَات أَعَد الله لَهم مغفرَةً وَأَجرًا عَظيمًا -الاحزاب 35".
3-       الآيات الدالة على تساوي الحقوق والتكاليف "وَالمؤمنونَ وَالمؤمنَات بَعضهم أَوليَاء بَعض يَأمرونَ بالمَعروف وَيَنهَونَ عَن المنكَر وَيقيمونَ الصَلَاةَ وَيؤتونَ الزَكَاةَ وَيطيعونَ اللَـهَ وَرَسولَه أولَـئكَ سَيَرحَمهم اللَـه – التوبة 71" وهي تقول بوضوح ان كلا من الرجل والمرأة أهل للولاية على بعضهم البعض ، وكلاهما مكلف بفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. بديهي انه لولا ان المرأة مساوية في الذات والقيمة للرجل ، لما اقر القرآن بأهليتها للولاية على الرجال والنساء ، وما كلفها بوظيفة الاصلاح[v].
4-       الآيات الدالة على التساوي في العقاب والثواب الدنيوي والاخروي ، مثل الآيتين "ليدخلَ المؤمنينَ وَالمؤمنَات جَنات تَجري من تَحتهَا الأَنهَار خَالدينَ فيهَا وَيكَفرَ عَنهم سَيئَاتهم وَكَانَ ذَلكَ عندَ الله فَوزًا عَظيمًا * وَيعَذبَ المنَافقينَ وَالمنَافقَات وَالمشركينَ وَالمشركَات الظانينَ بالله ظَن السوء عَلَيهم دَائرَة السوء وَغَضبَ الله عَلَيهم وَلَعَنَهم وَأَعَد لَهم جَهَنمَ وَسَاءَت مَصيرًا – الفتح 5-6" والآية "وَلَولا رجَال مؤمنونَ وَنسَاء مؤمنَات لم تَعلَموهم أَن تَطَؤوهم فَتصيبَكم منهم معَرة بغَير علم ليدخلَ الله في رَحمَته مَن يَشَاء لَو تَزَيلوا لَعَذبنَا الذينَ كَفَروا منهم عَذَابًا أَليمًا – الفتح 25" والآيتين "يَومَ تَرَى المؤمنينَ وَالمؤمنَات يَسعَى نورهم بَينَ أَيديهم وَبأَيمَانهم بشرَاكم اليَومَ جَنات تَجري من تَحتهَا الأَنهَار خَالدينَ فيهَا ذَلكَ هوَ الفَوز العَظيم * يَومَ يَقول المنَافقونَ وَالمنَافقَات للذينَ آمَنوا انظرونَا نَقتَبس من نوركم قيلَ ارجعوا وَرَاءكم فَالتَمسوا نورًا فَضربَ بَينَهم بسور له بَاب بَاطنه فيه الرحمَة وَظَاهره من قبَله العَذَاب – الحديد 12-13" ومثلها الايات 38 من سورة المائدة ، و2 ، 3 ، 26 من سورة النور. وجميعها يدل على ان الرجل والمرأة يواجهان نفس الثواب والعقاب على أعمالهم الدنيوية ، من دون فرق.
5-      الآيات الدالة على التساوي في الحياة الزوجية. مثل الآية "أحل لَكم لَيلَةَ الصيَام الرفَث إلَى نسَائكم هن لبَاس لكم وَأَنتم لبَاس لهن – البقرة 187" وكذلك الآية "وَمن آيَاته أَن خَلَقَ لَكم من أَنفسكم أَزوَاجًا لتَسكنوا إلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكم موَدةً وَرَحمَةً إن في ذَلكَ لَآيَات لقَوم يَتَفَكرونَ – الروم 21". هذه الآيات  تشير الى تساوي الرجل والمرأة في الحياة الزوجية. فخلق الرجل والمرأة من الآيات التي يدعونا الخالق سبحانه للتأمل فيها. والنص ظاهر في ان وجود كل منهما سبب لسعادة الآخر واطمئنانه وسكون نفسه.
ترى الا يدعونا هذا البناء المنطقي الى اعتبار المساواة بين الجنسين أرضية لفهم الآيات الاخرى المتعلقة بالعائلة في القرآن؟.

ثانيا : دلالة العقل على أصالة المساواة في الحقوق

نجادل هنا بان العقل المستقل يحكم بالمساواة الكاملة في الحقوق بين الجنسين. لكني أود التمهيد للنقاش بذكر النقاط الآتية لتوضيح اطار الموضوع:
أ‌-        ان الافعال بذاتها تنطوي على حسن أو قبح. بعضها حسن بذاته وبعضها قبيح بذاته ، سواء وصل الينا تأكيد شرعي لهذا الوصف أو لم يصل. وهذا جوهر مسألة "الحسن والقبح العقليين" وفحواها من المسلمات المعروفة عند العدلية (الشيعة والمعتزلة)[vi].
ب‌-    الدعوى الأصلية للأصوليين ، زبدتها ان العقل المستقل قادر على تشخيص الحسن والقبح في الافعال. وأن الشارع حين يحكم بكونها على هذا النحو ، فانه لا ينشيء قيمة الفعل ، بل يمضي حكم العقل. هذا الرأي مما اتفق عليه معظم الاصوليين في مقابل الاخباريين من الشيعة والسنة. أما هؤلاء فرأيهم ان الحسن والقبح أوصاف شرعية تترتب عليها أحكام ، ولا يرون للعقل دورا في تحديد ماهية الحسن والقبح ، ولا تشخيص مصاديقهما أو الحكم بناء عليه ، قبل وصول الخطاب الشرعي[vii].
ت‌-    العقل مؤهل للحكم بالوجوب والحرمة ، اعتمادا على الملازمة بين حكمه بالحسن والقبح وبين الحكم الشرعي.
ث‌-    الحكم الشرعي المؤسس على قاعدة الملازمة ، حجة. بمعنى انه في هذا الاطار ، قد يحكم العقل بقبح أو حسن فعل ما ، ولا يصلنا حكم معتبر بخلافه من جانب الشارع. في هذه الحالة نعتبر القطع العقلي أساسا صحيحا للحكم الشرعي. هذا ايضا مدعى اكثر الاصوليين. وعارض الاخباريون هذا الرأي مع أقلية من الاصوليين.[viii]
بين هذه النقاط التمهيدية الاربع ، تتمتع الأولى والاخيرة باهمية خاصة. يعني انه اذا ثبتت الأولى (اي قبلنا بأن الفعل بذاته ينطوي على حسن أو قبح) وسلبت المانعية من الاخيرة (بمعنى انه لم يثبت لدينا وصول خطاب شرعي معتبر ينافي حكم العقل) ، فقد تمت المسألة.
بيان النقطة الأولى (الحسن الذاتي للعدل):

الأحكام المتعلقة بحقوق النساء ، تصنف ضمن الموضوعات التي نبحث لها عن أحكام ملائمة لموازين العقل السليم. ونعلم ان رعاية العدل في توزيع الحقوق بين الرجال والنساء امر حسن في ذاته. لان العدل من المستقلات العقلية التي اجمع عقلاء العالم قديما وحديثا على حسنها ولزومها. وان العدالة في الحقوق من أبرز تجليات قيمة العدل ، وهي – امتدادا لهذه القيمة – صحيحة دائما ، مثلما العدل صحيح دائما. ان العقلاء بما هم عقلاء يمتدحون العدل في توزيع الحقوق ومن يقوم به ، ويذمون الظلم والتمييز بين اهل الحقوق ، كما يذمون من يقوم به أو يساعد عليه. وهذا من الامور التي لا يعارضها عاقل.

السبب في حكم العقل العملي بحسن العدالة الحقوقية (وقبح الظلم والتمييز) هو ملاءمتها لطبيعة الانسان. حيث ان الانسان يدرك النفع العام في العدالة الحقوقية ، كما يدرك الضرر الناشيء عن الظلم والتمييز الحقوقي ، وهو ضرر قد يكون ماديا وقد يكون معنويا. ولأنه يدرك الجانبين ، فهو يسعى لتحصيل المنافع الناشئة عن العدل ، ورفع المفاسد الناشئة عن الظلم والتمييز الحقوقي.
ينبغي هنا ايضاح ان ادراك قيمة العدل امر كلي وليس شخصيا. بمعنى ان العدالة بشكل عام ، تنطوي على مصلحة ، وان التمييز في الحقوق بشكل عام ينطوي على ضرر. وهذا التقرير عام ودائم ، حتى لو حصل ان شخصا ما ، أو حادثة ما تضمنت قيمة معاكسة. لان الاساس في الحكم العام هو تجربة عقلاء العالم في كل الازمان والامكنة ، وليس الحوادث القليلة أو فهم عدد قليل من الاشخاص.
د. محسن كديور (يمين) مع آية الله حسين علي منتظري
 يفهم العقلاء جميعا ان مصلحة النوع الانساني رهن بالعدالة. وان هذه مصلحة أولية لازمة لحفظ نظام الكون والمجتمع ، بل وبقاء النوع الانساني. ثم ان وسيلة هذا الادراك هو العقل بما هو عقل. ولذا فان العدل  ممدوح عند العقلاء. وعلى نفس النسق ، فان التمييز في الحقوق – بوصفه نقيضا للعدل - مفسدة كبرى لنظام الحياة. وبناء عليه يراه العقل من حيث كونه عقلا ، قبيحا وغير ملائم لطبيعة الانسان وجودة الحياة ، وهو موضع ذم عند الجميع.
لم يحكم العقل بحسن العدالة في توزيع الحقوق ، الا حين تيقن ضرورتها لصون نظام المجتمعات الانسانية وكمال النوع الانساني. ولم يحكم بقبح الظلم والتمييز في توزيع الحقوق ، الا حين ادرك ضرره على حياة الانسان ونظام الكون. ومن هنا نستطيع القول ان حكم العقل بحسن العدل ، أساس لحكم العقلاء بمدح الافعال التي تجسد قيمة العدالة ، ثم مكافأة الاشخاص الذين يقومون بهذه الافعال ، باعتبارهم أحسنوا لبني البشر.
وبالمثل فان حكم العقل بقبح الظلم في توزيع الحقوق ، اساس لحكم العقلاء بذم الافعال التي تتعارض مع قيمة العدالة ، أو تنطوي على ظلم وتمييز بين أهل الحقوق ، أو تؤدي الى تفاوت يعارض مقتضيات العدالة. ويترتب على هذا ذم ولوم للاشخاص الذين يقدمون على هذا النوع من الأفعال ، باعتبارهم أساؤوا واجرموا في حق البشر.
على رغم ان العدالة في الحقوق لها ثمرات كثيرة طيبة ، الا ان حسنها ذاتي. أي انها بالذات حسنة ، وحسنها ليس مشروطا بما يترتب عليها. كما ان الظلم والتمييز يترتب عليه مساويء كثيرة ، مثل الكراهية والعنف والانانية وأمثالها. الا ان قبحهما متحقق قبل هذه النتائج. نتائج العدل والظلم كاشفة عن حسن الاول وقبح الثاني ، وليست علة للحسن أو القبح. كما ان صفة الحسن والقبح ملازمة للموصوف ، وليست مشروطة بأي عنوان آخر أو عامل خارجي. كل عدل حسن عقلا ، وكل ظلم قبيح عقلا ، في ذاته وبذاته.
اذا صح هذا التحليل ، وثبت ان العدل الحقوقي بذاته حسن ، وان الظلم الحقوقي بذاته قبيح ، نستطيع القول ان أي حكم شرعي ينطوي – قطعا - على ظلم حقوقي ، فهو مجروح. لأن الشارع – بحسب مبنى العدلية – من زمرة العقلاء بل رئيسهم ، فلا يمكن ان يحكم بما ينطوي على ظلم أو يؤدي الى ظلم ، جل ربنا وتعالى عن هذا.[ix]

ثالثا: الأدلة النقلية على تفوق حقوق الرجال على النساء:

اربع آيات من القرآن وحديثان عن الرسول والامام علي ، هي ابرز أدلة التهوين من حقوق النساء ، وزيادة حقوق الرجال عليهن:
1-      الآية "وَلَهن مثل الذي عَلَيهن بالمَعروف وَللرجَال عَلَيهن دَرَجَة وَالله عَزيز حَكيم – البقرة 228"
2-      الآية "وَلَا تَتَمَنوا مَا فَضلَ الله به بَعضَكم عَلَى بَعض  للرجَال نَصيب مما اكتَسَبوا  وَللنسَاء نَصيب مما اكتَسَبنَ وَاسأَلوا اللهَ من فَضله إن اللهَ كَانَ بكل شَيء عَليمًا – النساء 32"
3-      الآية  "الرجَال قَوَامونَ عَلَى النسَاء بمَا فَضَلَ اللَـه بَعضَهم عَلَى بَعض وَبمَا أَنفَقوا من أَموَالهم – النساء 34"
4-      الآية "أَوَمَن ينَشَأ في الحليَة وَهوَ في الخصَام غَير مبين – الزخرف 18".
5-      رواية البخاري عن النبي (ص): حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم. قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".[x]
6-      خطبة الامام علي بعد حرب الجمل ، حول نقص النساء: "معاشر الناس ، ان النساء نواقص الايمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول. فأما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام في أيام حيضهن. وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد. وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر. ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر"[xi].

الجزء الثاني 

حقوق النساء وفقا لنظرية العدالة الاستحقاقية

في هذا الجزء سنعرض أولا مباني حقوق النساء عند المرحوم محمد حسين الطباطبائي[xii] صاحب تفسير الميزان ، الذي قدم عرضا نموذجيا للرؤية الغالبة عند القائلين بالعدالة الاستحقاقية فيما يخص حقوق المرأة ، وما يتعلق بها من أحكام في الشريعة الاسلامية. يتمتع الطباطبائي بمكانة علمية رفيعة واعتبار تام في المدرسة الفقهية التقليدية. ولهذا ، ولأنه عاش في زمن قريب من زمننا ، فان رؤيته تعتبر نموذجا قابلا للتعميم عن الفهم السائد في مجامع العلم الديني الشيعية.
موجز رؤية الطباطبائي كما يلي:
تشارك  المرأة الرجل في جميع الأحكام العبادية والحقوق الاجتماعية ، عدا موارد يقتضي طبعها عدم المشاركة. وابرزها عدم تولي مناصب الحكومة و القضاء والقتال ، بمعنى المقارعة لا مطلق الحضور أو المساعدة ، كمداواة الجرحى مثلا. ولها نصف سهم الرجل في الإرث. وعليها الحجاب وستر مواضع الزينة ، وطاعة زوجها فيما يرجع إلى التمتع منها. وعوض ذلك بجعل نفقتها في الحياة على الرجل ، الأب أو الزوج. وعليه حمايتها حتى عن سوء الذكر. ولها حق تربية الولد و حضانته ، وأن العبادة موضوعة عنها أيام عادتها و نفاسها ، كما الزم الرجل بالرفق بها في جميع الأحوال. [xiii]
ولا يجب عليها في جانب العلم ، سوى العلم بأصول المعارف وفروع الدين ، كأحكام العبادات والقوانين الجارية في المجتمع. أما في جانب العمل ، فليس عليها واجب عدا طاعة الزوج ، فيما يتمتع به منها.
أما تنظيم الحياة بعمل أو حرفة ، وكذا المداخلة في أمور المجتمع ، كتعلم العلوم واتخاذ الصناعات والحرف المفيدة ، فلا يجب عليها شيء من ذلك. لكنه جائز ، بل يمكن ان يكون الاشتغال بها فضلا تتفاضل به وفخرا تتفاخر به.[xiv]
ومقتضى الفطرة المساواة بين الأفراد في الوظائف و الحقوق الاجتماعية. لكن ليس مقتضى هذه التسوية المنبثقة من مبدأ العدالة الاجتماعية ، أن يتاح كل مقام اجتماعي لكل فرد من أفراد المجتمع. مقتضى العدالة – ويفسر بها معنى المساواة - أن يعطى كل ذي حق حقه ،  وأن ينزل منزلته. فالتساوي بين الأفراد والطبقات إنما هو في نيل كل ذي حق خصوص حقه ، من غير أن يزاحم حق حقا ، أو يهمل أو يبطل حق بغيا أو تحكما. وهذا ما تشير إليه الآية "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة- البقرة 228"  فالآية تصرح بالتساوي ، مع انها تقرر في الوقت عينه اختلاف النساء عن الرجال.[xv]
ثم إن اشتراك الجنسين في أصل المواهب الوجودية ، أي الفكر والإرادة المولدتين للاختيار ، يستدعي اشتراكهما في حرية الفكر والإرادة ، أعني الاختيار. فلها الاستقلال بالتصرف في جميع شؤون حياتها الفردية والاجتماعية ، عدا ما منع عنه مانع. وقد أعطاها الإسلام هذا الاستقلال والحرية على أتم الوجوه.[xvi]
لكن مع اشتراك الجنسين في العوامل المذكورة ، فان المرأة تختلف عن الرجل من جهة أخرى. فالمرأة في المتوسط العام متأخرة عن المتوسط العام للرجال ، في الخصوصيات الكمالية من بنيتها ، كالدماغ و القلب و الشرايين و الأعصاب و القامة و الوزن. و استوجب ذلك أن جسمها ألطف و أنعم ، كما أن جسم الرجل أخشن و أصلب. و أن الإحساسات اللطيفة كالحب و رقة القلب و الميل إلى الجمال و الزينة ، أغلب عليها من الرجل. كما أن التعقل أغلب على الرجل من المرأة ، فحياتها حياة إحساسية كما أن حياة الرجل حياة تعقلية.[xvii]
ولذلك فرق الإسلام بينهما في الوظائف و التكاليف الاجتماعية ، التي يرتبط قوامها بأحد الأمرين ، أعني التعقل والإحساس.  فخص مثل الولاية و القضاء والقتال بالرجال ، لاحتياجها المبرم إلى التعقل. والحياة التعقلية إنما هي للرجل دون المرأة. وخص مثل حضانة الأولاد وتربيتها وتدبير المنزل بالمرأة ، وجعل نفقتها على الرجل. وجبر ذلك له بالسهمين في الارث. وهو في الحقيقة بمنزلة أن يقتسما الميراث نصفين ، ثم تعطي المرأة ثلث سهمها للرجل ، في مقابل نفقتها ، أي للانتفاع بنصف ما في يده. فيرجع بالحقيقة إلى أن ثلثي المال في الدنيا للرجال ملكا وعينا ، وثلثيه للنساء انتفاعا. فالتدبير الغالب إنما هو للرجال ، لغلبة تعقلهم ، والانتفاع والتمتع الغالب للنساء لغلبة إحساسهن.[xviii]
فإن قلت: ما ذكر من الرفق البالغ بالمرأة في الإسلام ، يؤدي لتأخرها في الاعمال وعدم رشدها.. قلت ان اللوم يقع على ما  أصيب به الإسلام من فقد الأولياء الصالحين ، فتوقفت التربية ثم رجعت القهقرى.[xix]
لقد بنى الغربيون على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق ، مع ما في المرأة من التأخر الكمالي بالنسبة إلى الرجل. وعندهم أن تأخر المرأة في الكمال والفضيلة سببه سوء التربية التي دامت قرونا لعلها تعادل عمر الدنيا ، مع ان الاصل هو تساوي الجنسين في الطبيعة.
لكن يرد على هذا بان تجربة المجتمعات منذ اقدم الأزمنة ، اظهرت تأخر المرأة عن الرجل اجمالا. ولو كانا متساويين في الطبيعة ، لظهر خلافه ، ولو في بعض الأحيان ، ولتغيرت خلقة بعض أعضائها الرئيسة فشابهت اعضاء الرجل. [xx]
ويؤيد ذلك أن المدنية الغربية مع غاية اهتمامها بتقديم المرأة ، ما قدرت بعد على انجاز المساواة بينهما. ولايزال الرجال متقدما في جميع ما قدم الإسلام فيه الرجل على المرأة ، كالولاية والقضاء والقتال[xxi].
التفضيل المذكور في قوله "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض" إنما هو تفضيل في التجهيز بما ينتظم به أمر الحياة الدنيوية ، أعنى المعاش ، أحسن تنظيم ، ويصلح به حال المجتمع إصلاحا جيدا. وليس المراد به الكرامة التى هي الفضيلة الحقيقية في الاسلام ، وهى القرب الى الله سبحانه. فإن الاسلام لا يعبأ بشئ من الزيادات الجسمانية ، التى لا يستفاد منها إلا للحياة المادية ، وإنما هي وسائل يتوسل بها لما عند الله.
وقد تحصل من جميع ما قدمنا ، أن الرجال فضلوا على النساء بروح التعقل ، الذى أوجب تفاوتا في أمر الارث وما يشبهه. لكنها فضيلة بمعنى الزيادة. وأما الفضيلة بمعنى الكرامة التى يعتني بشأنها الاسلام ، فهى التقوى أينما كانت[xxii]
والمراد بالفضل هو تمايز كل من طائفتي الرجال والنساء ، في بعض الأحكام التي تتعلق باحدهما دون الآخر ، كمزية الرجال على النساء في عدد الزوجات ، وزيادة سهم الميراث ، ومزية النساء على الرجال في وجوب المهر لهن ، ووجوب نفقتهن على الرجال. هذه المزايا تتعلق بما أودعه الله في النفس الإنسانية من حب ورغبة في السعي لعمارة الدنيا. والقيم هو الذي يقوم بأمر غيره ، والقوام والقيام مبالغة منه.[xxiii]
أما غيرها من الجهات ، كالتعليم والمكاسب والعلاج وغيرها ، مما لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهن السنة ذلك ، والسيرة النبوية تمضي كثيرا منها ، والكتاب أيضا لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقهن. فإن ذلك لازم ما أعطين من حرية الإرادة والعمل في كثير من شئون الحياة. إذ لا معنى لإخراجهن من تحت ولاية الرجال ، وجعل الملك لهن ، ثم النهي عن قيامهن بإصلاح ما ملكته أيديهن بأي نحو من الإصلاح. وكذا لا معنى لجعل حق الدعوى أو الشهادة لهن ، ثم المنع عن حضورهن عند الوالي أو القاضي وهكذا. اللهم إلا فيما يزاحم حق الزوج فإن له عليها قوامة الطاعة في الحضور ، والحفظ في الغيبة. [xxiv]
المراد بما فضل الله بعضهم على بعض ، هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء. وهو زيادة قوة التعقل فيهم ، وما يتفرع عنه من شدة البأس والقوة على الشدائد من الأعمال ونحوها. فإن حياة النساء حياة إحساسية عاطفية ، مبنية على الرقة واللطافة. والمراد بما أنفقوا من أموالهم ما أنفقوه في مهورهن ونفقاتهن.[xxv]
ويلزم من عموم هذه العلة (بما فضل الله وبما انفقوا) أن الحكم المبني عليها مجعول لطائفة الرجال على طائفة النساء ، في الجهات العامة التي يشترك فيها الطرفان. فالجهات الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال ، كالحكومة والقضاء والقتال الذي يرتبط بالشدة وقوة التعقل ، فهي مما يقوم به الرجال على النساء.[xxvi]
لم يبتعد مرتضى مطهري[xxvii] عن النسق الذي اختطه استاذه. فقد تبنى ذات التاسيس والتبيين الفلسفي للعدالة الاستحقاقية ، واعتمده كأرضية للدفاع عن  متبنيات الفقه التقليدي فيما يخص حقوق المرأة.
وفقا لمطهري ، فان "الإسلام يقر المساواة بين حقوق المرأة والرجل. لكنه لا يقر تشابه هذه الحقوق".[xxviii] "الذي يطرحه الإسلام هو أن المرأة بما أنها امرأة تختلف عن الرجل لكونه رجلاً في جوانب كثيرة. فعالم المرأة غير عالم الرجل ، وخلقة وطبيعة المرأة غير خلقة وطبيعة الرجل. وهذا يؤدي بالطبع إلى أن كثيراً من الحقوق والواجبات والعقوبات سوف لا تكون واحدة لكليهما"[xxix].
"ندعو إلى عدم تشابه حقوق المرأة والرجل ، في المجالات التي تختلف فيها طبيعة كل منهما. فننسجم بذلك مع العدل والحق الفطريين ، ونؤمن بشكل أفضل سعادة الأسرة ، وندفع بالمجتمع إلى الأمام".[xxx] "العدالة والحقوق الفطرية والإنسانية تستدعي عدم تشابه المرأة والرجل في بعض الحقوق لا غير..... الشريعة الإسلامية وطبقاً للمبدأ الذي طرحته هي ذاتها ، لن تخرج مطلقاً عن محور العدالة والحقوق الفطرية والطبيعية".[xxxi]
تجد هذا الرأي أيضا عند المرحوم منتظري[xxxii]. فهو مثل الطباطبائي ومطهري ، يصرف مبدأ العدالة الى مفهوم العدالة التناسبية المبنية على الاستحقاق "كل حق وتكليف للمرأة والرجل ينبغي أن يبنى على اساس العدالة. ليس في معنى مساواة الرجل بالمرأة في كافة الجهات ، بل بمعنى ان يعطى لكل منهما ما يستحق من حقوق ، ويكلف بما يستطيع من واجبات"[xxxiii].

خلاصة اراء القائلين بالعدالة النسبية (الاستحقاقية):

اولا- الاصل هو تساوي الجنسين في الحقوق والواجبات ، الا في الموارد التي تقتضي طبيعة كل منهما عدم الاشتراك. وهذا مقتضى الفطرة.
ثانيا- موارد اختلاف حقوق الجنسين وواجباتهما ، قائمة على خصال ذاتية ومقتضيات طبيعية غير قابلة للتغيير. هذه الخصال لا يمكن نسبتها الى سوء التربية أو اجحاف المحيط.
ثالثا-الخصال الذاتية للمرأة التي – بالخلق – جعلتها متمايزة عن الرجل ، اثنتان: أ) الحمل وكونها مزرعة لتكون ونمو النوع الانساني ، وان بقاء النوع الانساني معتمد عليها بالدرجة الأولى. بسبب الحمل فقد وضعت الشريعة للمرأة أحكاما خاصة. و ب) ان طبيعة المرأة قائمة على لطف الجسد وشدة العواطف والاحاسيس ، ورقة الشعور. هذه الميزات اكثر تاثيرا في احول ووظائف وحقوق المرأة.
رابعا- ترتب على تلك الخصال الخاصة بالمرأة ، ميل غالب الى التجمل من جانب ، وعدم قدرتهن على التعقل والاستدلال واقامة الحجة من جانب اخر. حياة المرأة عاطفية واحساسية وحياة الرجل عقلانية. والمقصود هو المتوسط العام للرجال والنساء. 
خامسا- النساء – بالنظر الى الخصال المذكورة  – في حاجة دائمة الى رعاية الرجل. الاب قبل الزواج والزوج من بعده. ومن يحتاج الى راع في امر العائلة ، لا يمكن ان يدير الامور السياسية أو الدينية أو القضاء في المجتمع.  كما انها بسبب ضعفها البدني معفاة من الحرب.
سادسا-يشترك الجنسان في الفضائل العمومية للدين ، مثل الايمان والعلم والتقوى. ويختص كل منهما بتفضيلات اخرى ، مثل اختصاص الرجل بنصيب أعلى في الميراث ، وكذا في الشهادة والدية وتعدد الزوجات والولاية والقضاء والقتال ، والقوامة. ومعنى القوامة هو تقدم حق الرجل على جميع حقوق المرأة الاخرى ، في غير المعصية. كما تختص المرأة بحق النفقة والمهر على الرجل. وعليها الحجاب وتغطية مواضع الزينة وطاعة الرجل  وتمكينه من الاستمتاع الجنسي. وفي المقابل فتربية وحضانة الابناء واجب عليه وكذا حماية الزوجة.
سابعا-جنس المرأة من حيث الطبع والتكوين اضعف من جنس الرجل. ومن هنا وضعت الحقوق والتكاليف الشرعية للمرأة ، على نحو يتناسب مع ما تستحقه ذاتيا ، وهو عادل تماما. حجة القائلين بهذا الرأي ان العدالة ليست التشابه في الحقوق. بل المساواة حيثما كان الطرفان متساويين في المؤهلات.  وفي المقابل فان التفاوت في الأهلية يستدعي تمايزا في الحقوق المتعلقة بتلك المؤهلات. 

ملخص الاستدلال في مدرسة العدالة الاستحقاقية

وفقا لرؤية هذه الشريحة من المفكرين ، الذين لهم – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – حق الاستاذية على الكاتب ، فقد جرى عرض الأدلة العقلية والنقلية على النحو التالي:
أولا- تم اعتبار الأدلة النقلية على المساواة الحقوقية ، أرضية أولية للبحث. بمعنى ان الأصل هو المساواة الحقوقية بين الرجل والمرأة ، الا اذا ورد دليل على عدم المساواة.
ثانيا- تبعا لما سبق فان الأدلة النقلية على عدم المساواة ، صنفت كبرهان على ان مواردها تقع خارج الأصل المذكور. في هذه الموارد ، اعتبروا الدليل الخاص عليه ، أو القيد الذي أخرجه من العموم السابق ، بمنزلة القرينة القطعية على التصرف في العام أو المطلق ، في كل مورد لا يمكن التمسك فيه بعموم أدلة المساواة الحقوقية.[xxxiv]
ثالثا- الاستدلال العقلي على هذه الرؤية ، على الوجه التالي: العدالة التي يحكم العقل المستقل بحسنها  تعني التعامل المتلائم مع ما يستحقه الانسان ذاتيا. الاهلية الذاتية/الطبيعية كاشفة عن الحقوق الفطرية التي يستحقها كل شخص ، ومفهوم العدل منصرف الى اداء ما ثبت من حقوق فطرية.
وبناء عليه ، فانه في موارد تساوي الجنسين في المؤهلات الطبيعية/الفطرية ، فانهما يتمتعان - تبعا لهذا –بنفس الحقوق. وفي الموارد التي تتفاوت مؤهلاتهم ، فمن الواضح ان حقوقهم الفطرية متفاوتة ، ويحصلون تبعا لذلك على حقوق شرعية متفاوتة. القاعدة السارية هي ان المتساوين يعاملون بالسوية ، وغير المتساوين يعاملون بصور متفاوتة. وهذا عين العدالة.
لو منحت النساء اللاتي يفتقرن لبعض المؤهلات والامكانات ، ذات الحقوق التي منحت للرجال ، او كلفن بذات التكاليف التي وجبت على الرجال ، لاعتبرنا الوجهين عين الظلم. هذا التفاوت في الحقوق ليس تمييزا بل هو عين العدالة. يلزم الاشارة الى ان النساء يحصلن عوضا عن ذلك ، على حقوق تتناسب مع ما لديهن من مؤهلات وامكانات لا يشتركن فيها مع الرجال. 
طبقا لهذه الرؤية فان الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء ، التي ذكرت في الفقه الموروث ، هي مقتضى العدالة.  كما انها مدعومة بأدلة العقل والنقل.  تطبيق هذه الأحكام على نحو صحيح ، طريق لنيل السعادة في الدنيا والاخرة. وان التساوي الحقوقي بين المرأة والرجل غير مقبول شرعا وعقلا.

الجزء الثالث 

روح القرآن والمعايير الاسلامية في المقارنة مع العدالة المساواتية /الانصاف والتكافؤ الأصلي

خصصت هذا الجزء للاستدلال على رجحان العدالة المساواتية/ الانصاف والتكافؤ الاصلي. وهو يتضمن مناقشة لرؤية المفكرين التقليديين حول حقوق المرأة ، ولاسيما أدلتهم العقلية والنقلية. نستعرض اولا جذر مفهوم العدالة الاستحقاقية وتحليل معنى التكافؤ الاصلي. ثم نقيم الأدلة العقلية على رجحان الثانية. وهو تمهيد للمجادلة اللاحقة حول كون العدالة المساواتية/ الانصاف اكثر ملاءمة لروح القرآن والمعايير الاسلامية.

أولا: من العدالة الاستحقاقية الى العدالة المساواتية:

عالج ارسطو مفهوم المساواة ضمن نظريته حول العدالة ، التي قسمها الى توزيعية وتصحيحية. العدالة التوزيعية Distributive Justice هي اقدم صور العدالة واكثرها رواجا. وقد حظيت رؤية ارسطو هذه بقبول عام بين علماء المسلمين في الماضي والحاضر ، حيث اعتبروها مطابقة لمفهوم العدالة المذكور في القرآن الكريم وتعاليم الاسلام.
ينصرف مفهوم العدالة في ابسط صورها ، الى المساواة بين الناس في الحقوق. وابسط درجات المساواة هي المساواة المطلقة او الحسابية ، حيث يتساوى كل فرد مع كل فرد آخر في كل شيء. لكن أرسطو يعتقد ان المساواة في هذا المفهوم ليست عدلا. يتجسد العدل عنده في مفهوم المساواة النسبية/التناسبية proportional ، حيث يعامل الناس بحسب استحقاقهم ، اي ما يملكون من مؤهلات وما يقدمون – تبعا لذلك - من عطاء. فالافراد الذين يملكون مؤهلات متساوية ، يحصلون على نفس الحقوق. والافراد الذين يملكون مؤهلات مختلفة ، ينتمون الى شرائح اخرى تحصل على حقوق غير ما حصلت عليه الشريحة الأولى.[xxxv]
من الظلم منح الافراد غير المتساوين حقوقا متساوية. لا يمكن للمرأة ان تحصل على نفس حقوق الرجل ، ولا يمكن للعبد ان يحصل على حقوق الحر ، ولا يحصل البدو على حقوق سكان المدينة ، لانهم ينتمون الى شرائح مختلفة في مؤهلاتها وبالتالي استحقاقها. في هذه الرؤية تنصرف العدالة الى معنى التساوي التناسبي/النسبي.  هذا التعريف للعدالة "وضع كل شيء في موضعه واعطاء كل ذي حق حقه" هو المعنى الذي فهمه حكماء المسلمين من مبنى العدالة الارسطي.
كان التفسير الارسطي للعدالة معياريا حتى اواخر القرن الثامن عشر الميلادي. لكن منذ صدور اعلان الاستقلال الامريكي (1776) ثم اعلان حقوق الانسان والمواطن في الثورة الفرنسية (1789) تراجع مفهوم المساواة التناسبية ، وحل محله مفهوم المساواة التامة بين جميع الناس ، باعتبارها حقا الهيا أو طبيعيا. بني مفهوم المساواة الجديد على مبدأ التكافؤ الاصلي ، اي ان الناس جميعا يولدون متساوين ، وان التمايزات بينهم تكتسب لاحقا بتأثير التربية ، او كانعكاس للقانون أو النظام الاجتماعي والاقتصادي. رغم هذا التمايز ، فانهم يبقون متساوين في شريحة من الحقوق الأولية التي اعتبرت لازمة لانسانية الانسان.
مع مرور الزمن ، تطورت هذه الفكرة الى معنى جديد للعدالة التوزيعية ، خلاصته: مع ان الناس يملكون قابليات ومؤهلات متفاوتة ، الا انهم جميعا بشر. وبناء على هذا ، فهم يتمتعون بمكانة متساوية ومن ثم حقوق متساوية. هذا المبنى الحقوقي مبني على ركنين: أولهما ان جميع الناس – من حيث المبدأ – متساوون في الحقوق ، حتى لو اختلفت اجناسهم واعراقهم ، وان التمايز المقبول في الحقوق ، هو ما يترتب على المؤهلات المكتسبة لاحقا. الثاني ان الأصل في العدالة التوزيعية هو التساوي الحقوقي ، الا اذا قام دليل مناسب يسمح بالتمييز.[xxxvi]
مقارنة المبنيين القديم والجديد للعدالة التوزيعية في مجال حقوق النساء ، يظهر انه:
أولا: ليس ثمة شك في الاختلاف البيولوجي والسيكولوجي بين المرأة والرجل.
ثانيا: ان الصفات البيولوجية والسيكولوجية للنساء كانت مبنى لاستحقاق النساء حقوقا اقل ، بناء على  المبنى القديم.
ثالثا: بناء على مبدأ التكافؤ الأصلي ، فان كون المرأة انسانا ، هو الدليل على تساويها في الحقوق مع الرجل.
رابعا: العدول عن مبدأ التساوي في الحقوق ، محصور في الموارد التي يقوم دليل مناسب على كون التفاوت عادلا ، مثل حق المرأة في الحماية.
في هذه المقالة نستعمل مصطلح "العدالة الاستحقاقية" للاشارة الى مفهوم العدالة التوزيعية والمساواة النسبية/التناسبية ، اي رؤية ارسطو التي قبلها المفكرون المسلمون. كما نستعمل مصطلح "العدالة المساواتية/الانصاف" وهو مفهوم محرر للعدالة التوزيعية ، بناء على ارضية التكافؤ الأصلي.

ثانيا: الأدلة العقلية على تقدم العدالة المساواتية/الانصاف على العدالة الاستحقاقية

لماذا نعتبر العدالة المساواتية/الانصاف والتكافؤ الأصلي اكثر معقولية من العدالة الاستحقاقية والمساواة التناسبية؟.
في هذا القسم سوف اجيب على السؤال بمحاججة عقلية محضة ، وزعتها على ستة وجوه ، يمكن دمجها كليا او جزئيا ، لكني فضلت تفصيلها كي يسهل استيعاب المسالة.
الحجة الاولى: العدالة مفهوم سابق للدين. العدل والظلم في أعم معانيهما ، قابلان للادراك بواسطة العقل عند كافة الناس. وقد استوعب الانسان مفهوم العدالة وتطبيقاتها على ضوء خبرته التاريخية ، وبالرجوع الى العقل الجمعي. لزمن طويل كانت العدالة الاستحقاقية والمساواة التناسبية فكرة غالبة. بناء على هذا جرى تحديد المكانة الطبيعية للنساء والعبيد والسود في موضع ادنى من الرجل ، من البشر البيض والاحرار . هذا الهوان الحقوقي كان يعتبر طيلة قرون ، مبررا عقليا لمفهوم العدالة المذكور.
لكن هذا المبنى تعرض لنقد جدي في العصر الحاضر. ما عاد عقل الانسان المعاصر يتقبل مفهوم العدالة الاستحقاقية والمساواة التناسبية ، ولا يجده مبررا. لقد تحول فهم الانسان لذاته وحقوقه ، فبات يعتقد بأن كل انسان له حقوق اصلية ، لكونه انسانا فقط ، وبغض النظر عن أصله وجنسه وصفته ولونه. جوهر الانسانية ليس  في صفات الانسان الخارجية او انتمائه الاجتماعي ، بل تتعلق بروح الانسان وطبعه الأصلي ، الذي يتماثل فيه جميع البشر. ذلك الجوهر الانساني هو منشأ كرامة الانسان واحترامه. وليس للجوهر الانساني ، او روح الانسان وطبعه الفطري ، جنس ولا عرق ولا لون ولا دين ولا عقيدة سياسية ولا مكانة اجتماعية ولا أي صبغة اخرى.
بعبارة اخرى فان مفهوم "ذي حق" قد تغير. في الماضي كان الانسان لا يعرف الا بوصفه ، فهو إما رجل او امرأة ، ابيض أو اسود ، حر أو عبد.. الخ. ولهذا كانت الحقوق متفاوتة بين المرأة والرجل ، وبين الاسود والابيض ، وبين العبد والحر.. الخ. وكان هذا التمايز يعتبر صحيحا وعادلا عند عقلاء تلك الازمنة. لكننا نعرف ان عرف العقلاء قد تغير الآن. ولهذا فهم لا يقبلون – مثلا - بانتقاص حقوق الرجل الاسود لمجرد ان لون بشرته مختلف. ولايقبلون أيضا وجود ارقاء ، او بيع وشراء البشر ، او قابليتهم للتملك من قبل بشر آخرين.
نستطيع القول بناء على هذا التحول ، انه اذا كانت المساواة التناسبية معقولة ومقبولة في الماضي ، فالمؤكد ان هذا الحال قد تغير الان. اذا رضينا بعرف العقلاء كمبرر ، فان هذا العرف بات ينظر الى الانسان بوصفه انسانا ، ومن دون وصف او تمييز. فسواء كان رجلا او امرأة ، حرا او عبدا ، أسودا او ابيضا ، فان كلا منهم انسان فقط ، وانهم جميعا متكافئون في الخلق والقيمة ، ومتساوون في الحقوق الطبيعية المتلازمة مع انسانية الانسان. اذا كانت المساواة التناسبية مقبولة في الماضي ، فان التكافؤ الأصلي هو الصادق والمقبول عند عقلاء هذا العصر. ومعنى هذا ان المساواة التناسبية التي تبرر التفاوت في الحقوق بين بني الانسان ، لم تعد صادقة او مبررة.
الحجة الثانية: ادراك الانسان المعاصر للعدالة ، منصرف الى مفهومها المساواتي. العدالة في هذا العصر تعني المعاملة المتساوية لجميع الناس. وان اي صفة او ميزة في بعضهم ، لا تصح مبررا للتمييز بينهم في القيمة او في الحقوق. كون الانسان اسود اللون ، لا يعتبر مبررا للتهوين من حقوقه كانسان. وكذلك كونه امرأة لا يعتبر مبررا مقبولا عقلا للتمييز في الحقوق. المساواة بين الناس هي الأصل الوحيد في التعامل معهم والتعامل فيما بينهم. على ان عرف العقلاء يقبل بالعدول عن هذا الاصل في حالات محددة ، شرط قيام دليل معتبر يؤكد ان هذا العدول لا يخرج عن دائرة العدالة.
الحجة الثالثة: المساواة التناسبية قائمة على ارضية التمايز الطبيعي ، اي كون الناس متمايزين ومختلفين تكوينيا. سلامة هذا التاسيس مشروطة بكونه ناتجا عن فرضية مثبتة في معادلة صحيحة: "ثبت ان > فيجب ان". بعبارة أخرى: المعادلة المنطقية التي بنيت عليها المساواة التناسبية ، تبدأ بفرضية "أن المرأة تختلف عن الرجل بيولوجيا ونفسيا". وبناء عليه "يجب ان تحصل على حقوق اقل من الرجل".  مناقشة هذا الاستنتاج "يجب ان" تبدأ من الفرضية السابقة له ، اي دعوى ان المرأة مختلفة بيولوجيا ونفسيا عن الرجل ، اختلافا يستوجب اختلافا موازيا في الحقوق والتكاليف والمكانة.
في الحقيقة فان المعادلة تتضمن ادعاءين مختلفين ، وكل منهما يحتاج الى برهان خاص به:
·        الادعاء الاول: ان المرأة مختلفة - على النحو المذكور اعلاه- بيولوجيا ونفسيا عن الرجل. واثبات هذا الادعاء يتوقف على فحص بيولوجي ونفسي.
·        الادعاء الثاني: ان الاختلاف البيولوجي والنفسي يترتب عليه بالضرورة تمايز في الحقوق. هذا الاثبات يحتاج الى فحص فلسفي. وهو لم يقم بعد.
ينبغي التدقيق في المسألة. فنحن لا ننفي الاختلاف بين الرجل والمرأة. بل على العكس نؤكده. الذي ننكره هو ان ذلك الاختلاف مبرر ضروري للتمييز. بأي دليل فلسفي جرى التحقق من ان الأول "الاختلاف" يستلزم الثاني "التمييز"؟. بأي دليل عقلي جرى اثبات ان التانيث سبب لتقليل الحقوق. ولماذا جرى اعتبار الضعف المادي أو قوة العواطف والمشاعر سببا ضروريا لسلب أو تقليل الحقوق؟.
الحجة الرابعة: المساواة في الحقوق عدل ، والتمييز في الحقوق ظلم. ليس ثمة شك في الحسن الذاتي للعدل والقبح الذاتي للظلم.
المفكرون التقليديون لا يعتبرون المساواة حسنة ذاتيا.  ولا يرونها مصداقا للعدالة. خلاصة رؤيتهم ان العدل متلازم مع الاستحقاق وليس مع المساواة. استحقاق الافراد لا يترتب عليه بالضرورة مساواة. الاستحقاق يعني ان لكل فرد حق بقدر ما يملك من قابلية ، لا اكثر ولا اقل. ما يستحقه العبد والمرأة وغير المسلم ، هو تلك الحقوق التي أقر بها عرف العقلاء في الماضي ، ومنحت لهم في الفقه التقليدي والقانون القديم. أما مساواة الرجل والمرأة ، مساواة العبد مع الحر ، مساواة المسلم مع غير المسلم فهي جميعا خلاف العدالة.
وقد يحتجون على هذا بان ما تقره الشريعة من حقوق للناس ، قد تكون فوق ما يستطيع العقل الانساني إدراكه. ولذا لا يصح تطبيق العدالة بناء على هذا الادراك القاصر ، فهذا عين الظلم في رأيهم.
طيلة قرون ، كانت الرؤية التي تربط العدل بالاستحقاق ، مبررا لنظام الرق والتمييز الجنسي وغيره. فكيف انكشفت صحة هذا الاستحقاق؟. من اين وبأي دليل قطعي كشفنا ان هذا القدر من الحقوق خاص بالنساء ، وذلك القدر خاص بالرجال. ذلك التقدير الانثروبولجي الذي اعتبروه مبررا للاستحقاق أو التمييز في الحقوق ، طيلة مئات السنين ، هل هو ذاته مستند الى دليل عقلي؟.
التمييز في الحقوق عين الظلم. لان الله ساوى بين عباده في الكرامة والروح الانسانية ، ومكنهم من القابلية للارتقاء والتعالي ، لو حصلوا على فرص متماثلة. وملاك التساوي في الحقوق هو وحدة الجوهر الانساني لجميع البشر. البشر متساوون من حيث الحقوق لانهم شركاء في هذا الجوهر الالهي ، اي الادمية والانسانية. كرامة بني آدم تتجلى في تمتعهم بهذا الجوهر المشترك. يستحق الناس حقوقا متماثلة ، لان جوهرهم متماثل. والمقصود هنا هو التماثل في القابليات والامكانات بغض النظر عن كونها متحققة فعليا.
يؤمن العدلية بالعدالة الالهية. ويعتقدون انها سابقة للدين. ونعلم ان العدالة لا تنحصر في الاعتقادات وعلم الكلام. شريعة الله العادل عادلة. والعدل اساس ومعيار لفقه العدلية. ومعيارية العدالة تعني على وجه التحديد معايرة أصل الأحكام الشرعية مع أصل العدالة. تساوي الرجل والمرأة في الحقوق من لوازم العدالة. والتمييز بينهما في الحقوق مصداق للظلم. حقيقة العدالة في زماننا هي العدالة المساواتية. أما العدالة المقيدة بالمفهوم القديم للاستحقاق ، فهي - في زماننا هذا - معادلة للتمييز في الحقوق ومصداق للظلم.   
الحجة الخامسة: كرامة الانسان متلائمة مع المساواة التامة في الحقوق. لا شك ان الله كرم الانسان بما هو انسان "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا- الاسراء 70". اي ان الكرامة جزء من الجوهر الانساني الذي يشترك فيه الرجل والمرأة. التمييز في الحقوق ينطوي على هدر لأصل الكرامة. لأن انتقاص الشخص متلازم مع انتقاص حقوقه ، ومنحه مكانة دون مكانة الآخرين الذين يماثلونه في الجوهر.
لقد أغفل نظام العلاقات والقيم الذكوري القديم أصل الكرامة ، حين انتقص من حقوق بعض البشر ومنحهم مكانة أدنى من غيرهم ، لا لشيء الا لاختلافهم في الجنس او اللون او العرق. أما في هذا العصر فان ذلك النظام الذكوري لم يعد هو الحاكم في العالم. ولذا فان عقلاء العصر لا يرون معنى للعدالة والكرامة من دون المساواة الحقوقية ، اي انهم يعتبرون كرامة الانسان متلازمة مع العدالة المطلقة والمساواة التامة.
الحجة السادسة: مقتضى العقلانية الدائم هو اختيار الارجح وترك المرجوح. الاخذ بالمرجوح مع ظهور الارجح وامكانيته ، مخالف لحكم العقل. اذا كانت عقلانية الامس قد قبلت بالتمييز في الحقوق بين الجنسين ، واعتبرتها مصداقا للاستحقاق والعدالة ، فان عقلانية اليوم تعتبره عين الظلم وهدرا للحقوق الثابتة للانسان.
دراسة الأحكام الشرعية في الفقه التقليدي ، الذي اقيم على ارضية التمييز الحقوقي بين المرأة والرجل ، تظهر بشكل قطعي ان التمايز مرجوح ، في مقابل مساواة المرأة والرجل في الحقوق. لو سأل اي انسان منصف وجدانه ، فهو بالقطع سيرجح العدالة المطلقة والمساواة الكاملة ، على الأحكام التمييزية للفقه التقليدي. هذا الترجيح العقلي ظاهر وقطعي.

ثالثا: دفاع عن تناسب روح القرآن والمعايير الاسلامية مع العدالة المساواتية والتكافؤ الأصلي

لماذا نعتبر العدالة المساواتية/الانصاف والتكافؤ الأصلي ، أكثر  تناسبا مع روح القرآن والمعايير الاسلامية؟. في هذا القسم ساحاول بحث مسألة العدالة في الاطار الكلامي.
أولا: ان العدل معيار للحكم الشرعي
اذا قلنا بان العدل من المستقلات العقلية السابقة للدين ، ترتب عليه - منطقيا - ان المتأخر لا يقيد المتقدم. معنى كون العدل من المستقلات العقلية ، هو ان مفهومه يتضح بجهد العقل ، وانه تابع لموازين العقل في تحوله المفهومي والخطابي ، وتحديد القول الغالب فيه.
لا خلاف في المكانة الرفيعة للعدل في الاسلام والقرآن والسنة. هذه المكانة مفتاح لمعرفة الدين في الكلام الشيعي والمعتزلي. بمعنى ان القيام بالعدل معيار للمقارنة بين الاديان ، وبين الدين واللادين. لهذا نقول بان الانسان يختار دينه اذا ثبت له ان هذا الدين قائم على اساس العدل ، وانه يعزز القيام بالعدل. الله جل وعلا عادل. اساس الكون اقيم على العدل. وشرع الله العادل ، عادل ومبني على اساس العدل. ثم ان الانسان في العموم ، قادر على إدراك موازين العدل ، حتى لو عجز عن تشخيص بعض تطبيقاته وتمظهراته.
بديهي ان القرآن الكريم لم ينشيء مفهوم العدل أو القسط أو الانصاف. لكنه أقرها وعززها وحببها ودعا الناس اليها. معنى هذا المنهج ان الله سبحانه يريد العدالة القابلة للادراك بالعقل الذي انعم به على الانسان يوم خلقه. لو اراد الخالق سبحانه معنى آخر للعدالة ، مختلفا عما تعارف عليه العقلاء ، للزم ان يوضح هذا المفهوم الجديد للمسلمين.
في الحقيقة فان فهم العرف للعدالة ، هو الاساس الذي بني عليه المفهوم القديم (العدالة الاستحقاقية). لان هذا المفهوم هو الذي كان سائدا في الماضي. وبصورة عامة فان فهم العقلاء لخطاب الشارع ، هو الحجة في تطبيق أوامر الشارع.  ولا يوجد سبيل آخر للالزام بالاوامر الشرعية ، قبل صرفها الى فهم عرفي محدد. لان تنفيذ امر الشارع مشروط بفهمه من قبل المكلفين ، وفهم  المكلفين له يتأثر – بالضرورة – بالعقلانية السائدة والمفاهيم والمؤثرات الاجتماعية الاخرى القائمة عند وصول الامر الى  المكلف.
وبنفس المنهج ، نقول ان الفهم السائد بين عقلاء هذا العصر لمفهوم العدالة وتطبيقاتها ، هو التفسير الصحيح والوحيد لما ورد في القرآن والسنة ، من أمر بالاحتكام الى ميزان العدل والقسط والانصاف. بتعبير آخر فان بوسعنا – بناء على ما سبق شرحه – القول بان الوجوب المسبق لاعتماد معيار العدل في انشاء الحكم الشرعي ، يعني على وجه التحديد اعتماد مفهوم العدالة المساواتية/الانصاف ، وليس المفهوم القديم (العدالة الاستحقاقية) الذي بات منكرا في عرف العقلاء.
ان العدالة التي تحدث عنها الكتاب والسنة ، متعلقة بأفعال البشر ، وهي قابلة للفهم والادراك في إطار فهمهم الراهن لفكرة العدل وتوقعاتهم الفعلية من الدين العادل ، الا اذا دلتنا القرائن القطعية على ان مراد الكتاب والسنة من حديثهما عن العدل ، مخالف لما يفهمه عقلاء هذا العصر وما يتوقعونه.
ثانيا: العدالة المساواتية اكثر ملاءمة لروح الشريعة
العدالة المساواتية/الانصاف والتكافؤ الأصلي اكثر ملاءمة لروح القرآن والمعايير الاسلامية. لان الخطاب الديني متوجه لنوع الانسان. فهو المخاطب بأمر الله ، وهو حامل الأمانة الالهية الذي تقبل ميثاق الخلق "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين -الاعراف 172".
ان جوهر انسانية الانسان ليست في قوامه الجسدي ، بل في روحه وشخصيته وقدراته الادراكية. فهذه هي التي تضفي عليه صفة الانسانية. اما الجسد المادي ، فخلاياه تتغير كليا كل بضعة اعوام ، بصورة طبيعية. ورغم ذلك فان هوية الانسان تبقى ملازمة له ، لانها مرتبطة بالجانب الاول لا بالجسد.
لعل بعضهم يحتج معارضا لهذا التقدير ، بمثل القول ان جسد الانسان جزء من هويته ، بدليل اتفاق غالبية المسلمين ، على ان الانسان يبعث يوم القيامه بجسده وروحه. ونرد على هذا بوجوه عديدة ، منها ان الجميع متفق على المعاد الروحاني ، بينما الجسماني فيه نقاش ، لان بعض المسلمين ينكره. وثانيا ان هذا النقاش كله ، اي القول بالطرفين اجتهادي ، وليس لدينا نص قطعي يمنع القول الآخر. وثالثا ، انه حتى مع القول بالمعاد الجسماني ، فانه لا أحد يقول بدلالة البعث الجسماني على ان الجسد – مستقلا – مشمول بالتكليف الالهي. 
ما يجعل الانسان انسانا ، وما يميزه عن سائر الحيونات ، هو هذه الروح الانسانية التي هي نفحة من روح الله "إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 71-72". تمتع الانسان بهذه النعمة الالهية ، هي التي جعلته مستحقا لتشريف الخالق وسجود الملائكة. لا شك ان كرامة الانسان متعلقة بهذه الروح الالهية ، وليس البدن الترابي. من دون الروح ، لا يكون الكائن البشري سوى جسد أوله علقة وآخره جيفة ، أي مجرد كتلة مادية قيمتها في وزنها وحجمها ، بعيدا عن القيمة العظمى التي أولاها الخالق للانسان.
لقد خلقنا الله من نفس واحدة "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها- الاعراف 189" وهي منشأ الانسان المذكر والانسان المؤنث. النفس الانسانية الواحدة هي الحامل للأمانة الالهية ، وهي المخاطب  بالحقوق والتكاليف. ليس في النفس مذكر ومؤنث. ثم ان القاعدة الأصلية في التكاليف والحقوق الانسانية هي التساوي في منح الحق وفرض التكليف. والتمييز بين اصحاب الحق والمكلفين هو الذي يتطلب دليلا قطعيا ، لأنه خروج عن القاعدة[xxxvii]. هذا هو مقتضى روح القرآن والمعايير الاسلامية.

الجزء الرابع

 مراجعة لأدلة التمايز الحقوقي بين الجنسين من زاوية العدالة المساواتية

بعض الأحكام الشرعية التي يستنبطها الفقهاء اعتمادا على معيار العدالة الاستحقاقية ، قد تتسبب في وهن الدين الحنيف. وعلى اقل التقادير ، فان هذه الأحكام ، لا تعتبر في ميزان العقلانية  المعاصرة ، عادلة أو اخلاقية ، بل هي مرجوحة وغير مقبولة.  بعبارة اخرى فان تلك الأحكام تعتبر في ميزان العدالة المساواتية ، نوعا من الظلم.
نعلم طبعا ان هناك من يعتبر تلك الأحكام طبيعية ، ولا يرى فيها أي عيب. ولذا لا يجد اي مبرر لاعادة البحث فيها او في ارضيتها ومبرراتها. نقاشنا الحاضر ليس مع هؤلاء. بل مع اولئك الذين يشعرون بالحرج ازاء التناقض المشهود ، بين الضرورة النظرية للعدالة في التشريع من جهة ، وبين الوجود الواقعي لأحكام شرعية تنطوي على تمييز ظالم في الحقوق ، من جهة أخرى.
هؤلاء الذين يلمسون المشكلة ، سيقبلون انه في منهج العدالة الاستحقاقية ، ثمة موضع يتعثر فيه الاستدلال. فاين هو موقع التعثر ؟.
العلماء (أ) بناء على فرضيات خاصة (ب) وباعتماد دليل معين (ج) من الأدلة الدينية (د) توصلوا الى نتائج (هـ). 
وقد جادلنا في الصفحات السابقة الرؤية الذكورية ، في فرضياتها المسبقة واستدلالها العقلي على العدالة الاستحقاقية. وقد حان الوقت الان لنقد الأدلة الدينية على العدالة الاستحقاقية.
في عصر النزول قطع الاسلام خطوات واسعة ارتقت بحقوق المرأة ، قياسا الى وضعها في ذلك العصر. ولا شك ان هذا التطور قد ساعد على ارتقاء منزلة المرأة في العالم. يمكن تقسيم هذه التطور الى جزئين: تضمن الأول مساواة كاملة بين المرأة والرجل في بعض الحقوق. وتضمن الثاني ارتقاء بحقوق اخرى للمرأة ، لكن ليس الى حد المساواة مع الرجل.
-         ترى هل الجزء الثاني ، اي الأحكام التي تنطوي على عدم المساواة ، هي الكلمة الاخيرة للاسلام؟. بعبارة اخرى: هل هذه المجموعة من الأحكام تندرج تحت عنوان الأحكام الثابتة والدائمة ، ام انها من الأحكام الموسمية ، المؤقتة والمتغيرة؟.
اذا اعتبرناها أحكاما ثابتة ودائمة ، فسوف نضطر الى تفسيرها باعتبارها متناسبة مع الاستحقاق الذاتي للمرأة. اي ان المرأة بما هي امرأة ، تستحق هذا ولا شيء أكثر. اي ان مبدأ العدالة الاستحقاقية هو الصحيح دائما. لكنا نقول بان العالم في ذلك الزمان ، وحتى لقرون من بعده ، ما كان مستعدا لقبول العدالة المساواتية/الانصاف ،  مثلما لم يكن مستعدا لتقبل الالغاء النهائي للرق. ولهذا اراد الشارع معالجة الوضع القائم من خلال برنامج تحول تدريجي ، يبدأ بالتعامل مع الوضع القائم ، يصلحه تدريجيا ، حتى يصل الى الوضع المطلوب.
اي معالجة تدريجية لا بد أن تنطلق من الاقرار بالوضع القائم ، دون منحه شرعية تامة. خطوة البداية هي تحديد الاتجاه العام الى المساواة الحقوقية على نحو اجمالي. بعض المجالات التي لا زالت أحكامها تفتقر الى القبول العام ، حركها الشارع نصف خطوة الى الامام ، وأجل الخطوة التالية الى حين يصبح المجتمع متقبلا لها ، حين تتطور  افهام الناس فيصبحون جاهزين للأحكام الاعلى درجة. العدالة الاستحقاقية كانت صفة نصف الخطوة الأول ، والعدالة المساواتية/الانصاف هي صفة النصف التالي. 
افترض المفكرون التقليديون ان جميع أو غالب تشريعات صدر الاسلام ثابتة ودائمة. اذا كان الامر على هذا النحو ، فينبغي ان تكون هذه الأحكام قادرة على انتاج ظرف تتجلى فيه العدالة والاخلاق. وان تكون ارجح من غيرها. بحيث لا ينكرها عقل الانسان المعاصر. لكن الواقع غير هذا. وهذه قرينة دامغة على ان هذه التشريعات ليست من جنس الأحكام الثابتة. الحكم الثابت والدائم ينبغي ان يكون على الدوام عادلا ، اخلاقيا ، راجحا على غيره ، ومبررا في عرف العقلاء.
نعرف ان أحكاما مثل تفضيل الرجل على المرأة ، قوامة الرجل على المرأة  ، العقاب البدني للمرأة الناشز ، جواز تزويج الولي للبنت القاصر دون رضاها ، ايقاع الطلاق من طرف الرجل ، اعتبار شهادة الرجل معادلة لشهادة امرأتين ، دية المرأة نصف دية الرجل ، إرث الولد ضعف إرث البنت ، الزام الرجل بالانفاق على المرأة. هذه الأحكام جميعا مثيرة للجدل ، لأن غالب الناس في هذا العصر لا يرونها مطابقة لمقتضيات العدالة ، أو انها لا تؤدي الى وضع يتسم بالعدالة.
في الاية المباركة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ -النساء 34" علل القرآن الكريم قوامة الرجل على المرأة بعلتين: أولهما "بما فضل الله بعضهم على بعض" والثانية "بما انفقوا من اموالهم". ولا شك ان قوله " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ - البقرة 228" مبني على هاتين العلتين. ذكر الله سبحانه لدليل الحكم ، يعني انه ليس حكما تعبديا وتوقيفيا. بمعنى ان الحكم (القوامة) يبقى قائما طالما بقيت علته (الفضل والانفاق) قائمة. وحين تذهب العلة ، فالمعلول يذهب معها.
وفقا لتفسير المفكرين التقليديين ، فان العلة الأولى  تؤكد التفوق الذاتي للرجل على المرأة. اما العلة الثانية فقد صرفوها الى حكم وجوب النفقة والمهر. وفي بيان العلة الأولى ذكروا التفوق العقلي والقوة البدنية للرجل ، مقابل شدة العاطفة والضعف البدني عن المرأة. اما الثانية (الانفاق) فقد الغوا عليتها ، واعتبروها مجرد شرح على الحكم. ترى هل يمكن القول ان تفضيل الرجل على المرأة في الآية ، دائم ودال على انها دون الرجل في الحقوق؟.
ان نقطة القوة في التفسير الفقهي التقليدي ، هي استناده الى آيات صريحة. لكن ما يبدو قويا ومستندا الى نص صريح ، قد لا يكون سوى وجه واحد للحقيقة. ولهذا سأستبق الاجابة على السؤال السابق ، بلفت نظر القاريء الى النقاط الثلاث التالية:   
النقطة الأولى: في القرآن الكريم فضل الله بني اسرائيل على سكان العالم ، كما في قوله "يابني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين – البقرة 47". وقد تكررت الآية بنفس النص في السورة ذاتها "البقرة 122". وقال أيضا "وَلَقَد آتَينَا بَني إسرَائيلَ الكتَابَ وَالحكمَ وَالنبوَةَ وَرَزَقنَاهم منَ الطَيبَات وَفَضَلنَاهم عَلَى العَالَمينَ- الجاثية 16" و قال حكاية عن نبيه موسى في خطاب لبني اسرائيل " قَالَ أَغَيرَ اللَه أَبغيكم إلَهًا وَهوَ فَضَلَكم عَلَى العَالَمينَ – الاعراف – 140".
لو أخذنا هذه الآيات بمفردها ، فدلالتها على افضلية بني اسرائيل على بقية البشر ، وظهور هذا المعنى فيها ، يغني عن أي بيان. لكن دعنا نتأمل في الآيات ضمن الصورة الكاملة للتوجيه القرآني ، وليس بمفردها. لا شك ان بني اسرائيل ليسوا افضل من امة عيسى وامة محمد. فكلمة "العالمين" الواردة في الآيات تشير الى البشر الذين عاصروا بعثة موسى ، أي قبل بعثة النبي عيسى والنبي محمد. بمعنى ان هذه الآيات ناظرة الى قضايا خارجية وليس الى قضايا حقيقية ، اي ناظرة الى فضل في ظرف زماني ومكاني خاص ، وليس فضيلة ذاتية وفطرية في عرق بني اسرائيل.
بنفس المنطق ، يمكن القول ان تفضيل الرجل على المرأة في الآيات التي ذكرناها آنفا ، قد يكون ناظرا الى زمن خاص وقضية خارجية ، اي ناظرا الى ظرف واقعي كان قائما في الماضي ، حيث كانت الغالبية الكبرى من النساء ، وبسبب موقعهن الاجتماعي ونظرة المجتمع ، غير متعلمات ، ولم يحصلن عن تربية تعادل تربية وتعليم الرجل. لكن هذا لا ينطبق على زمان اخر مثل زماننا ، حيث انه على رغم التفاوت الفعلي بين الجنسين ، إلا ان  المرأة لم تعد جاهلة ولا متكلة تماما على الرجل في معيشتها ، كما أن المجتمعات البشرية تتجه للمساواة بين الجنسين في الحقوق.
النقطة الثانية: تحدث القرآن عن فضل السيدة مريم على سائر نساء العالم "يَا مَريَم إنَ اللَـهَ اصطَفَاك وَطَهَرَك وَاصطَفَاك عَلَى نسَاء العَالَمينَ -ال عمران - 42" فهل المراد كافة نساء زمانها ، بصورة القضية الخارجية ، ام كافة نساء العالم منذ بداية الخلق وحتى نهاية الكون ، بصورة القضية الحقيقية؟.
لو أخذنا الآية بمفردها ، فنصها ظاهر في معنى الفضل الدائم على نساء البشر في كل الأزمان. لكن مع الاخذ بعين الاعتبار القرينة القطعية الخارجية ، فقد اعتبر المفسرون جميعا ان فضيلة السيدة مريم ، مثل فضيلة بني اسرائيل ، محدودة بظرفها الزماني الخاص. اي انها وصف لهذا الموضوع بالخصوص ، ولاتنطوي على تعريف بحقيقة قائمة بذاتها. وبناء عليه اعتبروها نوعا من القضية الخارجية لا الحقيقية.
في فضل الرجل على المرأة ، مورد البحث ، نجد ان القرينة الخارجية القطعية ، تسمح بالقول ان الآية الكريمة التي تتحدث عن فضل الرجل "بما فضل الله بعضهم على بعض" ناظرة الى موضوع بعينه في زمان خاص ، وليس تعريفا لحقيقة مستقلة. بيان ذلك انه في ذلك الظرف الزماني ، كان العقلاء بما هم عقلاء يرون القوة البدنية والقوى العقلية للرجل ، مبررا لاستحقاقه ما يزيد عن حقوق المرأة. في هذا الظرف الزماني نفسه لم تكن المرأة قادرة على العيش ، من دون الكفالة المالية والحماية المادية للرجل. طبيعي انه في ظرف كهذا ستقر المرأة بتفوق الرجل في الحقوق عليها ، وان سيرة العقلاء جرت على اعتبار هذا التفوق الحقوقي عادلا ومنصفا. 
اما في ظرف مختلف ، حيث سيرة العقلاء وحيث العقلاء بما هم عقلاء ، لا يرون التفاوت البيولوجي والبدني والذهني بين الجنسين مبررا للتفاوت في الحقوق ، كما ان عموم الرجال والنساء المنصفين لا يعتبرون هذا التفاوت عادلا ، بل يرونه عين الظلم والتمييز ، وحيث ان كلا الجنسين يشارك فعليا في اقتصاد المجتمع ومعيشة العائلة ، فانه لا يبقى شك في ان تلك الآيات ، مثلها مثل الآيات المرتبطة بالرق ، تتحدث عن أحكام مؤقتة مرتبطة بظرفها.
وقد سبقت الاشارة الى ان هذه الآيات معللة ، مثل قوله تعالى"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا". وكونها معللة ، كاشف عن ان الحكم دائر مدار العلة. وفي الظرف الذي لا تعود العلة قائمة ، فان المعلول (الحكم) سيكون منتفيا ايضا. لو كانت المسألة تعبدية ، لما كان ثمة مبرر لبيان العلة. فلما كانت العلة مبينة ، فقد فتح الشارع الطريق للبحث والنقاش العقلي في المعلول.  
النقطة الثالثة: تحدث القرآن الكريم عن عدم التساوي في توزيع الامكانات المادية ، وتفوق بعض الناس على بعض ، واعتبرها امورا واقعية في حياة المجتمعات ، مثل قوله تعالى "أَهم يَقسمونَ رَحمَتَ رَبكَ نَحن قَسَمنَا بَينَهم مَعيشَتَهم في الحَيَاة الدنيَا وَرَفَعنَابَعضَهم فَوقَ بَعض دَرَجَات ليَتَخذَ بَعضهم بَعضًا سخريًا وَرَحمَت رَبكَ خَير ممَا يَجمَعونَ – الزخرف 32" وقال ايضا "اللَـه فَضَلَ بَعضَكم عَلَى بَعض في الرزق – النحل 71" وقال "انظر كَيفَ فَضَلنَا بَعضَهم عَلَى بَعض وَلَلآخرَة أَكبَر دَرَجَات وَأَكبَر تَفضيلًا- الاسراء 21"
من الواضح ان هذه الآيات تنسب التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الى الباري جل وعلا. التفاوت في مؤهلات الناس وقابلياتهم وامكانتهم امر لا ينكر. لكن السؤال الكبير الذي تثيره مثل هذه الآيات هو:
- هذه التمايزات الاجتماعية والاقتصادية الواضحة ، المتأصلة في الطبيعة المختلفة للبشر ، هل تبرر التمييز بين هؤلاء الناس في الحقوق؟.
لو سالت القرآن والاسلام ، فسيجيبانك بالنفي قطعا. ان تمايز الناس في المعايش والعلم والوظيفة والمكانة وغيرها ، لا يصلح مبررا للتمييز بينهم في الحقوق.
فاذا كان الامر على هذا النحو ، فكيف اعتبرنا التفاوت في الامكانات المادية والذهنية بين الرجل والمرأة ، مبررا صالحا للتمييز بينهما في الحقوق الشرعية؟.
وتبرز أهمية السؤال بصورة أكبر ، حين نأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي  نعيشه في عالم اليوم. حيث تتحمل المرأة مسؤولية تدبير معيشة العائلة مثل الرجل ، وحيث اظهرت المرأة كفاءة في العلم وقدرة على المشاركة في ميدانه ، جنبا الى جنب مع الرجل. لقد كشفت تجربة الانسان في هذا العصر ، أن النساء اذا حصلن على نفس الفرص والمكانة التي يتمتع بها الرجال ، فلن تجد اي تفاوت ذي شأن بينهما ، في القيام بالوظائف التي تتطلب مؤهلات عقلية أو علمية.  لنقل على سبيل التحفظ ، انك لن تجد - على اقل التقادير – تفاوتا ، يجعل التمييز الحقوقي قابلا للتبرير ، استنادا لموازين العقلانية المعاصرة.
أخذا بعين الاعتبار النقاط الثلاث المذكورة اعلاه ، وكذا النقاط التي ذكرناها قبل ذلك ، فانه يمكن استخلاص النتيجة التالية:
مع ان الآيات مورد البحث ظاهرة في العدالة الاستحقاقية والتساوي النسبي ، واننا نقبل بهذا الظهور ، الا اننا لا نقبل دلالتها على كون الحكم ثابتا ودائما في قالب القضية الحقيقية. جميع الآيات والروايات التي تدل على عدم تساوي الجنسين في الحقوق ، تتعلق بقضايا خارجية لا حقيقية ، اي انها مشروطة بظروف زمنية ومكانية خاصة ، انها تتحدث عن طبيعة ثانوية مؤقتة للنساء في عصر بعينه ، ولا دلالة فيها على صفات ذاتية أو طبيعية في الرجال والنساء ، في كل الازمنة والظروف. هذا أولا.
ثانيا: ان هذه أحكام مؤقتة ومرحلية وليست ثابتة ودائمة.
ثالثا: اذا لم يقبل البعض بكون هذه الأحكام مؤقتة ، فان أدلة العدالة المساواتية/الانصاف والتكافؤ الأصلي اقوى ، الى حد انها قابلة لان تنسخ مؤقتا تلك الأحكام. النسخ المؤقت يعني انه طالما كانت العدالة المساواتية/الانصاف تستند الى اعتبار عقلي مطمئن ، فان الأحكام الدالة على عدم التساوي ، تعتبر منسوخة ، لأن زمن صلاحيتها قد انتهى.
وقد وصفت الدليل بأنه مؤقت ، من باب المبالغة في الاحتياط. والا لو اخذنا بموازين العقلانية المعاصرة ، فانه لا يوجد اي احتمال أو امكانية للرجوع الى عقلانية الزمن الماضي ، او اعتمادها في قضايا تخص هذا العصر.
لقد عرضت في مفتتح هذه المقالة ، ثلاثة انواع من الأدلة تستخدم في نقاش الموضوع. وهي  الآيات الدالة على المساواة بين الرجل والمرأة ، ثم الأدلة العقلية على أصالة المساواة في الحقوق ، وثالثها الأدلة النقلية على تفوق حقوق الرجال على النساء. (راجع الجزء الأول: اهم الأدلة النقلية والعقلية التي تبرر التساوي والتفاوت الحقوقي). ثم عرضت الأدلة العقلية التي يسوقها المفكرون التقليديون لدعم مفهوم العدالة الاستحقاقية (راجع الجزء الثاني: حقوق النساء وفقا لنظرية العدالة الاستحقاقية).
لو تأملنا في مجموع هذه الادلة ، لوجدنا ان الأدلة العقلية على العدالة الاستحقاقية ، تؤكد – بنحو ضمني - الأدلة النقلية التي سقناها للبرهنة على ان المساواة في الحقوق اكثر تعبيرا عن روح القرآن ومعايير الاسلام. ومع الاخذ بعين الاعتبار امكانية الجمع بين الدلالة المباشرة للآيات المذكورة ، والدلالة غير المباشرة (الضمنية) للادلة العقلية التي يتمسك بها التقليديون ، فاننا نستطيع استخدام هذا الجمع كمقيد لاطلاق الأحكام التي تتضمن تفاوتا في الحقوق ، ومخصص لعمومها من ناحية الاعتبار الزمني. وبهذه القرينة نستطيع القول ان الأدلة النقلية على عدم التساوي الحقوقي ، ليست عامة ولا مطلقة ، ولا تحكي قضية حقيقية ، بل تنظر لقضايا خارجية في ظرف زمني خاص. ولا صلاحية لها في زمننا الحاضر ، لزوال الموضوع الذي كانت متعلقة به.

جواب على اشكال محتمل

ربما يرد اشكال فحواه:
أ‌)        ألا يسع الشارع الحكيم العالم على الاطلاق ، ان يشرع منذ البداية وعلى نحو صريح واضح ، المساواة الأصلية في الحقوق بين الرجل والمرأة ، ويضعها في صيغة حكم دائم ، بحيث لا تحتاج الى النسخ أو الى هذا الجدل في الصغرى والكبرى  والاستدلال؟.
ب‌)    ثم ألا يؤدي قبول التساوي الحقوقي -  وهو خلاف ظاهر الكتاب والسنة - الى اثارة الشك في أحكام شرعية اخرى؟.
في الجواب نقول: ان المشكل كامن في الفرضية الأولى ، اي القول بان الأحكام الشرعية الموجودة في الكتاب والسنة ، كلها أحكام ثابتة ودائمة. أين جرى اثبات هذه الفرضية؟.هل هي بديهية لا تحتاج الى اقامة دليل؟.
هذه الفرضية ليست بديهية. ولم يجر اقامة دليل معتبر عليها. بل الدليل قائم على خلافها. ليس ثمة شك ان كثيرا من الظروف الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية والسياسية للمجتمعات الانسانية ، تمر بتحولات في سياق تاريخها. وتبعا لهذا التحول ، تتغير موضوعات العديد من الأحكام. علاوة على هذا فان سيرة العقلاء تمر هي الاخرى  بتحولات في سياق حركة التاريخ. من جملة الامثلة الظاهرة على تغير سيرة العقلاء ، نذكر مسألة الرق التي كانت محل قبول الغالبية الساحقة من المفكرين والمجتمعات البشرية في الماضي. لكنها باتت الآن مرفوضة ومستنكرة. ان مسالة حقوق النساء لا تختلف عن هذا. فعقلانية البشر اليوم تختلف في موقفها من هذا الامر ، عما كانت عليه قبل قرن من الزمن اختلافا كاملا. ذهنية البشر بالامس ما كانت تحتمل مبررات العصر الحاضر.
أضف إلى هذا ، ان الأحكام الشرعية الخاصة بحقوق المرأة  في الكتاب والسنة ، كانت الى ما قبل قرن من الزمن ، مطابقة لعقلانية العصور القديمة. بمعنى انها كانت تعتبر التفاوت في الحقوق بين الجنسين ، عادلا واخلاقيا ومبررا ، بل ومتناسبا مع حاجات المجتمع البشري.
لو شرع الكتاب والسنة أحكاما مبنية على ارضية تتطلب قرونا من الزمن ، حتى تصل اليها عقلانية البشر ، فان قدامى المسلمين الذين خاطبهم التنزيل الحكيم يومذاك ، لن يتلقوها بالقبول. ويمكن لنا – في هذا السياق – الاشارة الى ما هو معروف ومتفق عليه من وجود آيات في القرآن ، تتضمن أحكاما معينة ، لكنها نسخت بآيات أخرى جاءت بأحكام بديلة.
يتفق الجميع على ان الأحكام الواردة في الآيات المنسوخة كانت مؤقتة ومرحلية ، وان الأحكام التي وردت في الآيات الناسخة ، هي الدائمة. وهذا معروف ومتواتر عند الجميع. المجادلة في كون بعض الأحكام الشرعية دائمة وثابتة ، أو الادعاء بأنها مرحلية ومؤقتة ليس انكارا لما انزل الله. لقد انزل الله آيات وأحكاما ثم نسخها. ونحن نأخذ بكل من الاثنين على الوجه الذي شرعت به. فاذا كان التشريع مؤقتا ، تعاملنا معه كمؤقت ، واذا كان دائما تعاملنا معه على هذا النحو ايضا. 
وعلى هذا المنوال فان الحلال والحرام الذي شرعه النبي كحكم دائم ، يبقى قائما الى قيام الساعة. لكن  هذا الحديث لا يعني ان كل ما شرعه الرسول دائم ، فبعضه كذلك وبعضه غير ذلك.
لقد آمن المسلمون في عصر الوحي بما أنزل من أحكام شرعية في الكتاب والسنة ، لانهم وجدوها عادلة ، اخلاقية ، عقلائية ، وراجحة. وكل حكم يحمل هذه الصفات سيبقى محترما ومطاعا ، طالما كان متصفا بهذه الصفات ومنتجا لثمراتها الطيبة. لكن حالما يظهر ان احد الأحكام لم يعد ، بالقطع والاطمئنان وليس بالظن والتخمين ، متصفا بالعدل أو لم يعد عقلائيا وراجحا أو مقبولا من الناحية الاخلاقية ، فهذا يعنى ان زمن صلاحيته قد انتهى ، وانه يعتبر حكما مؤقتا.
يجب التأكيد هنا ان تشخيص صلاحية حكم ما او عدم صلاحيته ليس أمرا اعتباطيا أو شخصيا. فهو يتوقف على معرفة دقيقة وتخصصية بالظرف الزماني والمكاني ، وبتكييف الأحكام وعللها. ولهذا فهو من المهمات الموكولة الى اهل التخصص من المجتهدين الذين يملكون ، اضافة الى خبرتهم الفقهية ، معرفة عميقة بتأثير التحولات الاجتماعية على موضوعات الأحكام وانعكاساتها.
مثل هذا الاستنتاج لا يمكن التوصل اليه دون اجتهاد في الاصول. لانه الطريقة الوحيدة التي تسمح بمراجعة منضبطة لتلك الشريحة من الأحكام التي نشعر انها لم تعد ملبية لما هو ضروري من سمات الحكم الشرعي. المراد من الاصول هنا هو المنهج الذي ياخذ بعين الاعتبار نتائج علم الانسان (الانثروبولوجيا) ، علم الكونيات (كوسمولوجي) ، اللسانيات ، التأويل الفلسفي (هرمنيوتيك) واصول الفقه. ان مراجعة هذه الاصول ستؤدي دون شك الى فهم مختلف للأحكام الشرعية وموضوعاتها وطرق استنباطها. لا ينبغي القلق من التغيير المنضبط للأحكام الشرعية. بل على العكس ، يجب ان نقلق اذا جرى تثبيت أحكام مؤقتة. لأنها تودي الى اضعاف الاسلام وهدر قيمه. لا يمكن لنا تقديم أحكام لانسان هذا العصر بناء على مباني علم الانسان القديم.

خلاصة

وردت في الكتاب والسنة آيات وروايات حول حقوق المرأة ، يمكن تصنيفها الى نوعين: آيات وروايات تتحدث عن حقوق متساوية للمرأة والرجل ، وتنظر الى كل من الجنسين باعتباره انسانا قبل ان يكون رجلا أو امرأة. اما النوع الثاني فهو الايات والروايات التي اعتبرت المرأة اقل اهلية ، فاعطتها حقوقا أقل في ادارة العائلة والمجتمع. لكن في كل الاحوال ، أمر القرآن والسنة بان تكون معاملة المرأة قائمة على اساس العدل والمعروف. 
تبنى علماء المسلمين رؤية الفيلسوف اليوناني ارسطو ، الذي صرف مفهوم العدالة الى العدالة الاستحقاقية والمساواة النسبية/التناسبية. واعتبروا ان المؤهلات الذاتية للمرأة ادنى من الرجل ، فاعطوها حقوقا ادنى منه. مفاد النوع الأول من الايات والروايات اتخذ دليلا على ان المساواة في الحقوق هي الأصل. اما الايات والروايات في النوع الثاني فقد تمحورت حول حقوق وتكاليف المرأة ، وتبنى العلماء تفسيرا يميل الى اعتبار السلطة الذكورية من مقتضيات العدالة والشريعة.
من منظور العقلانية المعاصرة ، فان المساواة التناسبية غير مبررة ولا يمكن الدفاع عنها. وهي تفتقر الى اي دليل. العدالة الاستحقاقية ايضا غير مبررة ، بل الدليل قائم على خلافها. عقلانية الانسان المعاصر تنظر للانسان  بما هو انسان ، وصاحب حق. لذا فهي تدعم التكافؤ الأصلي والعدالة المساواتية/الانصاف. وهما يتلاءمان الى حد كبير مع التصوير القرآني لقيمة الانسان وكرامته.
وقد عرضنا الآيات والروايات التي تتحدث عن حقوق متساوية لبني آدم. كما عرضنا استدلالا عقليا على رجحان هذا المعنى للمساواة على ما دونه. وتوصلنا الى ان مفاد تلك الآيات ، بقرينة الدليل العقلي ، يدعم القول بان المساواة هي الحكم الدائم الثابت. وبنفس القرينة فان الايات والروايات التي دلت على عدم التساوي الحقوقي وتفوق حقوق الرجال على النساء ، تصنف كأحكام مؤقتة مرحلية ، كانت صالحة لزمنها دون زمننا الحاضر. 
بناء على مبنى العدالة المساواتية / الانصاف والتكافؤ الاصلي ، ومع الاخذ بعين الاعتبار التفاوت بين الرجال والنساء في النواحي البيولوجية والسيكولوجية ، فان للجنسين حقوقا متساوية ، لان الانسان كانسان ، وقبل ان يكون ذكرا أو انثى ، يملك ذات الحقوق التي يملكها اخوه الانسان. هذا الانسان بما هو انسان ، هو صاحب الحق وهو المخاطب بالتكليف وهو حامل الكرامة والامانة والخلافة الالهية ، قبل ان يكون موصوفا بجنس أو لون أو عرق أو طبقة أو دين أو عقيدة سياسية. هذا المبنى اكثر انسجاما مع روح القرآن وموازين الاسلام.





[i] عبد الرؤوف المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف ، تحقيق د. عبد الحميد حمدان، عالم الكتب (القاهرة 1990) ص 65  https://archive.org/stream/tamotaPDF/tamota#page/n63
[ii] للاطلاع على الخطوط الرئيسية لنظرية جون رولز في العدالة ، انظر أحمد الصادقي: قراءة تحليلية نقدية لكتاب نظرية العدالة لجون رولز، المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية (اطلعنا عليه في 30 يوليو 2018) https://goo.gl/R6gECh
وحول تعريف المساواة وحدودها والنقاشات المتعلقة بمفاهيمها المختلفة ، اقترح الرجوع الى ايزايا برلين:
Isaiah Berlin, Concepts and Categories: Philosophical Essays, Edited by Henry Hardy, Pimlico, (London 1978 ), p. 81
  [iii]  يرجع هذا التصنيف الى نظرية ارسطو في العدالة التوزيعية التي  تقترح مفهومين للمساواة ، اولهما المساواة الطبيعية ، ويطلق عليها ايضا الرقمية ، حيث يتساوى الناس جميعا في كل شيء. وثانيهما المساواة المبنية على الاستحقاق ، وفحواها معاملة المتساوين بالسوية ، او بحسب مايستحقون. فكل مجموعة متساوية لافرادها حقوق متساوية ، والمتمايزون لهم حقوق متمايزة ، ومن يستحق اكثر له حقوق اكثر. فالرجال الاحرار لهم حقوق متساوية ، والنساء الاحرار لهن حقوق متساوية ، لكن حقوق الرجال متمايزة عن حقوق النساء.  
[iv] منهج الاجتهاد المتعارف في مجامع العلم الديني الشيعية يعتبر الاصول الاربعة (الكتاب والسنة والعقل والاجماع) ناجزة. ويركز على الفروع ، اي ما يستنبط من احكام بناء على الاصول الاربعة. ويتبنى الكاتب (مع تيار اصلاحي يتسع بالتدريج) اعادة النظر في الاصول. وهو يستعمل في هذه المقالة مفهوما موسعا لدليل العقل ، حيث يضيف اليه عرف العقلاء في العالم ، وهو غير متعارف في تلك المجامع ، بينما يقلل من قيمة الاجماع وسيرة المتشرعة مثلا ، والاول دليل معتمد والثاني امارة مشهورة عندهم.
[v] في خصوص تكليف المرأة بالاحتساب (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) راى ابو القاسم الخوئي – وهو من ابرز الفقهاء المعاصرين ، ان اطلاق ادلة وجوب الاحتساب ، يقتضي مطلوبيته من أي مكلف ، دون حاجة لاستئذان احد ، بمن فيهم الحاكم الشرعي. وحتى مع فرض عدم اطلاق وجوبه ، فان الشك في دخالة الاذن متاخر عن العلم بالوجوب ، فيرجع فيه إلى الاصل العملي وهو البراءة ، أي عدم اشتراط التقيـيد بالاذن. الميرزا علي الغروي التبريزي: التنقيح في شرح العروة الوثقى ، وهو تحرير لابحاث اية الله الخوئي في الفقه الاستدلالي ، ط3 دار الهادي ، (قم 1410) 1/428
وجادل الحائري استدلال محمد باقر الصدر بهذه الآية على تساوي المؤمنين في الولاية (تولي السلطة)، بان الولاية من الالفاظ المشتركة التي تفيد أيضا معنى التآزر. ولا دليل على حملها على خصوص معنى الولاية السياسية. كاظم الحائري : ولاية الامر في عصر الغيبة ، مجمع الفكر الاسلامي ، (قم 1414) ص. 163 اما منتظري فرأى ان الولاية المنظورة في الآية ليست في مقام بيان الاحكام بل في مقاوم الولاية السياسية والسلطة الشرعية. حسين علي منتظري: دراسات في ولاية الفقيه ، ط2 الدار الاسلامية ، (بيروت 1988) 2/225
[vi] لتفاصيل عن مسألة الحسن والقبح ، والخلاف بشأنها ، انظر توفيق السيف: من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي. مدونة شخصية 2011. http://talsaif.blogspot.com/2011/12/blog-post_18.html
[vii] حول رأي الاخباريين ومناقشته ، انظر محمد تقي الحكيم: الاصول العامة للفقه المقارن ، ط2 ، المجمع العالمي لاهل البيت (قم 1997) ص 270
[viii] حول الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، انظر محمد رضا المظفر: اصول الفقه ، ط2 مؤسسة الاعلمي للمطبوعات (بيروت 1990)، 1/206.
ونقل السبحاني رأيا للرضوي القمي جديرا بالتامل ، فحواه الملازمة بين الاثنين. لكن الحكم الناتج عن حكم العقل ، لا ينسب للشرع ولا يترتب عليه عقاب وثواب اخروي. لان العقاب والثواب الاخروي مشروط بوصول خطاب الشارع. انظر جعفر السبحاني: رسالة في التحسين والتقبيح العقليين ، ص 131 ن.إ. اطلعنا عليها في 22-6-2018.  http://www.alseraj.net/a-k/aqaed/rtwt/index1.html نقلا عن صدر الدين الرضوي القمي: مطارح الانظار: رسالة في الأدلة العقلية ، ص 236. ولم نستطع الوصول الى هذا الكتاب.  وقد تبنى الكاتب مثل هذا الرأي في دراسة أخرى. انظر  محسن كديور: از اسلام تاريخي باسلام معنوي. موقع شخصي (بهمن 1380 ه.ش.) http://kadivar.com/?p=1078
[ix] للمزيد حول أثر مباحث الحسن والقبح العقليين في الحكم الشرعي ، راجع محمد رضا المظفر : المصدر السابق ، باب الملازمات العقلية ، 1/ 179
[x] محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، حديث 4425 ، وزارة الشؤون الإسلامية (الرياض 1997) ص 913
[xi] الشريف المرتضى: نهج البلاغة ، شرح الامام محمد عبده ، الخطبة 80 ج1/129. دار المعرفة (بيروت. د. ت.)
[xii] الطباطبائي مفسر وأستاذ فلسفة معروف في الحوزة العلمية. وتفسيره "الميزان" اكثر التفاسير انتشارا بين طلبة العلم الديني. حول حياته ، انظر مقدمة التفسير ، لعدة كتاب (اطلعت عليها في 30 يوليو 2018) http://www.114.ir/TafseerAlMezan/SertAlAllmahAlTabatabai/Arabe/SyeartAlAlmahAlTabatabaee.htm
[xiii] محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القران ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات (بيروت 1997) 3/276 تفسير الاية 228 البقرة.
[xiv] الطباطبائي: الميزان ، المصدر السابق 3/267.  تفسير الاية 228 البقرة .
[xv] الطباطبائي: نفس المصدر 3/ 278
[xvi] الطباطبائي: نفس المصدر 3/ 278
[xvii] الطباطبائي: نفس المصدر 3/279
[xviii] الطباطبائي: نفس المصدر 3/279
[xix] الطباطبائي: نفس المصدر 3/279
[xx] الطباطبائي: نفس المصدر 3/280
[xxi] الطباطبائي: نفس المصدر 3/281
[xxii] الطباطبائي: نفس المصدر 4/223، تفسير الاية 11 النساء
[xxiii] الطباطبائي: نفس المصدر 4/344 تفسير الاية 32-34 النساء
[xxiv] الطباطبائي: نفس المصدر  4/ 355
[xxv] الطباطبائي: نفس المصدر 4/351
[xxvi] الطباطبائي: المصدر السابق ، 4/ 351 
[xxvii] مرتضى مطهري فقيه واستاذ فلسفة ، ومن زعماء الحركة الدينية. قتل في 1979. حول حياته، انظر: حماة الاسلام ، الاستاذ الشهيد مرتضى مطهري، موقع بقية الله (12-7-2013) http://www.baqiatollah.net/article.php?id=725
[xxviii] مرتضى مطهري: نظام حقوق المرأة في الاسلام ، دار الكتاب الاسلامي (قم 2005) ص  134
[xxix] مطهري: نفس المصدر ، ص 144
[xxx] مطهري: نفس المصدر ، ص 146
[xxxi] مطهري: نفس المصدر ، ص 147
[xxxii] حسين علي منتظري (1922-2009) فقيه ومرجع ديني وكان مرشحا لخلافة السيد الخميني. حول حياته انظر موقع آية الله منتظري (اطلعنا عليه في 30 يوليو 2018) https://amontazeri.com/biography
[xxxiii] حسين علي منتظري: حكومت ديني وحقوق انسان ، اراغون دانش (قم 1429ه) ص 119. جدير بالذكر ان منتظري أشار في كتاب آخر له ، الى ان خطبة الامام علي بن أبي طالب التي ذم فيها النساء ، تحكي حال سيدة بعينها وليس  جنس المرأة. انظر حسين علي منتظري: شرح نهج البلاغة ، سرايى (قم 1383ه.ش.) 3/234
[xxxiv] لتفصيل القول في صرف الدليل الخاص لدلالة الأمر العام أو تقييد إطلاقه ، انظر محمد رضا المظفر: المصدر السابق 1/138 وما بعدها.
[xxxv] لمعرفة البنية النظرية التي أقام عليها ارسطو هذا المفهوم ، اقترح الرجوع الى سوزان موللر اكين: النساء في الفكر السياسي الغربي ، ترجمة عبد الفتاح امام ، دار  التنوير (بيروت 2009) الفصل الرابع ص 101. ورغم ان المقاربة نقدية لفكر ارسطو ، الا ان الكاتبة تقدم تصورا واسع الافق حول مباني ارسطو ، سيما في مسألة المساواة. (المحرر)
[xxxvi] Isaiah Berlin, op cit, p. 82
[xxxvii] وفقا لايزايا رلين فان ابسط مفهوم للمساواة هو انها قاعدة rule. حين يوضع قانون او نظام عمل فانه يخاطب كافة المكلفين بنفس المضمون ، واذا استدعى الامر تمييزا لبعض المخاطبين ، فان القانون يوضح هذا بنص محدد ومبرر.  المساواة لا تحتاج الى تبرير لانها الاصل ، لكن التمييز يحتاج دائما الى تبرير لانه خلاف الاصل  Isaiah Berlin, op cit, p. 82

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...