يبدو لي انه قد حان الوقت
للفراغ من الحديث الكثير عن مبدأ العلاقة مع الغرب ، والانتقال الى التفكير في
كيفية هذه العلاقة ، ولعل بعض القراء قد شاهد -كما شاهدت - البرنامج الذي عرضه في
الاسبوع المنصرم تلفزيون الشرق الاوسط ، عن تطور صناعة السيارات في اليابان ، فقد
ادرك اليابانيون ان التقنيات التي يملكونها ، لن تمكنهم من انتاج سيارة تنافس ما
ينتجه الامريكان والبريطانيون ، فارسلوا مهندسيهم الى هذين البلدين واستقدموا
مهندسين منهما ، لكن عيونهم كانت مركزة على هدف محدد ، هو تطوير الامكانات الاولية
التي يملكونها لتبلغ مستوى التقنيات الغربية .
وفي الوقت الذي دعمت الحكومة
فكرة استيراد بعض القطع الميكانيكية ، من فورد الامريكية واوستن البريطانية ، فقد
حددت للصانعين المحليين مهلة خمس سنوات ، للانتقال من تجميع القطع الاجنبية الى
تصنيعها محليا ، وتحدث احد مديري شركة تويوتا قائلا انه ذهب للعمل في ديترويت مع
شركة فورد ، لكي يتعلم فنون الصناعة ، وحينما كان العمال يذهبون لتناول الغذاء او
المرطبات ، كان يتجول في المصنع ، ليتعرف على عناصر الارتباط بين الاقسام المختلفة
التي تمر بها السيارة ، منذ ان تبدأ عملية تصنيعها وحتى تخرج من بوابة المصنع سائرة
على عجلاتها .
تلميذ يتعلم
تذكرت وانا اطالع هذا
البرنامج مقولة لكاتب عربي (لقد بدأت مصر في النهوض قبل اليابان ، واعتمدنا مثلهم
على النتائج التي توصل اليها الغرب ، لكنهم واصلوا التعامل مع الغرب كتلاميذ نشطين
، بينما تعاملنا كزبائن للسلع الجاهزة ، وفي النهاية فقد تعلم اليابانيون اسرار
الصنعة واستقلوا عن معلمهم ، وبقينا نشتري السلع مرة بعد اخرى).
اظن الان ان العلاقة بين
المسلمين ـ كمبدأ ـ ليست مورد نقاش ، اللهم الا عند هواة الجدل ، اما مورد النقاش
الحقيقي والمفيد فهو الابعاد العملية لهذه العلاقة ، نوعيتها ومستواها واهدافها
المحددة ، وحينما نبدأ في نقاش هذه الابعاد فسنصل الى بعض النتائج المفيدة ، لكننا
بحاجة اولا الى تحديد الغرض من النقاش ، وتحديد اطاراته ومنهجه ، حتى لا نخلط بين
ما هو ضروري وما هو ثانوي ، او بين ما هو استراتيجي لنا وما هو تكتيكي .
مسؤوليات جديدة
بديهي ان هذه العلاقة توجد
مسؤوليات اضافية ، لابد لنا من حملها والوفاء بمتطلباتها ، لكي يكون سعينا مفيدا ،
من ذلك مثلا تحديد السياق الذي نريد لهذه العلاقة ان تخدمه مباشرة وبالدرجة الاولى
، ثم تكريسه كمهمة تحظى بأهمية ضمن مجموع اعمالنا ، فاذا اردنا استثمار علاقاتنا
مع الغرب في نقل التكنولوجيا على سبيل المثال ، فلا بد لنا من توفير الظروف
اللازمة لاستقرارها ثم تطورها في بلادنا ، اي توفير القوى البشرية والامكانات
المادية والخدمية وغيرها ، والا اصبحت عملية نقل التكنولوجيا مثل استيراد السلع
الجاهزة ، التي ندفع ثمنها ثم ندفع ثمن غيرها عندما تستهلك ، دون ان نتدخل باي
درجة في ادامتها او تطويرها ، ودون ان نستثمرها في السير نحو الاكتفاء والاستغناء .
ان تطوير التكنولوجيا يحتاج
الى مدارس تخرج تقنيين ، ويحتاج الى سياسات دعم وحماية مناسبة ، تسندها حتى يشتد
عودها وتصبح مؤهلة للوقوف على قدميها دون اسناد ، كما نحتاج الى دعم البحث العلمي
الضروري لتطويرها ، واخيرا فاننا نحتاج الى مساعدتها في الحصول على حصة مناسبة من
السوق ، وهذه وغيرها مسؤوليات مترتبة على تحديد هدف العلاقة وعلى اقامتها ، فاذا
اجدنا اداءها فلربما استفدنا من علاقتنا في بلوغ مستوى العصر ، والا فقد تكون هذه
العلاقة مجرد حبل جديد يزيد في توثيق تبعيتنا ، ويزيد في اعتمادنا على الغير .
عكاظ 18 – 3 – 1996
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق