‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاسلام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاسلام. إظهار كافة الرسائل

01/10/2013

حول تطوير الفهم الديني للعالم


لا أظننا قادرين على تطوير رؤية إسلامية تستوعب حاجات الاجتماع السياسي المعاصر، ما لم نعد النظر في فهمنا للعلاقة بين الإنسان والدين. هذا ينصرف إلى أربع مهمات:

الأولى: إعادة تشكيل المنهج المعتمد في الاجتهاد وقراءة النص الديني، على نحو يجعل النص القرآني كله ــ وليس فقط آيات الأحكام ــ مصدرا للفكرة الدينية. آيات الأحكام التي يدور حولها عمل الفقهاء أقل من 500 آية من مجموع النص القرآني.

عالم واحد ..طريق واحد .. مصير واحد

الثانية: إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والدين، بحيث لا يعود المسلم شريكا سلبيا، منفعلا بأقوال قدامى الفقهاء وقرائهم من المعاصرين. يجب أن يكون المسلم في كل عصر شريكا في صوغ الفكرة الدينية، ونمط التدين المتناسب مع حاجات مجتمعه. لا يصح البحث عن أجوبة لأسئلة اليوم في كتب السابقين. زمن السؤال وظرفه جزء من معناه ومقصوده، وجوابه ينبغي أن ينبعث من هذا الزمن والظرف وحاجاته. يجب أن نتخلص من الشعور بالذنب إذا تركنا آراء الأسلاف، فليسوا مقدسين ولا كان علمهم نهاية العلم.

الثالثة: النظر إلى الدين كطريق ومنهج للحياة، لا قيدا عليها. هذا يتطلب إعادة الاعتبار إلى القيم الإنسانية المستقلة السابقة للدين، مثل العدل والحرية والنظام، باعتبارها معايير حاكمة على جميع الأحكام، الدينية والعرفية، ولا سيما تلك المتعلقة باستعمال الوسائل الجبرية، في التعامل مع الأفراد، وفي العلاقات الداخلية للمجتمع السياسي.

الرابعة: الإيمان بأن عالمية الدين لا تعني فقط الوجه الفاعلي، أي كونه رسالة لجميع الناس، بل أيضا الوجه التفاعلي، أي شراكة جميع البشر في تطوير الظرف الأنسب للحياة في الكون وعمران الأرض. هذا يعني احترام تجارب البشر في أي مكان كانوا، وبأي دين أو مذهب دانوا. كل من هذه التجارب لبنة في عمران الأرض، وكل فرد من سكان الكوكب شريك فيها. بعبارة أخرى فإن التفكير في الدين كرسالة كونية متفاعلة مع الناس جميعا، يعني أن الأفكار والآراء التي توصل إليها البشر خلال تاريخ الإنسانية الطويل، لا ينبغي أن تعامل كشيء ''أجنبي'' عن الدين أو غريب. بل باعتبارها ثمرة لتطور الوعي الإنساني في الكون ونظامه، وهذا تمهيد لا غنى عنه لفهم فكرة ''تسخير'' الطبيعة، التي عرضها القرآن الكريم كواحدة من أعظم نعم الخالق ــ سبحانه ــ وكضرورة لعمران الأرض والارتقاء بحياة البشر. احترام تجارب البشر ونتائجها، يعني القبول بإدراجها ضمن نسيج القيم التي تحظى بمكانة دينية، أو تقدير لا ينفك عن تقدير الضرورات الحياتية وما ينتجه الإنسان على أرضية الدين. لا عيب في الأخذ بأي مبدأ أو منتج فكري أو تقني، طالما كان يجسد أو يخدم القيم العليا التي أقرها الدين أو جاء بها.


الاقتصادية 1 اكتوبر 2013

مقالات ذات علاقة

 الحداثة كحاجة دينية  (النص الكامل للكتاب(




16/01/2013

(كتاب) الحداثة كحاجة دينية

هذه مرافعة على شكل حوار بين عقلين حول واحد من اهم الاسئلة في واكثرها اثارة للحرج في ثقافتنا الدينية المعاصرة ...
 سؤال: كيف ينهض المسلمون من سباتهم المزمن ، وكيف يعودون الى قطار الحضارة بعدما نزلوا او انزلوا منه.
هي سلسلة من التساؤلات يتلو كلا منها ما يشبه الجواب ، لكنه جواب مؤقت ، اذ لا يلبث ان يثير سؤالا اخر يتلوه جواب اولي وهكذا. فالغرض اذن ليس تقديم اجوبة نهائية. ... هذه المرافعة تحاول اثارة ذهن القاريء ومجادلته ودفعه للتفكير في السؤال.
 في ظني ان تفكيك وتفصيح سؤال النهضة هو بذاته الجواب عليه .

للقراءة براحة اكثر اضغط هنا

13/12/2010

فقه الواقع من منظور الايديولوجيا


اذا لم يستوعب الدعاة ان العالم قد تغير في العقد المنصرم فهذه مصيبة ، واذا فهموا ورفضوا التعامل مع هذه التغيير او البناء عليه في ارائهم وفتاواهم فهذه مصيبة اكبر من الاولى.

ناصر العمر
قبل عقدين من الزمن (1991م) كتب الشيخ ناصر العمر رسالة صغيرة اسماها "فقه الواقع" ، كرسها للتاكيد على ضرورة فهم الواقع السياسي والاجتماعي قبل اصدار الراي او الفتوى. وحملت الرسالة وما تلاها من خطابات وكتابات للشيخ ناصر العمر تنديدا باهمال العلماء وطلاب الشريعة لذلك الفن واعتبارهم اياه انشغالا بما لا يستحق. وقد اثارت الفكرة جدلا في وقتها ، ثم ذهب الامر برمته في الارشيف مثل سائر الجدالات. كان يمكن للفكرة ان تمثل اضافة هامة للتفكير الديني لو ان صاحبها التزم بالمعايير الموضوعية في فهم الواقع (او فقه الواقع بحسب اصطلاحه الخاص). لكنها بقيت – كما سلف – مجرد عنصر في سلسلة طويلة من الجدالات.
تنقسم المعرفة ، بحسب تقسيم الفيلسوف المعاصر كارل بوبر ، الى ثلاثة عوالم:

العالم الاول : هو الكون المادي الذي يتالف من حقائق واقعية. يعيش الناس في هذا العالم ويسعون الى فهمه وتصويره على شكل نظريات واوصاف ، فيفلحون احيانا ويفشلون احيانا اخرى . حقائق هذا العالم موجودة سواء احببتها او كرهتها ، فهمتها او عجزت عن ادراكها.

العالم الثاني : هو تصوراتنا الشخصية وتجاربنا وتاملاتنا في ذواتنا او في الكون المادي المحيط . وهي تشكل في مجموعها رؤيتنا للعالم وعلاقتنا به وموقفنا من عناصره ومكوناته. هذا العالم هو الذي تعمل فيه عقولنا حين نفكر في وجودنا وما يطرأ عليه من متغيرات. المعارف الشخصية والتاملات والذاكرة الشخصية هي بعض تمثيلات هذا العالم . وهي جميعا قائمة على ارضية الوعي الشخصي والرغبات والميول والهموم ومتفاعلة معها . هذه المعرفة قد تكون مطابقة للواقع وقد تختلف عنه. لكن صاحبها يؤمن بها ويحبها لانها مرتبطة بشخصه او ميوله.

العالم الثالث : هو مجموع منتجات العقل الانساني المجردة ، اي القائمة بذاتها كموضوع منفصل عن شخص المنتج او الاشخاص الاخرين.  ونراها عادة في اطار اعمال علمية او تطبيقات تقنية مثل الكتب ، الالات ، النظريات ، النماذج ، الحاسبات ، الشبكات .. الخ .

من المهم التمييز بين العالمين الاول والثاني في مرحلة التفكير والتحليل. لان الاسراف في استعمال المنظورات الشخصية والايديولوجية – حتى لو كانت صحيحة بذاتها – قد تعطي للمفكر صورة ملتبسة عن الواقع. ويقال عادة ان اهم اخطاء الماركسية هي هذا الفهم الايديولوجي للعالم. انها خطا جميع الذين ينظرون الى حركة التاريخ باعتباره سلسلة من الحتميات المتعاقبة. واظن ان صاحب "فقه الواقع" قد وقع في هذا المطب . التاريخ قد ينتهي الى نتيجة حتمية ، لكننا لا نعرف توقيتها ، ربما تكون نهاية العالم او مرحلة متاخرة من تاريخه. لكن من الخطا اعتبار الحوادث التي تجري كل يوم نوعا من الحتميات، سواء الحتميات التي نحبها او التي نخشى منها.

الجدالات الاخيرة التي شهدتها البلاد تشير الى غفلة مريعة من جانب بعض الدعاة والناشطين في التيار الديني عن التحولات الجارية في الواقع الاجتماعي والاقتصادي – ومن بين هؤلاء كاتب رسالة فقه الواقع نفسه-. وهي تحولات تنعكس ، شئنا ام ابينا ، على الثقافة العامة وانماط التدين ومعايير العلاقة بين القوى الاجتماعية. تنتمي هذه التحولات الى العالم الاول ، وهي تستوجب فهما وتفسيرا تبنى عليه المواقف والاراء (اي ما ينتمي الى العالم الثاني). اهمال هذه الوقائع او رفضها لا يلغيها ولا يزيل مفاعيلها ، بل يعزل الشخص المفكر عن عصره ويجعل الامور ملتبسة عليه ، فيقع في سلسلة اخطاء منهجية ومعرفية وعملية قد تصحبه لزمن طويل.
فقه الواقع لا يعني – في جوهره - قراءة الاخبار ومتابعة الحوادث والتعليق عليها وكتابة مقالات التنديد والتاييد حولها ، بل استيعاب نسق التحولات ومحركاتها وفهم اتجاهاتها ومآلاتها ، ثم اخذها بعين الاعتبار عند استنباط الموقف الديني والخطاب الديني. اذا اقحمنا قناعاتنا الايديولوجية على تفكيرنا في الحوادث ، فسوف نعود الى ما كنا نعرفه سلفا ، ولن نستفيد معرفة جديدة ، وسوف نعيد انتاج صورة ذهنية عن واقع افتراضي نؤمن به ، لكنه غير موجود خارج اذهاننا.

جريدة عكاظ 13 ديسمبر 2010

28/10/2008

حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب


حدود الديمقراطية الدينية : عرض بقلم عمر كوش 
تأليف: توفيق السيف
الناشر: دار الساقي، بيروت، 2008

أضحت العلاقة بين الدين والديمقراطية موضوع دراسات ونقاشات عدَّة في البلدان العربية، نظراً لأن الديمقراطية باتت تشكل استحقاقاً لا يحتمل التأجيل، وتفرض نفسها على مختلف البلدان الإسلامية والعربية، إضافة إلى تأثير تيارات وحركات الإسلام السياسي في مجرى الأحداث الراهنة في العالم. وفي هذا السياق ينطلق مؤلف الكتاب من النقاش المستجد في منطقة الشرق الأوسط حول العلاقة بين الدين والديمقراطية، وإمكانية إيجاد نموذج ديمقراطي قادر على التفاعل مع الهوية الدينية للمجتمعات المحلية. ويحدد هدف كتابه في اختبار إمكان تطوير خطاب سياسي من هذا النوع، من خلال اتخاذ مدخل سوسيولوجي يركِّز على مدى التغيير الممكن في الفكر الديني كنتيجة لانخراط الدين في السياسة. ويتخذ من تجربة إيران بعد الثورة الإسلامية كموضوع اختبار لفرضياته، مع التركيز على التجربة السياسية للتيار الإصلاحي بين عامي 1997 و2004، بغية تحديد المبررات الموضوعية لفشل النموذج الديني التقليدي في الحكم، وظهور التيار الإصلاحي الداعي إلى الديمقراطية في السياسة، ونظام السوق الحرة في الاقتصاد.

ويقدم الكتاب كذلك صورة مقارنة عن الأيديولوجيا السياسية للتيار الديني المحافظ، ونظيرتها الإصلاحية التي تجمع بين الأساس الديني والمفاهيم الديمقراطية- الليبرالية. كما يقدم تحليلاً مفصلاً للأسباب التي أدت إلى فشل النموذج الديني التقليدي ومهَّدت لظهور منافسه الإصلاحي، ومحاولة معرفة المواضع التي يمكن للإسلاميين أن ينجحوا في ممارسة السلطة فيها، والمواضع التي يفشلون فيها أيضاً، وذلك من خلال دراسة حالة محددة، تتجسد في كيفية تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية على المستوى الاقتصادي، والعلاقة بين الدولة والمجتمع.

ويعرض الكتاب موجزاً للعوامل التاريخية التي أثرت في تكوين الفكر السياسي الشيعي، ثم يناقش دور الخميني في تجسير الفجوة بين التشيع التاريخي والفكر السياسي المعاصر. كما يقدم صورة عن التحولات في بنية النظام والمجتمع الإيراني وانعكاسها على الثقافة والفكر الديني في السنوات اللاحقة للثورة الإسلامية. ثم يناقش التباينات الأيديولوجية الحادة بين التيارين المتنافسين على السلطة، الإصلاحي والمحافظ، وخلفيتها الاجتماعية والثقافية، وانعكاسها على مفهوم الدولة وممارسة السلطة عند كل منهما. ويعرض كذلك بعض المفاهيم الأساسية التي يدور حولها الجدل بين الفريقين، مثل مفاهيم الجمهورية، ومصادر الشرعية السياسية، ودور الشعب، سيادة القانون، وعلاقة الدين بالدولة. إلى جانب مناقشة التفسيرات التي يعرضها الإصلاحيون للعلمانية، والأرضية المرجعية التي يستند إليها كل من التيارين في أطروحاته، مع تقديم صورة عن الأحزاب الرئيسة الفاعلة في السياسة الإيرانية، بغية الإحاطة بالوضع الإيراني وتقديم قراءة دقيقة للقوة الشعبية التي تدعم الخطابين الإصلاحي والمحافظ، ومدى فاعليتها في المحافظة على زخمه.

ويهتم المدخل السوسيولوجي بالتمظهرات الاجتماعية للأفكار، ويسعى إلى اكتشاف العوامل البنيوية وراء تغيرها وتطورها، انطلاقاً من فرضية مسبقة، تعتبر أن فهم الإطار الاجتماعي الذي ظهرت فيه الفكرة وتطورت ضروري لفهم الفكرة نفسها وتقدير أهميتها ومدى تأثيرها، ذلك أن الأفكار، مثل جميع عناصر الحياة الاجتماعية الأخرى، هي كائنات متفاعلة مع محيطها، تتطور وتتغير بتأثير من مختلف العوامل التي تسهم في تشكيل منظومة الحياة، كما أنها تؤثر في تلك العوامل. ثم يجري الانتقال إلى تطور الفكر السياسي الشيعي، لاسيَّما نظرية السلطة الدينية في إيران خلال ربع القرن الماضي، أي منذ قيام الثورة الإسلامية في العام 1979 حتى العام 2005، والظروف الاجتماعية والسياسية التي جرى في ظلها ذلك التطور، بهدف اختبار العوامل الكامنة وراءه، وما إذا كان ممكناً في ضوئها تطوير خطاب سياسي ديمقراطي على أرضية دينية.

ويرى المؤلف أنه خلافاً للفرضية السائدة التي تقول إن الدين بذاته معوق للديمقراطية، تدلّ الملاحظة الميدانية لتجربة إيران خلال القرن العشرين على أن الدين يمكن أن يلعب هذا الدور أو يلعب نقيضه، حيث يتحدد دور الدين كمساعد للديمقراطية أو معوق لها، بتأثير عوامل خارج إطار الدين نفسه.
وهنالك معادلة خاطئة تجعل من الديمقراطية نداً منافساً للدين وهذا غير صحيح، إنه يشبه أن نسأل: هل نختار الدين أم مكارم الأخلاق؟ لقد بذل كثير من الكتاب المسلمين جهودا كبيرة ليقنعوا الناس أن الديمقراطية ليست من الدين بل هي كفر.. وهذا في الحقيقة ظلم للديمقراطية وتجنٍّ عليها، إن الديمقراطية هي الحل الأمثل للمجتمعات متعددة الأديان والمذاهب والاتجاهات، وهي حال معظم الدول في عصرنا هذا، وهي تشابه حال الدولة التي نشأت في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها، فقد أصبح في المدينة أكثرية مسلمة وأقلية يهودية، وكان الحل هو إبرام عقد اجتماعي واقعي عادل ولكي تتم المصالحة بين الدين والديمقراطية، يجب أن يجرى تعديل في الرؤية الدينية وتعديل مواز في مبادئ الديمقراطية. وهذا التعديل المتوازي ضروري للتوصل إلى نموذج حكم يلبي في وقت واحد المعايير الأساسية للديمقراطية والقيم الدينية التي يؤمن بها المجتمع. وليست هذه العملية سهلة أو سريعة بطبيعة الحال، إذ ثمة تعقيدات نظرية وتعقيدات اجتماعية لابد من التعامل معها بأعلى قدر من الحساسية والالتزام كي نصل بالعملية إلى نهايتها السعيدة.

 وبالنسبة إلى التجربة الإيرانية، ورغم ما تنطوي عليه الجدالات الراهنة من وعود وما حققته فعلياً من تقدم على أكثر من صعيد، فإنه من الواضح أنه ما زال على الإيرانيين التوصل إلى حل للعديد من القضايا الإشكالية العسيرة قبل بلوغ الغاية المنشودة، أي صوغ معادلة تحقق التناغم والانسجام الكلي بين الديمقراطية والدين. وتبقى مسائل مثل مصدر السيادة، ووظيفة الدولة فيما يتعلق بالدين، والحقوق الدستورية، وما إلى ذلك، هي جميعاً مسائل جديدة في الفكر الديني.

ويعتبر المؤلف هيمنة الروحانيين على الحياة السياسية والاجتماعية معوقاً رئيساً للتحول الديمقراطي في الجمهورية الإسلامية، لأن الروحانيين يعتبرون أنفسهم أصحاب النظام وأولى الناس باحتلال المناصب الرئيسة في الدولة. وهم لا يكتفون بممارسة الأعمال التي تدخل ضمن نطاق اختصاصهم كطلاب شريعة، بل يتدخلون في كل أمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي بعض الأوقات، يشير بعضهم إلى ضرورة بقاء رئاسة الجمهورية في يد الروحانيين لنصف قرن على الأقل.

وتنطوي هذه المسألة على نوع من التمييز ضد عامة المواطنين، كما تؤسس لمبدأ خاطئ يتمثل في تقديم المكانة على الكفاية. لكن أخطر ما فيها هو إلقاء نوع من العصمة على الحاكمين باعتبارهم متحدثين باسم الله وممثلين رمزيين للإمام المعصوم. وأصبح من الصعب، من الناحية الواقعية، إخضاع الروحانيين للمراقبة والمحاسبة أو تحدي سلطتهم بالوسائل الديمقراطية. أما الديمقراطية فتتجسد أولاً وأخيراً في تحديد سلطات الحاكمين وتمكين الشعب أو ممثليه من مراقبة أعمالهم ومحاسبتهم عليها.
وقد عرفت إيران صعود حركة إصلاحية، تُوِّجت بوصول محمد خاتمي إلى كرسي الرئاسة، ثم ما لبث التيار المحافظ أن عاد إلى تسلم السلطة من جديد.

وهناك أسباب عدَّة أفضت إلى عودة المحافظين بخلفياتهم السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. ومن الصعب الحديث عن الديمقراطية في إيران في ظل نظام لا يسمح بالتعددية وحرية التعبير والرأي، مع أن الديمقراطية بالإضافة إلى أنها تقتضي الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فإنها تقوم أيضا على مجموعة من المبادئ السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية التي تصلح لأن تجتمع عليها أصوات ثلثي الأمة أو أكثر، وهو المقدار الذي يلزم لإجراء تعديل دستوري في أغلب الأنظمة الديمقراطية.
ويحاول بعض المفكرين الإيرانيين البحث عن إمكانية تركيب مفهومي بين الدين والديمقراطية، وفي المجال نفسه يجادل مؤلف الكتاب مفترضاً أن الديمقراطية، بوصفها حكم الشعب، هي نظام ممكن من الناحية الدينية، بل هي نظام أفضل من الناحية الدينية، فيجري توافقاً وتطابقاً بين القبول التوافقي وإجماع الأمة، معتبراً أن القبول التوافقي بالقيم الديمقراطية والحكومة التي تجسدها سوف يوفر ظرفاً أفضل للاعتقاد الحر والممارسة الحرة لمقتضيات الإيمان، وعليه فإن النظام الديمقراطي أكثر إنسانية، كما أنه أكثر دينية من أي نظام استبدادي.

جريدة العرب القطرية 2008-10-26

مقالات ذات صلة:

07/02/2004

جدل الدين والدولة في ايران


  

اذ نظرنا الى الجدل الدائر بين المحافظين والاصلاحيين في ايران من خارج اطاره ، فهو مجرد صراع سياسي يرتبط بالسمات الخاصة للمجتمع والنظام السياسي في هذا البلد . لكن اذا نظرنا الى المكونات الاولية لهذا الجدل ، ولا سيما المقدمات التي اوصلت اليه ، فهو نموذج قابل للمقارنة بنظائر له في مختلف البلدان الاسلامية. من هذا المنظور ، فهو صراع بين القوة السائدة ، او ما يعرف في الادبيات السياسية بالمؤسسة ، وبين تيار يسعى للتغيير، وحينئذ فان كلا من الطرفين هو عنوان لقوة اجتماعية تتبنى منظومة خاصة من المفاهيم والاهداف ، تتعارض جوهريا مع الاخرى.

يتبنى المحافظون فكرة الدولة الدينية المثالية ، ويجادلون بان تطبيق الشريعة في مداه الاقصى يتطلب تدخلا واسعا  من جانب الدولة في حياة الناس . وهذا يترجم عمليا في سيطرة الدولة على وسائل الاعلام ، ومراقبة المطبوعات غير الحكومية ، وفرض معايير خاصة للسلوك الاجتماعي. على المستوى الاقتصادي يسعى المحافظون الى اقتصاد حر تتحكم فيه اليات السوق. ولمعالجة التناقض الظاهر بين فكرة تدخل الدولة سياسيا واجتماعيا وانكماشها على المستوى الاقتصادي ، اقترح محمد جواد لاريجاني ، وهو احد منظري التيار المحافظ ، احتذاء النموذج الصيني. لقد نجحت الصين ، التي اتبعت نظاما يجمع بين التخطيط المركزي وتحرير الاستثمار ، في تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة ومنتظمة طوال اكثر من عقد من الزمن ، بلغت احيانا سبعة في المائة ولم تنخفض ابدا عن اربعة في المائة ، في مقابل معدل نمو يدور حول الواحد في المائة في معظم الاقطار الغربية. والاشارة بالطبع هنا الى ان النمو المنتظم في الصين لم يتلازم مع تنمية سياسية موازية ، فلا زالت الصين دولة غير ديمقراطية ولا زالت حقوق الانسان فيها دون الحد الادنى المتعارف في العالم .

يتبنى الاصلاحيون في المقابل نموذج الديمقراطية الليبرالية باعتباره الصورة الامثل لدولة حديثة. وطبقا لآية الله شبستري وهو احد المنظرين الاصلاحيين البارزين ، فان هذا النموذج هو الوحيد الذي يسمح بتحقيق ابرز اهداف الشريعة الاسلامية ، اي كرامة الانسان وانبعاث العقل. وهو يرى ان تحرير ارادة الانسان هو السبيل الوحيد لاقامة مجتمع رشيد ، وتحرير العقل هو السبيل للنهوض العلمي الضروري لاستثمار الامكانات المادية والطبيعية التي لا تستغل فعلا على افضل الوجوه.

 ويريد الاصلاحيون تخصيص الاعلام الحكومي والغاء الرقابة على المطبوعات بشكل كامل. كما يدعون الى دولة صغيرة يقتصر تدخلها في المجتمع على الحد الادنى . وفي رأيهم ان التدين والسلوك الاجتماعي بشكل عام ، ليست من مهمات الدولة ولا اشغالها ، بل ان التدخل في مثل هذه الامور يتناقض نظريا وسياسيا مع فكرة التكامل بين السلطة السياسية والمجتمع التي هي الاساس في نظرية الدولة الحديثة.

على المستوى الاقتصادي لا يختلف الاصلاحيون كثيرا عن منافسيهم المحافظين لكن الربط بين الحريات العامة ، سيادة القانون ، الانفتاح على العالم ، وحرية الاستثمار هو نقطة القوة التي تميز الخطاب الاصلاحي. وخلال السنوات الاربع الماضية حقق الاقتصاد الايراني معدل نمو منتظم ، زاد في العام المنصرم عن سبعة في المائة كما وفر نصف مليون وظيفة جديدة.

وكما هو واضح ، فان خلاف الطرفين يدور حول حدود تدخل الدولة ، ولا سيما علاقة الدين بالدولة . وفي هذا المجال بالخصوص ، فان جوهر الجدل يدور حول ما اذا كان للدولة الحق في اجبار المواطنين على الالتزام بطريقة معينة في التدين ام ترك الامر لهم . بكلمة اخرى ، فان المحافظين يدعون الى استخدام سلطة الدولة وامكاناتها في فرض خطاب ديني محدد ، بينما يرى الاصلاحيون ان المجتمع اقدر من الدولة على ادارة اموره الدينية والاخلاقية . الدولة – بكلمة اخرى – مسؤولة عن دنيا الناس ، اما دين الناس فالناس اولى به وهم المسؤولون عنه.

على المستوى النظري يبدو الامر بسيطا ، لكن على المستوى العملي، فان هذا الاختلاف يتناول حدود الدولة ومدى قانونية تدخلها في حياة الناس وسلوكهم ، وبالتالي حقها في استعمال القوة لفرض نموذج سلوكي معين ، وبهذا المعنى فان الخلاف يتناول فلسفة الدولة والاساس الذي تقوم عليه . المحافظون مع دولة فوق المجتمع وسيدة له ، بينما يدعو الاصلاحيون لدولة تستمد شرعيتها من المجتمع ، فهي خاضعة لارادته تابعة لتوجهاته.


Okaz ( Saturday 7 Feb 2004 ) - ISSUE NO 965

30/01/1995

فقه جــديد لعصر جـديد


شهدنا في السنوات العشر الاخيرة تصاعدا في الدعوة الى تجديد في الفقه الاسلامي ، متوازية مع الجهود الجارية في اكثر من بلد ، لتطبيق ما امكن من النظم والقوانين الاسلامية في الحياة العامة ، وخلال هذه الفترة شهدنا ظهور مصطلحات وعناوين جديدة مثل (فقه الواقع) و (فقه السياسة) و (فقه الاقليات) وغير ذلك من المصطلحات الشبيهة التي تشير بمجموعها الى حاجة لفقه نشط يعالج مشكلات المسلم المعاصر.

 لقد ظهر معظم هذه المشكلات كنتيجة لتباطؤ مسيرة البحث الفقهي ، فيما عجلة الزمن تتحرك سريعا الى الامام ، خالقة قضايا جديدة وحاجات جديدة تحتاج بدورها الى تكييف شرعي لابد ان يقوم على اجتهاد جديد.

وقد حاول بعض الفقهاء والمفكرين تحديد مواضع القصور في موقفنا الفكري الراهن ، فدرس بعضهم الفجوة الحضارية التي تفصلنا عن الحضارة الغربية النشطة ، وحاول استنباط نموذج للعلاقة بين المسلمين والغرب ، يضمن انتقال التجربة العلمية والحضارية ، دون الاضرار بأخلاقيات المجتمع المسلم وعقيدته .

 وحاول آخرون استنباط تكييف فقهي لبعض الممارسات الحياتية ، التي  تبلورت في الاطار الحضاري الغربي ، واصبحت لازمة لا يستغنى عنها للحياة والمعيشة ، في العالم الاسلامي كما في غيره من العوالم ، مثل تجربة البنوك الاسلامية .

 وحاول  غير هؤلاء تطوير نظرية للعلاقة بين الانسان  والشريعة من ناحية ، والانسان والطبيعة من ناحية اخرى ، باعتبار هاتين العلاقتين مفتاحا لفهم مرادات الاسلام ، والحد الفاصل بين ثوابته ومتغيراته .

جدل صحيح

وقد لقيت هذه الدعوات ترحيبا من جانب ، كما اثارت الغضب  من جانب آخر ، فثمة في العالم الاسلامي من يشعر بالقلق من عواقب اي دعوة تتناول تبديلا او تعديلا فيما هو قائم ، وثمة من يشعر بان السابقين لم يتركوا شيئا للخلف ليضيفوه .

وفي تقديرنا ان هذا الجدل بحد ذاته علامة صحة مستأنفة في الجسد الاسلامي ، الذي اوهنته سنين الركود الطويلة ، وهو ايذان بعودة الشريعة نظاما للحياة ، بعد ان بقيت قواعدها  -  منذ سقوط الحضارة الاسلامية حبيسة الكتب.

ان الجدل في صلاحية بعض الفقه الموجود بين ايدينا للتطبيق على حياتنا المعاصرة ، لا يعني باي حال شكا في الدين ، او خروجا عن الصراط المستقيم ، انه شك في العلم ، لا يؤدي  -  بالضرورة  -  الى تراجع عن الايمان ، فالعلم ينتمي الى مجال قابل للأخذ والرد ، شانه شان جميع المعقولات الاخرى ، اما الايمان فمستقر في القلب ، لا يتغير الا عن معرفة ويقين .

لا يمكن للفقه ان يتحرك من مكانه الا اذا تفاعل مع حاجات عصره ، ولا يمكن له ان يجيب على هذه الحاجات ، الا اذا تفاعل مع القاعدة العلمية والحياتية التي قامت عليها ، هذا التفاعل المطلوب لا يتحقق في جو السكون والركود ، فالجدل يلعب دور المثير للهمم ، فوق انه يركز الاضواء على الاولويات ومواضع القصور .

 لهذا السبب يبدو ضروريا اتاحة الفرصة للنقاش حول المسألة حتى يأخذ مداه ، فهو الطريق الوحيد الذي يكشف لنا عن حاجاتنا ، وربما كشف لنا عن وسائل للمعالجة توفر بعض الجهد الذي نحتاجه .

يؤمن المسلمون جميعا بالاسلام شريعة قابلة لتنظيم حياتهم في كل زمن وكل ظرف ، وهذا الايمان  -  على الرغم مما اثير حوله من شكوك  -  يبقى رائدا لحركة المسلمين ، ومحركا لعزائمهم نحو بعث الحضارة التي خسروها وربحها غيرهم ، لكن الايمان بصلاحية الاسلام لا يعني بالضرورة جاهزيته للتطبيق ، لاسيما عند الاخذ بعين الاعتبار تطبيقه في المجال العام ، في صورة قانون للمجتمع او لبعض جوانب حياته .

فقه لكل عصر

لازال معظم ما نعرفه من الفقه الاسلامي محصورا في اطار الاحكام الموجهة للفرد ، وموضوعا للاجتهاد القابل للتغيير في اي وقت ، اما الاحكام الموجهة للمجتمع ، والمنظمة في صورة قانون يتسم بالعمومية والدوام  -  ولو نسبيا  -  لازالت قليلة بل نادرة قياسا الى الحاجات الكثيرة التي جاء بها التطور السريع للحياة المعاصرة .

وينتمي معظم علم الفقه الى ازمان نشاطه السابقة ، وما انتجه الفقهاء المعاصرون دون اعتماد على جهد السابقين قليل جدا ، يصل الى حد الندرة ، ان نتاج الفقهاء السابقين تعبير  عن عصرهم ، وهو اجابة  على حاجات ظهرت فيه ، ويحتاج كل زمان الى فقه يجيب على حاجاته الخاصة .

ان حياة الناس وممارساتهم اليومية ، هي موضوع علم الفقه (موارد تطبيقه) والتغير طبيعة لازمة في حياة الناس ، فما نعيشه اليوم غير ما كان يعيشه اسلافنا ، وسيكون للذين ياتون من بعدنا حياة مختلفة عما نعيش ، ويفرض هذا التطور اختلافا في موضوعات الاحكام الشرعية ، يحتاج الى  بحث مستأنف ، ليس بتجميل النص او تحديث الاسلوب ، بل بمعالجة الموضوع من جديد ، باعتباره مختلفا عما سبقه .

العبادات والمعاملات

 ان المقصود بالفقه الجديد بالدرجة الرئيسية هو فقه المعاملات ، الذي تتسم معظم موضوعاته بالتغير مع تغير الزمن ، اما العبادات فالجانب الرئيسي منها ثابت ومنصوص ، كما انها استأثرت في الماضي والحاضر ، بقسط وافر من الابحاث الفقهية ، بحيث لايبدو ثمة حاجة ماسة الى اعادة نظر ، اللهم الا في جوانب محدودة وفرعية .

ثم ان موضوعات فقه العبادات لا تتأثر بالتطورات الحياتية خارج الاطار المعرفي الاسلامي ، او لنقل ان تلك التطورات لا تمس جوهر موضوعاتها ، بخلاف موضوعات فقه المعاملات ، التي تتغير كل يوم بفعل تغير انواع الحياة وانماطها .

وحياتنا لا تتغير تبعا لتطور نبدعه بأنفسنا ، حتى نحدد حركة التغيير في الاتجاه المناسب لشريعتنا ، نحن  -  وللأسف  -  نستهلك ابداع الآخرين ، على مستوى الافكار وعلى مستوى السياسات والبرامج ، فضلا عن وسائل العيش ، وفي حال كهذه فان اغفال تطوير الفقه سينتهي بالمسلمين الى العيش بشخصية مزدوجة ، تقيم العبادة كما امر الله وتعيش حياتها كما اراده الغرب .

والحل الوحيد الذي بين ايدينا هو تنشيط حركة الاجتهاد ، وتفعيل العلاقة الباردة بين علم الفقه وعلوم الحياة الاخرى ، ومواجه تحدي التطور الذي لا ينتظر المتباطئين ، لعلنا نستكمل فيما يأتي من زمن ، العدة اللازمة لبعث المدنية الاسلامية من جديد .

نشر في ( اليوم) 30يناير1995

مقالات ذات علاقة

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...