‏إظهار الرسائل ذات التسميات يوسف ابا الخيل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات يوسف ابا الخيل. إظهار كافة الرسائل

27/04/2022

مهابهاراتا.. أعظم ملحمة في تاريخ الانسان


في كتابه الشهير "الاورغانون الجديد" قرر فرانسيس بيكون ان "أصنام السوق" هي أسوأ العقبات التي تعيق  التفكير السليم. و"اصنام السوق" كما ذكرت في المقال السابق هي الكلام المتداول بين الناس ، وتعبيراتهم عن فهمهم للطبيعة والعالم واللغة التي يستعملونها في وصف وتفسير المجردات.

وقد رأى بيكون ان "اللغة" ليست مجرد أداة للتفاهم والتواصل بين الناس  ، بل هي "محدد" للأفكار المتداولة. فالكلمات ليست محايدة ، بل مشحونة بالمعاني والعواطف التي تشير لنقاط توافق بين الملقي والمتلقي. ولهذا يرتاح الناس لبعض ما يلقى عليهم ، سواء كان مكتوبا او لفظيا او حتى مصورا بالقدر الذي يوحي تماما بالفكرة ، ويتفاعلون معه ، او على العكس يتلقونه بانزعاج ويرفضونه.

اني اقدر تماما المبررات التي حملت الفيلسوف الشهير على اعتبار "اصنام السوق" اكثر أهمية. لكن حين أنظر الى تجربة فعلية في المجتمعات الشرقية ، فاني أجد ان جانبا هاما من الكلام المتداول والأعراف السائدة في عصرنا ، هي امتداد للكلام وانماط التفكير التي سادت في قرون ماضية. بعبارة أخرى فان الجانب الأهم من تداولاتنا الثقافية الراهنة ، هي تكرار لتداولات قديمة أو إعادة انتاج لأبرز عناصرها في صيغ واطارات جديدة. وبناء على هذا التحليل ، فان الأصنام الأكثر تأثيرا في المجتمعات الشرقية على وجه الخصوص هي "أصنام المسرح" ، التي تشير لتأثير الأسلاف.

لقد كنت أمر اليوم على كتابات سابقة ، فذكرتني إحداها بقصة "المهابهاراتا" وهي أعظم الملاحم الشعرية التي عرفها تاريخ العالم. لقد شاهدت بعض حلقات المسلسل التلفزيوني المبني على هذه القصة. لكني لم اطلع على نصها المكتوب. تتألف هذه الملحمة المكتوبة بالسنسكريتية ، لغة الهند القديمة ، من 100  ألف بيت شعر ، إضافة لقطع نثرية تروي حوادث وحكما ونصائح ، فضلا عن تعاليم العقيدة الهندوسية. ويبلغ حجمها الإجمالي نحو 1.8 مليون كلمة.

للمهابهاراتا تأثير عميق على ثقافة الجمهور في الهند ، نظرا لمزجها الفريد بين العقائد الدينية والمقولات الفلسفية ، وبين قصص ابطال التاريخ الحقيقيين والاسطوريين ، الأمر الذي حولها من أسطورة الى ما يشبه نصا مقدسا ، او - على الأقل - شيئا من ظلال النصوص المقدسة.

لقد تساءلت مرارا: ما الذي يجعل الناس ، لا سيما المتعلمين منهم ، يستأنسون بقراءة هذه الملحمة ، ويرتاحون للاستماع اليها ، او مشاهدة التمثيل المتخيل عن حوادثها؟.. هل يجدون انفسهم في طياتها ، ام يتمنون ان يكونوا بين رجالاتها ، ام يودون استعادة مجرياتها في زمنهم الحاضر؟.

كان ذهني مشغولا بهذه الأسئلة حين مررت بتغريدة للأستاذ يوسف أبا الخيل دون فيها ملاحظة صادمة ، يقول فيها ان السنة والشيعة المعاصرين ، لازالوا منخرطين في خصومات اسلافهم ، رغم انه لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وان ضرورات حياتهم المعاصرة توجب ان يركزوا على تنمية مجتمعاتهم ، بدل الانشغال بما جرى في الماضي.

بعدما توقفت عند هذه الملاحظة ، وجدت أن سؤالي السابق عن علاقة الجمهور الهندي بقصص "المهابهاراتا" يتطابق تماما مع واقعنا كمسلمين. فنحن أيضا منغمسون في تاريخنا ، في انتصاراته وهزائمه ، في جمالاته ومكائده ، في أساطيره ورواياته ، حتى ليخيل للإنسان انه يشارك في تمثيل تلك المسرحية الطويلة ، بل لعله يرى فيها ذاته الحقيقية ، مع انها منفصلة تماما عن واقعه ومتطلبات حياته.

اليس هذي هو الصورة الكاملة لتأثير "أصنام المسرح" التي تحدث عنها فرانسيس بيكون؟. السنا نعيد تمثيل تاريخ اسلافنا ، بما فيه من أفكار وحكم وأساطير وأخبار وأشخاص ، بدل ان نصنع واقعا جديدا ينتمي الينا والى حاجاتنا وتطلعاتنا؟.

الشرق الأوسط الأربعاء - 26 شهر رمضان 1443 هـ - 27 أبريل 2022 مـ رقم العدد [15856]

https://aawsat.com/home/article/3614251/

مقالات ذات علاقة

أصنام الحياة

الخروج من قفص التاريخ

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

سجناء التاريخ

الصنم الخامس

 عـلم الوقـوف على الاطـلال

العودة إلى ثقافة الزمن المنقضي

 فضائل القـرية وحقائق المدينة

 في مبررات العودة الى التاريخ

كهف الجماعة

كيف تكون رجعيا.. دليل مختصر

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد

22/09/2021

جدل اليوم وكل يوم

 

أكثر الجدالات سخونة في العالم العربي اليوم ، يتناول دور الدين في الحياة العامة ، وعلى الخصوص في ادارة الدولة وعملها اليومي.

لكل بلد عربي قائمته الخاصة من الازمات الصغيرة او الكبيرة ، من الفقر الى البطالة واضطراب الامن وتعثر النمو ، وضعف المشاركة السياسية وغياب الحريات المدنية..الخ. ومع كل هذه المشكلات فان ما يسمى "الاسلام السياسي" بشعاراته وشخوصه وجماعاته وتاريخه ، لازال مادة أثيرة للجدل ، بل لا أبالغ لو قلت انه يفوق كل الازمات الاخرى ، في جاذبيته لاهتمام الجمهور ونخبته على السواء. وان اردت التحقق من صدقية هذا القول ، فانظر مواقع التواصل الاجتماعي في أي قطر عربي ، او انظر صحافته ، وسترى انه نادرا ماتخلو صحيفة من اخبار او نقاشات تتصل ب "الاسلام السياسي".

تضخم اهتمام الناس على هذا النحو ، لايعني بالضرورة انهم يشبعون الموضوع بحثا وتحليلا ، بل على العكس تماما: فهذا نوع من القضايا التي كلما زاد الكلام فيها ، زاد غموضها واختفت معالمها ، وتعددت مذاهبها ، فلا يمكن لخبير طرقها ، دون ان يقابل من يعرقل سعيه او يستشكل عليه بما يصح وما لايصح ، فضلا عن اتهامه في مكنونات نفسه ونواياه. ومن هنا بات النقاش فيها اقرب الى السير على الشوك.

وقد لفت نظري هذا الاسبوع ماقاله الأستاذ يوسف ابا الخيل ، الكاتب السعودي المعروف (18-سبتمبر-2021) فقد كتب اولا على تويتر ، منصة التواصل الاجتماعي: "ما يهمك مني هو كيفية تعاملي معك ومدى التزامي بواجبات المواطنة ... اما مذهبي فهو بيني وبين خالقي". في اليوم التالي كتب ابا الخيل تعليقا على كثرة الردود المسيئة: "كمية الردود المتشنجة على هذه التغريدة ، توضح أنه لا يزال بيننا وبين معرفة واجبات المواطن في الدولة المدنية الحديثة ، مسافات ضوئية". ان معظم الردود المسيئة (والشتائم) جاءت من اشخاص يزعمون الدفاع عن الدين الحنيف ، مع ان التغريدة لا تمس الدين من قريب ولا بعيد.

ويظهر لي ان تضخم الموضوع المذكور لا ينبيء عن اهتمام معرفي ، بل هو انفعال عاطفي سلبي ، سببه فيما أظن ، هو انعكاس المسار وما تبعه من خيبة الأمل.

بيان ذلك: ان الجمهور العربي (في المجمل) كان يتطلع لنخبة جديدة تولد من رحم الربيع العربي. ومثل كل الحالمين ، تخيل الناس ان هذه النخبة ستكون عارفة بالحكم ، نظيفة الكف ، متواضعة النفس ، وزاهدة في السلطة. وحين نظروا للساحة ، اعتقدوا ان من يرفع شعار الاسلام ويلبس ثيابه هو الأجدر بحمل تلك الأوصاف. ولهذا حصل رموز الاسلام السياسي وقادته على دعم لا سابق له.

لكن سرعان ما انعكس المسار ، فقد ظهر ان النجوم الجدد لم يكونوا عارفين بالحكم ولا زاهدين في السلطان ، ولا قادرين على علاج مشكلات الانتقال الى نظام تشاركي. ونعرف ما حصل لاحقا في مصر وتونس والسودان والمغرب والعراق وغيرها ، حين انقلب الجمهور وذهب في الاتجاه العكسي.

تخلي الجمهور عن التيار الاسلامي مثل دعمه سابقا ، لم يكن ثمرة نقاش علمي أو واقعي ، بل هو – مثل سابقه – انفعال أملاه الشعور بالاحباط وخيبة الأمل. ولهذا السبب تحديدا ، فانه لم يؤد الى تفريغ مخزون القلق على المستقبل ولم يعزز اليقين في الذات الجمعية. ان استمرار الاضطراب الداخلي والهجرات الجماعية ، هو اوضح مؤشر على الارتياب العميق في مسارات السياسة القائمة.

حين يتناقش الناس في قضايا الاسلام اليوم (حتى في امور العقائد والعبادات بل حتى التاريخ) فانه سرعان ما ينفتح عليهم مخزون القلق ، الذي تحول الى قلق على الدين وعلى الهوية الجمعية ، مع انه كان في الاصل مجرد انعكاس لازمات سياسية ، لا علاقة لها بالدين.

الشرق الاوسط الأربعاء - 15 صفر 1443 هـ - 22 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15639]

https://aawsat.com/node/3202221

مقالات ذات علاقة

 

اقامة الشريعة بالاختيار

ان تكون سياسيا يعني ان تكون واقعيا

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

توفيق السيف في مقابلة تلفزيونية حول الربيع العربي وصعود التيار الاسلامي

جدل السياسة من الشعارات الى البرامج

حاكمية الاسـلام … تحــولات المفـهــوم

الحد الفاصل بين الاسلام و الحركة

الحركة الاسلامية ، الجمهور والسياسة

الحركة الاسلامية: الصعــود السـر يـع و الا سئـلة الكبرى

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

الديمقراطية والاسلام السياسي

سلع سريعة الفساد

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

مشروع للتطبيق لا تعويذة للبركـة

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني

من الحلم الى السياسة

نقد المشروع طريق الى المعاصرة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...