وزير التجارة تنصل من المسؤولية لأن الجامعة لم تطلب ترخيصا، وهذه نفضت عباءتها أيضا لأن صناعة السيارات ليست من وظائفها. هكذا جرى الأمر ببساطة.
لكن
"غزال" لم تكن مجرد سيارة صممت في جامعة سعودية. بل كانت خشبة إنقاذ
لآمال وتطلعات حكم عليها بالخيبة والخذلان. الحماسة التي رافقت إعلان الجامعة عن
التصميم، ورعاية الملك الشخصية لحفل التدشين، وعشرات الملايين التي صرفت على إنتاج
النسخة الأولى "وعلى الإعلانات الصحفية والاحتفال" كانت استجابة لشعور
عميق يعرفه قادة البلد مثل جميع السعوديين، شعور يعبر عنه السؤال المزمن: لماذا
عجزنا عن إنتاج أي شيء يثير الاهتمام؟
منذ 1971 وضعنا
تسع خطط تنموية، وتخرج في جامعاتنا آلاف المهندسين، وأنفقنا مئات المليارات على
استيراد ملايين المركبات والمكائن، لكنا لا نزال نستوردها اليوم كما كنا نفعل قبل
نصف قرن.
هذا ليس سؤالا
في الاقتصاد أو المالية. أنه سؤال في السياسة، فحواه ببساطة: هل يدرك كبار الإداريين
الهموم المنبعثة في داخل المجتمع السعودي، الهموم التي تتولد في نفوس الناس، حين
يواجهون بسؤال: لماذا نجحت دول أخرى، بعضها اقتصاده متواضع نسبيا، مثل المغرب
وتونس وتركيا في صناعة السيارات، وأخفقنا؟
هو سؤال عن
قدرة الإدارة الرسمية على فهم تطلعات المواطنين وهمومهم، وهو سؤال عن مدى اهتمام
الإداريين بتنفيذ ما قررته الحكومة سلفا لتنمية البلد وصناعة مستقبلها.
أتفق تماما مع
إدارة الجامعة في أن صناعة السيارة ليست من مسؤولياتها، وأتفق تماما مع وزير
التجارة في أن مهمته ليست إنشاء المصانع. لكن الذي يثير الريبة ليس هذه الأشياء.
ما يثير الريبة هو أن إدارة الجامعة كانت قد وعدت في 2010 بأنها ستشارك في تأسيس
شركة تقيم مصنعا، وحددت موعدا للبدء في الإنتاج. فهل كانت هذه مهمتها قبل ثلاثة
أعوام، أم كانوا يجهلون مهماتهم يومذاك، أم أرادوا ببساطة بيع الوهم على الناس؟
وزير التجارة
يثير الريبة ــــ والحنق أيضا ــــ بتملصه الذي يبدو مقصودا من الإجابة عن
مسؤوليته في توطين الصناعة، وتطبيق مقولات خطط التنمية الخمسية، التي تتضمن مثلا
"توسيع قاعدة الإنتاج الوطني" و"توطين التقنية" و"تشجيع
الاستثمار المحلي"، أي الأسئلة التي تتعلق بمستقبل البلد، الأسئلة التي تمثل
تطلعات وانشغالات لمعظم المواطنين. لم يقل الوزير إن وظيفة الوزارة تحولت من تنمية
البلد إلى إصدار التراخيص، لكن جوابه يشي بهذا المعنى. وكان الأجدر به أن يخبرنا
عن الأسباب التي تعطل قيام صناعة سيارات، في بلد يستهلك نحو مليون سيارة سنويا. هل
هو شريك في هذا التعطيل أم ثمة أسباب وعوامل لا يعرفها أو لا يريد الإفصاح عنها؟