‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابو يعلى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابو يعلى. إظهار كافة الرسائل

12/01/2022

المعرفة الدينية صورة عن زمن الناس

 من طبائع الأمور ان يكون "علم الدين" اكبر حجما من النص الديني. لأن الشرح والتفسير اوسع دائما من النص المراد شرحه وتفسيره.

هذ الأمر جار في كافة العلوم والفنون. انظر مثلا الى "المعلقات السبع" التي اشتهرت في الجاهلية. انها سبع قصائد ، تحويها ثلاثون صفحة على الأكثر. لكن شروحاتها والابحاث التي كتبت حولها تتجاوز – حسب ما قرأت - ثلاثين كتابا. ولعلها تزيد عن ذلك. انظر ايضا الى كتاب جون رولز "نظرية في العدالة" الذي ضم نظريته المشهورة في بضع صفحات ، لكن مبرراتها وأدلتها جاوزت الخمسمائة صفحة. اما ما كتبه باحثون آخرون حولها او تحت تأثيرها ، فقد تجاوز 100 كتاب ، فضلا عن مئات المقالات.

من هنا فليس غريبا ان تجد 300 تفسير للقرآن في اكثر من الف مجلد. اما كتب الفقه فعددها بالآلاف. وقد اطلعت على تطبيق الكتروني ، جمع ما يزيد عن الف مجلد لفقهاء من مذهب واحد ، فكيف بكتب الفقه كلها.

يوما ما ، في القرن السادس الميلادي ، كان علم الدين محصورا في الكتاب والسنة ، اي ما يعادل خمسة مجلدات (بمعايير اليوم). اما الآن ، فالمنشور في هذا الحقل يجاوز آلاف المجلدات.

ذكرت هذه المعلومات كتمهيد للقول بأن غالب النقاشات في الحقل الديني ، تتناول آيات الأحكام وأحاديث الأحكام ، اي الآيات والروايات التي تدل مباشرة على حكم شرعي. والمشهور ان الآيات المقصودة تبلغ 500 آية ، أي نحو 8 بالمائة من مجموع آيات القرآن. اما أحاديث الأحكام فقد نقل ابو يعلى الفراء عن الامام احمد بن حنبل انها 1200  أي نحو 15 بالمائة من مجموع ما يصنف ضمن الاحاديث الصحيحة.

معنى هذا الكلام ان تسعة أعشار ما يقال او يكتب في أمور الدين ينتمي الى دائرة "علم" الدين وليس الى الدين نفسه. انها بعبارة أدق حواش وشروحات وتفسيرات واجتهادات حول النص الديني ، وهي جهد بشري يتأثر بالمستوى العلمي لكاتبه او قائله ، وظرفه الزماني والمكاني ، وبمقدار ما يتوفر له من مراجع ، فضلا عن همومه وانشغالاته الذهنية. انها علم البشر وليست علم الله ولا هي عين الدين.

اما التوسع المستمر في علم الدين ، فمرجعه هو التحول المستمر في مجتمع الانسان ، في ثقافته واقتصاده ومنظوماته القيمية وسلوكياته. كل تحول يطرح أسئلة جديدة ، تستدعي اجتهادا جديدا ، فتضاف شروحات وتفسيرات ونقاشات جديدة.. وهكذا. ولعل ما كتب ونشر في حقل العلوم الدينية ، خلال الخمسين عاما الأخيرة ، يعادل جميع ما كتب منذ القرن السادس الميلادي حتى بداية القرن العشرين.

هذا المجموع الضخم ليس جزء من الدين ولا هو امتداد لمقدسات الدين ، بل هو علم انتجه البشر في سياق سعيهم لادراك الحقيقة او الاقتراب منها. والعجيب في الأمر ان بعض العامة يظن ان كتاب التفسير وكتاب الفقه وكتاب الحديث وكتاب العقيدة ، يظنها مقدسات ، ويغضب اذا انتقدها الناقدون او خطأوها. اما العلماء انفسهم ، سيما المتبحرين منهم ، فيرون النقد حياة للعلم وسببا في ازدهاره. وكم من النظريات الهامة في الحقل الديني اغفلت وكادت ان تموت ، لولا اقلام الناقدين التي كشفت عن تميزها ودقة مقولاتها.

ان تقديس العلماء وكتبهم يوشك ان يجمد علم الدين ، بل ربما يميته. بينما النقد يجدد حياته ويكشف عن زوايا فيه لم يطرقها السابقون. وعلى كل حال ، فان علم اليوم مثل علم الامس ، ليس دينا ولا هو امتداد للدين ، بل هو انعكاس لتجربة البشر الدينية ، وهي مجرد تعبير عن حياتهم وعصرهم ، لا اكثر ولا أقل.

الشرق الاوسط الأربعاء - 9 جمادى الآخرة 1443 هـ - 12 يناير 2022 مـ رقم العدد [15751]

https://aawsat.com/node/3408696/

مقالات ذات صلة:

تأملات في حدود الديني والعرفي/العلماني

التجديد القديم واخوه العصراني

التدين الجديد

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حلم العودة الى منبع النهر

حول اشكالية الثابت والمتغير

حول القراءة الايديولوجية للدين

داخل الدين.. خارج الدين

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

رأي الفقيه ليس حكم الله

طريق التجديد: الحوار النقدي مع النص

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

في علاقة الزمن بالفكرة

 في معنى الوصف الديني

لولا الخلاف في الدين لضاع العلم والدين

مسار التمايز بين الدين والمعرفة الدينية

المعنى الدنيوي لتجديد الدين

نسبية المعرفة الدينية

نقد التجربة الدينية

 

 

 

 

 

08/05/2019

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

انه خيار يبدو بسيطا. لكن عاقبته عسيرة جدا. ولهذا يتجنب غالبية الناس المخاطرة به. موضوع هذا الخيار هو الفكرة التي طرحتها في الاسبوع الماضي ، اي دعوى أن للانسان دورا في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

وقد عالجت الفكرة من زاوية مألوفة نوعا ما ، وهي كون العقل مصدرا للتشريع ، موازيا للمصادر الثلاثة الاخرى (الكتاب والسنة والاجماع). وقلت يومئذ ان القبول بدور العقل هذا ، والقبول بالعلم (البشري) اداة لتشخيص موضوعات القيم والتعاليم الدينية ، يعني – بالضرورة – ان الانسان شريك في وضع الاحكام الشرعية والقيم الدينية.

الذين يتبنون هذه الفكرة ، يرونها تعبيرا عن منطق الامور ، وليست خيارا نأخذه او نتركه. فحتى الذين يرفضون  دور العقل كمصدر مستقل للقيم الدينية ، مضطرون للقبول به كوسيط لتفسير مفهوم الحكم الشرعي وتحديد  موضوعه وكيفية تطبيقه.

من المفهوم ان كلا الفريقين يتحاشى الذهاب بالمسألة الى نهاياتها المنطقية. وبيانها على الوجة الآتي: النهاية المنطقية لقبول الدور التشريعي للعقل ، هو القبول بتهميش كبير او صغير لدائرة الاحكام التي ورد فيها نص في القرآن والسنة. لأن موضوعاتها زالت من الوجود او تغيرت بشكل جذري ، ووضع احكام جديدة لم ترد سابقا في اي نص.

اما النهاية المنطقية لرفض ذلك الدور ، فهي القبول بعدم وضع اي حكم جديد ، بالوجوب او بالتحريم ، على اي موضوع لم يذكر في الكتاب والسنة. لأن وضع الاحكام – حسب هذه الرؤية – حق لصاحب الشريعة (اي الرسول عليه الصلاة والسلام) دون غيره. وهذا يعني ان "جميع" المسائل الحديثة ، او ما يسمى بالنوازل ، تقع من حيث الاختصاص ، خارج نطاق التشريع. فلا يصح السؤال عنها ولا يجوز للفقهاء وضع احكام تخصها. كما لا يجوز لهم قياس مسألة جديدة على سابقة لها ، او حكم في موضوع على حكم قبله. لأنه من أنواع الاجتهاد ، الذي يؤدي – بالضرورة – الى ضم مسائل جديدة الى دائرة الشرعيات ، وابتكار حكم لها لم يرد في الكتاب والسنة. وهذه – وفق التعريف الدقيق – من وظائف الرسول لا الفقيه.

نعرف ان مجموع آيات الأحكام – وفق المشهور عند الفقهاء - لا يتجاوز 500 آية ، وان أحاديث الاحكام لا تزيد في أكثر التقادير  عن 1200 حديث. وهو نقل ابي يعلى محمد بن الحسين الفراء عن الامام احمد بن حنبل. الالتزام الدقيق بما ورد عن الرسول ، يستوجب ان لا يزيد العدد الأقصى للاحكام الشرعية ، بما فيها من واجبات ومحرمات ، عن مجموع الايات والاحاديث المذكورة ، اي نحو 1700 حكم.

ويترتب على هذا ان كل موضوع لم يسبق ان ورد فيه حكم ، سيبقى خارج دائرة التشريع ، وانه ليس للفقهاء من دور سوى تذكير الناس بالموضوعات التي لا تزال قائمة ، ولم تخرج من دائرة الحياة. لكن هذا المسار سيؤدي مع مرور الوقت الى تقلص الشريعة الى العبادات فقط. لأن غالبية موضوعات الاحكام الاخرى ، تتغير مع تحولات الحياة والمصالح العامة ، فتخرج احكامها من دائرة الاستعمال وتصبح مجرد ارشيف.

اظن ان هذا الشرح قد قدم صورة واضحة عما يترتب – منطقيا - على اعتراض المعترضين على دور العقل ، اي دور الانسان في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

نعلم ان كلا الخيارين سيؤدي الى خروج الكثير من قضايا الشريعة من دائرة الحياة. وهذا امر مشكل. لكن الواضح ان القبول بدور الانسان في انشاء التشريع ، هو الاقرب الى مقاصد الشريعة ومصلحتها من القول الآخر.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 3 رمضان 1440 هـ - 08 مايو 2019 مـ رقم العدد [14771]

https://aawsat.com/node/1712131

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...