ينتمي الدكتور محمد
شحرور لطائفة من المفكرين ، الذين لايرون انفسهم مدينين لأعراف المؤسسة
الدينية التقليدية أو قيمها. وهو لا يرى نفسه مدينا لرواة الحديث ولا للفقهاء
والمفسرين ، ولا لمنهجهم في قراءة النص الديني واستنباط الشرائع. بل انه لا يكتم
انكاره للقيم والقواعد التي يجلونها ايما اجلال.
يعمل شحرور على أرضية فلسفية ومنطق
استدلال مختلف. ولهذا فليس ممكنا ان يبلغ ذات النتائح المتعارفة في المدرسة
الدينية التقليدية. في السطور التالية بعض أبرز العناصر التي تميز منهجه عن نظيره
المتعارف في هذه المدرسة:
أولا:
يتعامل شحرور مع الدين كبرنامج بحث مفتوح لكل الاجيال. يفهم الخطاب القرآني على
ضوء توسع الانسان في فهم "كلمات الله" اي قانون الطبيعة. ولذا سيكون لكل
جيل تفسيره الخاص المرتبط بما يستجد من معارف. ان تفسير القرآن في زمن ، يعكس
بالضرورة المعارف المتوفرة في ذلك الزمن. لا يتعلق الأمر بالمحتوى اللغوي ، بل باستيعاب
الرابطة العميقة بين الخطاب الرباني وقانون الطبيعة.
يتعارض هذا التأسيس مع المنطق الداخلي للمدرسة
التقليدية في جانبين مهمين: أ) اعتبار رأي الاسلاف مرجعيا مقدما على رأي المعاصرين
، لانهم أقرب لزمن الوحي. ب) التعامل مع
تفسير القرآن كمعالجة للتركيب اللغوي والفني في النص.
ثانيا: ماسبق
يعني ايضا ان جانبا من المنظومة الدينية اجتهاد بشري بحت. فهي ليست بكاملها سماوية
(وفق ما يصوره الخطباء والمتحدثون). وقد صدم شحرور قراءه حين قال ان المحرمات 14 فقط. لانه يرى ان
التحريم حكم خاص بالله ، وقد بينه القرآن بوضوح. اما بقية ما اشتهر في الفقه
كمحرمات ، فهي ممنوعات عرفية ، وان حملت صبغة دينية باعتبارها ضرورة للنظام العام.
وفقا لراي شحرور فانه ليس للرسول ولا الامام ولا الفقيه ان يحرم شيئا ، لكنهم
جميعا مخولون بالنهي عن اي فعل يؤدي لمفسدة عامة.
ثالثا: تصحيح
الاحكام الشرعية: حسب العرف الجاري للفقهاء
، فان الحكم الشرعي يعتبر صحيحا ، اذا تم الاستدلال عليه وفق القواعد المعروفة في
أصول الفقه ، وثبت ارتباطه بالنص (القرآن او السنة). اما شحرور فرأى ان الواقع ، هو
المختبر الذي يثبت سلامة الحكم الشرعي او خطله. يجب ان يحقق الحكم مصلحة عقلائية
ظاهرة او يرفع مفسدة ظاهرة ، ولا يصح الاحتجاج بما يسمونه مصالح خفية ، كما لا
يكفي استناد الحكم الى نص قطعي الصدور أو صريح الدلالة ، لأنه قد يكون ناظرا لظرف
تاريخي خاص.
رابعا: يعتقد
شحرور ان الهوية الدينية (بالمعنى السوسيولوجي) ليست من لوازم الدين. المجتمع
الديني بكل شعائره ونظم حياته واخلاقياته ، يجسد هوية ونظام حياة يختارها اتباع الدين.
لكن هذه ليست دينا بالمعنى الدقيق. بل قد تتجلى روح الدين في مجتمعات لا تحمل اي اعلان عن ديانتها. وحسب
تعبيره فان "لسان حال المجتمعات التعددية يقول ان الله واحد وغيره متعدد"
وان "لسان حال المجتمعات المتطورة يقول ان الله ثابت وكل شيء عداه سبحانه متغير".
بعبارة اخرى فاننا قد نرى تجسيدا للقيم الدينية الكبرى في مجتمعات تتبع سنن الله
وان لم تظهر عليها سمات دين بعينه.
هذه جولة سريعة جدا تكشف ان فكر المرحوم
شحرور ، يخالف الفكر التقليدي في المنطلقات والفلسفة العامة ، ولذا فهو يضرب في
مسارات بعيدة جدا عن تلك المتعارفة في المدرسة التقليدية. هذا يجعل تاثيره محدودا ،
لكنه يصنع – ولو ببطء – مستقبلا مختلفا جدا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 28 شهر ربيع الثاني 1441 هـ - 25 ديسمبر 2019 مـ رقم العدد [15002]
https://aawsat.com/node/2050906
نسأل الرحمن الرحيم ان يشمله بعفوه و رحمته.و ان يدخله واسع جنته.
ردحذفلقد فتح لنا أبواب التفكير والتفكر بالقرآن. وعلمنا كيف نفهمه بأنفسنا.وحاول ان يخرج الناس من ضيق البشر إلى سعة الرحمن.و اعتقد انه أسس لفهم جديد للقرآن و الدين.وهانحن نرى من يسير على منهجه مستلهماً فكره و تفكيره.