‏إظهار الرسائل ذات التسميات عدنان عيدان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عدنان عيدان. إظهار كافة الرسائل

14/12/2022

أسئلة التلاميذ العسيرة


في مقالته "اللامعرفة حين تكون سلطة" (الاتحاد 10-12-2022) عالج المفكر المعروف د. عبد الله الغذامي مسألة اظن ان معظمنا قد سمع بها ، او ربما كان طرفا فيها يوما من الأيام. ذكر الغذامي القصة على النحو التالي: سأل التلميذ استاذه.. من هو اول من كتب الشعر الحر في اللغة العربية؟. فأجاب الاستاذ بأن هذا من الاسئلة التي لا جواب لها ، انه "يشبه سؤال من هو أول شاعر في التاريخ". طبعا ليس هناك من يعرف اول شاعر في التاريخ.

في النظرة الاولى سوف تتقبل جواب الاستاذ ، وربما قلت لنفسك: حسنا... هناك اسئلة لا يمكن لاحد ان يجيب عليها ، ولهذا لا ينبغي ان تطرح. لكن الغذامي يشير الى جانب آخر ، فهو يريد ان يقول للاستاذ: ان كنت لا تعرف الجواب ، فقلها ببساطة.. لا اعرف ، ولا تحول النقاش الى مكان آخر غير ذي صلة بجوهر الموضوع.

ذكرتني هذه بدراسة كتبتها ايام الشباب ، وعرضت في حلقة نقاش فنالت مديحا طيبا من جانب الحضور. وحين جاء دور الاستاذ المعقب ، زادها مدحا لجدة معلوماتها وتحليلها.. الخ. لكنه في التقييم النهائي اعتبرها أقل من المستوى المطلوب ، لأنها ببساطة لم تعالج الفرضية الرئيسية فيها. وشرح هذا قائلا ان كل جزء في الدراسة ممتاز بذاته ، لكنه "غير ذي صلة". هذه العبارة هي التي بقيت في ذهني من تلك القصة. وفي السنوات التالية قرأتها وسمعتها تكرارا. وان اردتم الصراحة فقد صرت مغرما باكتشاف الصلة وعدم الصلة في الجدالات العلمية.

-         حسنا ، ما الذي يبرر طرح هذا الموضوع اليوم؟.

الواقع ان قصة الدكتور الغذامي وجهت انتباهي لقصة أخرى شائعة عندنا ، وهي استنكار الاسئلة التي يصعب الاجابة عنها ، أو تلك التي لها امتدادات ذات طبيعة جدلية. وكنت قد ناقشت الاستاذ عدنان عيدان ، وهو خبير متقدم في حوسبة اللغة العربية ، حول سبب انحدار الكثير من نقاشاتنا نحو العنف اللفظي ، وانزلاقها للتنديد بالاشخاص بدلا من نقد الأفكار ، فأرجعها الى ضآلة المخزون اللغوي عند غالبية المواطنين العرب ، الامر الذي يجعلهم غير قادرين على التمييز بين المحمولات المختلفة للتعابير والمصطلحات. ويعتقد الأستاذ عيدان ان اي خريج جامعي ينبغي ان يكون قادرا على الحديث والنقاش ، لمدة لا تقل عن نصف ساعة ، من دون تكرار الكلمات او الجمل ، او وضعها خارج سياقها الصحيح. وضرب مثلا بمن يتعلمون لغة اجنبية واضطرارهم الى استعمال نفس الكلمات مرات عديدة في محادثة واحدة ، الامر الذي يكشف ضعف مخزونهم من المفردات او كونه غير نشط.

مع تقديري لرأي الأستاذ عيدان ، فالذي أميل اليه هو ان النمط الثقافي السائد عندنا ، لا يهتم كثيرا بالبناء المنطقي للفكرة ، ولا يعتني بايضاح النسبة بينها وبين الأفكار المماثلة او المختلفة ، قدر اهتمامه بالجانب البياني الذي يركز على جماليات العرض ، كما يكثر استعمال الشعر والشواهد التاريخية واللغة الدينية ، لتعزيز الأثر النفسي للكتلة اللفظية ، بغض النظر عن صلتها المنطقية بالواقع ، او صلة الشواهد المذكورة بجوهر الفكرة التي يدور حولها الجدل.

أضيف الى ذلك ، ان نظام القيم السائد يميل بشدة للربط بين صفة التهذيب وبين السمع والطاعة. بالنسبة لغالبية الآباء والمعلمين ورجال الدين ، فان الولد المهذب هو الولد الذي يصغي جيدا ويطيع ، بعكس الولد العنيد او القليل التهذيب ، الذي سمته التشكك وكثرة الجدال في كل مسألة. يجري تطبيق هذه المقولات لسنين طويلة ، ولذا لا نستغرب ان وجدنا الشباب غير قادرين على خوض نقاش هاديء لمدة طويلة ، أو وجدناهم يكرهون كثرة الأسئلة ، ولا سيما العسير منها ، مثل سؤال الغذامي سابق الذكر.   

الشرق الأوسط الأربعاء - 20 جمادى الأولى 1444 هـ - 14 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [16087]

https://aawsat.com/node/4042001/

مقالات ذات صلة

من الظن الى اليقين ، ثلاثة مستويات للمعرفة

التسامح ، او قابلية العيش مع الغريب

بماذا ننصح أينشتاين؟

مغامرات العقل وتحرر الانسان - كلمة في تكريم الاستاذ ابراهيم البليهي

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

من العقل الجمعي الى الجهل الجمعي

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

فلان المتشدد 

وجهات "الخطر" وقهر العامة

07/08/2019

من الظن الى اليقين ، ثلاثة مستويات للمعرفة

أكتب هذه السطور تعقيبا على سؤال للزميل مسلم الصحاف ، حول مقدار الحقيقة في اخبار الصحف. وأفهم ان مقصود السائل هو "صدقية الاخبار". لكنه استعمل كلمة "الحقيقة" فبدا لي غريبا نوعا ما. وسرعان ما ثبت صدق ظني ، فقد اجابه عدد من قرائه ، اجابات توحي بانهم يخلطون بين مفاهيم "الحق" و"الحقيقة" و"الواقع" و"الصحيح"، مع ان معانيها مختلفة. 

وأذكر للمناسبة نقاشا موسعا حول موضوع مماثل ، بيني وبين الاستاذ عدنان عيدان ، وهو خبير في حوسبة اللغة العربية ، ولاسيما استخداماتها في التعليم. وقد
عدنان عيدان
أخبرني ان كثيرا من نقاشات الشباب العربي ، تنقلب الى جدالات عقيمة او حتى نزاعات ، لانهم لا يميزون بين المحمولات المختلفة للتعابير والمصطلحات. وان السبب الجوهري في هذا ، هو ضعف مخزونهم اللغوي. وحسب اعتقاد الاستاذ عيدان ، فان خريج الجامعة يجب ان يكون قادرا على تقديم حديث لمدة لاتقل عن نصف ساعة ، من دون تكرار اي كلمة او وضعها في غير سياقها الصحيح. وأعلم ان 90% من شبابنا لا يقدرون على هذا.
وبالعودة الى نقاش الزميل الصحاف ، فقد اتضح من ردود المتداخلين ، بانهم ظنوا ان السائل يقصد الحقيقة الكاملة التي لايختلف عليها اثنان. وبعضهم قال ان الحق قصر على الشريعة المقدسة. والواضح ان المعنى الذي أراده هو الحق "النظري" المقابل للباطل. وقال آخرون ان الخبر الصحيح هو ماتراه بعينك لا ماتقرأ عنه. أي انه يماهي بين الحق والواقع. فالذي تراه بعينك هو الاشياء المادية الواقعية ، وليس الحق المجرد او الذهني او النظري.
وبدا لي ان هذا الخلط يجعل نقاشاتنا قليلة الفائدة ، نظرا لاختلاف المعاني المنعكسة في ذهن القاريء ، عن تلك التي يقصدها الكاتب. لذا وجدت من المفيد تقديم تصور أولي ، يوضح الفارق بين الاشياء التي نراها في العالم الواقعي ، والاشياء التي نصنعها في داخل أذهاننا ، وكلاهما نظنه حقيقة او وصفا للحقيقة. وهو قد يكون مجرد انطباع او تصور غير محايد.
سوف اترك تفصيل هذه المسألة لكتابات قادمة. لكني أود الآن التاكيد على الفارق بين ثلاثة مستويات للمعرفة ، هي الظن والعلم واليقين. ويشكل الاول (الظن) تسعة اعشار المعارف التي يحملها كل منا في ذهنه. وهو يعتمد عليها في التواصل مع عالمه. لكونها مفتاحا للمرحلة الثانية أي العلم. الانطباع الاولي عن الاشياء والشك والتفكير غير المكتمل ، والاحتمال والتخيل ، كلها تنتمي الى المستوى الاولي.
اما الثاني (العلم) فهو المعرفة المدعومة بدليل معياري ، يمكن التحقق منه بواسطة أي شخص. ان الاكثرية الساحقة من الناس لايستطيعون البحث عن الادلة او لا يرغبون فيه. لذا فان علمهم محدود بمجال اختصاصهم ، حتى لو حازوا قدرا من المعرفة في مجالات اخرى.
المستوى الثالث (اليقين) وهو المعرفة التي تحوزها من دون دليل علمي. قد تتوصل اليها بأدلة شخصية (غير معيارية) او من دون دليل اصلا. لكنها لا تتوقف على الدليل العلمي وليست مشروطة به. وهي ما نسميه بالميتافيزيقا (ماوراء الطبيعة) او الايديولوجيا. كل الناس لديهم قناعات من هذا النوع ، دينية او غير دينية.
اني أعرض هذه المستويات الثلاثة كي أدعو القراء لتحاشي الخلط بينها. فكل منها له طريقة في الاستدلال ، بل وحتى مستوى من الشحن المعنوي في الكلمات. سوف اعود للموضوع في وقت آخر. لكني اظن ان هذا كاف لتوضيح الفكرة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 5 ذو الحجة 1440 هـ - 07 أغسطس 2019 مـ رقم العدد [14862]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...