ربما ترغب ايضا في قراءة
الايديولوجيا السياسية للتيار المحافظ في ايران
المحافظون والاصلاحيون: المشهد الحزبي في ايران 2005
(الفصل الخامس من كتاب حدود الديمقراطية الدينية)
الفهرس
الخلفية الاجتماعية للتيار الاصلاحي
الشخصيات الفاعلة والمحاور الرئيسية في الخطاب الاصلاحي
الاطار المرجعي للخطاب السياسي الاصلاحي
يعرض هذا الفصل العناصر الرئيسية لخطاب الاصلاحيين السياسي والارضية الدينية التي يقوم عليها. ويبدأ بتقديم مختصر للمنظرين الاكثر تاثيرا في هذا التيار ، ثم يحلل اسباب صعوده وعلاقته بخطاب الاصلاح الديني السابق لثورة 1979. كما يحدد علاقة الخطاب الاصلاحي بالتفكير السياسي الحديث في العالم من خلال مناقشة عدد من المفاهيم المحورية فيه مثل الجمهورية ، الشرعية السياسية ، والديمقراطية. ويكشف تحليل المفهوم الاصلاحي للدين ودوره السياسي عن الفوارق التي تميزه عن البرادايم الديني التقليدي.
يشير صعود التيار الاصلاحي في
السياسة الايرانية الى تنامي الميول الليبرالية في المجتمع خلال التسعينات[1]. ونشير الى
عاملين رئيسيين وراء هذا التطور : اولهما التحولات الاقتصادية-الاجتماعية خلال
العقد الاول بعد الثورة ، وثانيهما عودة الحياة الى النشاط الفكري بعدما كان قد
تراجع في تلك الحقبة. فقد ساعد كلا العاملين في ظهور ما يمكن وصفه بوعي جديد
بالذات لا سيما في وسط الجيل الجديد من الايرانيين.
الخلفية الاجتماعية
للتيار الاصلاحي
اعتبرت الثورة الاسلامية نفسها حركة
للمستضعفين ، اي الاغلبية العظمى من المجتمع التي كانت محرومة ومهمشة في ظل النظام
البهلوي. لهذا فقد كان الهم الاعظم لحكومة الثورة هو اعادة توزيع الموارد الوطنية
وتنمية المناطق الاكثر حرمانا لا سيما في الارياف التي عاشت على الدوام على حاشية
الاهتمام الرسمي. وشهد عقد الثمانينات تنفيذ العديد من المشروعات التنموية على يد
الحكومة والمنظمات التي قامت في ظل الثورة مثل جهاد البناء ، وحركة محو الامية.
وفي الحقيقة فان التركيز على الارياف ، كان اضافة الى مبرراته الايديولوجية ، حاجة
سياسية للنظام الجديد. فقد سعت الحكومة من خلاله الى مضاعفة انتاج الغذاء لمواجهة
الحصار الاقتصادي الخارجي ونقص العملات الاجنبية ، ولا سيما خلال الحرب مع العراق.
وتضمنت مشروعات التنمية الريفية بناء شبكة ضخمة من الطرق ، انظمة الاتصال الهاتفي
، الكهرباء ، والمدارس. وقد تركت هذه المشروعات تاثيرا مباشرا على ثقافة المجتمع
المحلي كما ساهمت في ربط الريف بمسارات الحراك السياسي والاقتصادي على المستوى
الوطني بعد قرون من العزلة. ويحدد عبدي ثلاثة انعكاسات للتطور المذكور على المستوى
السياسي: اولها ارتفاع مستوى التعليم في المجتمع ككل ، كما يظهر في ارتفاع نسبة
طلاب المراحل الوسطى والجامعية الى مجموع الطلاب اضافة الى الانخفاض الاجمالي
لنسبة الاميين. اما الثاني فهو تراجع تاثير رجال الدين على الجمهور العام لصالح
الصحافة المستقلة وغيرها من مصادر المعلومات الحديثة. ويتجلى الانعكاس الثالث في
تغير نمط المعيشة في المجتمعات الريفية التي انفتحت تدريجيا على الانماط السائدة
في المدينة[2].
بين 1976 و 1996 انخفضت نسبة الامية
بين الايرانيين البالغين ست سنوات فما فوق من 52.5 بالمائة الى 20 بالمائة ، وفي
الريف خصوصا انخفضت هذه النسبة الى 30 بالمائة. كما انخفضت نسبة الامية بين النساء
الريفيات من 82 % في 1976 الى 38% في 1992. وبالمثل فقد انخفضت النسبة بين نساء
المدن من 36% الى 18% في 1996. في نفس
السياق فان عدد الطلبة في جميع المراحل قد ارتفع من 7.25 مليون في 1979 الى 19.32
مليون في 1996 ، من بينهم 1.2 مليون في الجامعات[3].
ويركز رضائي على التغيير في المراكز
الوظيفية للقوى العاملة كواحد من مؤشرات التحول الاجتماعي. فخلال الفترة ذاتها
ارتفع عدد العاملين لحسابهم الخاص self-employed من 182,300 الى 528,000. ويؤخذ هذا المؤشر
بالنظر الى ان تحول العامل من اجير الى رب عمل يؤدي غالبا الى تغيير في رؤية
العامل لمكانته ودوره ، كما ينعكس على تطلعاته الحياتية والاجتماعية. المؤشر الاخر
يتعلق بحصة النساء في سوق العمل ، فبالرغم من انخفاض نسبة العاملات من 16 الى 14%
، ارتفعت نسبة النساء في الوظائف الادارية المتوسطة والعليا الى 38%[4].
وينظر جميع منظري التنمية تقريبا الى
اتساع التعليم ، باعتباره المحرك الاقوى للتغيير في النظام الاجتماعي ، سواء في
السلوكيات ، رؤية الذات والعالم ، او في الوعي السياسي. في هذا المجال بالذات فان
التعليم يساعد على استنباط وعي بالذات ينعكس مباشرة على شكل رغبة في المشاركة في
الشأن العام. ويقدم سلوك الناخبين في الانتخابات الرئاسية لعام 1997 دليلا قويا
على هذا المدعى ، فالتصويت في الارياف والاقاليم النائية اتخذ الى حد كبير اتجاها
مماثلا لنظيره في المدن الرئيسية التي تعتبر في العادة اكثر تسيسا. ويرى بيران ،
استاذ الاجتماع في جامعة طهران ، ان الدور الاستثنائي للشباب في انتخابات 1997
يكشف عن تحول هذا القطاع الى مرجعية رئيسية في المجتمع الايراني. اخذا بعين
الاعتبار الميل المتزايد بين سكان الريف لاحتذاء نمط المعيشة المديني ، فقد ساهم
العاملان ، انتشار التعليم وتغير المكانة الوظيفية ، في انتشار خطاب الحداثة
وتمكين ممثليه من الاستيلاء على قلوب الجمهور ، على حساب ممثلي التيار المتمسك
بالتقاليد [5].
دور المفكرين
يرجع بروجردي صعود الخطاب الاصلاحي الى ظهور جيل جديد من المفكرين على الساحة الايرانية[6]. يشير مصطلح "المفكر" الى (الشخص الذي يحظى الفكر ، العلم ، الفن ، والثقافة باهمية كبرى في حياته تتجاوز مجرد الانشغال اليومي بمفرداتها الى تشكيل خلفية تفكيره وفعله ومواقفه في المجال السياسي) [7]. وتوسع بعض منظري التنمية السياسية في تحديد دائرة المنضوين تحت هذا التعريف لتشمل جميع اولئك الذين ينتمون ثقافيا او مهنيا الى العالم الحديث. ضمن هذه الرؤية فان الموقف الاجتماعي للمفكرين يعامل كمقابل لموقف الشريحة الاجتماعية المحافظة على التقاليد. ضمن هذه الرؤية ينسب شيلز صفة المفكر الى (جميع الاشخاص الذين يرتبط تقدمهم الحياتي بالتعليم الحديث) [8]. اما مصطلح "المفكر الاسلامي" المتداول بكثافة عند التيار الاصلاحي الايراني ، فيشير الى تلك الفئة من المفكرين الذين يقيمون رؤيتهم العامة على ارضية القيم الاسلامية الكبرى. وبناء على التجربة التاريخية ، يضع علوي تبار هذه الفئة في موضع متوسط بين الروحانيين التقليديين والمفكرين العلمانيين. ويعتقد ان ثلاثة انشغالات اساسية تمثل قاسما مشتركا بين افرادها: [9]
1- تطوير تفسير عقلاني للدين والقيم الدينية.
2- نقد النظام الاجتماعي القائم، مؤسساته
وبنية علاقاته الداخلية ومنظومات السلوك المعيارية فيه.
3- التاكيد على قيم الحرية ، المساواة ، التقدم ، كلوازم ضرورية للتنظيم
الاجتماعي السليم.
ويعتبر فرزين وحدت صعود المفكرين وخطابهم في ايران تجسيدا لما يصفه بانبعاث هوية جديدة "وعي جديد بالذات" على انقاض الهوية الملتبسة التي طبعت الخطاب الاسلامي خلال الستينات والسبعينات الميلادية. ويشير في هذا الصدد الى ان اعمال علي شريعتي ، اية الله الخميني ، ومرتضى مطهري ، تشترك في صدورها عن فهم ملتبس للذات والهوية ، اثمر عن رؤية سياسية غير حاسمة ازاء مفهوم المواطنة. وفي الوقت الذي لم ينكر فيه اي من العلماء الثلاثة الذاتية الانسانية ، فانهم لم يتعاملوا معها كموجود مستقل قائم بنفسه ، بل اعتبروها مشروطة بالحقيقة الالهية كما يتجلى في مفهومهم للمجتمع التوحيدي. وينظر الثلاثة الى بناء هذا المجتمع باعتباره الهدف الاول والاهم للثورة الاسلامية. لكن مع زوال الالتباس ، فان المحافظين مالوا الى الموقف التقليدي اي الذاتية الدينية التي تنطوي على انكار لمفهوم المواطنة وما يترتب عليه من حقوق سياسية. وفي المقابل فان الخطاب الاصلاحي قد طور مفهومه الخاص للمواطنة في سياق يماثل المفهوم الحديث للذاتية الفردية وما تنطوي عليه من حقوق طبيعية او دستورية[10].
د. علي شريعتي |
طبقا لحسين بشيريه ،
الاستاذ في جامعة طهران ، فان ذلك التطور يكشف عن تحول في ثقافة المجتمع الايراني
السياسية. وهو تحول سيثمر في نهاية المطاف عن تبلور الفردانية كاساس للوعي بالذات.
وهو يقول في هذا الصدد ان النخبة الحاكمة قد بذلت جهودا ضخمة منذ انتصار الثورة
الاسلامية لاعادة تشكيل الهوية الوطنية للايرانيين على نحو ينسجم مع الايديولوجيا
السياسية الرسمية. وطبقا لهذه
الايديولوجيا فان المواطن المثالي ، هو الشخص المستعد للتخلي عن كل انتماءاته او
تهميشها ، لصالح الانتماء الذي تقترحه الايديولوجيا الرسمية
[11].
وجرى تصوير الهوية الخاصة بالجمهورية الاسلامية باعتبارها مطلقة ، كاملة ، ومتينة
، وبديلا ضروريا عن سائر الهويات الاخرى ، بما فيها تلك التي تشير الى الانتماء
للوطن او المجموعة الاثنية او الثقافية[12]..
وتتناغم هذه الجهود بطبيعة الحال مع الارضية الايديولوجية للنخبة التي ترى في
الانتماء الى الاسلام بديلا ارقى من كل انتماء اخر. لكنها تخدم اضافة الى هذا
اغراضا سياسية مرحلية ابرزها توحيد الجمهور وراء النظام الجديد وسياساته. ومن هذا
المنطلق فيما يبدو ، فقد شهد العقد الاول من عمر الجمهورية الاسلامية جهودا منظمة
لتصفية الساحة السياسية من كل كيان يرمز الى هوية بديلة او يضخ فيها زخما وفاعلية.
وفي هذا السياق فقد جرى اضعاف او تفكيك الاحزاب السياسية ، المنظمات المهنية ،
جماعات المصالح اضافة الى الصحافة المستقلة ، وتم اخلاء الساحة للهوية الرسمية كي
تتبلور وتفرض نفسها على الجميع.
ابتداء من اوائل التسعينات اثمرت
التحولات الاجتماعية على الصعيد المحلي وتغير المناخ السياسي في العالم عن اطلاق
حراك معاكس ادى فعليا الى اعادة التوازن بين مكونات الوعي بالذات وبالتالي الهوية.
وفي هذا السياق تراجع دور المكون الايديولوجي للهوية الوطنية بينما تصاعد دور
الفردانية بالمفهوم الليبرالي[13].
ونشير خصوصا الى ظهور الخلافات في داخل النخبة الحاكمة على السطح ، مما اثر سلبيا
على مصداقية الايديولوجيا الرسمية ، اضافة الى انبعاث المشاعر المحلية والاثنية
الذي اعاد الحيوية الى الهويات المهمشة. وفوق ذلك فان المشكلات الاقتصادية التي
ازدادت حدة في نهاية الثمانينات قد كشفت عن فشل تلك الايديولوجيا في توفير
الازدهار والسعادة التي علق عليها الجمهور كثيرا من الامال ، وعززت الشعور بين
الافراد بالحاجة الى الاهتمام بانفسهم ومشكلاتهم وعدم انتظار مبادرات الدولة. ومن
هذه الزاوية فان الميل للفردانية وبصورة عامة الميل للاخذ بالافكار التي تنتمي
للديمقراطية الليبرالية لم يعد ظاهرة محصورة بالنخبة الثقافية. بل كان على الاغلب
ميلا عاما نشترك فيه جميع الشرائح الاجتماعية ، ولا سيما تلك التي شعرت في وقت ما
بانها مهمشة او معزولة في ظل البرادايم الثوري[14]. بل لعله من
الممكن القول ان التغير في قلوب الناس وعقولهم هو الذي وفر الارضية الملائمة
لاستقبال اصوات المفكرين والنخبة الثقافية وتحويلها الى خطاب يحظى بمصداقية
وقابلية للتاثير. ومما يدعم هذا الاحتمال هو حقيقة ان الفوز الساحق للمرشح
الاصلاحي محمد خاتمي في انتخابات 1997 قد فاجأ زعماء التيار الاصلاحي بدرجة لا تقل
عن مفاجأته لمنافسيهم المحافظين [15].
وتشير هذه الحادثة الى ان استعداد الجمهور للتغيير كان ابعد مما تصورته تلك
النخبة.
قبيل الثورة الاسلامية كان لواء
الاصلاح الديني معقودا لمجموعة المفكرين الذين أسسوا نهضت ازادي ايران "حركة
تحرير ايران" ، ومن بينهم على وجه الخصوص اية الله محمود
طالقاني ، مهدي
بازرگان ، ويد
الله سحابي ، الذين تدرجوا في العمل السياسي من خلال الجبهة الوطنية بزعامة
رئيس الوزراء السابق محمد
مصدق. ومنذ بداياته ، تمحور اهتمام
هذا التيار حول مصالحة الاسلام مع الحداثة. ويظهر ان دافعه الاول كان الدفاع عن
الاسلام مقابل الصعود المتعاظم للنزعات العلمانية التي انطلقت من رحم السياسات
التحديثية للنظام البهلوي. ولهذا فقد اهتم اولئك المفكرون بتمييز انفسهم عن
المؤسسة الدينية التقليدية ، في لغة الخطاب وفي الشريحة الاجتماعية التي يتوجه
اليها[16]. ويرجع هذا
التوجه الى تقاعس المؤسسة الدينية عن تقديم بديل عن خطاب الحداثة العلمانية
واستغراقها في نمط الحياة التقليدي ، الامر الذي ادى الى انفصال الجيل الجديد من
الشباب الايراني عنها وعن اطاراتها الاجتماعية. وبلغ خطاب الاصلاح الديني ذروته مع
علي شريعتي الذي كرس حياته لاعادة تفسير التاريخ والفكر والتقاليد الشيعية على نحو
يتعارض مباشرة مع البرادايم الخاص بالمؤسسة الدينية التقليدية. ولهذا السبب فقد
اتخذ ذلك الخطاب سمة معارضة لرجال الدين[17].
خلال الستينات والسبعينات ، كان تاثير خطاب الاصلاح الديني محصورا الى حد كبير بين
الطبقة الوسطى المدينية ولا سيما طلبة الجامعات. وقد اشرنا في الفصل الثاني الى ان
الاغلبية من مؤيدي اية الله الخميني في السنوات السابقة لقيام الثورة كانت تتكون
من المتعلمين في المدارس الحديثة والروحانيين الشباب ، الذين يشتركون معا في
التوجهات الحداثية ، ولا سيما الميول اليسارية.
تعرض هذا التيار للتهميش في اواخر
الثمانينات ، لكنه عاد الى الساحة بخطاب سياسي جديد يتعارض بشدة مع الايديولوجيا
الشمولية الحاكمة. واعتمد في عودته على الصحافة في المقام الاول. كان القاسم
المشترك بين الدوريات الاصلاحية الاربع التي صدرت بين مايو 1990 واكتوبر 1991 هو
نقد الايديولوجيا المهيمنة ، ولا سيما الفقه التقليدي. وقد جرى حظر الدوريات الاربع
جميعا بواسطة المحاكم التي يسيطر عليها المحافظون المتشددون[18].
لكن تلك الدوريات نجحت خلال حياتها القصيرة نسبيا في الكشف عن التنوع الكبير
للاراء والطروحات السياسية في المجتمع الايراني ، خلافا للصورة التي تروجها النخبة
الحاكمة ، والتي تصور المجتمع الايراني كله موحدا ومتماسكا وراء الايديولوجيا
الرسمية ومنظريها والقائمين عليها. كان لمجلة "كيان" الشهرية وصحيفة
"سلام" اليومية قصب الريادة في طرح الخطاب السياسي الاصلاحي الجديد ،
وشكلت الثانية منبرا سياسيا للتيار الآخذ في التشكل ، بينما كانت الاولى صوته
الفكري والثقافي. صدرت كيان في اكتوبر 1991 على يد مجموعة من المفكرين الشباب
الذين كانوا قد فصلوا قبل اشهر قليلة من مجلة كيهان فرهنگي الحكومية. ومثلت كيان
في تلك المرحلة نقطة ارتباط وحوار بين المفكرين المعارضين للتيار المحافظ. وفي
اطارها تشكلت "حلقة كيان" وهي منتدى اسبوعي للكتاب والنخبة الثقافية جمع
في بعض الاوقات نحو 107 من الباحثين والاكاديميين والمهنيين والكتاب والناشطين
السياسيين الذين ينتمون الى شتى الشرائح الاجتماعية. ووفرت تلك الحلقة للمطبوعات
والمجموعات السياسية الاصلاحية التي ظهرت في عقد التسعينات عددا معتبرا من الكتاب
والحركيين ، اضافة الى الكثير من الافكار الجديدة[19].. وهذا يفسر
ربما السبب الذي لاجله اعتبر عدد من المحللين مجلة كيان واحدا من الشواهد البارزة
في تاريخ الصحافة الثقافية الايرانية[20].
اضافة الى الدور الذي لعبته مجلة
كيان ، يشير جلايي پور الى عاملين آخرين ساهما في تطوير الخطاب الاصلاحي ، هما
مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية ، ومجموعة الطلبة التي
ابتعثتها حكومة رفسنجاني لتلقي الدراسات العليا في الجامعات الغربية. وضمت هذه
المجموعة 2500 طالب ، ارسلوا في اطار مبادرة حكومية لتجديد وتنشيط الحياة
الاكاديمية في الجامعات الايرانية ، ودعم جهاز الدولة بالكوادر الادارية والباحثين
المتخصصين[21].
الشخصيات الفاعلة
والمحاور الرئيسية في الخطاب الاصلاحي
يضم التيار الاصلاحي بين صفوفه عددا كبيرا نسبيا من المفكرين والكتاب المحترفين ، كما ينفتح على شريحة عريضة من النخبة الثقافية والاكاديمية في البلاد. وتظهر على مطبوعات التيار اسماء لسياسيين ومفكرين ينتمون الى ايديولوجيات مختلفة ، من اليسار واليمين الجديد والقوميين العلمانيين الى الليبراليين والاسلاميين ، بعكس التيار المحافظ الذي يتميز بالانغلاق نسبيا على المفكرين من خارج اطاره الخاص.
محمد خاتمي |
سوف اقدم هنا اربعة مفكرين يتمتعون
بنفوذ استثنائي وسط التيار الاصلاحي ، ويمثل كل منهم توجها خاصا ضمن التيار : عبد
الكريم سروش ، وهو شخصية اكاديمية ، ومحمد خاتمي ، وهو رجل دين ، وسعيد حجاريان ،
الناشط السياسي والحركي. في صفحات لاحقة من الفصل سوف اقدم محمد مجتهد شبستري وهو
فقيه وناقد بارز للمدرسة الفقهية التقليدية. ويشترك المفكرون الاربعة في تبنيهم
للقيم الكبرى في الحركة الاصلاحية ، لكن تتنوع همومهم واهتماماتهم ، كما تتنوع
الشريحة الاجتماعية التي يتوجه اليها كل منهم. يركز سروش مثلا على قيمة العدالة
ويعتبرها اسمى القيم وجوهر الاخلاق الانسانية. وقد خصص كتابه "اخلاق
خدايان=اخلاق الآلهة" لبيان كيفية اتصال جميع الاخلاقيات الاساسية والقيم
التي يعنى بها الانسان بقيمة العدالة[22]..
اما خاتمي فيركز اهتمامه على الوسائل العملية لاحتواء الديكتاتورية ، ويشدد خصوصا
على مفاهيم الشفافية ، المحاسبة ، حاكمية القانون ، والاطارات الدستورية للعمل
السياسي. اما حجاريان فهو مهتم بتحديث النظام السياسي ، ويركز في معالجاته على
مفاهيم مثل العقلانية ، التمثيل السياسي للشرائح الاجتماعية المختلفة ، تقسيم العمل
، وما اشبه. يؤمن كل من خاتمي وحجاريان بان نظام الجمهورية الاسلامية ينطوي على
امكانات للتحول الديمقراطي ، ولهذا فهما يركزان على ديناميات التنمية السياسية من
داخل النظام ومؤسساته. في المقابل فان سروش يطرح رؤية تتجاوز الوضع القائم مشيرا
بين حين وآخر الى ان هذا الوضع انتقالي ، وان وراءه ما هو ارقى منه واقرب الى روح
الدين. بكلمة موجزة فان سروش يسعى لتاسيس خطاب ديمقراطي خارج المعادلات السياسية
السائدة ، بينما يميل الاخران الى التركيز على التطور الديمقراطي داخل النظام
الاسلامي نفسه.
ولد عبد الكريم سروش ، واسمه الحقيقي
حسين حاج فرج دباغ في 1945. درس الكيمياء في طهران ولندن التي شهدت تحول اهتماماته
نحو دراسة الفلسفة في اواخر السبعينات. بعد انتصار الثورة الاسلامية ، عمل استاذا
للفلسفة في جامعة طهران ، وعضوا في مجلس الثورة الثقافية الذي كلفه الخميني باسلمة
الجامعات الايرانية ، حتى 1995 حين قرر التفرغ للبحث العلمي والقاء المحاضرات.
ومنذ بداية مشواره ككاتب ومحاضر ، نجح سروش في جلب الانتباه بطروحاته المثيرة
للجدل. وبلغ هذا الجدل ذروته بعدما نشر سلسلة مقالات حول نسبية علوم الدين مثل
مقاله الشهير "قبض وبسط تئوريك شريعت" الذي حاول من خلاله طرح نظرية
جديدة عن الثبات والتغير في التشريع ، تتجاوز الى حدود بعيدة النظرية السائدة في
مجامع العلم الديني.
ومثلت هذه المقالة نقلة في اهتمامات سروش من نقد
الماركسية والتقاليد الدينية بشكل عام الى نقد الفقه التقليدي الموروث والثقافة
السائدة في مجامع العلم الديني "الحوزة العلمية" بشكل خاص[23]..
وضع سروش في هذه المقالة تفسيرا لتطور المعرفة الدينية يركز على دور الظروف
الموضوعية في تشكيل مفهوم النص الديني وتطبيقاته. ويجادل سروش في هذه النظرية بان
فهم النص يتوقف على الوسائل العلمية للفهم. ولهذا فانه يخضع لذات القواعد الجارية
في سائر حقول العلم ، فهو بشري ، وضعي ، ومتغير ، ولا يتمتع باي فوقية على غيره من
العلوم ، فضلا عن دعوى تميزه بالقداسة ، او عصمته عن النقد.
طبقا لهذا الرؤية فان فهم الانسان
للنص واعادة انتاج مضمونه من خلال سلوكه اليومي ، يخضع لعوامل موضوعية تتعلق
بالشخص والبيئة المحيطة ، وبالتالي فلا بد ان يكون الفهم الناتج شخصيا ، نسبيا ،
ومتحولا ، وليس عاما او معياريا او ثابتا على مر الازمان واختلاف الظروف. ومن هذه
الزاوية فان ما يطرحه العلماء باعتباره دينا وتعبيرا عن مراد الخالق ، ليس في
حقيقة الامر سوى فهمهم الخاص للدين ومراد الخالق[24].
ويظهر في ثنايا طروحات سروش ومنهجه
تأثر عميق بنظرية المعرفة التي طورها كارل بوبر ، الفيلسوف البريطاني النمساوي
المولد[25].
وكثيرا ما استعمل سروش المفاهيم المتداولة في اعمال بوبر ، مثل اعتبار العلم
احتمالا propability والقابلية للتفنيدfalsifiability كمعيار لتمييز العلم من شبه العلم pseudo-science.
اما الهدف الرئيس الذي ركز سروش على بلوغه فهو تفنيد دعوى السلطة المستندة
الى العلم المطلق ، القداسة ، والكمال الانساني ، باعتبارها جميعا تقود الى
الاستبداد المغطى بعباءة العلم او الدين[26].
وبالمناسبة فان هذه الفكرة ليست بعيدة ايضا عن افكار بوبر ، كما يظهر في نقد
الاخير لفلسفة افلاطون ودعواته المثالية وربطه للسلطة بالعلم والكمال. اضافة الى
"قبض وبسط" نشر سروش عددا من الكتب والمقالات ، كان معظمها مثيرا للجدل[27].
بخلاف سروش الذي حظي بشهرة عالمية ، فان سعيد حجاريان لم يعرف كثيرا خارج حدود ايران. لكن هذا لا يقلل من دوره المحوري في الحركة الاصلاحية التي يعتبر ابرز منظريها الاستراتيجيين[28]. بينما اهتم سروش بالمكون الديني للاجتماع السياسي ، فان حجاريان ركز جل همه على عملية التغييرالسياسي – الاجتماعي بعد الثورة الاسلامية : دينامياتها وكيفية تاثيرها على منظومات الثقافة ، السلوكيات ، الادوار والمؤسسات في الدولة والمجتمع. وتبعا لتراث ماكس فيبر، اعتبر حجاريان قيام الدولة الدينية خطوة اولى نحو علمنة منظومات العمل التي كانت حتى ذلك الوقت تعتبر دينية او مشتقة من الدين.
د. سعيد حجاريان |
ولد حجاريان في 1953 وعمل بعد الثورة
في جهاز الاستخبارات ثم مساعدا لوزيرها ، وكان بين قليل من المحللين الذين تنبأوا
بتحول سلوك الناخبين في اوائل التسعينات كنتيجة لتغير البنية الاجتماعية ، الحرب
مع العراق ، وغياب الخميني عن مسرح السياسة الايرانية. ولعب دورا محوريا في اعادة
تنظيم وتوجيه مجموعات اليسار الديني وتحويلها الى قوة حاسمة في عملية الاصلاح
السياسي[29].. واعتمد
حجاريان في التبشير بارائه على مقالات مطولة جميلة الصياغة.
في الحقيقة فان جميع كتبه هي مجموعات
لمحاضرات او مقالات نشرت اولا في الصحافة المحلية. وقد منحته كتابته الانيقة
وافكاره المثيرة جمهورا كبيرا من القراء ، وكانت صحيفته "صبح امروز"
الاكثر توزيعا بين سائر الصحف الايرانية قبل ان يحظرها القضاء في ابريل 2000م[30].
واكثر كتبه اثارة للجدل هو "از شاهد قدسى تا شاهد بازارى = من الشاهد المقدس
الى الشاهد العرفي" الذي يعالج مسار تحول المنظومات الدينية الى عرفية
"او علمانية" بتاثير اندماجها في جهاز الدولة. في كتابه الاخر
"جمهوريت : افسون زدايي از قدرت = الجمهورية : تحرير السلطة من الاسطورة
" يعالج حجاريان مفهوم الجمهورية كارضية لحاكمية الشعب وكيفية تجسيده في
مؤسسات الدولة والعلاقة بينها وبين المجتمع.
اشتهر محمد خاتمي ، رئيس الجمهورية
الاسلامية السابق ، بشخصيته الكاريزمية واخلاقياته المثيرة للاعجاب. ولد خاتمي في
1943 في مدينة اردكان بمحافظة يزد وسط ايران. وانتخب نائبا عن المدينة في اول
برلمان بعد الثورة ، ثم عمل رئيسا لتحرير صحيفة كيهان اليومية ، ثم وزيرا للثقافة
ورئيسا للمكتبة الوطنية. وقد اكسبته اهتماماته الادبية والفلسفية مكانة عالية بين
النخبة الفكرية. اهتم خاتمي خصوصا بالمبررات الدينية والثقافية للاستبداد. ولعل القهر الذي تعرض له على يد المحافظين خلال
حياته السياسية كان احد الدوافع القوية وراء اهتمامه الشديد بالبحث في العلاقة بين
الدين والسلطة. ويقدم كتابه "آيين وانديشه در دام خودكامگي= الدين والفكر في
قبضة الاستبداد" معالجة مفصلة لمسار تطور الفكر السياسي الاسلامي ، ويؤكد على
العلاقة بين اتجاهات هذا التطور والظرف الموضوعي الذي جرت خلاله ، لا سيما الحكم
الاستبدادي الذي كان الطابع العام للدولة الاسلامية خلال معظم عصورها. ويستهدف
الكتاب الاجابة على سؤال : لماذا افتقر التراث الاسلامي الى الاطار المفهومي
الضروري لاستيعاب وتطوير خطاب ديمقراطي.
ثمة مفكرون اخرون تركوا بصماتهم على
الخطاب الاصلاحي مثل محسن كديور[31]
، علي رضا علوي تبار ، اكبر گنجي ، واخيرا حسين بشيريه الذي تحظى تحليلاته
الاجتماعية باهتمام خاص بين الاصلاحيين على الرغم من خلفيته العلمانية.
يدعو الاصلاحيون الى نموذج للحكم
يقارب الى حد كبير النموذج الليبرالي ، فهو يعتبر الدولة تعاقدية وممثلة للمصالح
المتنوعة لمواطنيها وليست ممثلة للسماء. في هذا الاطار فان الاصلاحيين يعون تماما
ان مفهوما كهذا لا يسهل تاسيسه على ارضية النموذج الديني الموروث كما يقول شبستري
:
قدم دستور الجمهورية الاسلامية للفكر
الديني عددا من المفاهيم الجديدة ، من بينها : حقوق الشعب ، سيادة الامة [...]
الحريات العامة ، الفصل بين السلطات الخ. كما ان مفهوم الشعب هو الاخر حديث الظهور
في الثقافة الاسلامية. ولا توجد له سوابق في التراث [...]. تاييد الفقهاء لهذه
المفاهيم يمثل مبادرة غير مسبوقة في التراث الديني. وما دمنا لا نجد شكلا محددا
للحكومة في القرآن او السنة النبوية ، فان الباب مفتوح في حقيقة الامر للمسلمين كي
يدمجوا مثل هذه المفاهيم في ثقافتهم الاجتماعية وفي نظامهم السياسي[32].
ويجادل الاصلاحيون بان الفقه ليس
الاطار المناسب لمناقشة قضايا السلطة والدولة[33]. ومن الافضل
– كما يرى گنجي - معالجة هذه المسألة في اطار الفلسفة السياسية حيث تعالج المفاهيم
ومنظومات العمل على اسس عقلانية وبالرجوع الى العرف العام[34].
سوف اناقش المفهوم الاصلاحي للدين ودوره السياسي في آخر هذا الفصل. اما الصفحات
التالية فسنعرض فيها بعض ابرز عناصر الايديولوجيا السياسية لهذا التيار ، لاسيما
مفهوم الجمهورية، الشرعية ، والديمقراطية.
الجمهورية : مسألة
الحاكمية
جوهر مفهوم "الجمهورية" هو
انبثاق السلطة من ارادة الشعب او رضا الجمهور. ولهذا فهي (قد لا تنحصر بالضرورة في
شكل معين ، لكن من الطبيعي ان تتلازم عضويا مع الشكل التمثيلي) [35]. وينقل
إلسون تعريفا لكاتب امريكي من القرن التاسع العاشر ينص على ان الجمهورية هي نظام
الحكم (الذي تفوض فيه السلطة العليا من جانب الشعب الى مجالس تتكون من اعضاء
يختارون لمدة محددة) [36]. وفي الماضي
السحيق اشار افلاطون الى ان الجمهورية المثلى هي تلك تتألف من ثلاث مجموعات تناظر
ثلاثة مكونات للنفس الانسانية : الشهوة ، الروح ، والعقل "او المعرفة".
وتناظر الشهوة في النفس الانسانية مجال المصالح الخاصة في المجتمع ، ولهذا فانها
تتمثل سياسيا في الطبقة التجارية. اما الروح فتناظر مجال المصالح العامة وتتمثل
سياسيا في الجهاز الاداري للدولة والقوات المسلحة. واخيرا فان المعرفة تناظر
السلطة وتتمثل في المشرعين والملك- الفيلسوف. بالمقارنة فان ارسطو يركز على توزيع
السلطة ، فهي اما محتكرة في يد اقلية او موزعة بين الاكثرية. من الناحية التاريخية
فان المائز الابرز بين الجمهورية والملكية يكمن في الارضية التي يقوم عليها حق
الحكومة في الامر والنهي : هل هو رضا الجمهور بها ام اضطراره الى طاعتها[37].
على اي حال فان تمثيل الدولة للمجتمع "او ما يمكن تقريبه الى حكم
الاكثرية" هو المعيار الاكثر انتشارا للحكم الجمهوري في الوقت الحاضر. ويرجع
جانب مهم من هذا المفهوم الى الادبيات السياسية التي تطورت خلال الثورتين الفرنسية
والامريكية. في هذا الاطار يربط جيمس ماديسون ، المنظر والسياسي الامريكي ، مبدأ
الجمهورية ، بفوقية المجتمع على الدولة ، وتمثيل الحكام للارادة الشعبية ، وحق
الشعب في محاسبتهم. ويدعو الى الاهتمام بالوسائل المؤسسية التي تضمن تمثيلا عادلا
لمختلف الشرائح والمصالح الاجتماعية في الدولة كالانتخابات العامة لممثلي الشعب ،
والفصل بين السلطات الذي يستهدف الحيلولة دون ميل احداها الى الاستبداد[38].
ويمثل مبدأ الجمهورية عنصرا محوريا
في الخطاب الاصلاحي ، وهو في الوقت عينه مورد جدل واسع في السياسة الايرانية
يتناول خصوصا سلامة اعتبار النظام الاسلامي جمهوريا بالمعنى المشار اليه في الفقرة
الماضية ، ولا سيما قيامه على مبدأ سيادة الشعب وكونه المصدر الوحيد او الاصلي
للسلطة في نظام ديني. فاولئك الذين يفترضون ان السيادة والحاكمية هي حق خاص لله
سبحانه ، يميلون بطبيعة الحال الى فكرة حكم الاقلية ، وبصورة محددة النخبة الدينية
التي تتمتع بمعرفة الشريعة الالهية. بينما يدعو مؤيدو فكرة حاكمية الشعب الى نظام
سياسي مفتوح وقائم على المشاركة الشعبية.
كما اشرنا في الفصل الرابع فانه لم
يكن من السهل على كبار الروحانيين المحافظين قبول مبدأ الجمهورية على علاته ،
بالنظر الى ترددهم في قبول فكرة السيادة الشعبية. ويتماثل هذا التردد مع الاتجاه
العام في التيار الاسلامي خارج ايران الذي يرفض احيانا ويشكك احيانا اخرى في سلامة
مفهوم سيادة الشعب من الناحية الدينية ، ويراه متعارضا مع مبدأ حاكمية الله[39].
في السنوات الاخيرة توصل بعض الفقهاء الى تمييز بين معنيين للحاكمية : يتناول
المعنى الاول تشريع القوانين والاحكام الملزمة لعامة الناس ، ويتناول الثاني تنفيذ
هذه القوانين. وبناء على هذا التقسيم ، فقد اقر اولئك الفقهاء بحق الجمهور في
اختيار من ينوب عنه في وضع وتنفيذ قواعد العمل والقوانين. لكن من دون تمديد هذا
الحق الى التشريع. في المقابل يركز الاصلاحيون على مفهوم التمثيل كجوهر للسلطة ،
ويشددون على تمايز النظام الجمهوري بعدد من المعايير والقيم الاساسية ، من بينها[40]:
o انه عقد اجتماعي يقوم على حقوق وواجبات متبادلة ، ويكون الحكام فيه
مسؤولين امام الشعب.
o ينحصر عمل الدولة في المجال العام ، حيث المصالح مشتركة بين جميع
افراد الشعب. وحيث تكون ارادة الامة هي مصدر السلطة ، والمصلحة العامة هي الهدف
الاسمى الذي تسعى اليه الدولة.
o اعضاء المجتمع السياسي
متساوون ، والمواطنة هي الاساس الذي تقوم عليه العلاقة بين المجتمع والدولة. لجميع
المواطنين الحق في المشاركة في صناعة القرارات المتعلقة بمستقبلهم والطريقة
المناسبة للحكم وادارة المصالح والموارد العامة. وتتشكل السيادة الوطنية من مجموع
الحقوق الفردية.
ويجادل الاصلاحيون بان النظام الذي
اقامته الثورة الاسلامية هو عقد اجتماعي شرعي ، قام على ارضية القيم الدينية وصيغ
في اطار دستور الجمهورية الاسلامية لعام 1980
الذي صوتت عليه اغلبية ساحقة من المواطنين. وتنطوي العقود الشرعية على
الزام متبادل للمتعاقدين ، قائم على تساويهم في الحقوق ، وتراضيهم المسبق بالتعاقد
، وتوافقهم الصريح على موضوع العقد[41].
ويشدد حجاريان كثيرا على المادة 56 من الدستور التي تشير ضمنيا الى ان الحاكمية
المفترضة لله قد اودعت – من الناحية الفعلية - في الامة :
الحاكمية المطلقة على الكون والانسان
لله ، وهو الذي جعل الانسان حاكما على مصيره. ولا يمكن لاحد ان يسلب هذا الحق
الالهي من الانسان ولا ان يجيره لمصلحة فرد او مجموعة معينة. وللأمة ان تضع هذا
الحق الممنوح من قبل الله موضع التنفيذ بالطرق المقررة في البنود التالية من هذا
الدستور.
وقد مال الى هذه الفكرة ايضا اية
الله منتظري الذي رأس مجلس الخبراء الذي وضع دستور الجمهورية الاسلامية[42].
الشرعية السياسية
رغم ان دستور الجمهورية الاسلامية
يعتبر الارادة الشعبية مصدرا رئيسيا للسلطة ، وبالرغم من حقيقة ان الدستور نفسه قد
اعتمد في استفتاء عام ، فان قيادة النظام في مرحلة ما بعد الثورة ، كانت الى حد
كبير ذات مضمون كاريزمي ، وعلى اقل التقادير فقد استمرت على هذا النحو حتى وفاة
اية الله الخميني في [43]1989. يمكن
لاي نظام سياسي ان يؤمن مستوى مقبولا من الشرعية السياسية باستثمار الشخصية
الكاريزمية لقيادته ، لكن هذا الاعتبار ليس قابلا للاطلاق في كل الاحوال ،
فللكاريزما ، مثل سائر مصادر الشرعية الاخرى ،
حدود للفاعلية لا تنفع وراءها. ولعل ابرز تلك الحدود هو الارتباط العضوي
للكاريزما بالشخص او الاشخاص الذين حققوا انجازات يعتبرها الجمهور غير مسبوقة او
ذات اهمية استثنائية في ظرف تاريخي خاص.
ولهذا فان الاثر السياسي للكاريزما ، ولا سيما فيما يتعلق بتوليد للشرعية
السياسية ، غالبا ما يكون محدودا بحياة الزعيم الكاريزمي ، او الظرف الخاص الذي
برز خلاله. فاذا غاب عن الساحة ، او تغيرت الظروف التي اعطت لمنجزاته اهميتها
الاستثنائية ، فان هذا التأثير يتلاشى او يتضاءل الى حد كبير. وتتراجع صورة الزعيم
التاريخي لتحل محلها صورة زعيم اعتيادي ، او تتضاءل العلاقة بين كاريزما الزعيم
وشرعية السلطة التي قامت في ظلها[44].
بالنسبة لايران فان شريحة كبيرة من
السياسيين والباحثين تتفق على ان نظامها قد واجه تطورا من هذا النوع بعد وفاة
مؤسسه اية الله الخميني. ويرى ابراهيم يزدي ، زعيم "نهضت ازادي" ، ان
الاداء الضعيف لخلفاء الخميني وافتقارهم الى الكاريزما التي تمتع بها ، قد اوصل النظام
الى ازمة شرعية عميقة. ويجادل يزدي بان
الهزيمة المذلة لمرشح المؤسسة الحاكمة في الانتخابات الرئاسية في 1997 كان مؤشرا
على سلوك احتجاجي للناخبين على تلك المؤسسة ، انه تصويت "ضد" الاتجاه
السائد اكثر مما هو "مع" التغيير[45].
ويتقارب هذا الراي مع تحليل بعض المحافظين المعتدلين مثل الامين العام لمجلس الامن
القومي د. حسن روحاني الذي يرى ان ازمة الشرعية هي اكبر التحديات التي يواجهها
النظام الاسلامي في الوقت الحاضر[46].
يتفق الاصلاحيون على ان منظومة القيم
التقليدية التي يقوم النظام على ارضيتها تمثل عائقا امام تطوره. ان قدرة النظام
الاسلامي على احتواء التحديات التي يواجهها على المستوى الوطني وفي النظام الدولي
تتوقف على تعزيز المكون القانوني – العقلاني لشرعيته السياسية ، ولا سيما حاكمية
وعمومية القانون ، واحترام الارادة الشعبية[47]. وتتفق هذه
الرؤية مع مفهوم السيادة الذي يتبناه التيار ، والذي يربط الشرعية السياسية ، ومن
ثم الصبغة الدينية للدولة ، برجوع الدولة الى رضا الجمهور.
في هذا الاطار نشير الى وجود اتجاهين متمايزين في داخل التيار الاصلاحي : يتمثل التيار الاول بشكل رئيسي في عدد من الفقهاء ، ولا سيما اية الله منتظري واية الله صانعي ، وكلاهما من مراجع التقليد البارزين. يركز الرجلان على المضمون الديني للدولة لكنهما يعتبران المجتمع حاملا للحقيقة الدينية. ولهذا فان منتظري مثلا يشدد على ان الله سبحانه قد اودع سلطته المطلقة في الامة التي – بدورها - تفوضها للحاكم باي طريق يكشف عن ارادتها الصريحة كالانتخابات[48]. ويجادل منتظري بان الرسول والائمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام لم يكونوا استثناء من هذه القاعدة ، فتوليهم للسلطة السياسية كان مشروطا بالبيعة العامة التي يعدها بمثابة العقد مع الامة[49]. ويرى منتظري ان توافق سياسات الدولة مع القيم الاسلامية هو ما يضفي عليها الصفة الدينية بغض النظر عن النواحي الشكلية[50].
آية الله يوسف صانعي |
في سياق مقارب يعبر اية الله صانعي
عن قلق من الاستغلال المفرط للدين في تبرير السلطة ، ويدعو الى قصر الدور السياسي
للروحانيين على مراقبة التزام الحكومة بالقيم الدينية ، والدفاع عن حقوق الشعب
مقابل طغيان الدولة. ويجادل بان السمة الدينية للدولة لا تستدعي بالضرورة ان يكون
الحكم بيد الروحانيين. وهو يدعو الى الفصل بين مشروعية الفعل وسلطة الفاعل ، اذ ان
كلا منهما يقوم على مبررات مختلفة عن الاخر. ويرى ان هذه القاعدة قابلة للتطبيق حتى
في الاعمال التي تعتبر مشروعيتها من المسلمات مثل إمامة صلاة الجماعة ، فضلا عن
القيادة السياسية:
لا يستطيع الروحاني ان يؤم المصلين ما لم
يكونوا راضين به ، فضلا عن ان يكون قائدا سياسيا. [...] دور الفقيه هو بيان
الاحكام ، اما تشخيص موضوعات الاحكام وكيفية تطبيقها فهو مثل تشخيص المصالح
العادية راجع ايضا الى عامة الناس. [...] لقد اثبت الشعب قدرة على التشخيص السليم
للصواب والخطأ في القضايا والموضوعات. وكشف عما يتحلى به من عزة دينية في الدفاع
عن بلده. وهو نفس الشعب الذي اظهر للعالم عظمة الاسلام ودافع عنها. وهو الشعب الذي
فهم الامور على حقيقتها واحتضن الثورة الاسلامية وحماها. الادعاء القائل بان الشعب
او اكثريته لا تفهم الامور، او ان ما يتوصل اليه خلاف الصواب هو تصور ورؤية باطلة
، لاننا نعلم ان راي الاكثرية معتبر في الفقه الاسلامي. ان اهانة العامة هي امر
سيء وسخيف وهذا واضح بما لا يحتاج الى بيان. ومن المقطوع به ان القرآن والاسلام
يرفض اهانة الانسان الفرد او الاساءة اليه، فضلا عن اكثرية المجتمع او جميعه. لقد
جعل الله الانسان خليفته في الارض ، اما النقاشات التي تستند الى الايات التي ورد
فيها مثل (اكثرهم لا يعقلون) او (اكثرهم لا يعلمون) فهي متوجهة الى مقاصد خاصة مثل
الكفر والشرك وعبادة الاصنام ، ولا تنطبق على من يشهد الشهادتين او من يعيش معهم
حتى لو لم يكونوا من اهل الاسلام.
[...] يجب ان نكون انصارا للشعب لا قيمين عليه
، نحن ادلاء ودورنا هو الارشاد الى الطريق الصحيح. لكن ليس بالقهر والظلم والاكراه
او العمل بخلاف مقتضيات العدالة او التدخل في حياة الناس بما يتجاوز حدود الارشاد
والهداية. [...] القول بان الناس عاجزون عن تشخيص الصالح والفاسد ، قول مخالف
للعقل والنقل معا[51].
يتمثل الاتجاه الثاني في المفكرين الاسلاميين
وعدد من رجال الدين من المراتب المتوسطة ، الذين ينكرون اي صفة غيبية او قدسية
للسلطة ، ويرون ان الاسلام لم يضع نظاما للحكم خاصا به[52].
رغم ان الاسلام يريد ان تتجلى منظومة قيم معينة في المجتمع السياسي ، فان نظام الدولة
الاسلامية ، مثل كل الانظمة الاخرى ، عرفي ، يقوم عليه اشخاص غير معصومين ، ويتطور
من خلال مسارات التطور المعتادة ، التي تتضمن التجربة والخطأ ، والمحاسبة
والمسؤولية عن الاعمال[53]. يذهب اصحاب هذه الرؤية الى ان (العدالة هي
المرجع الاساس للشرعية السياسية ، اما الاتصاف بالدين او عدمه فليس معيارا لشرعية
الحكومة)[54].
الاتجاه الاول ليس جديدا في الحوزات
العلمية الشيعية. فقد كان له نظائر منذ اوائل القرن العشرين على الاقل. خلال
الثورة الدستورية (1905-1906) تحدى عدد من الفقهاء المتقدمين الاتجاه الذي يربط
شرعية الدولة بالكمال او اتصاف الحاكم به. وكتب العلامة الميرزا محمد حسين
النائيني في 1908:
مع غياب المعصوم وعجزنا عن الوصول الى هذا
المقام المبارك ، فانه من النادر ايضا العثور على حاكم حكيم مستجمع للكمالات في
ذاته ، كما كان انو شيروان او بوذرجمهر. [...] مصداق هذا النموذج الفاضل وحيد، بل
هو اندر من العنقاء والكبريت الاحمر، ونمطيته واضطراده مما يمتنع عادة.
ولما كان الامران كلاهما "العصمة والحكمة
الفردية" غير متيسرين ولا مضطردين ، فان البديل الممكن هو ايجاد وسائل اخرى
تساعد على توفير الحد الادنى المقبول من الصفات الفاضلة في الحاكم والسلطة. واذا
كانت هذه الوسائل خارجية اي غير معتمدة تماما على ذات الحاكم كما نفترض ، فانها
ستجعل من الممكن وضع ضوابط واطارات لعمل السلطة تؤدي الى قيام نمط من الحكم يتسم
بالصفات الفاضلة[55].
ويجادل النائيني بان امكانية العدل
مرهونة بمشاركة الشعب في الحياة السياسية. ولهذا يقترح نظاما سياسيا يتضمن مجلسا
لممثلي الشعب ، دستورا مكتوبا ، تحديدا واضحا للسلطات ، وحريات مدنية لتمكين الشعب
من مراقبة ومحاسبة الحكومة والبرلمان[56].
بالنسبة للنائيني ورفاقه في الحركة
الدستورية فان الشعب عقلاني بما يكفي لتقرير المصالح والمفاسد. ويقارن النظام
السياسي بالوقف الخاص الذي يشترك جمع من الناس في ملكيته ويقوم – على اساس هذه
الملكية – حقهم في تعيين من يتوافقون على صلاحه لادارة ملكهم المشترك[57].
ينبغي الاشارة الى ان هذا التيار قد بقي معزولا في الحوزة العلمية. لكن يبدو انه
يستعيد اليوم قدرا من الزخم والقوة ، ويحصل على رواج بين الجيل الجديد من رجال في
داخل ايران وخارجها[58].
يشدد الاصلاحيون - اضافة الى ذلك –
على مبدأ عمومية وحاكمية القانون باعتباره الركن الثاني للشرعية السياسية. وكان
هذا المبدأ محورا ثابتا لكتابات ومجادلات زعماء التيار. في خطاب لا يخلو من التحدي
، تحدث محمد خاتمي امام مجلس الخبراء الذي ينتمي اغلبية اعضائه الى تيار المحافظين
التقليدي قائلا :
قلت تكرارا ، وقلت بالخصوص لقائد الثورة ان
الدستور هو القانون الاعلى لنظامنا. ولاية الفقيه اكتسبت اهميتها ومحوريتها في هذا
النظام بسبب اقرارها في الدستور. لولا الدستور لكانت مجرد نظرية مثل الكثير من
النظريات الفقهية الاخرى[59].
ويتوجه تشديد الاصلاحيين على
الالتزام بالدستور والقانون في المقام الاول الى القيود الدستورية على ممارسة
السلطة. ولهذا فان منتظري يرفض دعوى المحافظين في ان سلطة الفقيه مطلقة ومتعالية
على الدستور. ويجادل في المقابل بان المجتمع له حق غير قابل للجدل في وضع ما شاء
من الشروط والقيود على السلطة السياسية التي يفوضها للفقيه. ويمكن ان تندرج هذه
الشروط في اطارالدستور او في اطار اجندة سياسية خاصة توضح شروط ممارسة السلطة
والتعهدات المتقابلة بين المجتمع ورئيسه[60].
ويظهر لي ان الفكرة الاخيرة تتعلق بفكرة تحديد اطار زمني لولاية الفقيه ، بدل
اعتبارها سلطة لمدى الحياة ، اضافة الى امكانية الانتخاب المباشر للفقيه الحاكم ،
بدل اختياره بواسطة مجلس الخبراء كما هو الحال الراهن.
الديمقراطية:
مع قيام الثورة الاسلامية اصبح
بامكان الايرانيين ان يشاركوا في تقرير سياسات حكومتهم والاشخاص الذين سيتولون
تنفيذها. وكما اشار بيثام فان الثورات عادة ما تقود الى تعزيز دور الشعب في النظام
الجديد الذي تقيمه[61].
لكن بعد عشر سنوات من انتصار الثورة الاسلامية فثمة مؤشرات تدل على تراجع تاثير
الشعب في صناعة القرار السياسي وصياغة السياسة العامة للنظام الاسلامي[62]. من المتوقع
دائما ان يؤدي الانتقال من الظروف الثورية الى الحياة السياسية الاعتيادية ، الى
تعديل في موازين القوى داخل النظام الجديد لصالح التكنوقراط والنخب. في الحقيقة
فان مستوى المشاركة الشعبية لا يمكن قياسه بصورة معيارية الا بعد انتهاء الظرف
الثوري واستقرار النظام ودخوله مرحلة السياسة العادية. وفي هذا الاطار فان ضيق او
سعة المشاركة الشعبية تعتمد بشكل شبه كامل على كفاءة النظام في تطوير القنوات المؤسسية
اللازمة لتنظيم التبادل بين المجتمع والدولة. فيما يتعلق بالتزام الدولة بالارادة
الشعبية ، ومراعاتها لتوجهات الراي العام ، فان الامر يتوقف على طبيعة النظام
السياسي ، ولا سيما صياغته الاولية كنظام ديمقراطي تمثيلي يقوم على المشاركة او
كونه شموليا اوتوقراطيا[63].
من ناحية اخرى فان قدرة النظام على التطور باتجاه الديمقراطية يتاثر سلبا او
ايجابا بثقافة المجتمع السياسية : ما اذا كانت ثقافة تحبذ المشاركة العامة او تميل
الى الخضوع الاعمى للقائد او النخبة الحاكمة. لكي يجري الامر على النحو الاول ،
فلا بد من وجود قناعة عامة ، عند المجتمع والنخبة الحاكمة ، بان مشكلات البلاد
قابلة للحل من خلال تدخل الشعب في صناعة القرار والعمل السياسي بشكل عام. وهذا
يتطلب – حسب ليرنر – توفر (ذهنية منفتحة عند افراد المجتمع قابلة للتوسع والتكيف
واستيعاب الادوار الجديدة وادماج القيم الشخصية او الخاصة في اطار القضايا العامة
او المشتركة)[64].
بالرغم من الفة الايرانيين لمفهوم
المشاركة السياسية منذ الثورة الدستورية على الاقل ، فان كثيرا من الباحثين في
التنمية السياسية يتردد في اضفاء وصف المشاركة على الثقافة السياسية الايرانية[65].
ويرجع زيبا كلام ، الاستاذ في جامعة طهران ، افتقار المجتمع الايراني لاخلاقيات
المشاركة السياسية الى تطاول عهود الاستبداد[66].
اما كاتوزيان فيرجع تلك الظاهرة – حتى بداية عصر البترول على الاقل - الى عوامل
بيئية ، وبصورة خاصة الطبيعة الصحراوية للبلاد ، التي فرضت نمطا من الاقتصاد
السياسي لا يسمح بتوزيع متساو لمصادر القوة بين اطراف المجتمع المختلفة ، واعاقت
بالتالي تطور تقاليد المشاركة الشعبية في السياسة.
ويعارض كاتوزيان الباحثين الماركسيين
الذين حاولوا تفسير تاريخ ايران الاجتماعي على ضوء نموذجي الانتاج الاسيوي او
الاستبداد الشرقي اللذين لا ينطبقان في رايه على التاريخ الايراني. ويجادل – من
زاوية تاريخية - بان الدولة الايرانية كانت قادرة دائما على البقاء مستقلة عن
المجتمع. تتكون ايران في الدرجة الاولى من صحراء شاسعة وجرداء، وعلى اطراف هذه
الصحراء يتوزع الانتاج الزراعي على واحات متباعدة ، لا يستطيع اي منها توفير فائض
من الانتاج يكفي لتوليد قوة سياسية[67].
ولهذا فلم تكن (السمة الابرز للدولة الايرانية مقتصرة على احتكارها للسلطة بل ايضا
احتكارها للسلطة التحكمية غير المنضبطة بقانون ، ليس فقط السلطة المطلقة في فرض
القانون ، بل وايضا السلطة المطلقة في فرض اللاقانون)
[68].
ويستخدم ليرنر نموذجا مقاربا لتفسير
افتقار الثقافة السياسية الايرانية لقيمة المشاركة. لكن مناقشته تركز في الدرجة
الاولى على ظاهرة التشدد التي ترتبط بنمط الحياة في ظل الظروف المشار اليها ،
وينسب اليها اعاقة ظهور روحية اجتماعية قابلة للتفاهم والتكيف مع الغير[69]. ويشير
تعبير التكيف empathy الذي يمثل
محور نظرية ليرنر في الثقافة السياسية الى قابلية ذاتية لاكتشاف القواسم المشتركة
مع الغير ورؤية الذات من خلال الاخرين ، والقابلية للتفاعل مع الغير ، وتغيير
الادوار والمشاركة في الاعمال الجمعية[70].
مع بداية عصر البترول وتحوله الى
مصدر اول للدخل القومي في اربعينات القرن العشرين ، فقد اكتسبت الدولة الايرانية
صفة الدولة الريعية. وبناء عليه فلم تعد الدولة قادرة على البقاء مستقلة عن
المجتمع وحسب ، بل ان المجتمع اصبح بالتدريج مضطرا للاعتماد على الانفاق الحكومي
في تدبير معيشته[71].
وبالنظر لهيمنة الاتجاه الانعزالي
المبرر دينيا ، كما اشير اليه في الفصل الاول ، والاستخدام المفرط للقمع العاري من
جانب الدولة خلال معظم القرن العشرين ، فان الاستبداد قد تحول بصورة او باخرى الى
نمط اعتيادي للسياسة في ايران. ولهذا السبب فان التطور الى الديمقراطية يحتاج لما
هو اكثر من كتابة دستور جيد او اقامة برلمان ، رغم ان هذين يمثلان دون شك عمودين
اساسيين لاي نظام ديمقراطي.
ويكشف هذا في الحقيقة عن مدى العسر
والتعقيد الذي تنطوي عليه عملية التحول الى الديمقراطية في ايران. اذ يتوجب على
الاصلاحيين التعامل مع شريحة واسعة من القضايا التي تنافس كل منها الاخرى في العسر
: قضايا تتعلق بالاطار الدستوري ، واخرى تتعلق بالثقافة ، وثالثة بهيكل العلاقات
الاجتماعية ، اضافة الى القضايا السياسية اليومية. وبالنظر لواقع الحياة السياسية في
ايران اليوم ، فالواضح ان المشكلة الثقافية تاتي على راس تلك القضايا.
في مقدمة كتابه "الليبرالية
الاسلامية" تساءل ليونارد بيندر : (الخطاب الاسلامي الليبرالي ، هل هو في
حقيقة الامر نوع من الوعي الكاذب : تسليم ذليل للهيمنة المتمثلة في خطاب الغرب
الراسمالي العلماني. ام انه خطاب واقعي ، عقلاني ، ومتنام؟)[72]. في ظني ان
كثيرا من الناس ، في العالم الاسلامي وخارجه يطرحون نفس السؤال ، بكلمة اخرى : هل
ثمة امكانية في الثقافة الاسلامية او في المجتمع الاسلامي لاستنباط خطاب سياسي
يؤسس للديمقراطية ؟. بالنسبة لايران الثورة فان الاصل العلماني الغربي للديمقراطية
كان سببا كافيا لاعتبارها مبدأ بغيضا ومرفوضا ، لا سيما بسبب السمة الدينية للنظام
والارتياب العميق للايرانيين في السياسات الغربية. في الحقيقة فان معظم الاسلاميين
ومن بينهم آية الله الخميني كانوا يرون في مصطلح الديمقراطية ظلاله الايديولوجية
اولا ، اي (الغرب ، وبالتالي النفوذ الغربي وقانون الارض كمقابل لقانون السماء) [73].
خلال السنوات الخمس عشرة الاولى من
عمر الجمهورية الاسلامية غاب مصطلح "الديمقراطية" عن لغة السياسة
اليومية ، بل كان من النادر جدا ان تجد ايا من المصطلحات والمفاهيم السياسية ذات
الاصول الغربية في احاديث الزعماء السياسيين والدعاة او في وسائل الاعلام. وعندما
اطلق محمد خاتمي حملته الانتخابية في 1997 استعمل مصطلح "مردم سالاري
ديني" التي تعني حرفيا حاكمية الشعب الدينية ، وتقابل في اللغة الفارسية
"الديمقراطية الدينية". لكن حتى هذا التعبير التصالحي لم يجد قبولا بين
الروحانيين التقليديين الا في السنوات الاخيرة [74] حين بدأ
بعضهم يستعمله كمرادف لمفهومهم الخاص للحكم الديني الذي يرأسه الولي الفقيه[75].
ولهذا فقد بقي تعبيرا "الديمقراطية" و "الديمقراطية الدينية"
، حتى 2002 على الاقل ، سمة متميزة من سمات اللغة السياسية للاصلاحيين[76].
يتناول الجدل حول التحول الديمقراطي
في ايران ثلاثة مجالات. يتعلق الاول بالجانب الوظيفي للديمقراطية ، اي كونها نظاما
للتمثيل الشعبي ، الانتقال السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ، الفصل بين السلطات
، عمومية القانون ، وما اشبه. اما الثاني فيتعلق بالارضية الفلسفية للديمقراطية ،
اي حاكمية الشعب ، المساواة ، الحقوق الطبيعية ، وما اشبه. ويتناول الثالث اساسها
الايديولوجي ، اي تطورها في الاطار التاريخي - المعرفي الغربي. وقد اجتذب المجال
الثاني الجزء الاكبر من مناقشات التيار المحافظ ، كما عرضنا في الفصل السابق. لكن
يبدو ان الجدل الاكثر سخونة يدور حول المجال الثالث. وفي هذا الاطار فان المحافظين
ينظرون الى انبثاق الديمقراطية من التجربة التاريخية للمجتمعات الغربية كدليل على
كونها جوابهم الخاص على التحديات والصعوبات التي واجهوها[77]. وكما ان من
السفه استيراد المشكلات من مجتمعات اخرى ، فانه بنفس القدر مخالف للعقل استيراد
الحلول الخاصة بتلك المشكلات.
في مقابل هذا ، فان الاصلاحيين يؤكدون على صلاحية الديمقراطية – بل وضرورتها - للمجتمع الايراني. ويحتجون على ذلك بان استبداد الدولة هو العيب الاكبر في تاريخ ايران الحديث[78]. ويجادلون بان احتكار الدولة للقوة والموارد طيلة التاريخ الماضي كان سببا في اذلال الايرانيين كما كان المعيق الابرز لتمدن البلاد وارتقائها. في المقابل فان الديمقراطية تقدم وسيلة عملية وفعالة لاصلاح الخلل في موازين القوى ، على وجه يجعل المجتمع سيدا للدولة[79]. ويذهب شبستري بالجدال الى مدى ابعد ، حين يقرر ان الديمقراطية ضرورة للدين مثل ضرورتها للمجتمع. ويستشد باثنين من المكونات الاصلية للديمقراطية ، اي المساواة والحريات المدنية ، ليؤكد على ان (اطار الديمقراطية الليبرالية هو الوحيد الذي يوفر الفرصة لتحقيق الغايتين الاعظم من غايات الدين ، اي العدالة وانعتاق الانسان) [80].
محمد مجتهد شبستري |
ويتفهم الاصلاحيون المشكلة المرتبطة
بالارضية الايديولوجية للديمقراطية لكنهم لا يرونها جزءا لا يتجزأ من النموذج
الديمقراطي ، كما ان تطورها في الخارج لا يؤثر على قيمتها الذاتية. وفي هذا الاطار
فان خاتمي يندد بالتقليد الطفولي لتجارب المجتمعات الاخرى كما يندد بالرفض الاعمى
لنتائج تلك التجارب دونما سبب سوى كونها غير محلية[81].. بدلا من
هذا ، يدعو خاتمي المثقفين الايرانيين الى التعاطي النقدي مع ما يصفه باعمدة الحضارة
المعاصرة مثل الليبرالية ، الفردانية ، الحقوق الطبيعية ، والعقلانية. وينظر خاتمي
الى الحداثة كمرحلة في التاريخ الطويل للانسانية. ولهذا فيجب ان تقرأ جيدا وان
تنتقد وان يتعامل معها كأحد الحلول التي توصل اليها الانسان في كفاحه الدائب
للتقدم والارتقاء بحياته. الحداثة - مثل اي منجز انساني آخر – تنطوي على عناصر
ايجابية واخرى سلبية ، وهي متغيرة ومتفاعلة وليست نظاما مغلقا تأخذه كله او تتركه
كله[82].. ولهذا
يدعو الى اعادة انتاج الحداثة ولا سيما جانبها السياسي ، اي الديمقراطية ، في اطار
الثقافة المحلية كي تأتي متناغمة مع روحية الشعب وقادرة على استيعاب همومه
وتطلعاته. الطريق الوحيد لترسيخ الديمقراطية ، كثقافة وكآلية عمل ، يكمن في
توطينها ، من خلال ادماج قيمها الاساسية في النسيج الثقافي المحلي.
وتتضمن دعوة خاتمي ورفاقه الاصلاحيين
لتوطين الديمقراطية ، صيانة عمودها الاساس ، اي حاكمية الشعب ، وفي الوقت نفسه
تمكين الشعب من اختيار الطريقة الملائمة لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ[83].. توطين
الديمقراطية يعني بصورة محددة جعلها متلائمة مع الدين ، باعتباره المكون الابرز
للثقافة والهوية الوطنية.
الديمقراطية الدينية
طرحت فكرة الديمقراطية الدينية للمرة
الاولى من جانب عبد الكريم سروش ، كمقابل - فيما يبدو - لفكرة المجتمع النموذجي او
المثالي التي يطرحها المحافظون[84].
واستقطبت الفكرة اهتمام الايرانيين بعدما طرحها خاتمي ، كاطار للمشروع السياسي
الذي خاض على ضوئه الانتخابات الرئاسية لعام 1997. وبينما كان اهتمام سروش منصرفا الى الارضية
الفلسفية للديمقراطية وتناسبها مع الدين ، فان خاتمي اهتم بتطبيقاتها السياسية.
وقد اثار الربط بين الديمقراطية والدين الكثير من الجدل ، الذي لازال متواصلا حتى
اليوم. فقد رأى الكثير من مؤيدي خاتمي ومعارضيه على السواء ، ان فكرة الديمقراطية
الدينية ملتبسة ، وتنطوي على تعارض عضوي بين العناصر المكونة لها[85]. ويقر
الاصلاحيون بالتحفظات الواردة على الفكرة ، لكنهم يجادلون بان مقاربة تحليلية لكل
من الدين والديمقراطية سوف تكشف عن قابلية كبيرة في الجانبين للتوافق والتفاعل[86].
فيما عدا مضمونها الديني ، فان مفهوم
الديمقراطية عند الاصلاحيين لا يختلف الا قليلا عن الفهم السائد في الفكر السياسي
الحديث ، سواء في جانبها الوظيفي او خلفيتها الفلسفية. يقول شبستري بهذا الصدد:
"نحن لا نتحدث عن يوتوبيا او نموذج نظري تخيلي ، بل عن نظام قائم ، عناصره
واضحة ومعرفة بدقة ، وجرت تجربته على نطاق واسع"[87]. النظام
الديمقراطي – كما يرى سروش – هو وسيلة لتلافي اخطاء الادارة الفردية للبلاد. في
مثل هذا النظام فان السياسة العامة للبلاد لا ترجع الى الجهد العقلي لشخص الحاكم
او المجموعة الصغيرة المحيطة به ، بل هي ثمرة للعقل الجمعي لمجموع المواطنين[88]. ابرز ما
يميز النظام الديمقراطي عن غيره هو قيامه على الالتزام الكامل بارادة المواطنين
والاحترام المطلق لحقوق الانسان[89].
لكي تصبح فضائل الديمقراطية تلك واقعا يمشي على قدمين ، فاننا بحاجة الى ما هو
اكثر من اعلان القبول بها. التحول الى الديمقراطية يتوقف على نفوذ قيمها في كل جزء
من اجزاء الحياة الاجتماعية ، بما فيها الاقتصاد ، التعليم ، الاعلام ، القضاء ،
وما اشبه. على المستوى السياسي فهناك ثلاث ميزات على الاقل ، لا بد من توفرها كي
يصح اعتبار النظام ديمقراطيا[90]:
1- اطار قانوني يسمح بالتنافس على السلطة ، في شكل سلمي ،
شامل ، وذي معنى ، بين مختلف الاراء والاشخاص. الانتخابات العامة الدورية هي
الصيغة الاكثر انتشارا لهذا الاطار.
مشاركة عامة في انتخاب القادة
وتقرير الخيارات السياسية.
الحماية القانونية للحريات العامة ، ولا سيما حرية التعبير والتنظيم.
بالاضافة الى اطروحة الديمقراطية
الدينية ، يحتل مفهوم المجتمع المدني موقعا بارزا في الخطاب الاصلاحي. ويؤسس
الاصلاحيون فكرتهم هذه على اساس نظري وعملي. فهم ينظرون الى نشاط منظمات المجتمع
المدني كعامل معجل للتحول الديمقراطي. ومن ناحية اخرى فانهم يتعاملون مع المجتمع
المنظم في هذا الاطار كبديل عن مفهوم "الحضور في الساحة" او التعبئة
الدائمة للشعب ، التي يطرحها المحافظون كتجسيد واقعي للمشاركة الشعبية ، بينما
يعتبرها الاصلاحيون مثالا على الشعبوية "الحشد العوامي" وليس المشاركة الديمقراطية[91]. نشير هنا
الى ان نسبة لا بأس بها من الادبيات الاصلاحية قد خصصت لنقد الشعبوية populism وتمظهراتها في السياسة المحلية[92]. طبقا
لكديور فانه
لا
ينبغي الخلط بين الديمقراطية وبين الاشكال الاخرى من العلاقة بين الحاكم والشعب
التي تتسم باللين او التواضع للشعب واحيانا خداع الشعب. ثمة حكام لديهم ميول شعبية
قوية فهم يتعاملون مع مواطنيهم بالفة وتعاطف ورحمة وتساهل ومداراة ، وينبذون
اساليب الحكم القهرية والعنيفة ، ولهذا فيمكن وصفهم بزعماء شعبيين. ولعلهم يكثرون
من تمجيد الشعب وامتداحه في المحافل ، ولا سيما اذا كان مواليا لحكمهم ومطيعا
لامرهم.
لكن لا يجب حمل هذا السلوك على
الديمقراطية.[...] يبالغ الشعبويون في تمجيد الشعب وامتداحه ، كما يرحبون بمشاركته
في الحياة السياسية. لكن هذا الشعب لا يستطيع محاسبة حكامه ، وليس له الكلمة الفصل
في تحديد السياسات الكبرى التي تخص المجتمع ومستقبله. بكلمة اخرى فان السياسة
الشعبوية تقوم على حشد الجمهور وراء القادة وسياساتهم وليس المشاركة في وضع تلك
السياسات او محاسبة الحكام. [..] خداع العامة demagogy يتجسد في استثمار عواطف عامة الناس وعصبيتهم وهمومهم لخدمة سياسات
الحاكم وتعزيز سلطانه. قد يطلقون على هذا العمل اسم الديمقراطية لكن هذا ابعد ما
يكون عن الديمقراطية.
[93]
ويشدد خاتمي على العلاقة بين المشاركة الشعبية وبين القبول بالعقل الجمعي
كمرجع نهائي للقرار. لضمان فاعلية العقل الجمعي على نحو واع ونظامي فلا بد من
تصميم النظام السياسي على نحو يتطابق مع معايير مثل المشاركة الشعبية العالية في
صناعة القرار ، التوزيع العادل للموارد والسلطات ومصادر القوة ، الشفافية
والمحاسبة ، اضافة الى الضمانات القانونية للحريات العامة لجميع المواطنين[94]. بالنسبة
لجلايي بور فان العوامل الرئيسية التي تميز الديمقراطية عن الشعبوية تكمن في
التمايز المؤسسي بين السلطات وتوزيع السلطة بين المجتمع والدولة. ويتحقق هذا من
خلال اقرار الدولة بدور المجتمع المدني وتوفير الحماية القانونية للنشاطات التي
تجرى في اطار منظماته بما يمكنها من توجيه المطالبات الشعبية في القنوات السليمة
باتجاه مؤسسات الدولة[95].
الدين والديمقراطية
يقوم التاسيس النظري للعلاقة بين
الدين والديمقراطية عند الاصلاحيين على ارضية تمييزهم الاولي بين وظيفة الدين
ووظيفة الدولة. وظيفة الدولة عندهم هي تمثيل المصالح المتنوعة في الساحة السياسية
، ولهذا فهي بحاجة الى نظام اداري قادر على ادارة التعارضات بين تلك المصالح بصورة
سلمية. بالنسبة لهم فان الديمقراطية هي النظام الامثل لاداء هذه المهمة[96]. اما وظيفة
الدين فتتعلق في الجوهر بوجود الانسان واخلاقياته وارتباطه بالله. يتمايز عالم
الدين عن عالم السياسة بان الاخير تسود فيه الذرائعية والعلاقات القائمة على
المساومة والعنف العاري او المغلف. بينما يتسم عالم الدين بالتسليم والايثار
والتطوع. ويصف سروش الدين بانه عالم السر والخفاء ، بينما الدولة عالم العقل
والحقائق المادية[97].
بعبارة اخرى فان لكل من الدين والدولة اغراضا متفاوتة وسبلا مختلفة في تحقيق تلك
الاغراض. بناء على هذا التمييز فهم يعتبرون الديمقراطية نظام عمل للدولة وليس
الدين.
اما بالنسبة للعلاقة الممكنة بين الدين والديمقراطية
، فان حجاريان يرى امكانية للتوصل الى قراءة للدين تتناغم مع المباديء الكبرى
للديمقراطية. لكن هذه القراءة ستكون متعلقة حصرا بوظائف الدولة وليس وظائف الدين
نفسه. بكلمة اخرى فانه يمكن العثور في التراث الديني على ارضية صالحة لدعم
الديمقراطية ، وبنفس القدر فانه يمكن العثور على تبرير للاستبداد. في كلا الحالين
فان السؤال المحوري ليس حول الدين او الديمقراطية ، بل حول الدولة[98]. ويميل
الاصلاحيون الى القول بان الاسلام لم يضع نظاما خاصا ثابتا للحكم. في الوقت نفسه
فان الدين ليس موضوعا للديمقراطية ، سواء في مبادئها او في آلية اشتغالها[99].
الديمقراطية هي نموذج في ممارسة السلطة السياسية وليست ايديولوجيا. ولهذا فان
تعارضها ليس مع الدين بل مع نماذج السلطة الاخرى ولا سيما الفردية والنخبوية. في
ظل نظام ديمقراطي ، فان لكل من الدين ومؤسسة السلطة ادوارا مختلفة. فالدين يوفر القيم
والاهداف والمعايير التي يجب تمثلها في النظام السياسي. في المقابل فان
الديمقراطية كنموذج للسلطة ، تعرف المناهج والوسائل الضرورية لتحقيق تلك الغايات.
فهي تحدد منظومات العمل ، المؤسسات ، المعايير الادارية ، وطرق اتخاذ القرار[100].
تكتسب الدولة صفتها الدينية بالرجوع
الى واحد من عاملين[101]:
أ) اعتبارها دولة اسلامية من جانب المجتمع المسلم : يقوم هذا المفهوم
على قاعدة ان المجتمع هو المخاطب بالتشريع الالهي ، وهو بهذه الصفة الوسيط المؤهل
لاضفاء القيمة الدينية على المؤسسات
والاعمال في المجال العام.
ب) التزام الدولة بالمعايير الدينية في ممارسة السلطة. وتتحدد هذه المعايير بناء على المنهج الخاص الذي يقترحه الاصلاحيون لقراءة الدين والاجتهاد فيه. جدير بالذكر ان معظم المباديء المتعلقة بالحكم ، بما فيها العدالة ، الحرية ، والمساواة ، تعتبر عندهم من المسلمات العقلية السابقة للدين ، لكن الدين امضاها وثبتها. فهي بهذا المعنى دينية بالنسبة وليس التاسيس.
د. عبد الكريم سروش - آية الله حسين علي منتظري |
ينطلق سروش في تحليله لهذه النقطة من
نظريته حول الطبيعة التاريخية والظرفية للمعرفة الدينية التي اشرنا اليها سابقا.
فهو يجادل بان ما نعتبره التزاما بالدين من جانب الدولة او المجتمع ، يعتمد تماما
على فهم الدين في تلك المرحلة ، وهو فهم متاثر بالضرورة بظرفه الموضوعي والتاريخي
، وبالتالي فهو متغير ولا يمكن ان يكون ثابتا او معياريا[102]. لايضاح
الفكرة نقول ان المؤسسات القائمة على تطبيق احكام الشريعة والسياسات التي تنظم هذا
العمل ، هي جميعا من صنع البشر القائمين عليها. تبدأ المسألة عند رجل الدولة
بتحديد ما يريد تطبيقه من القيم الدينية ، وكيفية تطبيقها من خلال مؤسسات الدولة ،
والصورة النهائية التي يفترض ان تجسد ما يعتقد انه الناتج المادي الصحيح لتلك
القيم.
في كل من هذه المراحل يلعب العقل
البشري الدور الاساس في الاختيار بين احتمالات متعددة. من ناحية اخرى فان وسائل
تطبيق الفرضيات النظرية لا بد ان تؤثر على ناتجها النهائي. منذ البداية يحدد العقل
الاغراض – والاولويات – المستهدفة من وراء النص الديني او المباديء النظرية المراد
تطبيقها وطريقة الوصول الى تلك الاغراض ، والمعيار الذي يحتكم اليه في اثبات حصول
النتيجة وكمالها او عدمه. هذه العملية المعقدة نسبيا ، يمكن ان تخضع في كل مرحلة
من مراحلها لجهد عقلي يقوم به شخص واحد او مجموعة صغيرة من كبار قادة الدولة ، كما
يمكن ان تتم بالرجوع الى العقل الجمعي لمجموع المواطنين. في كلا الحالين فان
الناتج هو فهم بشري لمراد الخالق وليس مراد الخالق عينه. وبالمقارنة بين الطريقين
، فان افضلية الثاني على الاول لا تخفى على عاقل ، اذ انها تعتمد على جمع كبير من
العقول بدل عقل واحد او عدد محدود كما في الحالة الاولى. بالنسبة للروحانيين
المحافظين فان الطريق الاول ، اي اجتهاد فقيه واحد وسعيه لاستنباط وتطبيق قيمة
دينية معينة ، هو ممارسة دينية لانها تنتج احكاما دينية ، بينما يعتبر الاصلاحيون
كلا الطريقين ، الاجتهاد الفردي والجمعي ، وسيلة لاكتشاف المصالح العامة ، سواء
كانت مصالح مقررة من قبل الشريعة او من قبل المجتمع ، ولهذا فهي اقرب ما تكون الى
التقنيات العقلائية منها الى الممارسة الدينية بالمعنى الفني.
الاطار المرجعي للخطاب
السياسي الاصلاحي
فتحت الثورة الدستورية عام 1905
نقاشا طويلا حول العلاقة بين الدين والدولة ، وقابلية الاسلام لاحتضان نمط الحياة
الحديث. ومع قيام الثورة الاسلامية في 1979 ، انبعث المزيد من الاسئلة ، التي لا
زال كثير منها يستقطب اهتمام المفكرين داخل ايران وخارجها. بعض هذه الاسئلة جرت
معالجتها في اطار خطاب الاصلاح الديني ، الامر الذي فتح الباب امام مرحلة جديدة في
التفكير الديني[103].
سبقت الاشارة الى ان التحولات الاجتماعية في عقد الثورة الاول قد ساعدت على ظهور
نخبة جديدة وتحولات في المواقف والادوار والتحالفات والمتبنيات ، انعكست على
النقاشات الفكرية التي تسود ايران اليوم.
يحمل المفكرون الاصلاحيون بعض السمات
العامة التي تعرف عن هذه الشريحة في معظم المجتمعات الاخرى: فهي تتخذ في الغالب
موقفا نقديا من الواقع السياسي القائم ، وتعبر عن نفسها بشكل متعارض مع الاتجاه
التقليدي. بعد وفاة اية الله الخميني اتخذ هذا الاتجاه صورة اكثر وضوحا ، ربما
بسبب ما تعرضت له من قهر على يد المحافظين التقليديين الذين ازداد نفوذهم السياسي
عقب اختيار اية الله خامنئي لمنصب ولاية الفقيه في 1989. ونلاحظ ان انشغالات
المفكرين الايرانيين في عقد التسعينات كانت تدور غالبا حول نقد ايديولوجيا السلطة
، التقاليد ، الاستبداد ، والتعسف في استعمال القانون[104]. بينما
تركزت دعواتهم على التعددية، الحداثة، الديمقراطية، وتحديد السلطة. في كل تلك
المناقشات كانت الدولة والسلطة السياسية هي محور الجدل. لكن جانبا كبيرا منها تركز
على امكانية تطبيق تلك المباديء في المجال الديني ايضا ، بالنظر لان النقاش يدور
حول سلطة ذات اساس ديني ، ولكون السلطة السياسية في الجمهورية الاسلامية مشدودة
بحبل وثيق الى السلطة الدينية على المستوى الدستوري ، كما على المستويين السياسي
والاجتماعي.
كان احد النتائج التي اثمرت عنها تلك
النقاشات هو اعادة النظر في دور الايديولوجيا كعقبة امام التفكير العقلاني ، ومعيق
لانعتاق emancipation الانسان.
يشير مصطلح الايديولوجيا الى منظومة من القيم والمفاهيم والتوقعات غرضها انتاج
معنى خاص للذات والعالم. فهي حسب تعريف ماكلوسكي
"نظام عقيدي منسجم ومتماسك يبرر استعمال السلطة ، ويفسر ويقيم الحوادث
التاريخية ، ويعرف الحقوق والخطأ الصواب في السياسة ، ويعين القواسم المشتركة
"العادية والاخلاقية" التي تربط بين مجال السياسة ومجالات النشاط
الاخرى" [105]..
يستهدف نقد الاصلاحيين للايديولوجيا
فيما يبدو التشكيك في عمومية ومعيارية النموذج الخاص للتدين الذي تتبناه النخبة
الدينية المحافظة. ويدعى هذا النموذج بالاسلام الفقهي ، ويعرض رسميا باعتباره تجسيدا للاسلام المحمدي
الاصيل "=اسلام ناب محمدي" متمايزا عن نموذج التدين الذي يدعو اليه
المفكرون والذي يوصم من جانب اولئك بانه انتقائي ومشوب بتاثيرات الليبرالية
والاشتراكية[106].
يرى سروش ومعظم المفكرين الاصلاحيين
ان تجلي عظمة الاسلام وتاثيره العميق في روح الانسان رهن بكونه متاحا على وجه
متساو لكل انسان[107].
الدين هو طريق مباشر يوصل الانسان الى ربه ، من دون حاجة الى وسيط او دليل ما عدا
قلب الانسان نفسه. في المقابل فان الدين المتسلح بقوة الدولة قد يتحول الى
ايديولوجيا للهيمنة. ويصر سروش على ان الايديولوجيا ، بما فيها تلك القائمة في
اطار التعاليم الدينية ليست معصومة عن الاعراض المعروفة في جميع الايديولوجيات
الاخرى ، فهي غطاء للحقيقة ، وهي تهون من شأن العقل ، وتعطل التبادل الحر
للمعلومات والافكار[108].
واذا ما تحول الدين الى ايديولوجيا دولتية ، فان وظيفته سوف تتحول من مصدر
للاخلاقيات الرفيعة الى تبرير الهيمنة الطبقية[109].
رغم ان تركيز سروش على نقد
ايديولوجيا الحكم الديني ، قد يشي بانطلاق ذلك النقد من موقف خاص تجاه الروحانيين
الذين يتبنون تلك الايديولوجيا ، الا ان الواضح ان ذلك النقد يتعلق بالايديولوجيا
نفسها. في الحقيقة فان سروش كان قد وجه في وقت سابق نقدا لا يقل شدة لاطروحات علي
شريعتي ، الذي كان قد اصر على الحاجة الى ايديولوجيا دينية ، وقدم تصورا عن دور
الدين يقوم على فلسفة تتناغم الى حد كبير مع فكرة الصراع الطبقي الماركسية[110]. تدور فكرة
شريعتي حول الحاجة الى فهم للاسلام ، وخاصة التشيع ، باعتباره ايديولوجيا حركية
تؤسس وتقود مقاومة دائمة من جانب الطبقات المستضعفة ضد هيمنة الطبقات العليا او
المستكبرين. ويجادل بانه في غياب تلك الايديولوجيا ، فان الاسلام سيبقى آلة
تستعملها تلك الطبقات ، بما فيها النخبة الدولتية والدينية ، لمصالحها الخاصة[111]. في المقابل
يرى سروش ان اطروحات شريعتي تمثل مرحلة في تطور الفكر الديني ، وهي مثل سائر اصناف
المعرفة الدينية نسبية وظرفية بطبيعتها ، وبالتالي فهي مؤقتة. ولهذا فانه يلوم اصرار
شريعتي على اعتبار فهمه الخاص للدين معياريا وثابتا او منفردا بالصواب. في نهاية
المطاف ، فهو ينظر الى اطروحة شريعتي كعلامة بارزة في تاريخ المجتمع الايراني ،
وتاريخ المعرفة الدينية ، لكنها اليوم مجرد تاريخ مضى ، ولا يمكن اعتبارها منظومة
دينية عابرة للزمان والمكان[112].
خصص سروش جانبا هاما من اعماله
للتاكيد على دور المفكرين في تطوير الفكر الديني والحياة الاجتماعية. وهو يشير في
هذا الصدد الى ان (استمرار الثورة رهن بقدرتها على اعادة انتاج نظريتها وتطويرها ،
وهنا بالذات يكمن دور المفكرين) [113]. وفي رايه
ان المفكرين الايرانيين قد لعبوا دورا تاريخيا ، فقد كانت اعمالهم هي الدافع
الرئيس وراء توجه الروحانيين الى تطوير انفسهم ، وفي هذا اليوم فان (الروحانيين
بحاجة الى المفكرين اكثر من اي وقت مضى ، لان اولئك قد اندمجوا في السياسة واصبحوا
اكثر عرضة للتخلف) [114]. العيب الاكبر
في المعرفة التي يحملها الروحانيون يكمن في انشدادها الى الماضي الذي حجب عنها
الحقائق الجديدة التي فرضتها الحداثة في حياة المجتمع وثقافته :
يشهد المجتمع نقاشات جادة حول قضايا محورية
مثل الحريات ، الحقوق ، العدالة ، السعادة ، وغيرها من المسائل النظرية التي
فرضتها الحداثة. لكننا لا نجد للروحانيين اي مساهمة بارزة في هذه النقاشات [..] في
المقابل فان التقاليد والمعرفة الجديدة تحتل عند المفكرين اهمية متساوية. من خلال
الابداع النظري ومعالجة التقاليد في اطار المفاهيم الحديثة فانهم يجسرون الفجوة
بين الماضي والحاضر[115].
تقوم القراءة الاصلاحية للدين على
مبدأ تعدد الاجتهاد. في الحقيقة فان مبدأ التعددية سواء تعلق الامر بالدين او
بالثقافة او السياسة ، هو واحد من المحاور الكبرى للايديولوجيا الاصلاحية. وقد
اختار سروش لاحد كتبه عنوان "صراطهاي مستقيم" او الطرق المستقيمة ، في
تحد مباشر للاعتقاد السائد بين عامة المسلمين بان الطريق المستقيم هو طريق واحد
فقط. من الواضح ان احد اهداف القراءة الاصلاحية هو التشكيك في دعوى رجال الدين
الانفراد بالحق في الاجتهاد وتفسير النص الديني. ويشدد الاصلاحيون على التباين بين
نموذج الاجتهاد السائد في المؤسسة الدينية والواقع الحياتي المعاش ، بالنظر الى
ثلاثة عوامل [116]:
1. ان هذا النموذج
يستبطن بالضرورة احتكارا للسياسة واستبعادا لدور الشعب.
2. انه يستبطن تبريرا لقمع اصحاب الافكار المخالفة.
3. انه يفتقر الى التاسيس العلمي السليم.
في ظني ان كتابات اية الله شبستري هي
اكثر المعالجات عمقا لعيوب المدرسة الفقهية التقليدية ، ونموذج الاجتهاد الذي تقوم
في اطاره القراءة الدينية المحافظة. ولد محمد مجتهد شبستري في 1936. ودرس في
الحوزة العملية في قم حتى بلغ مرتبة الاجتهاد. كما درس الفلسفة ودرسها في جامعة
طهران. بين 1970 و 1979 عمل مديرا للمركز الاسلامي في هامبورغ بالمانيا ، حيث تعرف
على علم الكلام المسيحي الحديث. وتحولت اهتماماته الى البحث عن مصالحة فكرية بين
الدين والحداثة.
مثل سروش ، يدعو شبستري الى الفصل
بين الدين والمعرفة الدينية ، لكنه خلافا للاول يركز على منهج الاجتهاد في النص
الديني وطرق تطبيق الاحكام. وقد تأثر خطابه بعمق بمنهج التاويل الفلسفي hermeneutics الذي طوره الفلاسفة البروتستانت. في بواكير
ايامها كانت فكرة التاويل الفلسفي تتمحور حول اكتشاف القيمة والرسالة المضمرة في
النص الديني. لكنها توسعت خلال القرن العشرين على يد عدد من الفلاسفة ، لا سيما
مارتين هايدجر (1889-1976) وهانس-جورج غادامر (1900-2002) الى ما يتجاوز هذه
الحدود ، فاصبحت تعنى بالفن والادب ، وتحولت نحو اعتبار الوجود الانساني بمجمله
سؤالها المحوري. في معظم اعمال شبستري ، لاسيما كتابيه المثيرين للجدل
"هرمنيوتيك ، كتاب وسنت " و "نقدي بر قراءت رسمي از دين" ،
تظهر بوضوح تاثيرات فلسفة هايدجر ، غادامر وكارل بارث (1886-1968).
يشدد هايدجر على الدور المحوري
لذهنية المتلقي كوسيط لفهم ما يتلقاه ، ولهذا فهو يقرر انه (لا فهم من دون فهم مسبق
=no understanding without pre-understanding) [117].
اما غادامر فيصف الخلفية الذهنية التي تتحكم في فهم المتلقي بالافق او مجموع
الكينونة التي شارك في صياغتها مجموع تجارب الماضي والحاضر[118]. ولهذا فان
الوعي التاويلي هو بصورة او باخرى افق مفتوح ، متحرك ، وفي حالة تغير دائم. وحسب تعبير غادامر فان
التشديد على الافق التاريخي يتناول مرحلة فحسب
في عملية الفهم. فهو لا يعني انفصال الانسان عن وعيه السابق. ما يحصل ان الافق
التاريخي الفعلي يتجاوز الوعي السابق من حيث تاثيره على فهم الانسان. خلال عملية
الفهم يحدث تحول في الافق ، بمعنى انه بقدر ما يكون الافق التاريخي شاهدا ومؤثرا
في فهم الحاضر ، فانه بنفس القدر يكون عرضة للزوال والتلاشي. [119]
يستخدم شبستري فكرة "الافق
التاريخي" للتهوين من القيمة العلمية لمنهج الاجتهاد المتداول في مدارس العلم
الشرعي "الحوزة العلمية". يعتمد هذا المنهج بشكل اساسي على استخدام
التقنيات اللغوية ، ويركز على فهم التركيب النحوي للجملة العربية التي تحوي النص ،
والحادثة التاريخية التي استهدف النص تكييفها ، كوسيلة لاستخراج الحكم الشرعي
المتضمن في النص وبالتالي تحديد مراد الشارع المقدس.
بناء على منهج التاويل الفلسفي يجادل
شبستري بان الصيغة اللغوية هي مجرد وعاء للقيمة الدينية وليست جزء منها. وان
اختيار هذا الوعاء يرجع الى ضرورات الافق التاريخي للمجتمع الذي خاطبه النص عند
نزوله. وهذا امر مفهوم ، فقد كانت الرسالة السماوية بحاجة الى النفاذ الى عقول
وقلوب المجموعة الاولى من المؤمنين ، من اجل ان يصدقوا بها ويعيدوا انتاجها في
قالب دعوة الى سائر الناس[120].
في حقيقة الامر فان جوهر الرسالة
السماوية كامن في القيم المتضمنة في تلك الصيغة اللغوية وليس في الصيغة نفسها[121]. ويعتقد
شبستري ان الفقه التقليدي قد اضاع عقلانيته بسبب تقديسه للاطار اللغوي ، وهو مؤقت
ومشروط بظرفه الخاص ، على حساب المحتوى القيمي الذي ينطوي عليه. وهذا يفسر – حسب
رايه – التفاوت العميق بين التعاليم الدينية ومتطلبات الحياة المعاصرة[122].
يرى شبستري ان القيم القاعدية للدين
هي المنظومة الدينية الوحيدة التي تتمتع بالقداسة والعمومية والامتداد عبر الزمان
والمكان. يمكن للقيم ان تتمظهر في اشكال مختلفة في الازمنة المختلفة. في هذا
الاطار فانه باستثناء احكام العبادة بالمعنى الدقيق ، فان الاكثرية الغالبة من
الاحكام الدينية المتعلقة بجوانب الحياة المختلفة ، لا تتمتع بالقدسية او الثبات
او العمومية[123].
وهذا يشمل الاحكام المنصوصة ، كما يشمل بطبيعة الحال اراء الفقهاء واجتهاداتهم.
واظن ان شبستري هو واحد من قلة نادرة من المفكرين المسلمين الذين يقولون بامكانية
تغيير الاحكام التي وردت فيها نصوص قرانية او نبوية. ذلك ان الاتجاه الغالب يميل
الى حصر امكانية التغيير في الاحكام غير المنصوصة ، وفقا للمقولة الشائعة "لا
اجتهاد في مقابل النص".
ان نقطة القوة الرئيسية في احتجاجات
شبستري تكمن في تفسيره المختلف لفكرة "اسباب النزول" الشائعة في المدارس
الفقهية ، اضافة الى تمييزه الدقيق بين مراد النص وبين فهم المجتهد – او المجتمع –
لذلك المراد. في هذا السياق فهو يرى ان تغير ظروف الحياة ومتطلباتها وتغير ثقافة
الناس وهمومهم يستدعي قيام كل جيل من اجيال المسلمين بصياغة القواعد ومنظومات
العمل التي يحتاجها لتطوير حياته بالرجوع الى العقل الجمعي ، ومن دون تقيد شديد
بالصيغ والاشكال الموروثة. ذلك ان هذه
الصيغ هي وسائل للتوصل الى نتائج عقلائية ، ولا يصح ان تكون قيدا عليها. القيد
الوحيد الذي يستوجب الرعاية هو قيم الدين الاساسية التي لا ينبغي ان تخرق في اي
حال. ويضرب مثلا على ذلك بنظام الحكومة ، حيث يجادل بان الاسلام لم يحدد صورة خاصة
ثابتة لنظام الحكم. ما يهم الشارع في هذا الصدد هو جوهر الحكم ، اي العدالة ، وليس
شكل النظام او عنوانه[124].
تمثل مقاربة شبستري التاويلية ،
اضافة الى نظرية سروش في المعرفة الدينية ، اساسا متينا لقراءة جديدة للدين
الاسلامي ، تنطوي على عدد من العلامات التي تميزها عن القراءة المحافظة. تقوم تلك
القراءة كما اجملها محسن كديور على سبعة مبادي رئيسية[125]:
1- الانسان مكرم ، حامل للروح الالهية ، والعقل الذي يضعه الاسلام في مقام
الرسول الباطن. الانسان كنوع مؤهل لخلافة الله على الارض، ولهذا فهو محل للثقة.
2- فيما يتعلق بالعلم ، فان كمال الدين يعني كمال الهداية. قد يوفر الدين
بعض المعارف التي لا يستطيع الانسان التوصل اليها بمفرده ، اما في الجوانب التي
يمكن بلوغها عن طريق التجربة البشرية او العقل الجمعي فغاية ما ينتظر من الدين
توفيره هو الارشاد وحسب. ولهذا لا نتوقع من الدين ان يتدخل في الامور العلمية او
التجريبية او الرياضية ، وهكذا الحال في مجالات العلوم الانسانية.
3- السياسة ، اي التدبير في المجال العام ، عمل عقلائي يعتمد على التجربة
والعقل الجمعي. وهي لا تنطوي على امور ثابتة او تعبدية. يقدم الدين في مجال
السياسة معايير كلية ، ويعرف بعض الطرق السلبية والايجابية وبعض الجزئيات على سبيل التمثيل فقط. وتصاغ
السياسة الدينية على ضوء هذه العناصر. واذا كان الاسلام لا يتلاءم مع كل الانماط
السياسية ، فانه في الوقت نفسه لا يقدم شكلا واحدا ثابتا للممارسة السياسية. ومن
الممكن صياغة اشكال سياسية عديدة في زمن واحد تنسجم مع القيم والمعايير الدينية ،
او لا تتعارض مع تعاليم الدين.
4- يلعب عنصر الزمان دورا مهما في الاجتهاد الفقهي ، ويستهدف الاجتهاد وفق
هذه القراءة استبعاد الاعراف والتقاليد الخاصة بزمن الوحي ، التي دخلت في التراث
الديني وبمرور الزمان ، جرى اعتبارها من ثوابت الدين.
5- غرض الدين الاسمى هو اغناء الضمير الانساني وتعزيز وعي الانسان بمعاني
وجوده ومساعدته على التناغم والانسجام مع الكون المحيط به.
6- الاحكام الثابتة هي جزء من قواعد العمل في المجتمع الديني. اما الجزء
الاخر فهو الاحكام المتغيرة ، وهو مجال وسيع مفتوح للمجتمع كي يصوغ الاحكام التي
تناسب حياته في مختلف الاوقات. ان اكثر الاحكام المتعلقة بالحياة السياسية هي من
النوع الثاني.
7- الديمقراطية الاسلامية نظام للحياة السياسية للمسلمين في العالم
الحديث. الديمقراطية ثمرة لتجربة البشر طوال قرون عديدة. وليس المراد من نسبتها
الى الاسلام استنباطها من الكتاب والسنة ، بل الاشارة الى انها منهج عقلاني لا
يتنافى مع قيم الاسلام ، وانها وسيلة يمكن للمسلمين الاخذ بها لتنظيم حياتهم ، وان
الفكر الاسلامي قادر على توفير المباني الفلسفية للديمقراطية الدينية.
العلمانية
سبق الاشارة الى ان ارتباط
الديمقراطية بالعلمانية كان بين ابرز اسباب اعتراض المحافظين عليها. في المقابل
فان الاصلاحيين لم ينظروا الى العلمانية كجزء جوهري من مفهومهم للديمقراطية. في
الحقيقة فان موقف الاصلاحيين من العلمانية يتسم بلين غير معهود عند التيار العام
من الاسلاميين الذي يعتبر العلمانية نقيضا للدين ويرفضها جملة وتفصيلا. ويتجلى هذا
الموقف في معالجتهم للعديد من القضايا الاشكالية ، مثل العلاقة بين الدين والدولة
، الثقافة ، الاخلاق الاجتماعية ، وسواها.
لكنهم مع ذلك يجتهدون في المحافظة على مسافة تفصلهم عن دعاة العلمانية او
رافضي الدور السياسي للدين.
في هذا الاطار يجادل الاصلاحيون بان ما يدعون اليه هو قراءة جديدة للاسلام ، متمايزة عن الدعوات العلمانية وعن دعوات التقليديين في التيار الديني على حد سواء[126]. وهم يصرون على التمييز بين العلمانية كايديولوجيا وبين العلمنة كتمظهر للتحول في المجتمع والثقافة process. واظن ان اعمال سعيد حجاريان تمثل اعمق المعالجات التي قدمت من جانب التيار الاصلاحي في هذا الجانب ، ولا سيما في كتابه المثير للجدل "از شاهد قدسى تا شاهد بازارى". يرفض حجاريان العلمانية كايديولوجيا ، لكنه يجادل بان العلمنة - او التحول الذي يؤدي بالضرورة الى نزع المظهر القدسي- هو امر لا مفر منه[127]. ويشدد - تبعا لتراث ماكس فيبر - على ان الدولة هي اقوى ادوات العلمنة ، ومن هذه الزاوية فهو يعتبر قيام الجمهورية الاسلامية خطوة اولى في طريق سيؤدي في النهاية الى ظهور نمط من التدين جديد كليا[128].
في 1996 اثار حجاريان جدلا حادا حين
ادعى ان نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي طرحها الخميني ستؤدي فعليا الى علمنة
القانون الديني ، او - حسب تعبيره - مصالحة الفقه مع العرف من خلال اعادة انتاج
الاول ضمن اطارات الثاني وفي حدوده. [129] ويجادل
حجاريان بان الفقه الشيعي بقي حتى صعود الخميني مقاوما لتاثير التيارات الجديدة
التي انطلقت بفعل تغير بيئته الاجتماعية والتغير في العالم بشكل عام. لكن شخصية
الخميني الكاريزمية مكنته من فرض منظوره الخاص على حساب الكثير من المباديء
الراسخة في المجتمع الديني[130].
ويرى ان الخميني كان واعيا بالكلفة التي يجب دفعها مقابل تكييف القواعد الفقهية كي
تندمج في النظام القانوني للدولة. ويعتبر حجاريان تطوير الخميني لمبدأ مصلحة
النظام ، وهو مبدأ عقلاني وضعي ، مثالا بارزا على الطريقة التي تؤثر بها الدولة
على وظائف الدين ودوره :
ادماج المؤسسة الفقهية في مؤسسة الدولة ،
وبالنظر خصوصا لهيمنة الفكرة التي تطابق بين الدين والسياسة[131]،
ادى الى فرض المؤسسة السياسية متطلباتها وطرق عملها على المنظومة الدينية. الدولة
، سيما في العصر الحديث ، اقوى ادوات العلمنة. يعالج السياسيون الامور على اساس
العرف والمصلحة ، فاذا اندمجت المؤسسة الفقهية في جهاز الدولة ، فسوف ينتقل هذا
المنهج الى الفقه لامحالة[132].
بطبيعة الحال فان نقاشا غير منحاز
حول العلمانية ليس بالامر اليسير في اي مجتمع مسلم ، فضلا عن نظام ديني كما هو
الحال في ايران. لكن المسألة شديدة الالحاح والاثارة في الوقت نفسه بحيث يستحيل
اغفالها او التهوين من اهميتها. تحتل العلمانية موقعا محوريا في النقاش حول
التنمية ، الحداثة ، والتحول الديمقراطي. ولهذا فانه لا يمكن تجاوزها في اي نقاش
جدي حول اي من هذه الموضوعات. ويظهر من التجارب التنموية التي قامت في العديد من
المجتمعات المسلمة ان اغفال النخبة لهذه المسألة وتركها من دون معالجة تتناسب
والمكون الثقافي الخاص لتلك المجتمعات ، قد ادى فعليا الى تثبيط الجهود التنموية
والى انقسامات اجتماعية أبطأت الى حد كبير مسيرة التطور السياسي والاقتصادي.
وشهدنا هذه النتيجة في ايران وفي العديد من الاقطار الاسلامية التي خاضت تجارب
نمو.
احتل النقاش حول العلمانية ، ولا
سيما طبيعتها الاشكالية وعلاقتها بالديمقراطية والتحديث ، جانبا كبيرا من اهتمامات
التيار الاصلاحي. وثمة على ما يبدو اتفاق عام بين الاصلاحيين على ان قدرا من
العلمانية هو امر لا يمكن الفكاك منه. لكنهم في الوقت نفسه ، يتفقون على الحاجة
الى اعادة تعريف هذه المسألة في اطار الثقافة المحلية ، تعريفا يساعد على تفهم
حقيقة ان العلمنة ليست خيارا اراديا محضا ، وان ذلك القدر الضروري منها ليس
متناقضا بالضرورة مع الدين ، وان طرحها الاولي في الاطار الثقافي الغربي لا يعني
انها غير موجودة او غير متعارفة – وان بتسميات مختلفة - في ثقافة المسلمين وفي
الثقافة المحلية الايرانية.
بكلمة اخرى ، فان الاصلاحيين قد
نظروا الى العلمانية كمفهوم واسع ينطوي على قدر كبير من اللبس ، واعتبروا ان طرحه
الاولي كنقيض للدين وكتمثيل للفكر الغربي قد اعاق مناقشته بموضوعية ومن دون موقف
مسبق. من خلال معالجة مسألة العلمنة والعلمانية ، يحاول هؤلاء المفكرين فهم طبيعة
العلاقة بين العوامل الدينية والعوامل غير الدينية التي تشترك في تكوين او تقييم
الفعل الدنيوي ، وتحليل انعكاسات التفاعل بين هذين النوعين من العوامل على كل
منهما. ان الغرض الاول والاخير من هذه المعالجة هو اكتشاف الامكانات الكامنة في كل
من الدين والعقل للتناغم وابداع فعل تتجلى فيه العقلانية بنفس القدر الذي تتجلى فيه
القيمة الدينية ، وبالتالي استخراج القيمة الدينية من حالة الضبابية والغموض
المترافقة مع الجانب الغيبي للدين ، والتاكيد على جانبه التطبيقي الواقعي القابل
للتوافق مع العرف السائد بين العقلاء ، والمقبول من جانب عامة الناس. ان معالجة من
هذا النوع ضرورية لتعريف الوظائف التي يمكن لكل من الدين والعقل القيام بها في
الاجتماع السياسي ، كلا بلغته الخاصة وضمن مساره الخاص.
يفترض هذا الطرح وجود مجالين وظيفيين
متمايزين : مجال ديني والمجال عرفي – عقلي ، خلافا للمبدأ الذي يتبناه المحافظون ،
والقائل بعالم واحد فقط هو عالم الدين. ويرى الاصلاحيون ان اشتغال العقل في مجاله
الخاص لا ينطوي بالضرورة على تعارض مع القيم الدينية ، كما ان وجود مجال وظيفي
للعقل لا يزاحم بالضرورة مجال الدين او كماله[133]. مجال العقل
هذا يسمى في الادبيات الغربية علمانيا. وبالنظر لتطور الفكرة في المجال الثقافي
الغربي ، الشروط التاريخية الخاصة لتجربة التطور الغربية ، فقد اتخذت العلمانية
طابع التعارض مع الدين في اغلب حالاتها. لكن هذه الشروط الظرفية لا تغير من حقيقة
المسألة ، فهي لا تمثل قيدا على المجتمعات الاخرى التي ربما تسعى لتطوير مفهومها
الخاص للعلاقة بين الدين والدنيا.
في هذا الاطار فان عددا من المفكرين الاصلاحيين
ولا سيما حجاريان وسروش بذلوا جهدا قيما في معالجة المسألة ، محاولين التوصل الى
مفهوم محلي يركز على المقاربة بين مفهوم العرف ، وهو من المفاهيم السائدة
والمقبولة في الثقافة الاسلامية وبين مفهوم العلمانية. كما يقارب بين مفهوم التحول
العلماني secularization والتحول العرفي "عرفى شدن حسب التعبير
الفارسي". يشير تعبير "العرف" الى الشيء المتعارف عليه بين الناس ،
ويمثل القبول الاجتماعي مصدر القيمة فيه ، وهو بهذا يتمايز عن الحكم الديني الذي
ترجع قيمته الى صدوره من الشارع. في نفس السياق ، فان تحول الفكرة او الفعل الديني
الى عرفي ، يؤدي بالضرورة الى انتقال مصدره القيمي من السماء الى الارض. قيمة
العرف الاجتماعي تكمن في تمثيله للعقل الجمعي ، وبالتالي فان ما نسميه عرفا ، ليس
في حقيقة الامر سوى العقل الذي يمثل في مستواه المتوسط قاسما مشتركا بين جميع
الناس ونقطة التقاء لاراداتهم ، وهو ما نسميه بالعقل الجمعي.
يستعمل حجاريان هذا التصوير في وصف
الاثار المترتبة على اندماج القيم الدينية في تركيبة المجتمع ونظام عمله وعلاقاته.
كما يستعمل مفهوم "الدين المدني" للتمييز بين القيم الدينية في حالتها
الاولية كمجردات ، وحالتها بعد ان تتحول الى مضمون او شريك في فعل اجتماعي[134]. ويجادل
حجاريان بان تطبيق القيم الدينية من جانب المجتمع ، اي تحولها من قيم مجردة الى
قيم في حالة اشتغال ، ينطوي على مساومة بين الفكرة الدينية ، وفهم المجتمع لها ،
والحدود الخاصة بالنظام الاجتماعي الذي ستطبق فيه. ويرى ان تحول القيم والمثاليات
الدينية الى اعراف اجتماعية محلية هو مسار ثابت لا يتوقف ويمثل جزء عضويا في
الحياة الاجتماعية الطبيعية.
ويتخذ التفاعل بين المثاليات الدينية
والعرف الاجتماعي صورتين : في الصورة الاولى يتم خلق عرف جديد كاطار اجتماعي
لتطبيق مبدأ ديني محدد ، او تعديل عرف قائم كي يتلاءم مع ذلك المبدأ. وفي الصورة
الثانية يتم تطبيق ذلك المبدأ على نحو خاص كي يتلاءم مع عرف قائم وسائد. ويستنتج
من هذا التفسير ان الكثير مما يعتبر في الثقافة الاجتماعية تقاليد دينية ، سيما
تلك التقاليد التي تتعلق بالسلوك الاجتماعي ، هي في الاصل اعراف اقرها القادة
الدينيون ، وبمرور الزمن اكتسبت قيمة دينية[135].
مثل هذا التحول يطابق الى حد كبير ما يوصف بالعلمنة او ما يصفه هو بالتحول العرفي.
ان اكتساب العرف للقيمة الدينية لا يجعله دينا في حقيقة الامر ولا ينفي حقيقة كونه
متمايزا في الجوهر عن القيمة الدينية التي اسبغت عليه.
ينصرف مفهوم العلمانية – كما يرى
سروش – الى واحد من ثلاثة معان : 1) قيام الفعل على ارضية غير دينية. 2) فهم
العالم والانسان خارج الاطار المفهومي الديني. 3) فهم المجالات غير المرتبطة
بالدين كعوالم مستقلة قائمة بذاتها ، مثل مجال العلم ، الفلسفة ، الفن ، الادب ،
والسياسة. ويميل سروش الى المعنى الاخير مشددا على ان كلا من هذه المجالات هو عالم
قائم بذاته من حيث ارضيته المفهومية ، واللغة المستعملة فيه ، طرق التحليل والاثبات
والتقييم ، اضافة الى الوظائف الاجتماعية. ولهذا فانه يساوي بين التحول العلماني
"او العرفي" وبين اكتشاف التمايز المذكور:
لعل من الافضل استعمال تعبير "استقلال
السياسة عن الدين" بدلا عن "فصل السياسة عن الدين". لكن من الضروري
ان نفهم ان السياسة ليست الوحيدة المستقلة بطبعها عن الدين ، فالفلسفة والفن
والعلوم وكثير من الشؤون الانسانية والمنظومات الاجتماعية هي كذلك ايضا. لهذا فان "الانفصال" يجب ان يفهم
بمعنى الاستقلال ، وان علمنة البشر هي ثمرة لاكتشافهم هذا المعنى [136]
ويجادل سروش بان العلمانية ،
بالمفهوم الذي يقترحه لا تستثني الدين من الحياة السياسية بالضرورة ، لكنه يحذر في
الوقت نفسه من ان تطبيق النظام القانوني الديني سيؤدي بالضرورة الى تجريده من
صبغته القدسية. ذلك ان الجانب القدسي في الحكم الديني يرتبط بالمكون الميتافيزيقي
، اي رجوع الدين الى عالم يتجاوز الطبيعة وحدودها المادية. في المقابل فان ادارة
الشؤون الاجتماعية والدنيوية تحتاج الى قواعد وقيم متناسبة مع شروط الدنيا وحدودها
المادية الطبيعية ، كي تكون قادرة على انتاج مفاعيل ملموسة وقابلة للمحاسبة[137].
التمييز بين العلمانية والعلمنة ، هو
امر مفهوم بصورة عامة ، فالاولى هي الى حد كبير موقف فلسفي حول الكيفية التي ينبغي
ان تكون عليها الاشياء ، بينما تشير الثانية الى مسار تحول تظهر خلاله تجليات
للاولى[138]. ويرى
حجاريان ان التحول العلماني هو ثمرة لخروج المجتمع من حالته البدائية وقيام
الاجتماع الحديث[139].
هذا التطور يرجع الى عوامل متعددة خارج الاطار الديني ، من بينها تقسيم العمل ،
كتابة القانون ، وتمايز المجال العام عن المجال الخاص[140].
بالنظر الى انطلاق التيار الاصلاحي من ارضية دينية ، فانه يدعو الى دور
فعال للدين في الدولة والمجتمع. لكن من دون دور مماثل للمؤسسة الدينية. بكلمة اخرى
، فان الاصلاحيين يقرون بدور الدين لكنهم يريدون للمؤسسة الدينية ان تبقى مستقلة
عن الدولة[141]. ومن هذا
المنطق فانه يمكن القول ان النقاش يدور حول تعريف الحد الفاصل بين سلطة الدين
وسلطة الانسان. ومن الواضح ان هذا النقاش
يرجع بجذوره الى خلاف اولي على دور الدين وما يتعلق به. وقد اشرت سابقا الى ان
المحافظين يعتبرون الدين كاملا وشاملا لكل جوانب الحياة ، كما يعتبرون الفقهاء
المصدر الشرعي الوحيد للمعايير الدينية. ويترتب على هذا ان كلا من الدولة والمجتمع
هو اطار طبيعي لسلطة الدين وتطبيق الاحكام التي يتوصل اليها الفقهاء. يطلق على هذه
الفكرة في الادبيات السياسية الايرانية بـ "دين حد اكثري"[142]. في المقابل
فان الاصلاحيين يتبنون ما يطلق عليه بـ "دين حد اقلي"[143]. على
المستوى العملي فان الفكرة الاولى تعني ان كل فعل فردي او جمعي يجب ان يتوافق مع
احكام الشريعة ، بينما تميل الفكرة الثانية الى تعريف سلبي ، اذ تقول بان كل فعل
مقبول مالم يخرق حكما متفقا عليه بين اهل
الشريعة.
في التحليل الاخير ، فان نقاشات
الاصلاحيين حول العلمانية ، تستهدف تدعيم موقفهم الاولي الذي يعتبر الدولة كيانا
عرفيا. وكما يقول سروش ، فان ادعاء الدولة للصبغة الدينية سوف تقود بالضرورة الى
انقلاب الدين الى نظام عرفي ، لا يختلف عن قانون الدولة. واذا حدث هذا فان الدين
سيخسر العنصر الجوهري فيه ، اي كونه مصدر الهام روحي لحياة الانسان[144]. الحياة
الروحية ليست مجالا لعمل الدولة ، فهي ليست مما يمكن تعليمه وليست مما يمكن فرضه
بقوة القانون ، انه تجربة تتطور من خلال الحوار الدائم بين الانسان وربه. التقوى
هي مستوى من الارتقاء المعنوي يتحرر فيه عقل الانسان ومشاعره من الحدود الضيقة
للحقائق المادية ، فيتحدى حدودها ويسعى وراء العوالم الواسعة التي تخفيها تلك
الحدود[145]. من جانبه ،
يجادل شبسترى بان تدخل الدولة في الشأن الديني سوف يقود بالضرورة الى الاستبداد
الديني. وخلال العقد الاول بعد الثورة الاسلامية ، كان هذا التدخل سببا في نقض
الحقوق المدنية للشعب وقهر الشباب والنساء ، اضافة الى عزل النخبة المفكرة
والمثقفين[146].
وهو فوق ذلك يهبط بدور الدين الى المجال المحدود للقانون ، بدلا من اهم وظائفه ،
اي توفير المثل العليا الضرورية للحياة الاجتماعية وتعميق معناها[147].
خلاصة
كان صعود التيار الاصلاحي ثمرة
لانتشار الميول الليبرالية ، التي اثمرت عنها التحولات البنيوية في المجتمع
الايراني ، لا سيما في حقبة الثمانينات ، اضافة الى انبعاث دور المفكرين ودعاة
الاصلاح الديني ، بعد فترة من التراجع والفتور. يتبنى التيار الدعوة الى الحداثة
من منطلق ديني ، متمايز عن منطلقات التيار العلماني ومختلف في الوقت نفسه عن
المنظور الديني الشائع في المؤسسة الدينية وعامة الروحانيين.
تتمثل المحاور الرئيسية للخطاب
الاصلاحي في نقد الايديولوجيا الرسمية ولا سيما ارضيتها النظرية "الفقه
التقليدي" ، والدفاع عن الحداثة ، الديمقراطية ، التعددية ، وتحديد السلطة.
ويتقارب المفهوم الاصلاحي للديمقراطية الى حد كبير مع المفهوم الليبرالي. لكنه
يخالفه في الموقف من العلمانية ، اذ يرفض
الاصلاحيون العلمانية كايديولوجيا لكنهم يعتبرون التحول العلماني "او
العرفي" نتيجة حتمية لاندماج الدين في الدولة والتحولات الاجتماعية.
يعتقد الاصلاحيون بامكانية تطوير
خطاب ديمقراطي على ارضية دينية ، ويقترحون – لتحقيق هذه الغاية – منهجا جديدا في
الاجتهاد وقراءة النص الديني ، يختلف الى حد بعيد عن المنهج السائد في المدرسة
الفقهية التقليدية. ومن بين العلامات البارزة في هذا الخطاب انكاره لوجود نظام
محدد ونهائي للحكم في الاسلام. ومن بينها ايضا ربط اسلامية الدولة باعتراف
المواطنين بها على هذا النحو او التزامها بالقيم القاعدية للسياسة الدينية.
ويقدم الخطاب الاصلاحي مثالا قويا
على امكانية المصالحة بين الاسلام والحداثة ، لا سيما في الجانب السياسي. فهو يوفر
ارضية لتفاعل نشط بين المعرفة الدينية من جهة والفكر الفلسفي والاجتماعي الحديث من
جهة اخرى. وبغض النظر عن انتقادات المحافظين والعلمانيين على حد سواء لسلامة
انتساب الافكار الاصلاحية الى كل من الدين او الحداثة ، والتي تعتبر على اي حال
موضوعا مفتوحا للنقاش ، فان الخطاب الاصلاحي قد نجح في تعبئة شريحة كبيرة من
المجتمع الايراني خاصة بين الشبان والنساء والفئات التي همشت في ظل النموذج
السياسي المحافظ. وفي السنوات الاخيرة شهدنا اهتماما بالنموذج الاصلاحي خارج حدود ايران
، لا سيما في العالم العربي ، حيث تجتذب اعمال المفكرين الاصلاحيين اهتماما
متعاظما بين النخبة العربية والنشطين في المجال السياسي.
[1] لمعلومات ميدانية حول تحول القيم في المجتمع
الايراني في اوائل التسعينات ، انظر رفيع پور: توسعه وتضاد (تهران 1998) .
انظر ايضا: عبدي وغودرزي: تحولات فرهنگي در
ايران (تهران 1999). وتعتمد الدراستان على بحوث ميدانية ومقابلات نوعية.
[2] عبدي ، عباس: هسته نا مرئي انتخابات اخير ، في
رضائي وعبدي: انتخاب نو (تهران 1999) صص 97-102
[3] جمعت الارقام من تقارير مركز الاحصاء الايراني (www.sci.org.ir) ، المجلس الاعلى للثورة الثقافية (www.iranculture.org) ، وعبدي: المصدر السابق.
[4] رضائي: نيمه پر ليون ، في عبدي ورضائي: المصدر
السابق ، صص 113-115.
[5] پيران ، پ: سه سطح تحليل
واقعه ، في عبدي ورضائي: المصدر السابق ، ص 34
[6] Boroujerdi, Mehrzad, ‘Can Islam
be Secularized’, in Esfandiari, Berton and Farhi (eds.), Intellectual Change
and the New Generation of Iranian Intellectuals, (Washington, 2000), p. 13.
e.edition, retrieved on Jun., 2, 2004 from:
http://faculty.maxwell.syr.edu/mborouje/Continuities.html
[7] Scruton, R., A Dictionary of Political Thought (London
1996), p. 265.
[8]Shils, E., ‘The Intellectuals in the Political Development of the
New States’, World Politics, vol. 12, no. 3. (Apr., 1960), 329-368, p.
332.
[9] علوي تبار ، علي رضا: روشنفكرى ، ديندارى ،
مردمسالارى ، (تهران 2000) ، صص 25-26
[10] Vahdat, ‘Post-Revolutionary Islamic Discourses on Modernity in
Iran: Expansion and Contraction of Human Subjectivity’, International
Journal of Middle East Studies. vol. 35 - issue 4 (Nov.,
2003), 599–631, pp. 602-3
[12] On the state policy to restructure the national identity through
education, see Shorish, M.,’The Islamic
Revolution and Education in Iran’, Comparative Education Review, (Feb.,
1988) pp. 58-75 retrieved (Jun., 2003) from: www.ed.uiuc.edu/EPS/people/Shorish_Islamic_Ed.html
[13] بشيريه ، المصدر السابق
[14] جلايي بور ، حميد: دولت
پنهان (تهران 2000) ، ص 295
[15] Ansari, Ali, Iran, Islam and Democracy, (London, 2000), p. 112.
[16] Arjomand, S., The Turban
for Crown, (New York 1988), p. 92.
[17] Akhavi, S., Religion and Politics in Contemporary Iran (Albany,
1980), p. 143.
[18] صدرت بيان كمجلة شهرية على
يد على اكبر محتشمي في مايو 1990 وحجبت في فبراير 1992 . ثم اعيد اصدارها كجريدة
يومية قبل ان تحظر نهائيا في يونيو 2000. اما مجلة جهان اسلام فقد نشرها هادي
خامنئي في 1994 . ونشرت صحيفة سلام اليومية على يد موسوي خوئينيها بين فبراير 1991
و يوليو 1999 . اما كيان ، المجلة الثقافية الشهرية ، فقد اغلقت في يناير 2001.
[19] لبعض التفاصيل حول حلقة
كيان ، انظر قوجاني ، محمد: پدر خونده وجبهاي جوان ، (تهران 2000) ، صص 72-79.
[20] حيدري ، محمد: مطبوعات سياسي از 57 تا 80 ،
ايران (27 مايو 2002).
[21] جلايي پور، حميد: پس از دوم خرداد ، (تهران 1999) ، ص 292.
[22] سروش ، عبد الكريم: اخلاق خدايان ، (تهران 2001)
.
[23] نشرت مقالة "قبض
وبسط" للمرة الاولى في ابريل 1988 ، في كيهان فرهنگي ، وهي مجلة فكرية معتبرة
، اصلاحية الاتجاه . ثم اعيد نشره موسعا مع المناقشات التي دارت حوله وردود المؤلف
في السنة التالية في كتاب يحمل الاسم ذاته، واعيد طبعة مرات عدة . ونشر اخيرا
باللغة العربية تحت عنوان "القبض والبسط في الشريعة الاسلامية" ، ترجمة
دلال عباس ، دارالجديد – بيروت 2002.
[24] سروش: قبض وبسط تئوريك شريعت ، ط 8، (تهران
2003) ، ص 181
[25] Vahdat, Farzin, God and
Juggernaut, (New York, 2002), p. 203.
[26] سروش: بسط تجربه نبوى ، (تهران 1999) ، ص 276
[27] انظر قائمة كاملة بكتب عبد الكريم سروش على
موقعه الالكتروني ، الذي يضم ايضا اعمالا اخرى له وتعليقات على افكاره . www.drsoroush.com.
[28] Ansari, Ali, ‘Continuous
Regime Change from Within’, in Lennon, A., and Eiss, C., Reshaping Rogue
States, (Cambridge, 2004), p. 274
[29] Compare with Abedin, who argues that the common characteristic
among reformist figures has been their previous career in the intelligence
service. Abedin, Mahan, ‘The Origins of Iran's Reformist Elite’, Middle East
Intelligence Bulletin, vol. 5, no. 4, (April 2003),
www.meib.org/articles/0304_iran.htm
[30] محمودي ، ف: مفر جديد ، همشهري (8 اغسطس 2002)
[31] لمقارنة معمقة بين اراء سروش ، شبستري ، وكديور
واهميتها ضمن النقاشات الراهنة في ايران ، انظر:
Sadri, M. ‘Sacral Defense of Secularism: The Political Theologies of
Soroush, Shabestari, and Kadivar’, in International Journal of Politics,
Culture and Society, vol. 15, no. 2, (Winter 2001), pp. 257-270.
[32] شبستري ، محمد: نقدى بر قراءت رسمى از دين ، (تهران 2000) ، ص 186
[33] شبستري ، المصدر السابق ، ص 192
[34] گنجى ، اكبر: تلقي فاشستى از دين وحكومت ، (تهران 1999) ، ص 34
[35] Coker, Francis, Readings in Political Philosophy, (New York,
1938), p. 684.
[36] Elson, Ruth M., Guardians of Tradition: American Schoolbooks of the
Nineteenth Century, (Lincoln, NE, 1964), p. 286.
[37] Scruton, op. cit., p. 476.
[38] Held, David, Models of Democracy, (Cambridge 1997), pp.
90-93.
[39] يبدو ان معظم الجدل المعاصر في السياسة
الاسلامية حول التعارض بين حاكمية الله وسيادة الشعب يرجع الى الصياغات التي
اقترحها السياسي والمفكر الهندي ابو الاعلى المودودي في منتصف القرن العشرين .
انظر بهذا الصدد:
. Mawdudi, A., ‘Political Theory of Islam’, in J. Donohue and J.,
Esposito, Islam in Transition, (New York, 1982) 252-260, p. 258.
وحصلت الفكرة على رواج اكبر ولا سيما بين
الحركيين الاسلاميين ، بعدما اعاد طرحها المفكر المصري سيد قطب . انظر بهذا الصدد:
سيد قطب: معالم في الطريق ، ص 62 .
[40] حجاريان ، سعيد: جمهوريت: افسون زدايي از قدرت ،
(تهران 2000) ، ص 754.
[41] حجاريان: المصدر نفسه ، ص 190
[42] منتظري ، حسين علي: نظام الحكم في الاسلام . (قم
2004) ، القسم الخامس ، الفصل الثالث . ن. إ. روجع في 20 يوليو 2004 : www.montazeri.ws/Farsi/Nezam/html/0006.htm#0017
[43] بشيريه ، حسين: جامعه مدنى وتوسعه سياسى در
ايران ، (تهران 1999) ، ص 103
[44] Schweitzer,
Arthur, ‘Theory and Political Charisma’, Comparative Studies in
Society and History, vol. 16, no. 2. (Mar., 1974), 150-181, p. 159
[45] يزدى ، ابراهيم: سه جمهورى
، (تهران 2001) ، صص 101-102
[46] روحانى ، حسن: درآمدى بر مشروعيت وكارآمدى ،
راهبرد ، العدد 18 (شتاء 2001) ، 6-36 ، ص 27
[47] انظر يزدي: المصدر السابق . ايضا: خاتمي ، محمد:
توسعه سياسى (تهران 2000) ، ص 43 . ايضا: سروش: فربه تر از ايديولوجى (تهران 1999)
، ص 282
[48] منتظري ، حسين علي: دراسات في ولاية الفقيه ،
(بيروت 1988) ، ج 1 ، ص 493
[49] منتظري: المصدر نفسه ، ص
527
[50] منتظرى: ولاية فقيه وقانون
اساسى ، الفصل الثالث ، (قم 1998) . ن. إ. روجع في اكتوبر 2003:
www.montazeri.com/html/books/akhar/velayat/velaya01.html#link2.
[51] صانعى، يوسف: حديث في المدرسة الفيضية ، قم ،
ايسنا (2 يناير 2003)
[52] شبسترى: نقدى .. مصدر سابق ، ص 150
[53] اشكورى ، حسن: خرد در ضيافت دين ، (تهران 1999)
، صص 110-112
[54] سروش: رازداني، روشنفكري ، ودينداري ، (تهران
2000) ، ص 68
[55] النائيني ، محمد حسين: تنبيه الامة وتنزيه الملة
، في السيف ، توفيق: ضد الاستبداد ، (بيروت 1999) ، ص 254-255
[56] النائيني: المصدر نفسه ، صص 301-327
[57] النائيني: المصدر نفسه ، ص 285
[58] يعتبر موقف المرجع الاعلى اية الله السيستاني من
التطورات السياسية بعد سقوط صدام حسين ، مثالا جيدا على هذا المنحى. فقد رفض
السيستاني اي دور محدد سلفا لاي طبقة بما فيها رجال الدين في الحكومة العراقية
الجديدة. وأكد دائما على ان الانتخابات
العامة هي الطريقة الوحيدة لضمان شرعية السلطة والوصول الى المناصب العامة . انظر:
Rory McCarthy, ‘The
Rise of the Cleric with all the Answers’, The Guardian (Jan., 16, 2004) e.
edition: www.guardian.co.uk/Iraq/Story/0,2763,1124233,00.html.
المثال الاخر هو نظرية ولاية الامة على
نفسها التي طرحها اية الله شمس الدين ، زعيم الشيعة في لبنان. انظر بهذا الصدد:
شمس الدين ، محمد مهدي: نظام الحكم والادارة في الاسلام ، (بيروت 1991) صص 416-460
[59] خاتمي: توسعه سياسي ، ص 81
[60] منتظري: خاطرات ، الفصل العاشر . ن.إ. روجع في
ابريل 2004: www.montazeri.com/html/books/khaterat/KHATER50.htm#link414
[61] Beetham, David, The Legitimation of Power, (London 1991), p. 213.
[62] بشيريه: المصدر السابق
، ص 89
[63] اعتبر هنتينجتون
الحراك الاجتماعي mobilisation الاشارة الاولى على الانتقال الى
الحداثة ، لكنه حذر في الوقت نفسه من ان هذا الحراك قد يقود الى صعود انفجاري
للتطلعات والامال غير القابلة للتحقيق على وجه السرعة ، ولذا يجادل بانه ما
لم يعجل النظام السياسي في تطوير بنيته المؤسسية ، فان تلك التطلعات سوف تتحول الى
احباطات وتفتح الطريق امام صعود الدكتاتورية . Huntington,
S. ‘Political Development and Political Decay’.
World Politics, vol. 17, issue 3, (Apr., 1965), 386-430. p. 405
[64] Lerner, Daniel, The Passing of Traditional Society, (New
York 1965), p. 51.
[65] مرادى ، حسن: خودمداري ايرانيان ، (تهران 2001)
، ص 202
[66] زيبا كلام ، صادق: ما
چگونه ما شديم ، (تهران 1996) ، ص 112
[67] Katouzian, Homa, ‘The Aridisolatic Society: A Model of Long-Term
Social and Economic Development in Iran’, International Journal of Middle
East Studies, vol. 15, no. 2 (May, 1983), 259-281, p. 270.
[68] Katouzian, ibid.,p. 265.
[69] Lerner, op. cit., p. 362.
[70] Lerner, ibid., pp. 50-51.
[71] Shambayati, Hootan, ‘The Rentier State,
Interest Groups, and the Paradox of Autonomy: State and Business in Turkey and
Iran’, Comparative Politics, vol. 26, no. 3. (Apr., 1994), 307-331, p. 319.
[72] Binder, Leonard, Islamic Liberalism, (Chicago, 1988), p. 5.
[73] Esposito, J., and Voll. J., Islam
and Democracy, (Oxford, 1996), p. 64.
[74] طبقا لجلايي پور فان المحافظين بدأوا في استعمال
تعبير "الديمقراطية الدينية" بعد احدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 المشهورة
، في محاولة لتمييز انفسهم عن التيار المتشدد المرتبط بتنظيم القاعدة وزعيمها
اسامة بن لادن . جلايي پور: "دمكراسى ديني محافظه كارانه واصلاح طالبان"
، ياس نو، (5 فبراير 2004) ، ص 2.
[75] انظر مثلا تصريحات اية الله خزعلي . ايسنا (5 فبراير 2003) .
[76] آفتاب ، العدد 22 (فبراير
2002) ، ص 22
[77] مصباح يزدي: "حكومت
ومشروعيت" ، كتاب نقد ، العدد 7 ، (صيف 1998) ن. إ.:
www.hawzah.net/Per/Magazine/KN/007/kn00703.htm
[78] خاتمي ، محمد: آيين وانديشه در دام خودكامگى ،
(تهران 2001) ، ص 434
[79] حجاريان : جمهوريت ، مصدر سابق ، ص 726-8.
[80] شبسترى : "مردم سالاري جيست ؟"، آفتاب
، العدد 7 ، (اغسطس 2001) ، ص 4
[81] خاتمي: از دنياي شهر تا شهر دنيا ، (تهران 2000) ، ص 285
[82] خاتمي : المصدر نفسه، صص 271-283
[83] خاتمي : توسعه سياسى ، ص 44
[84] علوي تبار ، المصدر السابق ، ص 124-5 . وقدم سروش
اطروحته في العام 1991 ، وجاءت في سياق محاضرة امام مؤتمر عن حقوق الانسان عقدته
وزارة الخارجية . ونشر لاحقا نسخة منقحة من هذه المحاضرة في كتابه "فربه تر
از ايديولوجي" ، صص 273-283.
[85] انظر مثلا : ديهيمي ، خشايار : "مردم
سالاري ديني بدعت در علم سياست" ، افتاب ، العدد 22 (يناير 2003) ص 27
[86] كديور ، محسن
: "مردم سالاري ديني " ، طبرستان سبز ، العدد 15، (22 سبتمبر
2001) ، صص 5-7 . ن. إ.:
www.kadivar.com/htm/farsi/papers/paper006.htm
[87]
شبستري : مردم سالاري ، مصدر سابق ، ص 4.
[88] سروش : فربه تر .. ، مصدر سابق ، ص 269
[89] سروش : المصدر نفسه ، ص 279
[90] علوي تبار : المصدر السابق
[91] كديور ، محسن : دغدغهاي
حكومت ديني ، (تهران 2000) ، ص 261
[92] انظر مثلا تحليل محمدي عن حزب الله كنموذج للفهم
الشعبوي للمشاركة السياسية في ايران . محمدي ، مجيد : جامعه مدنى ايران ، (تهران
1999) ، صص 101-112
[93] كديور : مردم سالاري ، مصدر سابق
[94] خاتمي : توسعه .. مصدر سابق ، صص 47-50
[95] جلايي بور : بس از دوم خرداد ، مصدر سابق ، ص
233
[96] شبسترى : نقدى .. مصدر سابق ، ص 108
[97] سروش : بسط تجربه .. مصدر سابق ، ص 361
[98] حجاريان : از شاهد قدسى ، ص 132-4
[99] شبسترى : المصدر السابق ، ص 108
[100] كديور : مردم سالاري .. مصدر سابق
[101] شبسترى : المصدر السابق ،
صص 112-7
[102] سروش : فربه تر .. مصدر سابق ، ص 280
[103] علوي تبار : المصدر السابق ، ص 29 . للمزيد حول موقف المفكرين من
التراث الديني ، انظر :
Shils, E., ‘Tradition’ Comparative Studies in Society and History,
vol. 13, no. 2, (Apr., 1971), pp. 122-159.
حول العوامل الظرفية المؤثرة في خيارات
المفكرين الاجتماعية ، انظر :
Ringer, F., ‘The Intellectual Field,
Intellectual History, and the Sociology of Knowledge’, Theory and Society.
vol. 19, no. 3. (Jun., 1990), pp. 269-294.
[104] Ansari, (2004), op.
cit., p. 274.
[105] Cited in Gerring, J., ‘Ideology: A Definitional Analysis’, Political
Research Quarterly. vol. 50, no. 4. (Dec., 1997), 957-994 , p. 958.
قارن مع المعالجة النقدية التي قدمها
اكبر كنحي ، في كنجي : المصدر السابق، ص 76
[107] سروش : رازداني ، مصدر سابق ، ص 124
[108] سروش : المصدر نفسه ، ص 80
[109] بالمقارنة ، فان سعيد حجاريان يساوي بين الدين
الرسمي والدين المدني كما عرضه روسو ، ويجادل بان تحول الدين على هذا النحو يمثل
قدرا لا يمكن الحيلولة دونه في بلد مثل ايران . حجاريان : از شاهد قدسى ، ص 151
[110] On Shari‘ati’s thought, see Akhavi, ‘Shari‘ati’s
Social Thought’, in Keddie, N., Religion and Politics in Iran, (New
Haven 1983) pp. 125-144.
[111] Shari‘ati, Ali, Islamology: the Basic Design for a School of
Thought and Action, e. edition, retrieved on Jun., 2004 from:http://shariati.com/islamgy2.html.
[112] سروش : فربه تر .. مصدر
سابق ، ص 125
[113] سروش : المصدر نفسه ، ص 49
[114] سروش : المصدر نفسه ، ص 53
[115] سروش : رازداني .. ، ص 51
[116]
شبسترى : نقدى .. مصدر سابق ، ص 31
[117] Achtemeier, Paul, An Introduction to the New Hermeneutic, (Philadelphia, 1969)., p. 11
[118] Seung, T., Semiotics and Thematics in Hermeneutics, (New York,
1982), p. 173.
[119] Cited in Seung, ibid., p. 189.
[120] شبسترى : هرمنيوتيك ، كتاب وسنت ، (تهران 2000)
، ص 48
[121] شبسترى: المصدر نفسه ، ص 66
[122] شبسترى :
نقدي .. ص 65
[123] شبسترى : هرمنيوتيك .. ص 88
[124] شبسترى : نقدي .. ، ص 50
[125] كديور : مردم سالاري .. ، مصدر سابق
[126] علوى تبار : مصدر سابق ،
ص 25
[127] حجاريان : از شاهد ..، ص 89
[128] حجاريان ، نفس المصدر
السابق ، ص 87
[129] نشر حجاريان مقالته "فرايند عرفى شدن فقه شيعي" للمرة
الاولى في مجلة كيان ، العدد 24 (ابريل 1996) ثم اعاد نشرها في كتابه "از
شاهد قدسي" ، صص 69-91
[130] حجاريان : نفس المصدر ، ص
96-108
[131] لعل اية الله الخميني هو اكثر من شدد على
التطابق بين الدين والسياسة ، فكثيرا ما ردد عبارة "ديننا عبادته سياسة
وسياسته عبادة" المنسوبة الى السيد حسن مدرس ، السياسي والزعيم الديني الذي
اغتيل على يد الشاه الاسبق رضا بهلوي في 1937.
[132] حجاريان : المصدر السابق ،
صص 94-5
[133] شبسترى : نقدي ..، ص 227
[134] يشير مفهوم "الدين
المدني" حسب كسلر الى (دين يخدم اغراضا دنيوية ، مقارنة بالدين الذي ينحصر في
خدمة اغراض غيبية او اخروية) . انظر Kessler, Sanford ‘Tocqueville on
Civil Religion and Liberal Democracy’, The Journal of Politics, vol. 39,
no. 1. (Feb., 1977), pp. 119-146.
[135] حجاريان : "هنجارهاي بي ارزش ، ارزش هاي بي
هنجار" ، نوروز (7 مارس 2002)
[136] سروش : بسط تجربه .. ،
ص 162
[137] سروش : المصدر نفسه ، ص 364
[138] Monshipouri,Mahmood, Islamism,
Secularism and Human Rights in the Middle East, (London, 1998), p. 10.
[139] حجاريان : تاوان اصلاحات ، (تهران 2001) ، ص 65
[140] حجاريان : از شاهد قدسي ،
ص 88
[141] علوي تبار : المصدر السابق ،ص 192
[142] لتفصيلات حول هذه النقطة ،
انظر محبي : "نظريه دين حد اكثرى" ، نقد ونظر ، السنة السادسة ، العدد
1-2 ، (شتاء 1999) ، ن.إ.: www.hawzah.net/Per/Magazine/NN/021/nn02107.htm . انظر ايضا نقد اية الله
سبحاني لنظرية "دين حد اقلي" : سبحاني، جعفر : "ويجگيهاي علم
فقه" ، ن. إ.: www.balagh.net/persian/feqh/maqalat/koliyat/29.htm
[143] سروش : بسط تجربه ..، صص 83-112
[144] سروش: المصدر نفسه ، ص 361
[145] خاتمي ، محمد : بيم موج ،
(تهران 1992) ، ص 148
[146] شبستري : المصدر نفسه ، ص 31
[147] شبسترى : المصدر نفسه ، ص 50
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق