‏إظهار الرسائل ذات التسميات المعنوية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المعنوية. إظهار كافة الرسائل

23/12/2020

في ذكرى محمد شحرور- اسئلة اليوم غير اسئلة الامس

 

مرت علينا هذا الأسبوع الذكرى الاولى لرحيل العلامة محمد شحرور ، المفكر المفسر الذي اطلق موجات ضخمة من النقاش حول مفاهيم استقرت قرونا متمادية.  

غرضي ليس تبجيل المرحوم شحرور ، مع انه جدير به. قد يؤدي تمجيد الاشخاص الى تصنيمهم ، بحيث يمسي عسيرا تجاوز آرائهم. ان قيمة المفكر  رهن بما يفتح من آفاق جديدة ، تمكن المتلقي من تجاوز موقعه في تاريخ المعرفة.

كما لا أنوي تكرار الاراء القيمة للمرحوم ، فهي منشورة ومشهورة. مايهمني حقا هو تفصيح الفكرة التي ربما لم يصرح بها ، لكنها تلوح للمتأمل بين السطور او في النهايات غير الواضحة.

لقد اشرت في مقالات سابقة الى ما ظننته عناصر رئيسية في تفكير المرحوم شحرور ، وبينها باختصار شديد:  أ) ان الحياة تجربة ، و ب) ان الدين يعالج جانبا من قضايا الحياة ، كما ان العلم يعالج جانبا اخر ، والفن يعالج جانبا ثالثا ، وكذا الاخلاق والاسطورة. و ت) ان الانسان – كل انسان – شريك فاعل/متفاعل في تلك التجربة ، في تطوير مساراتها ونتائجها. 

ربما أعود الى هذه المسائل في مقالات لاحقة ان شاء الله. لكني اريد تخصيص ما تبقى من مساحة ، لتوضيح سؤال تكرر كثيرا  في الاشهر التالية لوفاة شحرور ، سؤال: كيف توصل شحرور الى هذه الآراء ، مع ان المئات من مفسري القرآن وعلماء اللغة وغيرهم لم يقل بها قبله. وهذا يستبطن سؤالا خلفيا فحواه: كيف اترك الآراء المتفق عليها ، الى رأي لم يقل به غير شخص واحد؟.

في الجواب على السؤال الخلفي ، ادعو للتمييز بين العقل النظري والعقل العملي. لا ينبغي للإنسان ان يتخلى عما هو مطمئن اليه ، لمجرد انه شك فيه او بدت له رؤية مختلفة. عليه ان يواصل البحث في المستوى النظري ، حتى يوصله الى نتيجة قطعية. عندها سيتوقف كي يقرر: هل يتبع قناعته الجديدة ام يبقى على ما استقر عليه رأي الناس من حوله.  هكذا يتعامل الناس مع أسئلة الدنيا. وفي رايي ان أسئلة الدين لا تختلف عنها.

بالنسبة للسؤال الأصلي ، فالمعلوم ان الزمن شريك رئيس في تكوين السؤال. فالذين بحثوا عن أجوبة في كلام السابقين وجدوا أجوبة تناسب تلك الازمان. وقد لا تكون صائبة في هذا الزمان. من ذلك مثلا: لو كنت في العام 50 للهجرة ، وسألت فقيها او صحابيا: هل بيع وشراء البشر واستعبادهم امر معقول ومناسب؟. سيكون الجواب يومذاك: نعم. لأنه أمر رائج ولم يمنعه الشرع. حسنا.. ماذا لو وجهت نفس السؤال في هذا اليوم لواحد من عامة المسلمين او نخبتهم ، فكيف سيجيبونك؟. هل يخبرونك ان استعباد البشر امر معقول ومناسب؟.

نعلم ان الموضوع لم يتغير ، والاحاديث الحاوية لاحكامه باقية كما هي. الذي تغير هو الاطار التاريخي للسؤال. ولذا بات يشير الى حقيقة غير التي أشار اليها سؤال الامس ، مع ان كليهما صيغ بنفس الالفاظ ووجه الى اشخاص متماثلين في العقيدة.

آمن شحرور ان أسئلة اليوم غير أسئلة الامس ، وكذلك اجوبته. فبحث عن أجوبة القرآن عن أسئلة اليوم ، بعدما غض الطرف عن أجوبة السابقين ، كما غض الطرف عما نقله المعاصرون من أجوبة السابقين. من  هنا جاءت آراؤه وتفسيراته غريبة نوعا ما ، لأنها غير مألوفة بالنسبة لأمثالنا الذين اعتادوا على إسلام الكتب والمدارس. هذا كل ما في الأمر.

الشرق الاوسط الأربعاء - 9 جمادى الأولى 1442 هـ - 23 ديسمبر 2020 مـ رقم العدد [15366]

https://aawsat.com/node/ 2698201/

مقالات ذات صلة

اصلاح المجال الديني

انقاذ النزعة الانسانية في الدين

تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

التدين الجديد

التشريع بين المحلي والكوني

جدالات ما بعد شحرور

سؤال الى البابا

ما الذي يجعل محمد شحرور مختلفا وبغيضا أيضا

ما ينبغي للتيار الديني ان يخشاه

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة

المعنوية ، حيث تلتقي جميع الرسالات

المعنى الدنيوي لتجديد الدين

من اللغة الى الرؤية الكونية

من المناكفة الى النهضة

نسبية المعرفة الدينية

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

هكذا تحدث محمد شحرور

 

02/05/2018

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

|| ادعو لصياغة نموذج جديد للفكرة الدينية مواكب لتحولات الحياة المعاصرة ، يتأسس على رؤية غير تقليدية لمكانة الانسان في العالم الجديد ، وموقع الدين في حياته ||
مع اقتراب شهر رمضان المبارك ، يتجدد الحديث عن الحاجة الى تجديد الخطاب الديني. وهو مطلب يتفق غالبية المسلمين على عمومه. لكن آراءهم تتباين في معنى التجديد ومجالاته وحدوده. فمعظم الناس يصرفه الى تجديد الفقه وتيسير الاحكام ، وترك الشاذ والعسير. ويدعو فريق منهم الى مراعاة ما استجد في حياة الناس ، وما جاء في سياق الحداثة من تحولات ، في مصادر العيش وأنماطه أو في العلاقة بين الناس.
مصطفى ملكيان
لكني أود دعوة القاريء الى معنى أبعد قليلا مما سبق. أعني به صياغة نموذج جديد للفكرة الدينية ، قادر على مواكبة تحولات الحياة في العصر الجديد ، الذي أهم سماته عولمة السوق والثقافة وسيولة القيم والهويات. نموذج كهذا ينبغي تأسيسه على رؤية غير تقليدية لمكانة الانسان في العالم الجديد ، وموقع الدين في حياته. وهو يستدعي بالضرورة تحررا من الانساق والاعراف الموروثة ، أي ما ورثناه وما تعارفنا عليه باعتباره صورة وحيدة للدين ، او تعبيرا وحيدا عن الايمان. 
 في رمضان الماضي قدم العلامة د. محمد شحرور رؤية عميقة في هذا الاتجاه ، خلاصتها ان العالم الديني هو العالم الذي تتجلى فيه عقلانية البشر. الدنيا العاقلة هي التطبيق القاعدي للدين. ومن هنا فهو يميز بين الرؤية الكونية التي تصل الانسان بالعالم ككل ، وما فيه من بشر وأشياء ، وبين التشريعات والاحكام التي تحمل سمات الجماعة والمكان.
وفي هذا السياق يلح شحرور على ان الواجبات والمحرمات الدينية محدودة العدد. أما العشرات من الاحكام الاخرى التي تنطوي على الزام او منع ، فهي جزء من نظام ثقافي او قانوني ، يضعه المجتمع في ظرف محدد ، بحسب حاجاته أو أعرافه. ومن هنا فهي ذات مضمون محلي ان صح التعبير ،  وليست قواعد عمل  كونية ، كنظيرتها المستقاة من القيم العليا الاساسية.
في سياق قريب اقترح د. مصطفى ملكيان التركيز على ركني العقلانية والمعنوية ، كعمودين متساندين لأي رؤية دينية جديدة. المعنوية عنده هي جوهر الدين ومحور تمايزه عن الايديولوجيات البشرية. انها جوهر كافة الاديان ، وربما تشكل نقطة التقاء بين أتباعها ، بل وحتى نقطة توافق مع اولئك الذين لا يتبعون أي دين.
أما العقلانية عنده فتعني في أحد وجوهها ، قابلية الدعاوى الدينية للاختبار في هذه الدنيا. الدين المفيد هو ذلك الذي يمكنه تقديم حلول لمشكلات البشر الدنيوية ، ولا يكتفي باحالة العلاج الى الاخرة. لو اخذت نوعين من العلوم ، احدهما يعرض حلولا يمكن لك اختبار ثمراتها الآن ، بينما يدعوك العلم الثاني لتطبيق مقولاته ، وانتظار نتائج اختبارها العملي في الاخرة ، فما الذي سيتخاره الانسان العاقل؟.
الواضح ان كلا الرجلين يشير الى ثلاثة أركان للتفكير الديني الجديد: أولها محورية العقل في التشريع وتقديمه على النقل. وثانيها التمييز بين القيم الكبرى المعيارية ، وبين التشريعات ذات الطبيعة المؤقتة او المحلية. وثالثها هو التركيز على آنية الحل الديني ، وضرورة كونه قابلا للاختبار في الحياة الدنيا.
ينطلق الرجلان من فرضية ان الله سبحانه انزل الدين من أجل الانسان. ولم يخلق الانسان من أجل الدين. وبهذا فان مفهوم الطاعة والعبادة والايمان والسلوك الى الله ، يتخذ معنى مغايرا لما عرفناه من خلال تراث الماضين.
قد تتفق مع شحرور وملكيان وقد تخالفهما. لكن تنظيرات الرجلين تفتح افاقا للتأمل في معنى التجديد ، يتجاوز ما تعارفنا عليه حتى الآن. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 16 شعبان 1439 هـ - 02 مايو 2018 مـ رقم العدد [14400]
http://aawsat.com/node/1255201

21/06/2017

المعنوية ، حيث تلتقي جميع الرسالات

انتقل العلامة شحرور الى رحمة الله في 21-12-2019. للاطلاع على فكره وكتبه ، انظر موقعه على الشبكة https://shahrour.org/

Muhammad-Shahrur.jpgالحوارات اليومية للمفكر السوري د. محمد شحرور على قناة روتانا ، هي في ظني أفضل عمل ثقافي قدمه الاعلام العربي خلال هذا الشهر المبارك. تعرفت على شحرور للمرة الأولى في مطلع تسعينات القرن المنصرم ، من خلال عمله المثير للجدل "الكتاب والقرآن". وللحق فان تحليله الفريد للنص القرآني قد صدمني وسفه كثيرا من قناعاتي المستقرة. لكنه علمني ان فهم النص مشروط بالعبور منه الى ما وراءه. هذا "الوراء" قد يكون تخيلا للاحتمالات الممكنة في النص ، أو ربما قائمة معايير أولية بسيطة ترجع اليها كافة الاخلاقيات والمثل ، أو إطارا عاما يجمع ما تظنه الخيوط التي تربط بين حياة البشر المادية وحياة الانسان المعنوية.
وجدت ثلاثة مفاهيم تشكل ما أظنه اطارا عاما يجمع كل آراء محمد شحرور ، هي الدنيوية ، المعنوية ، والعقلانية. من حيث المبدأ تصور شحرور الاسلام وكتابه المقدس كمنهج لتنظيم حياة البشر في الدنيا. ما يتعلق بالغيب والآخرة مجرد تكملة للقواعد التي تنظم الحياة الدنيوية. ثم انه تصور الحياة الدنيا العاقلة كنموذج أولي لتطبيقات القيم الدينية. والحق ان القرآن لا يدعونا لغير القيم العليا وقواعد العيش الكريم ، التي توصل اليه عقلاء البشر في كل زمان ومكان. ربما تختلف تطبيقات تلك القيم ومقاصدها الفورية بين ظرف وآخر او بين مكان وآخر ، بحسب موقعها في التشكيل العام للظرف الاجتماعي – الاقتصادي الراهن. لكنها في نهاية المطاف ليست أدوات تبرير لذلك الظرف ولا السلوكيات او المفاهيم المتولدة عنه. بل هي على العكس من ذلك ، نماذج مرجعية لنقد السلوكيات والافعال والمفاهيم السائدة ، وتأكيد على تجاوز التطبيقات الظرفية الى النموذج الاعلى.
المعنوية هي النقطة التي تلتقي عندها كافة الأديان والدعوات الروحية. لطالما استمعنا الى من يقول ان الاسلام متمايز على سائر الأديان ، بما يحويه من توازن بين جانبيه المادي والروحي. لكن ماذا تغني روحانيات الدين ان لم تملأ القلوب بالمحبة لسائر خلق الله. ان ما جرى من افراط في استعمال الشعار الديني في الصراعات الاجتماعية والسياسية ، قد حجم روحانيات الدين ، وحولها من عالم مستقل موازن للميول المادية ، الى أداة للأغراض المادية ، من خيوط وصل تربط بني آدم الى تبريرات للعدوان عليهم.
في هذه الأيام أرى نوعا من إعادة الاعتبار لمعنويات الدين. اي تلك المفاهيم القائلة بان عباد الله جميعا يمكن ان يلتقوا على شاطيء واحد ، هو عمل الخير ، حتى لو سلكوا سبلا شتى او اختاروا مذاهب وأديانا مختلفة. ويلفت انتباهي خاصة الاراء الجديدة التي يطلقها دعاة ومفكرون ، وفحواها ان قصد الخير بشكل عام ، كاف لنيل رضا الله.
جوهر معنوية الدين هي الايمان بأن رسالة الله واحدة ، تختلف اشكالها واطارات عملها بحسب اختلاف ازمنة الناس ، وان رحمة الله تتسع لجميع خلقه ، المذنبين والمحسنين. ونقطة الالتقاء بين العقلانية والمعنوية هي الايمان بدور الضمير الانساني كنقطة اتصال بين الانسان وربه ، ودور العقل كمولد لمعاني الافعال. مهما كان اتجاه الانسان وقناعاته ، فان عقله قادر على كشف محتوى الفعل ، اي التمييز بين الصلاح والفساد فيه ، حتى لو كان جاهلا بتعاليم الدين.
قد تكون ممن يتوسع في اقامة شعائر الدين او ممن يقتصد فيها. ما هو مهم في كل الاحوال هو قصد الخير لنفسك ولعامة الخلق ممن تعرفهم او لا تعرفهم. هذا هو  الايمان بالله.
الشرق الاوسط 21 يونيو 2017

مقالات ذات علاقة

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...