‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابراهيم البعيز. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابراهيم البعيز. إظهار كافة الرسائل

08/02/2024

التواصل الثقافي ، موديل السوبر ماركت

 


روى هذه القصة الدكتور ابراهيم البعيز ، الاستاذ الجامعي والخبير البارز في سياسات التواصل الثقافي. وهي تدور حول لحظة  اكتشاف الفجوة الثقافية التي تفصلنا عن مجتمعات الغرب. يقول انه انضم الى فصل يدرس العلاقات الثقافية ، مخصص لطلبة الدكتوراه بجامعة ولاية أوهايو الامريكية ، سنة 1983. وكان الطلاب ملزمين بكتابة تقرير اسبوعي عن قراءاتهم في الموضوع. واعتاد الاستاذ ان يحدد افضل تقرير وأسوأ تقرير ، كي يلقيه صاحبه على بقية الزملاء. في احد الاسابيع اراد البعيز ان يكتب عن تجربته الخاصة في التواصل مع الثقافة الامريكية ، فكتب ما خلاصته انه كان حريصا على مطالعة جوانب الثقافة الامريكية ، كي يختار منها ما يلائم ثقافته وقيمه العربية.

د. ابراهيم البعيز

سألني الاستاذ – يقول د. ابراهيم -: هل تستطيع حقا ان تختار ، وهل هذي هي الطريقة الأفضل في التواصل الثقافي مع العالم؟.

تلك الحادثة فتحت عيني على وهم شائع في مجتمعنا ، خلاصته اننا نتخيل علاقة مع العالم تشبه رحلة التسوق: تدخل الى السوبرماركت ، تختار ما تريد ، تضعه في العربة ، ثم تدفع قيمته وتخرج. وقد سألت نفسي كثيرا ، وسألت الزملاء: هل نستطيع حقا ان نطبق "موديل السوبر ماركت" ، ان نفكك ثقافة الاخرين الى أجزاء فنختار هذا الجزء ونترك ذاك؟. (سرد القصة د. ابراهيم البعيز في جلسة منتدى التنمية الخليجي  3 فبراير 2024 فندق انتركونتننتال – الرياض)

يرى د. ابراهيم ان الانفتاح على العالم يتطلب – من حيث المبدأ – استعدادا لتقبل التغيير ، اي التخلي عن المخزون الثقافي الذي ورثناه ، أو حشيت به أدمغتنا ، أو اخترناه في سياق تجربتنا المعيشية ، واستبداله بمنظومة جديدة قادرة على اثبات افضليتها ، ولا سيما قدرتها على استيعاب تحديات الحاضر ، والوفاء بحاجات المجتمع الثقافية والحياتية. هذا يعني – الى حد كبير – تبديل النظام الثقافي نفسه ، وليس استبدال عناصر محددة. اجزاء الثقافة الاجنبية التي ربما نفكر في انتقائها ، ليست قطعا صلبة قائمة بذاتها. إنها أشبه بأجزاء رواية او قصيدة ، تصمم ضمن منظور شامل يجمعها بسائر الأجزاء. تخيل انك اخذت فقرة من رواية فيكتور هيجو "البؤساء" واقحمتها وسط صفحة من رواية نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل" ، فهل ستندمج وتمسي جزء من نسيجها.

نحن نجادل كثيرا في ان الانتقاء هو الخيار الوحيد المتاح ، واننا لا نستطيع الأخذ بعناصر الثقافة والقيم الغربية ، اذا تعارضت مع ثقافتنا أو قيمنا. فهل هذا حقا هو الخيار الوحيد ، وهل هو الخيار المفيد؟.

قلت لصديقي د. ابراهيم ، اني انظر للمسألة من زاوية أخرى: التواصل مع الشعوب الأخرى ليس من الأمور المحبذة في موروثنا الثقافي. هناك شعور عميق بالخوف من ان يؤدي التواصل الى خلخلة الالتزام الديني ، لا سيما اذا كان الطرف الآخر في التواصل أقوى ماديا او ثقافيا. ونتذكر على سبيل المثال ان السفر للخارج لم يكن موضع ترحيب من جانب الزعماء الدينيين ، بل ربما تشدد بعضهم فاعتبره حراما ، ان لم يكن لحاجة ماسة. وكذا التواصل مع القادمين الينا من خارج اطارنا الثقافي ، ولا سيما ان كانوا غير مسلمين.

في وقت لاحق ، تراجع هؤلاء ، لأن الناس لم يطيعوهم ، فطرحت فكرة الانتقاء مما عند الآخرين كبديل معقول في تلك الظروف. وفي الوقت الحاضر يتحدث جميع الناس عن هذا النوع من التبادل ، اي "موديل السوبر ماركت" ، باعتباره الخيار الامثل.

حسنا ، اذا كنا سنختار ما يلائم ثقافتنا واعرافنا ، فهذا يعني ان ثقافتنا واعرافنا هي المعيار والميزان الذي نقيس عليه بضائع الاخرين. فهل نؤمن – حقا – ان ثقافتنا واعرافنا بلغت هذا المستوى؟

اذا كان الامر على هذا النحو ، فلماذا ناخذ مما عند الاخرين ، لماذا لا نكتفي بالذي عندنا؟.

واقع الامر اننا نأخذ بثقافة الاخرين ، لأن ثقافتنا متخلفة ، عاجزة عن استيعاب تحديات الحياة في عصرنا ، فكيف يكون الفاشل معيارا يوزن به الناجحون؟.

الشرق الاوسط الخميس - 28 رَجب 1445 هـ - 8 فبراير 2024 م              https://aawsat.com/node/4840596

مقالات ذات صلة

الحر كة الا سلامية ، الغرب والسيا سة ( 2 من 3 )

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

تلميذ يتعلم وزبون يشتري

العولمة فرصة ام فخ ؟

تلميذ يتعلم وزبون يشتري

الاسئلة التي تزيدنا جهلا

الاسئلة الباريسية

قادة الغرب يقولون دمروا الاسلام ابيدوا اهله

اليوم التالي لزوال الغرب

وهم الصراع بين الحضارات

 

12/02/2020

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

وفقا لرأي د. ابراهيم البعيز فان التوجيه الاخلاقي – رغم ضرورته – ليس علاجا كافيا للانحرافات السلوكية والمشكلات التي تلازم الحياة المدينية. وكان البعيز ، وهو استاذ جامعي مهتم بقضايا التربية والاعلام ، يتحدث امام منتدى التنمية  المنعقد في الكويت (7 فبراير 2020) ، حول الدور المحوري للقانون كضابط للحياة المدينية التي تزداد عمقا وتعقيدا.
اننا نسمع من الارشادت والمواعظ الشيء الكثير ، وبشكل شبه يومي. واذا كنت سعوديا تجاوز الثلاثين من العمر ، فالمؤكد انك حصلت على نحو 2000 ساعة من التعليم الديني. وهذا قدر يكفي لجعلك متخصصا في علم الدين. لكني أجد – ولعلكم مثلي - ان التخصص العلمي شيء والتعامل الاخلاقي شيء آخر. يود الناس بطبيعة الحال المطابقة بين المعرفة الدينية والاخلاق الرفيعة. لكن هذا مجرد افتراض. 
إن معايير السلوك (في جانبها التطبيقي خصوصا) مستمدة من العرف. وغرضها تسويغ التعاملات الاجتماعية. ولذا فهي تصعد او تهبط ، تبعا لتحولات الحياة الاجتماعية: ما يستنكر  بالامس ربما يقبل اليوم ، وما يرحب به اليوم قد يستنكر غدا ، وهكذا. ارتباط الاخلاقيات بالعرف قد يصل الى حد التعارض مع تعاليم الدين ، التي يجري التاكيد عليها كل يوم. من ذلك مثلا إحسان التعامل مع الاجير والفقير والضعيف. ومنه افشاء السلام وايثار الاخر  والاحسان ، ومنه الرحمة والعطف ، ومنه المبادرة باقرار الحقوق المالية والمعنوية لاصحابها ، وعدم السكوت عنها ، فضلا عن انكارها او الحط من قدرها. 
فهذه أمثلة عن اخلاقيات معروفة تحث عليها جميع الاديان ، ويتفق على حسنها كافة الناس ، لكنها مع ذلك ضعيفة التأثير في الحياة الاجتماعية. ولذا نرى ان المشكلات الناتجة عن اساءة التعامل ، لا يختلف عددها وحجمها بين بلد مسلم متدين وبلد غير مسلم او غير متدين. ونعلم على سبيل المثال ان السجناء في نزاعات مالية يعدون بالالاف ، وان قضايا العضل واساءة المعاملة للنساء والعمال والشرائح الضعيفة في المجتمع ،  تعد بعشرات الآلاف وليس المئات او الآلاف في كل عام.
هذا أمثلة نراها كل يوم ، وهي تخبرنا عن ضعف الصلة بين الارشاد والوعظ من جهة ، والتعاملات الواقعية بين الناس في حياتهم اليومية ، من جهة اخرى.
تتسم الحياة في المدينة بالسرعة والتعقيد وكثرة المستجدات. ان التغير هو السمة الرئيسية للحياة المدينية. ولهذا فهي تزداد تعقيدا وعسرا ، بقدر ما تدخل عليها من عناصر جديدة ، وأبعاد غير مألوفة في كل يوم. وهذا بدوره يؤكد الحاجة الى القانون الذي يشكل حدا نهائيا لحركة البشر والمال والاشياء ، كي لا يسقط الضعفاء في الزحام فتسحقهم الاقدام.
كان ارسطو  يعتقد ان الناس يطيعون القانون خوفا من العقاب ، لا حبا في الفضيلة. هذا تصور مبني على رؤية متشائمة للطبيعة البشرية ، كانت سائدة في الأزمنة القديمة. اني أعارض هذه الرؤية ، لأسباب قد اعرضها في وقت آخر. لكني اعترف بان بدائل القانون ، ومنها الوعظ ، ليست فعالة في هذه الاوقات. ولو كانت فعالة ومفيدة لكان اهل الأديان احسن حالا ، على الاقل في مجال التعاطي مع بعضهم البعض.  
ومن هنا ، فاني سوف اقبل – ولو على مضض - الرؤية الداعية لتحكيم القانون في كافة اجزاء الحياة المشتركة بين الناس ، بحيث يتوفر لدينا ضابط فعال لكل ما امكن من التبادلات داخل المجتمع. وسوف يكون علينا ابقاء الامر على هذا الحال ، حتى نعتاد على الاقرار بالحقوق الضرورية المتبادلة فيما بيننا ، عندئذ سيكون للوعظ محل.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 جمادى الآخرة 1441 هـ - 12 فبراير 2020 مـ رقم العدد [15051]
مقالات ذات علاقة 


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...