‏إظهار الرسائل ذات التسميات فهم التاريخ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فهم التاريخ. إظهار كافة الرسائل

19/05/2021

أزمان طيبة وأخرى .....!


"حقبة الخلف الصالح" هو عنوان مقال الزميل حسين شبكشي ، في هذه الصحيفة يوم الاحد الماضي. لا بد ان بعض القراء قد تبسم وهو ينظر في هذا العنوان الغريب. وقد ذكرني بتقليد سائر بين دارسي العلوم الشرعية ، فحواه انهم يطلقون وصف "بقية السلف" اذا أرادوا المبالغة في مدح عالم كبير ، ولا سيما عند وفاته. فكأن الأصل ان هذا العظيم قرين للماضين ، فنلحقه بهم وليس بأقرانه الأحياء.

ويعتقد الزميل شبكشي ان التقدير الوافر للاسلاف ، مقابل قلة الاكتراث بالمعاصرين (الخلف) مرجعه الحديث المنسوب للنبي "خير القرون قرني" الذي فسر في ان عموم المعاصرين له عليه السلام والجيل الذي يليهم ، خير من عامة من يأتي تاليا.

ويجري نفس المجرى – في ظني - الروايات المتعلقة بخروج المهدي في آخر الزمان ، إذا "امتلأت الأرض ظلما وجورا". فهذه وذاك يتحدثان عن سير تراجعي للتاريخ: كلما تأخر الزمن زاد فساده ، وكان أهله أقل خيرية ممن سبقهم .

لا استطيع تكذيب تلك الروايات ، مع اني لاحظت ان علماء الحديث قد صرفوا جل اهتمامهم الى سنده ، اما دراسة  المتن فاقتصرت على التحقق من اتحاد او اختلاف الالفاظ ، في الروايات المتعددة للحديث الواحد ، ونادرا ما اهمتموا بمعقولية المتن ومطابقته للواقع الذي نعرفه ، او حتى مطابقته لروح الرسالة المحمدية وما نفهمه من آيات الكتاب المبين. وقد أشار الى طرف من هذه العلامة ابن خلدون ، في نقده لمناهج بحث الرواية التاريخية ، في "المقدمة".

لست إذن في صدد التعرض لصحة هذه الاحاديث وغيرها. لكن يهمني الإشارة الى ان مفادها مخالف لما نعرفه من الواقع وأوامر القرآن الصريحة ، وحكم العقل. والمفاد المقصود هو فرضية ان التاريخ البشري يتراجع ، وان التالي اقل خيرية من السابق.

اما مخالفتها لأوامر القرآن فيظهر في مفاد الأمر بالجهاد والدعوة للفضائل. فلو لم يكن متوقعا ان يفضى هذا الامر الى تغيير الحال الى ما هو أحسن ، لكان الأمر به عبثا ، لا سيما اذا كان تنفيذ الامر مستوجبا لتضحيات جسيمة ، فكيف يكلفنا الله بشيء مع علمه بان الأمور لن تتعدل ، لانها تسير -وفقا لحتمية تاريخية - في الاتجاه المعاكس؟.

وأما مخالفتها لحكم العقل فيظهر في الربط بين العمل والناتج. يأمرنا العقل بفعل معين ، بناء على تقدير منطقي سابق ، فحواه أن سوء الحال وحسنه ثمرة لفعل البشر وتصرفهم. القول بان الآتي سيكون حتما أسوأ من الماضي ، معناه ان كل سعي للخير سينتهي الى عكسه ، أي ان العمل للخير وعدم العمل سواء في النتيجة.

وأما مخالفتها للواقع ، فظاهر في المقارنة بين واقع البشرية في الماضي والحاضر. فعدد المسلمين تضاعف الف مرة ، وانتشارهم في العالم كذلك ، وتقلص الظلم في العالم ، وبات القرآن ميسرا لكل البشر بمختلف لغاتهم ، وتعاظمت العلوم والمعارف ، وارتفعت قيمة الانسان ، وزاد الاهتمام بالعمران وحماية الطبيعة والحيوان. وهذه كلها من مقاصد الشريعة التي لا خلاف فيها. أي ان العالم سائر في تطبيق ما أراد النبي تبليغه ، ولو تحت مسميات أخرى. فهل زمننا هذا اقل قيمة من أزمان الامويين او العباسيين او المماليك او السلاجقة او امراء الطوائف على سبيل المثال؟.

لقد اثار الزميل شبكشي مسألة في غاية الأهمية ، وهي تثير سلسلة من الأسئلة ، يتلخص احدها في مسألة التفاضل بين الأزمنة ، وفق المتعارف في التراث. وارى اننا بحاجة للتأمل فيها من دون انبهار ولا توجس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 7 شوال 1442 هـ - 19 مايو 2021 مـ رقم العدد [15513]

https://aawsat.com/home/article/2980471/

مقالات ذات علاقة 

13/12/2017

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا (الجذور)


فوجيء اليكس هيلي بالترحيب الهائل الذي حظيت به روايته "الجذور" حين نشرها في 1976. تصويره المفجع للمآسي والآلام التي عاشها السود في الولايات المتحدة ، تنطوي على اتهام مباشر ومحدد ، فحواه انه يتوجب على المجتمع والدولة الامريكية ، اتخاذ المزيد من الاجراءات الضرورية للخلاص من ارث التاريخ المعيب. 
تاثر هيلي بموقف مالكوم اكس ، داعية الحقوق المدنية الشهير ، وفحواه اننا نحتاج لمعرفة تاريخنا كي نتصالح مع الحاضر. خيالات الماضي وأحزانه وما ورثناه من اسباب للريبة والقلق ، لا تعيننا على صنع حاضر يليق بنا ولا مستقبل يعكس قدراتنا. علينا ان نعرف ذلك التاريخ المؤلم ، ثم نتجاوزه.
"الجذور" ليست دراما خيالية ، فهي مبنية على تاريخ حقيقي ، جمع هيلي شتاته ، وقدمه من خلال ما يشبه سيره شخصية لكونتا كينتي ، الشاب الذي خطفه تجار العبيد من قرية على ساحل افريقيا الغربي عام 1776، وبيع الى مزارع امريكي في ميريلاند  ، ثم بيعت ابنته ، وكان اليكس هيلي واحدا من احفادها.
بيع من الرواية نحو 6 ملايين نسخة ، وترجمت الى 35 لغة رئيسية. كما حولت الى مسلسل تلفزيوني شاهده الملايين حول العالم. في تلك السنوات ، تساءل كثير من النقاد: ما الذي يجعل الناس مغرمين بالعودة الى التاريخ؟. هل لأننا نستمتع بالشعور بان البشرية قد نجحت في تجاوز ظلمات الماضي ، أم اننا نحاول التعرف على ذواتنا العميقة من خلال البحث عن تحولاتها القديمة.
هذا السؤال يتمتع بأهمية اكثر في المجتمع العربي ، لأننا بساطة لانتعامل مع التاريخ كتجربة ثقافية. ان تاريخنا جزء من حياتنا اليومية. فهو يسهم بنصيب وافر في تشكيل رؤيتنا لأنفسنا وللعالم الذي نعيش فيه. وكان صديق لي يقول ان علاقتنا بالتاريخ اكثر من معرفة: "نحن نحمل اجساد اسلافنا على اكتافنا. نعيش معها ونستمع اليها ، وقد نتحدث اليها أحيانا".
 اظن ان الشوق للتاريخ يتأثر بواحد من أربعة دوافع. بعض الناس يذهبون للتاريخ مثلما يزورون المتاحف ، غرضهم المعرفة او الاستمتاع بتجربة حياتية مختلفة عما اعتادوه. وثمة من يزور التاريخ سعيا للخلاص من مشكلات راهنة ، لكن جذورها ممتدة للماضي. من ذلك مثلا مطالبة الأرمن للحكومة التركية بالاعتذار عما قيل انه إبادة جماعية نفذها العثمانيون في 1915 ، ومطالبة الجزائر ودول افريقية للحكومة الفرنسية بالاعتذار عما جرى من فضائع خلال الحقبة الاستعمارية. يريد هؤلاء الخلاص من ذكريات التاريخ البغيض ، من خلال اعتذار يشكل نوعا من المصالحة الاخلاقية بين الظالم والمظلوم.
ثمة من يذهب للتاريخ محاولا "اعادة تصنيع" هوية قابلة للاستعمال في الصراعات السياسية الراهنة. ولهذا المنحى علاقة جوهرية بمفهوم الامة والهوية الجامعة ، وفق المجادلة العميقة التي قدمها بنديكت اندرسون في كتابه المرجعي "مجتمعات متخيلة". اخيرا فهناك من يذهب للتاريخ هاربا من الاقرار بعجزه عن مواجهة تحديات الحاضر ، أو لأنه غارق في ثقافة الماضي بقدر يجعله منقطعا تماما عن الحاضر. ولذا فان مجاورة الاموات تشكل انسه الوحيد ، يعيش تاريخهم ويتحدث بلغتهم ويستعيد قصصهم ويلبس أزياءهم.
لا بد ان بعضنا قد تعرف على واحد من هذه الدوافع الاربعة في نفسه او في الاشخاص الذين يعرفهم. على اي حال فان سؤال العلاقة بين الماضي والحاضر في جوهره ، سؤال ترتيب للمكانة: من يحكم من ، هل نتحكم في تعاملنا مع تاريخنا ام نحن خاضعون لهذا التاريخ.
الشرق الاوسط  25 شهر ربيع الأول 1439 هـ - 13 ديسمبر 2017 مـ

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...