إذا
تحدثت الى رئيس هيئة حقوق الانسان الاستاذ تركي بن خالد السديري فسوف يخبرك من دون مواربة
بانه يتفهم تساؤلات الناس عن دور الهيئة وربما شكوكهم في قدرتها على تلبية
توقعاتهم الكثيرة. والمؤكد ان مثل هذا الشعور موجود لدى شقيقتها الاهلية (الجمعية الوطنية لحقوق الانسان).
والحق
ان الانسان ليشفق على المؤسستين من صعوبة المهمة التي التزمتا بحملها نيابة عن
المجتمع او نيابة عن الدولة. تكمن الصعوبة في ان مفهوم حقوق الانسان يعتبر جديدا
على الثقافة العامة في المجتمع السعودي. ولعل كثيرا من الناس لا يفهم مغزاه او
الحاجة اليه. والمؤكد ان بعض الناس سوف ينظر اليه بعين الارتياب او العداء. ربما
يتذكر بعض القراء ما كان يقال في سنوات سابقة من ان «حقوق الانسان» وجمعياتها هي
مجرد ادوات للغزو الفكري او التدخل الاجنبي. نفهم ايضا ان بعض البيروقراطيين، سيما
في المراتب الوسطى من الادارة الحكومية والقطاع الخاص، لا يستسيغ فكرة الرقابة من
خارج النظام الاداري لمؤسسته، ويزداد الامر سوءا اذا وصل الى نقد ادائه الشخصي، في
تطبيق القانون او التعامل مع الغير.
قد
تمثل هذه الصعوبات عذرا للقائمين على المؤسستين. لكن القصور مثل التقصير ليس من
النتائج التي يرغب الانسان في الاتصاف بها على اي حال. ولا اظن احدا في هذا القطاع او في اي قطاع آخر
يرغب في الوقوف امام الناس او الصحافة يوما كي يخبرهم بانه عجز عن الوفاء بوعوده،
حتى لو كان لديه مبررات واعذار. الفشل هو الفشل، مهما كان تبريره.
اذا
صح القول بان المؤسستين تواجهان مشكلة سببها غربة مفهوم «حقوق الانسان» عن الثقافة
العامة المحلية، فسوف يتوجب عليهما وضع برنامج عمل «تثقيفي» غرضه المحوري هو تمهيد
الطريق امام عملهما. يستهدف البرنامج ايصال فكرة حقوق الانسان وشرح موضوعها الى
جميع الاطراف ذات العلاقة. واقترح تحديد الاستهدافات على النحو التالي:
أ-
على المدى القصير: الهيئات الحكومية والخاصة التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، من
وزارات او مؤسسات عامة او شركات اهلية. يتركز العمل في هذا الاطار على التفاوض مع
رؤساء تلك الهيئات وقياداتها الوسطى، لشرح مفهوم حقوق الانسان وموضوعاته والخروقات
المحتملة والاجراءات التأديبية او العقابية المقررة او التي يمكن ان تتقرر في
المدى المنظور. الهدف الرئيس من هذا العمل هو تفهيم رؤساء الادارات بان سلطاتهم
مهما عظمت لا تسمح لهم بخرق حقوق الغير، سواء كان مواطنا عاديا او مراجعا ذا مصلحة
او وافدا اجنبيا، وصولا الى اقناع كل دائرة بوضع لائحة اجراءات تنفيذية محورها
احترام حقوق الانسان. ويمكن ان تنفذ خطة العمل في هذا الجانب على مدى سنتين.
ب-
على المدى المتوسط: التوجيه الاعلامي من خلال الصحافة والتلفزيون والمنتديات
الخاصة والعامة والاتصال المباشر بالجمهور بكل وسيلة ممكنة. ومحور هذا العمل هو
تبيئة مفهوم حقوق الانسان وتطبيقاته وجعلها اليفة عند الناس ومتصلة بثقافتهم،
واقناعهم بفوائدها لاشخاصهم ومجتمعهم. اما غرضه الرئيس فهو ايجاد علاقة تفاعلية
بين مؤسسات حقوق الانسان وبين الجمهور العام، وكشف المجالات والسبل التي يمكن لكل
فرد ان يسهم فيها ومن خلالها في دعم الجهد الوطني الهادف الى حماية حقوق الانسان.
ج- على المدى البعيد: ادماج مفهوم حقوق الانسان ضمن برامج
التعليم العام والنشاطات اللاصفية، ولا سيما في المراحل قبل الجامعية. ومحور هذا
العمل هو تحويل مفهوم «حق الفرد ومسؤولياته» الى جزء اعتيادي في التربية المدرسية.
وغرضه الرئيس هو انتاج قاعدة ثقافية لحقوق الانسان وتخليق مفاهيم مرادفة في الاطار
المحلي، فضلا عن تعريف الفرد بنفسه كانسان حر، مستقل، ومتساو مع الغير، وتعويده
على احترام مسؤولياته في هذا الاطار. هذا الجزء من البرنامج يحتاج الى مدى زمني لا
يقل عن عشر سنوات.
خلاصة
القول ان ترسيخ مبادئ حقوق الانسان قانونيا واداريا، يحتاج الى تبيئة وتوطين
المفهوم. من هذه الزاوية فان برنامجا تثقيفيا واسع النطاق كالذي نقترحه يمثل وسيلة
ضرورية لمعالجة ما اظنه غربة اجتماعية لهذا النشاط ومؤسساته.
عكاظ
2 مايو
2007 العدد : 2145
|
|