مرت علينا هذا الأسبوع الذكرى الاولى لرحيل العلامة محمد شحرور ، المفكر المفسر الذي اطلق موجات ضخمة من النقاش حول مفاهيم استقرت قرونا متمادية.
غرضي ليس تبجيل المرحوم شحرور ، مع انه جدير به. قد يؤدي تمجيد
الاشخاص الى تصنيمهم ، بحيث يمسي عسيرا تجاوز آرائهم. ان قيمة المفكر رهن بما يفتح من آفاق جديدة ، تمكن المتلقي من تجاوز
موقعه في تاريخ المعرفة.
كما لا أنوي تكرار الاراء القيمة للمرحوم ، فهي منشورة ومشهورة.
مايهمني حقا هو تفصيح الفكرة التي ربما لم يصرح بها ، لكنها تلوح للمتأمل بين
السطور او في النهايات غير الواضحة.
لقد اشرت في مقالات
سابقة الى ما ظننته عناصر رئيسية في تفكير المرحوم شحرور ، وبينها باختصار
شديد: أ) ان الحياة تجربة ، و ب) ان الدين
يعالج جانبا من قضايا الحياة ، كما ان العلم يعالج جانبا اخر ، والفن يعالج جانبا
ثالثا ، وكذا الاخلاق والاسطورة. و ت) ان الانسان – كل انسان – شريك فاعل/متفاعل
في تلك التجربة ، في تطوير مساراتها ونتائجها.
ربما أعود الى هذه المسائل في مقالات لاحقة ان شاء الله. لكني
اريد تخصيص ما تبقى من مساحة ، لتوضيح سؤال تكرر كثيرا في الاشهر التالية لوفاة شحرور ، سؤال: كيف
توصل شحرور الى هذه الآراء ، مع ان المئات من مفسري القرآن وعلماء اللغة وغيرهم لم
يقل بها قبله. وهذا يستبطن سؤالا خلفيا فحواه: كيف اترك الآراء المتفق عليها ، الى
رأي لم يقل به غير شخص واحد؟.
في الجواب على السؤال الخلفي ، ادعو للتمييز بين العقل النظري والعقل
العملي. لا ينبغي للإنسان ان يتخلى عما هو مطمئن اليه ، لمجرد انه شك فيه او بدت
له رؤية مختلفة. عليه ان يواصل البحث في المستوى النظري ، حتى يوصله الى نتيجة
قطعية. عندها سيتوقف كي يقرر: هل يتبع قناعته الجديدة ام يبقى على ما استقر عليه
رأي الناس من حوله. هكذا يتعامل الناس مع
أسئلة الدنيا. وفي رايي ان أسئلة الدين لا تختلف عنها.
بالنسبة للسؤال الأصلي ، فالمعلوم ان الزمن شريك رئيس
في تكوين السؤال. فالذين بحثوا عن أجوبة في كلام السابقين وجدوا أجوبة تناسب
تلك الازمان. وقد لا تكون صائبة في هذا الزمان. من ذلك مثلا: لو كنت في العام 50
للهجرة ، وسألت فقيها او صحابيا: هل بيع وشراء البشر واستعبادهم امر معقول
ومناسب؟. سيكون الجواب يومذاك: نعم. لأنه أمر رائج ولم يمنعه الشرع. حسنا.. ماذا
لو وجهت نفس السؤال في هذا اليوم لواحد من عامة المسلمين او نخبتهم ، فكيف
سيجيبونك؟. هل يخبرونك ان استعباد البشر امر معقول ومناسب؟.
نعلم ان الموضوع لم يتغير ، والاحاديث الحاوية لاحكامه باقية
كما هي. الذي تغير هو الاطار التاريخي للسؤال. ولذا بات يشير الى حقيقة غير التي
أشار اليها سؤال الامس ، مع ان كليهما صيغ بنفس الالفاظ ووجه الى اشخاص متماثلين في
العقيدة.
آمن شحرور ان أسئلة اليوم غير أسئلة الامس ، وكذلك اجوبته. فبحث
عن أجوبة القرآن عن أسئلة اليوم ، بعدما غض الطرف عن أجوبة السابقين ، كما غض
الطرف عما نقله المعاصرون من أجوبة السابقين. من
هنا جاءت آراؤه وتفسيراته غريبة نوعا ما ، لأنها غير مألوفة بالنسبة لأمثالنا
الذين اعتادوا على إسلام الكتب والمدارس. هذا كل ما في الأمر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 9 جمادى الأولى 1442 هـ - 23 ديسمبر
2020 مـ رقم العدد
[15366]
https://aawsat.com/node/ 2698201/
مقالات ذات صلة
انقاذ النزعة الانسانية في الدين
تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة
ما الذي يجعل محمد شحرور مختلفا وبغيضا أيضا
ما ينبغي للتيار الديني ان يخشاه
المعنوية ، حيث تلتقي
جميع الرسالات