تحديث
الخطاب الديني لا يعني تحديث شكله او وسيلة عرضه، اي اعادة انتاج الخطاب القديم في
قوالب جديدة. هذا ليس تجديدا ، بل مهمة "علاقات عامة". هذا عمل يطيل
حياة الثقافة العتيقة، فيجعلها قابلة للعرض سنوات اضافية ، لكن من دون ان تكون مفيدة للناس او مؤثرة في
حياتهم ، تماما مثل المخطوطات والاواني الاثرية التي يرممها اصحاب المتاحف بين حين
واخر.
علي شريعتي(1933-1977) |
تحديث
الخطاب الديني يستدعي مراجعة عميقة ، تتضمن بالتاكيد استبعاد تلك المفاهيم التي لم
تعد معقولة او متناسبة مع تطور الفكر الانساني وتجربة الانسان المعاصر.
اشكالية
التخلف تكمن في اضفاء القداسة على الموروث، ورفعه فوق الجديد والمبتكر. ثم اعتبار
الماضي مرجعا للحاضر ومعيارا للحكم بسلامته او عواره. هذا يقود بطبيعة الحال الى
اغتراب عن الحاضر والفة للماضي ، وانكار للبشر والاشياء التي يعايشها الانسان ،
ومبالغة في تقدير قيمة ما مات وانتهى زمنه.
تجديد
الفكر الديني لا يتحقق بتغيير وسائل توصيله وعرضه. يستهدف التجديد – اولا وقبل كل
شيء- الانعتاق من قيود الحقب التاريخية التي توقف عندها الفكر الاسلامي ، وتقديم
خطاب عصري يجيب على الاسئلة والتحديات التي تواجه المجتمع المسلم في عصره الحاضر.
خطاب منبعث من حاجات العصر متفاعل مع هموم انسانه.
تجاوز
قيود التراث القديم مهمة عسيرة دون شك. لكنها ليست الوحيدة التي تجابه الاصلاحيين.
ثمة معضلات اخرى تزيد في عسر الطريق ، من بينها قهر العامة وقيود العرف والتقاليد
السائدة. لو كانت الامر سهلا، لاخذ به جميع الناس. اختيار هذا الطريق العسير ،
والصبر على اذاه هو الذي يميز الفاتحين عن افواج الناس.
لا يحتفظ التاريخ باسماء الملايين الذين شاركوا
في التحولات او استفادوا منها. بل يذكر القلة التي ابدعت تلك التحولات او تقدمت
الناس اليها. عاصر ابن خلدون مئات من اهل العلم ، لكننا نذكر ابن خلدون دون غيره،
لانه تصدى لحقل من حقول العلم متمايز عما انشغل به انداده. وعاصر اينشتاين مئات من
الفيزيائيين والفلاسفة. ترى كم اسما من اسماء اولئك الناس يذكر اليوم حين نتحدث عن
علم الفيزياء والفلسفة؟. ارسطو وابن خلدون وابن رشد وماكس فيبر واينشتاين وعلي شريعتي وامثالهم، اصبحوا علامات مضيئة في تاريخ البشرية، لانهم سلكوا درب الرواد ،
فخرجوا على السائد والمعتاد ، وتحملوا في درب الريادة اشكالا من العسر والعنت من
جانب حراس القبور وحراس المتاحف.
التغيير
والتجديد هو طريق الغرباء ، الذي يسلكه قلة من الناس يحتملون الدروب الصعبة. اكثر
الناس تجدهم في الطرق المألوفة المأهولة المعبدة التي لا غريب فيها ولا مختلف.
رواد الطريق الاول هم صناع مستقبل العالم ، اما الطريق الثاني فرواده مجرد
مستهلكين لما يجدونه في المخازن من بضاعة السابقين.
الاقتصادية 4 ديسمبر 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق