ارى ان غالبية المسلمين سيحبون الفكرة التي نادى
بها روجيه جارودي ،
فكرة الاسلام المفتوح ، الذي يحتمل كل الناس وكل الافكار ، وعلى ا لخصوص اولئك
العلماء والفلاسفة والمصلحون والمخترعون ، الذين ساهموا في صناعة تاريخ البشرية او
تقدم المجتمع الانساني ، بنحو من الانحاء.
روجيه جارودي |
لكن هذا ليس نهاية القصة. ولا ينبغي أخذ الأمور
بهذا التبسيط. دعنا نمثل بحال الولايات المتحدة الامريكية ، التي تألفت عند
تاسيسها من مهاجرين ، ولازالت تدين لمهاجرين قدامى وجدد بازدهارها العلمي
والاقتصادي. مع ذلك فان الشعارات التي أوصلت الرئيس الحالي دونالد
ترامب الى
البيت الأبيض ، هي الشعارات الداعية الى وقف الهجرة وابعاد ما امكن من المهاجرين.
كذلك الحال في اوربا التي يتفاقم فيها التيار السياسي المعادي للمهاجرين ،
رغم حاجتها الماسة اليهم كأيد عاملة وكمشاركين في بناء مستقبل القارة العجوز.
وليس
الأمر بعيدا عن العالم الاسلامي والعربي ، فالنزاعات القومية والطائفية والقبلية
المتكررة ، تؤكد بما لا يقبل الشك ، ان خيط الثقة الرفيع الذي تحدثنا عنه ، ليس سمة
ثابتة في المجتمعات. ولا فرق في هذا بين المتقدم والمتخلف منها.
كان
الفيلسوف المعروف جان
جاك روسو ، قد
قال في كتابه الشهير "العقد الاجتماعي" ان
تبلور مفهوم التملك والملكية الشخصية ، كان سبب انبعاث النزاعات بين البشر. ونعلم
ان معظم الخصومات تدور حول المال والملك في مختلف اشكاله. فماذا عن الخصومات التي
موضوعها الدين والايديولوجيا؟.
دعنا
نعيد السؤال بصيغة أوضح: هل يتنازع الناس حول المذاهب والاديان ، لانهم يشعرون ان
انتماءهم الى هذا الدين او ذاك ، هو نوع من الملكية ، اي انهم يدافعون عن أحد
املاكهم حين يدافعون عن دينهم؟.
رايي
ان هذا احتمال وارد في كثير من الحالات. لكن ثمة سبب آخر للصراعات الدينية ، ولعله
أوضح واوسع نطاقا ، أعني به تحول الدين من رسالة الهية الى هوية اجتماعية. في هذه
الحالة تتلاشى المسافة بين الدين والذات. حين تتعرض لدين الشخص او مذهبه ، فانه
سيتلقاه كعدوان على شخصه او كتحد لشخصه ، فينخرط في النزاع كما لو كان يدافع عن
وجوده ذاته وليس فقط عن شيء يملكه.
ربما
يتذكر القراء الاعزاء الشعار الشهير للمرحوم ياسر
عرفات الذي
قال ان النزاع مع اسرائيل"صراع وجود لا حرب حدود". ان نزاعات المصالح هي
نزاعات على الحدود الفاصلة بين الشخص ومن ينافسه. اما الصراع الوجودي ، فان الذات
(الفردية او الجمعية) هي المستهدف الأول فيه ، وتبعا لذلك فان ارادة البقاء هي
المحرك الرئيس له. وهذي هي النقطة التي يركز عليها القادة والمحرضون حين يحاولون
ارسال اتباعهم الى ساحات الصراع ، المادي او حتى اللفظي.
الشرق
الاوسط الأربعاء - 14 شهر ربيع
الثاني 1441 هـ - 11 ديسمبر 2019 مـ رقم العدد [14988]
مقالات مشابهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق