تصدر موضوع (السعودة) قائمة
اهتمامات الصحافة المحلية خلال الاشهر المنصرمة من هذا العام ، ويبدو انه قد
استقطب ايضا اهتمامات القراء ، اضافة الى ما يحظى به الامر من اهتمام رسمي ، وفي
بداية العام الحالي سألت (عكاظ) كتابها اقتراح الموضوعات المهمة للمعالجة الصحفية
، فاجمعوا على اختيار هذا الموضوع .
يستبطن هذا الاهتمام
الاستثنائي شعور بالحاجة الى ضمان الوظيفة المناسبة لكل مواطن ، وقلق من نتائج
الافراط في الاعتماد على العمالة الاجنبية ، خاصة وان المملكة تتجه الى وضع
اقتصادي ذي حركية افقية تخلو من الطفرات التي اتسم بها عقد السبعينات والنصف الاول
من الثمانينات .
ولا يختلف اثنان في مشروعية
هذا القلق وصحة اسبابه ، لكن لا ينبغي ان نحمل الامر اكثر مما يحتمل ، وان لا نخرج
بالمعالجة من سياقها الايجابي الصحيح الى سياق سلبي ، قد لا يكون متلائما مع
اخلاقياتنا والتزاماتنا الادبية.
تتجلى المعالجة السلبية
لموضوع العمالة الوافدة في الربط المتكلف بين الوافد والمشكلات ، فاذا جرى الحديث
عن التسول اشير بصورة خاصة الى الوافدين ، واذا ذكرت حوادث السيارات نسبت اليهم ،
واذا ورد موضوع النظافة القيت المسؤولية على اكتافهم ، فلا ترى الوافد في صحافتنا
الا سببا للمشاكل او متورطا فيها ، بل ان احد الزملاء كتب تحقيقا في صحيفة محلية ،
فذكر ان السبب الرئيسي لتلفيات الطرق السريعة ، هو عدم اتقان السائقين الاجانب
للسياقة في مثل هذا النوع من الطرق ، ولا أدري ان كان الزميل جادا في كلامه ، فلم
اعهده خبيرا في هندسة الطرق ، لكن ثمة من يعتقد ان المواطن جنس خاص منزه عن
الاخطاء وان الوافد سبب لكل بلية ، ومن اعجب ما قرأت ، تحقيق نشرته (عكاظ) قبل نحو
شهر عن الاربطة (دور رعاية العجائز ) فقد اظهرت الكاتبة المكرمة عدم رضاها عن تمتع
بعض المقيمات في هذه الدور بالرعاية مع انهن من الوافدات ! ، ولعل احدهم يكتب في
يوم من الايام ان حرارة الجو في البلد سببها كثرة الاجانب الذين يتنفسون فيه ، وان
ملوحة الماء سببها كثرة الوافدين الذين يشربون منه .
لا نريد المبالغة بالقول ان
هذه الاشارات السلبية دليل على وجود اتجاه عنصري ، فهي لا تزال مقتصرة على حالات
محدودة ترد ضمن سياق اعتيادي ، لكن ما يهمنا هو دعوة الزملاء الى توخي الحذر في معالجاتهم ، خشية ان يسيء
الكاتب وهو يريد الاحسان ، فالاجنبي مثل المواطن بشر من هذا البشر المجبول على
الاصابة حينا والخطأ حينا ، وبالنسبة للمسلم فان الانسان عزيز ومكرم لانه انسان ،
لا لانه ينتمي الى جنسية محددة ، واذا كان المواطن يعتز بوطنه فـلانه يعتز بنفسه ،
ومثل هذا الشعور عام بين البشر ، كل يرى نفسه عزيزا وكل يجد اسبابا للفخر بوطنه واهله ، وشتان بين
الفخر بالوطن والتهوين من قدر الاخرين .
ربما كانت مشكلات العامل
الاجنبي اكثر من نظيره المواطن ، لكنها في المحصلة الاجمالية ، لاتزال اقل بكثير
من المشكلات الشبيهة في الاقطار المجاورة ، ويرجع الفضل في هذا الى سياسات
الاستقدام الرسمية التي تتسم اجمالا بالتحفظ والحذر ، ومع الاتجاه الجديد الى
تشديد القيود على الاستقدام وتحديد الوظائف المتاحة للاجانب ، فان المعدل العام
للوافدين مقابل الوظائف سوف ينخفض بالتدريج ، وسوف يتوفر للمواطنين مزيد من الفرص
الوظيفية ، واذا واصلت الحكومة تبني سياسة التحديد هذه ، فلعل ما يقال عن وجود
بطالة بين المواطنين يصبح جزء من التاريخ .
لكن الحاجة الى العامل
الاجنبي ستبقى قائمة اليوم وغدا ، ما دام النشاط الاقتصادي متواصلا ، اذ لا يتوقع
ان تستغني البلاد عن اليد العاملة الاجنبية في ظل معدلات النمو السكاني الحالية ،
وما دام الامر كذلك فاننا بحاجة الى علاقة اكثر لينا بهؤلاء ، الذين هم ـ على أي حال
ـ نظراء لنا في الانسانية فضلا عن كون
اغلبهم اخوة في الدين ، على اقل التقادير
فاننا غير مضطرين الى التعامل معهم كما لو انهم
كائنات اخرى اقل مرتبة وشأنا .
ان حاجتنا الى العامل الوافد
تساوي حاجته الينا ، وعطاؤنا له يساوي
عطاءه لنا ، وما احسن ان يكون بعد عودته الى بلاده ، محملا بكل ما هو حسن من
انطباعات وذكريات عنا وعن بلادنا ، بدل ان نحمله اثقالا من الكراهية والبغض .
عكاظ 22 اكتوبر 1996
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق