‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحل الامني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحل الامني. إظهار كافة الرسائل

26/10/2009

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

في احد مقالاته الساخنة جادل المفكر الكويتي د. محمد الرميحي بان انتشار التعليم ووسائل الاتصال قد لا يؤدي بالضرورة الى محو التعصبات القبلية والطائفية والعرقية في العالم العربي ، بل ربما يزيدها تعقيدا. كلام الرميحي يتعارض مع مسلمة معروفة في نظرية التنمية الكلاسيكية ، لكنه يستند الى حصيلة تجربة فعلية يعيشها العالم منذ اوائل العقد الماضي وحتى اليوم.


من قرأ كتاب "موت المجتمع التقليدي" للمفكر الامريكي دانييل ليرنر فسوف يتذكر بالتاكيد المثل العربي القديم "المرء عدو ما جهل" ، فهو يعود دائما الى التباعد الثقافي كسبب للتطرف والانقطاع الاجتماعي وعسر العلاقة بين الاطياف الاجتماعية ، او ما يسميه اجمالا بالعجز عن التكيف. ويعتقد بناء عليه ان توسع الحواضر وانتقال انماط المعيشة المدينية الى الارياف سوف يوفر فرصا جديدة للتواصل والتفاهم بين المختلفين ، وصولا الى تراجع تاثير الهويات الصغرى لصالح الهوية الوطنية الجامعة.

في دراسة سابقة حول مشكلات التحديث في الشرق الاوسط ، جادلت بان نظرية التنمية تلك تقوم على فرضية ميكانيكية نوعا ما ، فهي تتعامل مع الانقسامات الاجتماعية كحالات مستقرة او ساكنة ، وتعالج عملية التغيير كما لو كانت تبديلا موضعيا لعناصر مادية. لكن التجربة تدل على ان الانتقال من حال الانقسام الى الاندماج لا يشبه ابدا تبديل قطع الغيار في سيارة عاطلة. بل هو اشبه بالعلاج النفسي الذي ينبغي ان يأخذ بعين الاعتبار مختلف الظروف المحيطة بالمريض ، من نظامه الغذائي الى ثقافته الى مستواه المعيشي فضلا عن علاقته مع المحيطين به في البيت والعمل.

يعيب هذه النظرية ايضا افتراضها حياد المؤسسة السياسية والقوى الاجتماعية المؤثرة. حيث تكشف تجربة دول الشرق الاوسط ان السياسات الرسمية لعبت في معظم الاحيان دورا معيقا للاندماج الوطني ، لان رجالها كانوا في الغالب منحازين ضد الاقليات والشرائح الاجتماعية المهمشة. في جنوب تركيا على سبيل المثال استمر الصراع بين الاقلية الكردية والحكومة نحو ثلاثين عاما.

 وقد فشلت جميع محاولات الحل بسبب ارتياب وزارة الداخلية في ولاء المجتمع الكردي. ونتيجة لذلك بقيت المناطق الكردية مهمشة تنمويا كما حرم الاكراد من الوصول الى وظائف رفيعة او الحصول على فرص متساوية في المجال الاقتصادي، بل كانوا يواجهون مشكلات حتى في علاج مرضاهم ودفن موتاهم وفي شراء مساكن واملاك خارج مناطقهم.

استمر الوضع المتازم في الجنوب التركي حتى اوائل العقد الجاري حين قررت حكومة حزب العدالة والتنمية سحب القضية من وزارة الداخلية وقيادة الجيش وايكالها الى مكتب رئيس الوزراء. كانت اول خطوة فعلية هي الاستجابة لمطلب قديم للاكراد بالسماح لهم بتدريس ثقافتهم الخاصة في مدارسهم وانشاء اذاعة ناطقة بلغتهم واصدار قانون يجرم التمييز ضدهم في الوظائف ويلغي المراقبة الامنية على نشاطهم التجاري.

 منذ الاسابيع الاولى لاعلان هذه الاصلاحات ظهر اثرها الايجابي فقد تراجع العنف السياسي بشكل ملموس، وتحول الجنوب التركي المتازم الى منطقة جاذبة للاستثمار والتجارة ، كما ان سمعة تركيا في  العالم قد تحسنت. الارتياح العام الذي ساد تركيا بعد حل الازمة الكردية في الجنوب ادى ايضا الى تعزيز شعبية الحزب الحاكم ونجاحه دورة ثالثة في الانتخابات العامة ، وهو انجاز لم يسبق ان حققه اي حزب سياسي في تركيا.

كشفت التجربة التركية عن الدور المحوري للمؤسسة السياسية في ادارة مشكلات الانقسام. لقد فشلت جميع الحكومات السابقة لانها عالجت الازمة الكردية من زاوية امنية ، ولانها اوكلت الامر الى اشخاص غير محايدين. لكن الحكومة الحالية حققت نجاحا باهرا حين استبعدت المنظورالامني الذي طابعه الارتياب ، وانطلقت من ايمان بالمساواة بين الاكراد وبقية المواطنين .

من المؤكد ان تركيا واكرادها بحاجة الى سنوات اخرى لتصفية بقايا المشكلات السابقة ، لكن ما تحقق فعلا هو نجاح كبير. التجربة التركية مثال واضح على الحاجة لاستبعاد المنطق الامني من العلاقة بين الدولة والاقليات التي تعاني من التهميش او التمييز. لم ينجح المنطق الامني في أي مكان في العالم ، بل ان الاصرار عليه كلف الحكومات اثمانا باهضة ، ولم يات بالاستقرار ولم يعزز الوحدة . في المقابل فان العلاجات التي اعتمدت الوسائل السياسية والاقرار بالحقوق الاولية للاقليات نجحت تماما او نسبيا في تخليص البلاد من معضلات مزمنة.

عكاظ 26 اكتوبر 2009

07/09/2009

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1


أتفق تماما مع الأستاذ مشاري الذايدي بأننا لم نفعل ما يكفي لتحييد التطرف الذي يوفر المدد البشري والفكري لشبكات الإرهاب. المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف أعادت التذكير بأن المملكة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا أنه قد تراجع في العامين الماضيين. المؤكد أن معظم السعوديين متفقون على إدانة التوسل بالعنف المسلح لأي غرض سياسي أو ديني أو اجتماعي.
الحوادث الأخيرة كشفت عن حقيقة مؤلمة ربما أغفلناها طوال الأشهر الماضية، وهي أن هناك من يعمل بقصد أو بجهالة على تغذية اتجاهات العنف في المجتمع، من خلال تصوير المنافسين كأعداء للدين أو تصوير الصراع الفكري والسياسي الطبيعي كمعركة حياة أو موت بين الاتجاه الديني التقليدي والاتجاهات المنافسة. ذلك الشخص الذي يقول على شاشات التلفزيون إنه لو التقى بالدكتور تركي الحمد لبصق في وجهه، وذلك الذي يتحدث عن القتل والقتال والردة كما لو كان الأمر يتعلق بعنز في سوق المواشي، وذلك الذي يدعو الشباب إلى التصدي بأيديهم لكل من خالف تقاليده أو متبنياته الدينية، وذلك الذي يبرر قتل الناس في دول أخرى لأن مذهبهم باطل أو لأن دينهم محرف.
كل هؤلاء ينفخون في شراع الإرهاب عن وعي أو عن جهالة. فهم يصورون العنف كتعبير وحيد عن صفاء العقيدة، وهم يهونون من قيمة الدم الحرام حتى تتحول إراقة الدم إلى حلم يلح على ذهن الشاب البسيط الذي يريد إن يكتشف ذاته إو يجسد رجولته إو يفي بدينه تجاه ربه إو تجاه شيخه. 
نحن لا نتحدث عن حالات فردية. لقد تحول التطرف الديني إلى غول يأخذ بخناق البلاد، وتراه أمامك في كل يوم، في المساجد والمدارس والتلفزيون والصحف والإنترنت. هذا الغول أدرك اللعبة السياسية وأجادها، في مثل هذه الأيام تراه ساكتا خامدا، حتى إذا تراخى اهتمام الناس بحوادث العنف السياسي، نهض من بياته محاربا هذا وشاتما ذاك. يعمل هذا الغول السياسي على استغلال كل قضية لتجنيد الناس ونفخ ثقافة العدوان فيهم وتعزيز الكراهية بينهم وبث اليأس والارتياب في نفوسهم. وهو يضع كل عمل من هذه الأعمال في قالب ديني، فكأنه صاحب الشريعة أو ممثلها الوحيد، وكأنه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يحرص الشباب جميعا على دينهم وسلامة مجتمعهم. هذه المشاعر النبيلة تمثل مدخلا لتعزيز شعورهم بالمسؤولية وحماستهم لتنمية ذواتهم والمساهمة في إنماء مجتمعهم. لكن دعاة التطرف يستثمرونها في زرع الإحباط والشعور بالمهانة عند الشباب. وهم يوجهون هذه المشاعر السلبية نحو منافسيهم السياسيين أو الاجتماعيين، أي جميع شرائح المجتمع عدا الفئة التي تدور حولهم وتردد أقوالهم. ينظر أولئك المتطرفون إلى كل إنسان باعتباره عدوا فعليا أو عدوا محتملا. أما لأنه يتبع منهجا دينيا منفتحا، أو لأنه يركز على قضايا الإصلاح الاجتماعي والثقافي، أو لأنه يتطلع إلى أسلوب حياة مختلف، أو لأنه يعبر عن آراء غير تلك التي تحمل ختم «الفرقة الناجية»، أو لعشرات الأسباب غير هذه وتلك. في كل الأحوال فإن يوميات دعاة التطرف هؤلاء مكرسة للبحث عن أعداء أو اصطناع أعداء أو وصف أعداء . كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم مكرسة في معظمها للحديث عن «الآخرين» أي الأعداء الفعليين أو الأعداء المحتملين.
الشاب الذي ساقته أقداره إلى حلقات هؤلاء المتطرفين سوف ينزلق بالتدريج إلى حمأة العداوة، سوف ينشغل ذهنه بالتخلص من الأعداء الواقعيين والمتخيلين بدل انشغاله بتطوير كفاءاته وبناء حياته. نموذج الحياة الفاضلة الذي يرنو إليه سوف يتجسد في الانتصار على أولئك الأعداء المفترضين، بدل الانعتاق من الجهل والخرافة والفقر.
التطرف والتطرف الاجتماعي والثقافي هو الذي يبرر العنف ويجعله اعتياديا، مقبولا، بل ومحبذا. ولهذا فإن تجفيف منابع الإرهاب ، يتطلب إيضا كسر شوكة التطرف وإعادة المتطرفين إلى مكانهم الطبيعي، بعدما تحولوا إلى غول يسعى للهيمنة على حياة البلاد الثقافية والفكرية والاجتماعية.

صحيفة عكاظ   7 سبتمبر 2009م - 
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090907/Con20090907303172.htm

مقالات ذات علاقة

جرائم امن الدولة : وجهة نظر اخرى

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

31/12/2008

حيثما كنت ، غول العنف في انتظارك


غول الارهاب يتربص بالجميع . كل فرد هو هدف لهذا الغول السياسي الذي يتمظهر حينا على شكل عصابات مسلحة ، ويتمظهر حينا اخر على شكل مجموعات تدعو للتطرف الديني وتعمل على تفكيك المجتع الى فسطاطين : فسطاط اهل الحق ، وفسطاط اهل الضلال . سواء كنت سعوديا او كنت عراقيا ، سواء كنت مسلما او مسيحيا ، سواء كنت عسكريا يشارك في حماية امن الناس او عاملا يكدح من اجل قوت عياله ، وسواء اكنت ممن يقاوم العنف او كنت عابر سبيل .
 ايا كنت ، في اي  مكان كنت ، اي مذهب اتبعت ، واي طريقة من الحياة اخترت ، فانت مستهدف بالعنف الاعمى الذي يحصد الارواح ويدمر الممتلكات . الاسبوع الاول من رمضان حصد ارهاب القاعدة تسعين عاملا القت بهم اقدارهم الى شارع ما في بغداد. منتصف رمضان سيارة مفخخة دمرت نصف البيوت في قرية فلاحية صغيرة في شمال العراق . لم يكن هناك عسكر ولا امريكان ولا رجال دولة ، كان هناك فقط فلاحون وفلاحات فقراء يستقبلون نهارهم بالعمل او البحث عن عمل.

في زمان الجاهلية كانت العرب تمتنع عن الحرب في الاشهر الحرم ، وفي كل ازمان المسلمين كان المتحاربون يتقون القتل في المساجد . وفي كل انحاء العالم ثمة اتفاق ضمني على عدم استهداف القادة والشخصيات العامة التي لها قيمة رمزية او وطنية . عرب الجاهلية ويهود ونصارى هذا العصر التزموا – بدافع اخلاقي بحت – باحترام كرامة عدوهم لانه ، مهما كان سبب عداوته ، انسان مثلهم. وقد نهى الشرع الاسلامي قبل قرون من معاهدة جنيف التي تحمي حقوق المتقاتلين عن التمثيل بالقتيل وتدمير مصادر الحياة ووسائلها ، والعف عن الضعيف والعاجز . تلك هي تجربة الانسان وتراث الانسانية الذي ميزها عن الحيوان حتى في العدوان والحرب .

اما وقد وصلنا الى "زمن القاعدة" فان تراث الاديان وتراث الانسانية لا يعني شيئا ، فحربهم قائمة في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل انسان . القتل عندهم مثل الصلاة ومثل شرب الشاي . الكلام في القتل مثل السؤال عن الصحة والاحوال. 

المسدس مثل سكين الفاكهة والقنبلة مثل التفاحة والبشر الذين يموتون في الانفجارات مثل اضاحي العيد ، تذبح ثم تروى القصص ويتبارى المتحدثون في استذكر الطرائف التي حدثت اثناءها . لا شيء في القتل يبعث على الرهبة ولا مشهد الدم الحرام يثير الاسئلة ولا صرخات الجرحى والمكلومين تحث على التعوذ والاسترجاع . كل شيء مباح ما دام طريقه متاحا.
لم تعد القاعدة واخواتها وتيارها مجرد تنظيم سياسي يسعى لاغراض محددة معلومة . منشوراتهم لا تذكر اهدافا وانصارهم لا يعرضون غايات محددة كي يناقشهم الاخرون في سلامة الوسائل التي يتوسلون بها . فكأن القتل اصبح غاية بذاته ، وكان ارهاب الناس وتخويفهم اصبح مقصدا بذاته .

ما الذي اوصل جماعة انطلقت من دوافع دينية الى هذا التفريط المريع في قيم الانسانية وحدود الدين ؟. اهو الدين نفسه ، ام تراكم القهر ، ام الشحن الايديولوجي المبالغ فيه ، ام الاحباط المطلق والياس من كل وسيلة انسانية ؟

ربما يحتاج الامر الى دراسات معمقة ونقاشات طويلة حتى نتبين السبب الذي اوصلنا الى هذا الحال . لكن دعونا نتامل في اقوال المتراجعين من انصار القاعدة والسائرين على خطها الذين اصدروا ما وصف بمراجعات ، وقد راينا امثلة عن هؤلاء بين من عادوا من افغانستان وبين الجهاديين المصريين والجزائريين والليبيين . هؤلاء جميعا يتحدثون عن الطريق الذي قادهم الى طريق العنف . ذلك الطريق هو التطرف الديني او الغلو في الدين او ما شئت فسمه . اي بعبارة اخرى الشحن الايديولوجي الذي يساوي بين الصفاء الديني وبين الخروج على المجتمع واستهدافه بالحرب.

تبدا المسالة بنقاط بسيطة حيث يقوم دعاة مؤدلجون بتصوير الصراع بين التيار الديني وتيارات المجتمع الاخرى على انها حرب وجود بين الاسلام والكفر : اذا اردت للاسلام ان يبقى فيجب ان تستأصل جميع معارضي التيار الديني . وهم لا يقصدون بالتيار الديني الملتزمين بالشعائر الدينية ولا يقصدون الدعاة ولا يقصدون النشطين في الحقل العام العاملين لرفعة مجتمع المسلمين ، بل يقصدون على وجه التحديد اعضاء الجماعة الخاصة التي تتبع منهجا معينا منفردا في لغته واستهدافاته وهمومه. يجري اقناع الافراد بان جميع الناس – خارج الجماعة - منحرفون او مبتدعون او جاهلون او  ضالون ، وان الدولة واجهزتها ومؤسساتها والعاملين فيها اعوان للضلال او متسامحون فيه او ساكتون عنه . يؤدي اقتناع الفرد بهذه الرؤية الى جعله يائسا من كل وسيلة للاصلاح تتوسل بالقانون او اعراف المجتمع او العلاقات الانسانية .

 وياتي بعد ذلك التصوير الايديولوجي للدعوة الدينية التي قامت – حسب تلك الرؤية - وانتشرت وغلبت بقوة السلاح لا بقوة الحجة والمنطق. ويقال  للفرد حينئذ : اذا اردت طريق الجاهلية فالقانون والمجتمع يقودك اليها ، واذا اردت طريق الرسول فالبندقية اول الطريق.

اذا كان التطرف هو احد مداخل العنف ، فدعونا نفكر في صور التطرف المنتشرة في مجتمعنا ، دعونا نفكر في انعكاساتها على هذه المسألة بالذات. لقد سكتنا طويلا عن مشكلة العنف وقد حان الوقت الان كي نتكلم او على الاقل كي نفكر بصوت عال . سنوات طويلة ونحن نحاول الفرز بين التطرف الديني والارهاب الاعمى المغطى بدوافع دينية . من الواضح الان ان المتطرفين ومن يحمونهم ويمولونهم ويشجعونهم يمثلون الخط الثاني والثالث في حملة الارهاب المتواصلة .

 وقد حان الوقت لرفع الصوت ضد هؤلاء سواء كانوا يلبسون عباءة الدين او يعملون في اجهزة الدولة او يحتمون بمتراس الاحزاب السياسية . كل المتطرفين شركاء في جريمة الارهاب الاعمى ويجب ان نقول لهم بصراحة اننا نفهم العلاقة التي تربطهم بالارهاب ، سواء كانت مباشرة او غير مباشرة ، وسواء كانت خفية ام ظاهرة.

31/01/2007

تجربة التعامل مع العنف بين العلم والسياسة


يبدو ان موجة العنف التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية قد انحسرت واصبح بالامكان دراستها وتوثيقها كتجربة تنطوي على كثير من الدروس. بعض الذين درسوا تلك الموجة اعتبروها حدثا عارضا لا علاقة له باي عامل فعلي في النظام الاجتماعي او استراتيجيات العمل السائدة. وعلى هذا الاساس فهم يصنفون اعمال العنف تلك كحوادث فردية، فهناك دائما احتمال ان يقدم فرد ما على عمل غير متوقع لاسباب او دوافع تخصه وحده ولا يمكن التنبؤ بها.
ثمة رأي اخر يميل الى اعتبارها انعكاسا كاملا لتطورات خارجية، فهي لا تستمد وجودها من أي عامل محلي، ولا يمكن ان تستمر في الحياة من دون ذلك العامل الخارجي. الذين يقولون بهذا الراي يخلصون الى ان الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة تكمن في الردع الفوري على المستوى الداخلي والعمل الدبلوماسي لتحييد العوامل الخارجية. الرأي الثالث الذي تبناه كثير من الكتاب في البلاد ينسب تلك الموجة الى تركيب من العوامل المحلية والخارجية، كما يميز بين البيئة المنتجة للعنف وبين عوامل فردية تجعل شخصا بعينه مرشحا للمشاركة فيه دون بقية الناس.

على أي حال فهذه الاراء وكثير من الاراء الاخرى التي طرحت خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك السياسات والاجراءات الحكومية، والمبادرات الاهلية، تشكل في مجموعها ارضية مناسبة لتحويل مسألة العنف الى موضوع للبحث العلمي بغرض اكتشاف جميع العوامل التي انتجته او يمكن ان تنتجه في المستقبل، العوامل المتوفرة فعلا او المحتملة. وكذلك اكتشاف البيئة او البيئات الاجتماعية الاكثر اهلية لتوفير القوة البشرية لجماعات العنف. واخيرا دراسة الوسائل الكفيلة بالتصدي له كحدث طارئ ثم معالجته كمظهر لعلة او مرض ذي جذور، وهذا يتضمن دراسة السياسات الرسمية المكرسة للتعامل مع هذا النوع من الاحداث وتوجيه المجتمع ومؤسساته، ومساعدتها في ابداع وسائل العمل الاهلية الضرورية لاستيعاب وتحييد هذه المشكلة فور وقوعها

ثمة سببان وراء هذه الدعوة، سبب علمي وسبب سياسي. بالنسبة لبلد نام مثل المملكة فان تطوير الانتاج العلمي يتخذ في المقام الاول صيغة «اعادة انتاج العلم ضمن شروط البيئة المحلية» ويتحقق هذا من خلال التطبيق النقدي للمقولات النظرية العامة او المستخلصة من تجارب سابقة محلية او اجنبية على الحدث او الظاهرة بغرض اكتشاف صحة او خطأ تلك المقولات، ومدى ملاءمتها لهذه المشكلة او هذه البيئة بالذات، الامر الذي سيقود بالضرورة الى تعديلها او استبدالها بغيرها او ابتكار مفاهيم وقواعد نظرية جديدة كليا.

 في هذا الاطار فان عددا كبيرا من الباحثين سيعالجون مختلف الجوانب التي تشترك في تشكيل الحالة او الظاهرة، كل من زاوية اختصاصه او بناء على المدرسة النظرية التي يميل اليها. وبالنظر الى خلفيتهم الثقافية والاطار الاجتماعي الذي تدرس فيه المسألة فان الناتج العلمي سيكون محليا لكنه متواصل مع النتاج العلمي المتوفر في العالم. مثل هذه التجربة ستكون من غير شك اضافة بارزة الى البحث العلمي المحلي وقد تشكل منطلقا للعديد من البحوث في مجالات مقاربة

اما السبب السياسي، فهو يشير الى حاجتنا لوضع سيناريوهات عمل مسبقة التجهيز. سيناريو العمل هو عبارة عن اجراءات محددة تستند الى دراسات موضعية تربط بين النظرية المجردة وظروف العمل المتوفرة في الواقع، أي الامكانات المادية وغير المادية والحدود القصوى لما يمكن فعله ضمن اطار اجتماعي او سياسي محدد. ما يفرق بين سيناريوهات العمل وبين البحوث العلمية البحتة هو اهتمام الاولى بالتطبيق الفعلي، مقابل تركيز الثانية على فهم الحالة او الظاهرة بغض النظر عن الامكانيات المتاحة لعلاجها.

نحن بحاجة الى وضع سيناريوهات مختلفة للتعامل مع الظروف الطارئة لاسباب كثيرة، من ابرزها حاجتنا الى احتساب الكلفة التفصيلية للتعامل مع تلك الحالات. من المفهوم ان التخطيط العام يستهدف دائما تحديد المشروعات المراد القيام بها سلفا لتوفير الاموال والقوى البشرية والاطار القانوني والتمهيد الاعلامي والاجتماعي وغير ذلك مما يحتاجه المشروع لضمان انجازه في الوقت المحدد. يمثل التنبؤ ووضع الاحتمالات وسيناريوهات العمل المقابلة لها مرحلة متقدمة في مجال التخطيط، اذ انه يدرس حالة غير قائمة او مقررة بالفعل، لكنه – من خلال هذه الدراسة – يحولها من مجهول الى معلوم، فيتعامل معها عند وقوعها باستعداد كامل كما لو كانت حدثا معروفا، محددا ومنتظرا.

مثل هذا المستوى من التخطيط سوف يوفر على الادارة الحكومية والمجتمع مؤونة التجريب وربما اللجوء الى حلول غير مدروسة، بما تنطوي عليه من كلف غير ضرورية.
زبدة القول ان تجربة المجتمع السعودي مع العنف تمثل موضوعا جديرا بدراسات اوسع مما جرى حتى الان، واملي ان يتحول الى منطلق لتطوير اساسي في حقل البحوث الاجتماعية، وهو حقل لا يزال فقيرا في بلادنا.

عكاظ 31  يناير 2007  العدد : 2054

16/11/2005

خديعة الثقافة وحفلات الموت


سوف نخدع انفسنا اذا ظننا ان تشجيع العنف ياتي بالسلام. الشارع الاردني كان مصدوما هذا الاسبوع بالمجزرة التي حدثت في فنادق عمان. في الشتاء الماضي وجدت صحافة عمان مستمتعة باخبار القتل الجماعي في العراق. كأن السادة نسوا الحكمة العربية القديمة: من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته.
لعل مسؤولية الذي حمل القنبلة لا تزيد كثيرا عن مسؤولية السياسي والكاتب والمتفرج ما يجمع هؤلاء هو الثقافة العمياء التي نتكر الحياة بينما تفرح للقتل وتمجد القاتل
تأملت صورة الطفلة تولين التي اصبحت يتيمة في شهرها الثالث. لحسن الحظ فقد حصلت على رضعة مختصرة وودعت امها الوداع الاخير. من قتل ام تولين؟: الابوات الثلاثة الذين ارسلهم ابو مصعب الزرقاوي، ام الزرقاوي نفسه، ام اسامة بن لادن الذين عينه اميرا للقتلة، ام الكتاب والخطباء الذين برروا حفلات القتل اليومي، ام السياسيون الذين استثمروا قنابل القتلة ودماء القتلى، ام عامة العرب الذين استمتعوا باخبار القتل مثلما يستمتع المضاربون بمؤشر البورصة. كلهم مسؤولون بقدر او بآخر، ولعل مسؤولية الذي حمل القنبلة لا تزيد كثيرا عن مسؤولية السياسي والكاتب والمتفرج ما يجمع هؤلاء هو الثقافة العمياء التي نتكر الحياة بينما تفرح للقتل وتمجد القاتل.
يجب ان لا نخدع انفسنا فنبرئها من هذا العيب تنظيم القاعدة لم يخترع ثقافة الموت. ففي اوائل التسعينات، قبل ولادة القاعدة قتل المتطرفون ما يزيد عن مئة الف مدني في الجزائر، وفي السبعينات حصدت الحرب الاهلية اللبنانية ما يزيد عن هذا الرقم. انكار الحياة وتمجيد الموت هو ثقافة راسخة في تراثنا وتقاليدنا. وخلال القرون الماضية قتل الملايين منا وضاعت اسماء معظمهم، وسيقتل مثلهم في المستقبل، لأن ثقافة الموت هذه كانت ولا تزال حية نشطة، وهي تجد دائما من يعيد تجديدها وينفض عنها غبار السنين.
 كتب الدكتور محمد جابر الانصاري مرة ان المواطن العربي مستعد للخروج من بيته ملبيا نداء القتال لكنه غير مستعد لتنظيف الرصيف امام بيته هذا المواطن قد يكون انا او انت او اي شخص آخر. هذا المواطن قد يتحول الى صدام حسين لو وصل الى السلطة، او ابو مصعب الزرقاوي لو اصبح اميرا لكتيبة الذبح. لان الثقافة التي صنعت هذين الرجلين هي الثقافة التي نحملها جميعا.
من اين اتتنا هذه الثقافة؟.. هل هي رد فعل على سقوط حضارتنا القديمة، ام هي تجسيد لحيرتنا ازاء الحضارة المعاصرة، ام هي ثمرة التفسير الاعوج لتعاليم ديننا، ام هي نتاج انفعالنا بثقافة الصحراء التي ملكت البر والبحر من حولنا، ام هو العجز عن استنباط تجسيدات مدنية وحضارية للقوة والفخر والاعتزاز بالذات؟.
ايا كان مصدر هذه الثقافة العمياء فنحن المسؤولون اولا واخيرا عن افعالنا. مسؤولون عما يحدث اليوم وما سيحدث غدا. لقد طافت حفلات الموت في عواصم عديدة، وثمة اخرى على قائمة الانتظار. من بيروت الى الجزائر وبغداد والرياض واخيرا في عمان، ولا ندري من هي المدينة القادمة، لكن كل قادم قريب ما لم نتصد جميعا لكتيبة القتل الجوالة فقد نكون ضحاياها القادمين، وسوف تنظم اسماؤنا الى ملايين الاسماء التي ضاعت منذ ايام الحجاج بن يوسف حتى ايام ابو مصعب الزرقاوي.
نحن بحاجة الى اجماع جديد على ادانة كل شكل من اشكال العنف بدءا من عنف الدولة ولا سيما التعذيب والاهانة في دوائر الامن، مرورا بالخطب التي تمجد العنف.. وانتهاء بانظمة التربية المدرسية
سوف نسمع في هذا الاسبوع والاسابيع التالية اصواتا تندد بمجزرة عمان. وهي تنديدات غرضها في العادة رفع العتب. بل ان بعض الذين سيشجبون لن يخجلوا من القول مثلا: لا تذبحوا الناس هنا.. ركزوا جهدكم هناك.. الاردن ليست ارض جهاد، ارض الجهاد هي الحلة او كربلاء او كابل او غروزني او ربما صعدة او نيودلهي... «اللهم حوالينا ولا علينا». هؤلاء الذين يدعون بمثل هذا - صراحة او مداورة - هم جزء من كتيبة القتل وان لم يقتلوا.
نستطيع وضع نهاية لحفلات القتل الجوالة تلك اذا وضعنا نهاية للثقافة التي تبررها. نحن بحاجة الى اجماع جديد على ادانة كل شكل من اشكال العنف بدءا من عنف الدولة ولا سيما التعذيب والاهانة في دوائر الامن، مرورا بالخطب التي تمجد العنف في المساجد والحسينيات والقنوات التلفزيونية والصحف، وانتهاء بانظمة التربية المدرسية التي تخلق شخصيات عاجزة عن التكيف مع المختلفين والمخالفين، ولا ننسى مناهج التربية الحزبية التي تربط بين المجد والبندقية
يجب ايضا ان ندين وباصرح الالفاظ تلك المراحل من تاريخنا التي سادت فيها لغة السيف والدم، ندينها كي نتحرر من ثقلها المعنوي ومن هيمنة قيمها الحمقاء على رؤيتنا لانفسنا وعالمنا. نحن بحاجة الى اعادة النظر في علاقتنا مع بعضنا: هل نريد علاقة على اساس الشراكة في الارض فيكون لكل منا حق متساو مع الاخر في فعل ما يريد في حياته، في الاعتقاد بما يريد، في الطموح الى ما يريد، ام علاقة تقوم على تحكم شخص او فئة في مصير البقية، في حياتهم وموتهم.
نداء الحياة هو نداء للجميع اذا اردنا ان نعيش في سلام فيجب ان نلغي ذلك الجانب من ثقافتنا الذي يصنف الناس الى الى درجات، والذي يسمح لنا بالاستهانة بقيمة الغير لمجرد انه لا ينتمي الى قومنا او لا يصدق بمعتقدنا او لا يقبل بجميع افكارنا. لا يكفينا ان نقول - في معرض السجال كالعادة - اننا اهل تسامح وحوار، بينما نشكك في مجالسنا الخاصة في قيمة الاخرين وكونهم امثالا اكفاء لنا، لهم مثل حقوقنا وعليهم مثل ما علينا. ثقافة الموت تبدأ بتصنيف الناس الى درجات، وثقافة الحياة تبدأ بالايمان الكامل وغير المشروط بان الناس سواء. كي نستعيد السيطرة على مصيرنا، فلابد ان نسيطر على الثقافة التي تحتويها انفسنا، نحن بحاجة الى التخلص من ثقافة الموت قبل ان تجرفنا حفلات الموت في غفلة.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...