22/12/1998

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي



الاجتماع الأخير لمجمع الفقه الإسلامي الذي عقد في البحرين ، شهد دعوة شبه عامة ، إلى توسيع نطاق الاجتهاد ومعالجة العقد النظرية ، التي توقف عندها قطار التجديد في الفقه الإسلامي المعاصر .

تطبيق الشريعة الاسلامية هو المبرر الرئيس والأهم لتجديد الفقه ، فلكي تتحول القواعد العامة والنصوص الاجمالية ، إلى أنطمة تفصيلية تستجيب للتحديات والحاجات ، الناتجة عن تغير ظروف الحياة ، فلابد من وجود فقه نشط ومتحرك ، يتفاعل مع عصره ومع المجتمع الذي يريد تطبيقه ، ان مصادر الشريعة محدودة من حيث الحجم ، لكن إذا نظرنا اليها كقواعد ونواظم ، فانها توفر فرصا لا متناهية لاجتهاد نشط ومتواصل مع العصر .

بديهي ان أي علم يتأثر من حيث ضيقه أو سعته ، ومن حيث جموده أو حركته ، بالبيئة الاجتماعية التي يشتغل ضمن إطاراتها ، بكل ما فيها وما يسودها من تيارات فكرية واجتماعية وتطلعات ، ذلك ان حركة العلم ومن ضمنه علم الفقه ، هي وجه من وجوه الحياة الاجتماعية ملتصق بالبيئة وظروفها ، فلا يمكن ان يتطور في معزل عن الزاماتها ، كما لا يمكن ان يتخلف دون حركتها ، ولهذا السبب فان النهوض الذي تبدو تباشيره في افق العالم الاسلامي ، لا بد ان ينعكس ايجابيا على النشاط العلمي ، والفقهي منه خاصة ، في صورة نهوض يتناول تجديد مفاهيمه ووسائل عمله ، وعلاقته بالحياة من حوله .
يشتغل علم الفقه في مربع ذي أربعة زوايا هي :

1-الاصول  أي المصادر الاولية التي يؤخذ منها الحكم الشرعي في موضوع معين .
2-الموضوعات وهي موارد تطبيق الاحكام الشرعية .
3- الاحكام وهي الموقف أو العلاج الشرعي لموضوع معين .
4-الاستنباط وهو عملية البحث الهادفة لاستخراج الحكم الشرعي من المصادر الاولية ، تمهيدا لتطبيقه على المورد المطلوب.

ان دعوة التجديد لا تتناول الاصول لا سيما الكتاب والسنة ، فهي أدلة يحميها اتفاق ، وجزم بقدرتها على توفير حاجات المجتمع المستجدة من الاحكام ، اذا ما وجدت ادوات استنباط ذات كفاءة ، وثمة نقاش في تفصيلات تتعلق بالأدلة العقلية ، لكنه نقاش فرعي ، ومتى تم اصلاح الاستنباط لم يعد لهذا النقاش مكان .

أما الموضوعات فليست محل جدل في موضوع التجديد ، لأنها ليست ضمن دائرة التصرف من جانب أهل الفقه ، فهي توجد نتيجة لتطورات خارج نطاق عمل الفقهاء ، وانما تقوم العلاقة بينها وبين الفقه ، بعد ان توجد وتصبح موضع حاجة للناس .
وعليه فان التجديد المقصود يتركز بالدرجة الاساسية في الاستنباط ، اي عملية البحث عن الادلة ، وفي التكييف الفقهي للموضوعات ، أي تحديد النطاق الذي يندرج الموضوع المعين ضمن دائرته .

ويقوم الاستنباط الصحيح على أربعة أركان :
الاول : المعرفة الدقيقة للموضوع المطروح ، ثم تكييفه ضمن دائرة محددة .
الثاني : المعرفة التفصيلية لمصادر الشريعة .
الثالث : استيعاب مقاصد الشريعة ،  أي روح التشريع .
الرابع : اتقان استعمال الأدوات المنهجية للاستنباط .

وإذا توفرت هذه الاركان الاربعة في طالب العلم ، فقد استكمل عدته العلمية للاجتهاد ، ويبقى عليه حينئذ ان يستكمل ما هو مطلوب من المتقين ، من الفضائل النفسية والروحية ، ان كمال تلك الاركان الاربعة أو نقصها ، يرجع إلى عوامل عديدة ، من بينها نظام التدريس للعلوم المتصلة بالفقه واعداد الفقهاء ، كما يتصل باعادة التقييم التي ندعو اليها للعلوم الحديثة ، باعتبارها ذات مدخلية كبرى في تحديد موضوعات الفقه ، كما يؤثر حاصل خبرتها على نتائج الاستنباط ، فيما لو اخذت بعين الاعتبار .

ويعتبر طالب العلم مجتهدا  أي مالكا لناصية الاستنباط ، اذا ما اثبت من خلال التجربة ان اجتهاداته صحيحة في مسائل ، يراها استاذه أو من يتابع اعماله من الفقهاء ذوي الخبرة ، كافية للتدليل على تمتعه بملكة الاستنباط ، وفيما بعد فان الفقيه يواصل عملية الاجتهاد حتى يكون له رأي في كل مسألة .

لكن بعد هذه المرحلة ، لا توجد حدود لنطاق عمل الفقيه ، فهو ـ في أغلب الحالات ـ لا يركز على مجال معين ، حتى يصبح صاحب اختصاص فيه ، كما لا يقبل ـ حسب العرف الجاري ـ رأي أصحاب الاختصاص في الموضوعات التي هي مجال اختصاصهم ، ماداموا لا ينتمون إلى سلك طلبة العلم الشرعي ، بل ان التقليد السائد في مدارس العلم الشرعي ، يذهب إلى اعتبار المجتهد في الفقه ، قادرا على استنباط الاحكام في كل موضوع ، في أي جانب من جوانب الحياة ، دون تقدير لحدود الاختصاص العلمي في مجالات الحياة المتنوعة .

ومع الاخذ بعين الاعتبار ان الفقه الاسلامي يعالج مختلف جوانب الحياة ، وان العلم التفصيلي بكل جانب ، يتطلب جهدا علميا كبيرا ، قد لا يتسع له العمر الطبيعي للانسان ، فقد نحتاج إلى الاقرار بالحاجة إلى التخصص ، أي ان يتخصص كل فقيه في جانب من جوانب الحياة ، فيتقن العلوم المتصلة بموضوعاته ، حتى يتأهل للفتوى فيها على وجه الخصوص ، ويترك غيرها من الموضوعات لغيره ممن هو مختص بها .
عكاظ 22-12-1998
مقالات ذات علاقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...