جاري في هذه الصفحة الأستاذ
عبد الله القفاري ، صياد أفكار لا يشق له غبار ، وقد تحدث الثلاثاء المنصرم عن
الحاجة إلى طريق ثالث ، بديل عن الاشتراكية التي فقدت صلاحيتها ، والليبرالية التي
تتكشف عيوبها ، ولا يبعد ان تواجه مصير أختها في وقت قريب ، وهو طرح اقترحه في
صورة سؤال يفيد تقرير الجواب ، على طريقة المتنبي في قوله :
وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل
عبد الحميد الابراهيمي |
فكرة الطريق الثالث التي
تحدث عنها بعض المفكرين في الغرب ، هي اصلاح لليبرالية بادماج بعض فضائل
الاشتراكية ضمن نسيجها ، وهو يقتضي تعديل بعض ما قامت عليه من أسس ، ولا سيما في
موضوع العلاقة بين الفرد والمجتمع ، والعلاقة بين المجتمع والدولة ، وإعادة النظر
في دور الدولة وتعريفها الوظيفي ، وهي فكرة خلفيتها اعتبار الليبرالية نهاية
حقيقية للتاريخ ، وتقرير لها كأيديولوجيا نهائية للبشرية ، حتى لو اعترض البعض على
اعتبارها أيديولوجيا
.
لكن الاستاذ القفاري يدعونا
إلى طريق ثالث نبدعه أو نشارك في إبداعه ، بغض النظر عما يسعى اليه توني بلير ،
الذي يريد ارتداء عباءة المنظرين ، بعد ان
شارك بكفاءة في إبعاد حزبه عن النظرية ، وتحويله إلى حزب سياسي صرف .
والمفهوم من سياق الكلام ،
ان القفاري سيتوصل إلى ان الاسلام هو الطريق الثالث المقترح ، وهي فكرة سبقه اليه كثير من الكتاب في العالم الإسلامي ،
بعضهم بطروحات مجردة هي أقرب إلى الدعوة ، منها إلى اثبات المدعى ، وقليل منهم كلف
نفسه عناء عرض الأدلة التي تناسب القضية ، ومن المساهمات الحديثة التي لفتت نظري ،
دراسة رئيس الوزراء الجزائري السابق ، د. عبد الحميد براهيمي (العدالة الاجتماعيةوالتنمية في الاقتصاد الإسلامي) الصادرة في سبتمبر 1977 عن مركز دراسات الوحدة
العربية ، التي حاول فيها تحديد أطراف الموضوع ، الذي سيكون مجالا للبحث في أي
دراسة لاحقة حول فرص اشتغال نظرية العدالة الاجتماعية ، وقد أصاب في هذا الاختيار
، لأن العيب الاساسي في أكثر الدراسات والدعوات التي عالجت القضية ، هو عدم تحديد
الموضوع ، ومعالجة قضايا في غاية السعة والتشعب ، هي عند التحديد العلمي موضوعات
كثيرة ، لا يمكن ان تدرج في بحث واحد ، أو ان يقترح لها ضابط أو نظام واحد للبحث .
عدا عن هذا الاستطراد ، فقد
لفت نظري في مقال الاستاذ القفاري مسمى (الطريق الثالث) وكنت اتساءل في نفسي كلما
قرأت مساهمة حول الموضوع : هل ينبغي حقا التفكير في طريق ثالث ؟ .
المسلمون الذين سبق لهم
الدعوة إلى طريق ثالث ـ معظمهم على الأقل ـ افترضوه شيئا جديدا ، مستقلا ومختلفا
عن الطروحات السائدة ، الليبرالية والاشتراكية وما هو تجميع من هذي وتلك ، وهذا
الاقتراح يثير إشكالين كبيرين :
الأول : هل لدينا مشروع
اسلامي جاهز ليحل مكان أحد الطريقين؟.
الثاني : على افتراض ان
الاسلام هو الطريق الثالث ، فما هو حجم الفجوة التي تفصله عن كل من الطريقين
السابقين ، وهي فجوة تتضح خصوصا في حال الانتقال ، وليس بعيدا عنا ما حدث في روسيا
منذ أن بدات الانتقال من الاشتراكية إلى الليبرالية ، في بداية التسعينات ، وهي
فجوة تحولت إلى هوة قاتلة ، ما تزال تحصد الضحايا حتى هذا اليوم .
والمراد من السؤال الأول ،
تقرير ان ثمة فرق بين مشروع العمل الذي يقوم على فلسفة الاسلام وفي إطاره ، وبين
صورة الاسلام المتداولة عند عامة المسلمين وكثير من الدعاة ، وهي صورة تميل بشدة
نحو التبسيط ، ان صورة الاسلام التطبيقي في أذهاننا ، هي تركيب غير تاريخي لبعض
مشاهد التاريخ ، وعامل التركيب الذي جمع بين هذه المشاهد ، هو الشوق إلى تصور
المثال ، وليس المعرفة أو الدليل ، ولا يخفى اننا بحاجة إلى فقه جديد ، متصل مع
العصر وتحدياته ، لا سيما في المجالات التي أهملها الفقه التقليدي .
أما المراد من السؤال الثاني
، فهو تقرير الحاجة إلى طرح المشروع الإسلامي المعاصر ، باعتباره متصلا ومتواصلا
مع تجربة الانسان المعاصر ، وليس إقحاما للتاريخ في الحاضر ، ونحتاج هنا إلى إعادة
فهم المشروع الإسلامي ، باعتباره حلقة أعلى في مسيرة البشرية ، وليس قفزة خارج هذا
المسار ، ويؤول تقرير هذا الفهم إلى احترام ما توصل اليه الانسان من معرفة لذاته
وللطبيعة ، وتقرير لمكانته بين مجمل المخلوقات ، وفي مقابل أخيه الانسان ، واعتبار
محصلة هذه المعرفة ، أساسا يسهم في حمل المشروع ، ضمن هذا الفهم فقد لا نكون بحاجة
إلى طريق ثالث ، بل إلى استكمال ما ينقص منظومة افتراضية ، نتفق على اعتبارها نقطة
الاتصال بين ما هو سائد وما هو مطلوب.
مقالات ذات علاقة
هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟
النموذج الصيني في التنمية
العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص
عدالة ارسطو التي ربما نستحقها
الغول
الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز
مجتمع العقلاء
التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة
معالجة الفقر على الطريقة الصينية
من دولة الغلبةالى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي
النموذج الصيني في التنمية
العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص
عدالة ارسطو التي ربما نستحقها
الغول
الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز
مجتمع العقلاء
التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة
معالجة الفقر على الطريقة الصينية
من دولة الغلبةالى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق